أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-5-2021
1750
التاريخ: 18/11/2022
888
التاريخ: 19/11/2022
901
التاريخ: 20/11/2022
973
|
الجغرافية العسكرية الإسلامية
يطرح الكاتب العسكري محمد جمال الدين محفوظ في كتاب له السؤال المنطقي التالي : هل يقبل العقل أن تكون الشجاعة، وقوة العقيدة وحدهما وراء النجاح في العمليات الحربية للمسلمين دون أن يكون معهما شيء من الكفاية الحربية في القيادة و أساليب القتال ؟ ويتبعه بسؤال آخر هو : هل يقبل العقل أن يكون من العرب رواد في كل نواحي العلوم الطبيعية والاجتماعية ولا يكون منهم رواد في فن الحرب ؟ ويأتي الرد من أي مجيب سواء من أهل العلم المختص، أو من العامة بالنفي. ويسعى كاتب هذه المقالة إلى إلقاء الضوء على بعض من نتاج المدرسة العسكرية الإسلامية في مجال الجغرافية العسكرية.
الجغرافية العسكرية كعلم تطبيقي في تعريفها الدارج " حقل متخصص من الجغرافيا بالتعامل مع الظاهرات الطبيعية و الظاهرات التي صنعها الإنسان والتي قد تؤثر في مسار العمليات العسكرية، أو التخطيط لها ". وعلى ذلك سيعمل القادة على دراسة أحوال وخصائص البلاد والمناطق بوساطة العيون وما شابهها، من جمع للمعلومات، قبل إرسال الجيوش عن مواطن القوة و الضعف فيها، سعيا" لحصول النصر، و تجنبا لوقوع الهزيمة. وكان ذلك بعض مما أوصى به خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم قادتهم، فقد كتب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد أبن أبى وقاص رضي الله عنه، كتب إليه و من معه من الأجناد ".. وإذا وطئت أرض العدو.. وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها بها، فتصنع بعدوك كصنعه بك..". أن دراسة أرض العدو، كما رأى عمر رضي الله عنه أمر واجب، إذ أن في التعّرف على مسالكها و دروبها، و موارد مائها، و نباتها، ومعالم سطحها، إدراك لمواطن القوة و الضعف فيها، وهذا أمر سيحسن الأعداء استخدامه، فهم أدرى من غيرهم بطبيعة بلادهم، وأن عرف سعد و جنده أرض العدو فأنهم سيدركون ما يدركه عدوهم عنها، ويكون بإمكانهم أعداد الخطط الملائمة عن أرض أصبحوا يعرفونها كما عرفها أصحابها. وبذلك لن تكون الأرض ألا لصالح من يحسن استخدامها، وتسخير مواردها، ويستفيد من إمكانياتها.
قد يسأل سائل ما هي العوامل الجغرافية التي ساعدت العرب في فتوحاتهم ؟ بالنسبة لفتح العراق يجيب محمد أحمد حسونة، و يورد من العوامل أن العرب لم يخرجوا في فتحه عن بيئتهم الطبيعية المعروفة، حيث وجدوا أنفسهم في بلاد صحراوية الأرض و الأحوال الجوية، لا تختلف عن موطنهم بل هي بلاد متممة لها، كما تعتبر الصحراء ملاذهم، يعتصمون بها، ويستندون إليها، ويتخذونها حاجزا بينهم و بين أعدائهم، ولا تنسى روابط العرق، واللغة و العادات، والتقاليد بينهم وبين سكان العراق. وصفوة القول إن العراق بأرضه و سكانه ليس غريبا على العرب الفاتحين، أما بما يتعلق ببلاد الشام فالأمر يشبه العراق، فقد وجد العرب أنفسهم – أول الأمر – في مثل الظروف الجغرافية التي ألفوها من حيث التضاريس و بخاصة في القسم الشرقي من بلاد الشام إذ أنه بادية تشكل امتدادا لصحرائهم، والقسم الأوسط جبلي يعتبر امتدادا للحجاز، ولرحلة الصيف التي جاءت بالعرب إلى دروب وأسوق الشام دورها، فعرفها التجار و الأدلاء على حد سواء، إضافة إلى أن العرب المسلمين وجدوا بالشام أناسا سبقوهم وتغلغلوا في المنطقة قبل الإسلام بأكثر من ألف عام، وأستقر بعضهم على تخومها الشمالية. ويضاف إلى ما سبق حرية العرب في ضرب الروم أو الفرس، وفي نقل جنودهم بين العراق والشام.
