قال : ( ويجوز خلوّها عن الكيفيّات المذوقة (1) والمرئية (2) والمشمومة (3) كالهواء ).

أقول : ذهب المعتزلة إلى جواز خلوّ الأجسام عن الطعوم والروائح والألوان. ومنعت الأشعريّة منه.

أمّا المعتزلة فاحتجّوا بمشاهدة بعض الأجسام كذلك كالهواء ؛ فإنّه خال عن الكيفيّات ، بشهادة عدم الإحساس من غير مانع.

واحتجّت الأشعرية بقياس اللون على الكون ؛ فإنّه كما امتنع خلوّ الجسم عن الكون كذلك امتنع خلوّه عن اللون ، وبقياس ما قبل الاتّصاف على ما بعده ، فإنّه كما امتنع خلوّ الجسم عن اللون بعد الاتّصاف عادة امتنع خلوّه عنه قبله (4).

وهما ضعيفان ؛ لأنّ القياس الأوّل خال عن الجامع ، والقياس المشتمل على الجامع لا يفيد اليقين ، فكيف الخالي عنه!؟ مع قيام الفرق ؛ فإنّ الكون لا يقبل خلوّ متحيّز عنه بالضرورة ، بخلاف اللون فإنّه يمكن أن يتصوّر الجسم خاليا عنه.

وأمّا امتناع الخلوّ عنها بعد الاتّصاف فهو ممنوع. ولو سلّم لظهر الفرق أيضا ؛ لأنّ الخلوّ بعد الاتّصاف إنّما امتنع لافتقار الزوال بعد الاتّصاف إلى طريان الضدّ ، بخلاف ما قبل الاتّصاف ؛ لعدم الحاجة إليه.

جواز رؤية الاجسام :

قال : ( وتجوز رؤيتها بشرط الضوء واللون ، وهو ضروريّ ).

أقول : ذهب الحكماء إلى أنّ الأجسام مرئيّة ، لكنّه لا بالذات بل بالعرض ، فإنّها لو كانت مرئيّة بالذات لرئي الهواء ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

وإنّما يمكن رؤيتها بتوسّط الضوء واللون ، بمعنى أنّ المرئيّ أوّلا وبالذات هو الألوان والأضواء القائمة بسطوح الأجسام، ثمّ العقل بمعونة هذا الإحساس يحكم بأنّ ما بين تلك السطوح جواهر ممتدّة في الجهات ـ أعني الأجسام ـ فهي مرئيّة ثانيا وبالعرض.

وذهب المتكلّمون إلى أنّها مرئيّة بذواتها بشرط تكيّفها بالأضواء والألوان ، واختاره المصنّف فأفاد أنّ هذا حكم ضروريّ يشهد به الحسّ (5).

__________________

(1) أي الطعوم. ( منه ; ).

(2) أي الألوان. ( منه ; ).

(3) أي الروائح. ( منه ; ).

(4) لمزيد الاطّلاع حول هذا المبحث راجع « المحصّل » : 275 ؛ « نقد المحصّل » : 169؛ « شرح تجريد العقائد » : 182 ـ 183.

(5) راجع « المحصّل » : 307 ـ 308 ؛ « نقد المحصّل » : 213 ـ 214 ؛ « نهاية المرام» 2 : 593 ـ 596 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 183.