إن في دراسة معركة حطين دروس وعبر، وفيها العديد من الأمثلة على استخدام المسلمين للعوامل الجغرافية في العمليات العسكرية والتخطيط لها، إضافة إلى دور العقيدة والأيمان في تحقيق النصر المؤزر على العدو الباغي.
تشير الكتب والمراجع التاريخية إلى عقد هدنة بين المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، والصليبيين مدتها أربع سنوات بدأت بعام 581 هجرية / 1185 م، لكنها نقضت بعد ذلك بعامين باعتداء الأمير الصليبي أرناط على قافلة للمسلمين أثناء سيرها من القاهرة إلى دمشق مما عجّل بمعركة عسكرية منتظرة بين المسلمين و الصليبيين. عبأ صلاح الدين القوات، وخرج من دمشق، وقام بأنشطة عسكرية ناجحة، فكان رد الصليبيين توحيد صفوفهم، وحشد قواتهم في صفورية. وهنا ظهرت براعة صلاح الدين، إذ قرر عدم مواجهتهم، وفضل استدراجهم إليه فيصلونه وقد نال منهم التعب من طول الطريق، وحرارة الجو، وقلة الماء. فبادر إلى احتلال طبرية عدا قلعتها، وأحرقها. وأراد الصليبيون الانتقام فزحفوا إلى طبرية، حيث كان ص لاح الدين وجنوده يعسكرون ويستريحون قرب طبرية حيث الماء والظل والراحة، وينتظرون عدوهم، وبعد وصول خبر الزحف الصليبي تقدم صلاح الدين، وشدّد الحراسة على شواطئ بحيرة طبرية لمنع الماء عن العدو، ورابط غرب طبرية عند قرية حطين التي تبعد نحو ثلاثة أميال عن البحيرة، ووسط منطقة وفيرة الماء والعشب.
في اليوم الثالث من تموز )يوليو ( وكان شديد الحرارة، ساكن الهواء وصل الصليبيون هضبة تطل على سهل طبرية، وأتخذ صلاح الدين مواقع يحول بها بين العدو و ماء البحيرة، في وقت أشتد بهم الظمأ. وعادت براعة القائد المسلم تتجدد ثانية، فأمر بإشعال النار بالأعشاب و الأشواك - التي جففتها أشعة شمس الصيف اللاهب – التي تكسو الهضبة، " وكانت الريح على الفرنج فحملت إليهم الحر والنار والدخان، فأجتمع عليهم العطش وحرّ الزمان و حّر النار والدخان وحّر القتال " على قول أبن الأثير.
وعندما أشرقت شمس يوم الرابع من تموز (يوليو)، وهو اليوم التالي، تبين للصليبيين أن المسلمين استغلوا ظلمة الليل لحصارهم، وبذلك بدأ الهجوم الشامل، " فأخذتهم سهام المسلمين، وكثر فيهم الجراح، وقوي الحّر وسلبهم العطش الفرار " على قول المؤرخ ابن واصل. وكانت نهاية المعركة بوقوع جيش الصليبيين بين قتيل وجريح وأسير، وعاقب صلاح الدين أرناط بالقتل، وأحسن معاملة من استسلم من أمراء الصليبيين.
لا يقتصر الأمر على العوامل والعناصر الطبيعية في عالم الحروب فحسب، بل يمتد إلى الجوانب والعناصر البشرية، أي أحوال الناس أعدادهم وأقلياتهم وعاداتهم وأعيادهم. ومن أمثلة ذلك نجاح هجوم خالد بن الوليد على قبائل غسان النصرانية يوم عيد الفصح، وعادة يكون جلّ الجيش في إجازة، ويصعب أو على الأقل يطول استنفاره. ويتكرر الأسلوب عندما شن العرب حرب رمضان / أكتوبر / تشرين 1973 يوم عيد الغفران )يوم كيبور ( أعظم أعياد اليهود، وكان اختيار اليوم المذكور بعد دراسة مستفيضة شملت السنة والشهر واليوم بل والساعة أيضا بكل عناصرها الطبيعية، والاستراتيجية، والتعبوية.
من كل ما سبق يمكن القول أن العرب أصبح لهم بعد الإسلام مدرسة عسكرية لأول مرة في تاريخهم، لقد كان للعرب في تاريخهم الطويل دور عسكري، وإنجازات عسكرية لا تقل عن إنجازاتهم الحضارية، عندما خاضوا غمار حروب مع أقوى إمبراطوريات العصر، الروم والفرس، انتصروا فيها، ولم يعودوا أهل حرب الصحراء " حرب الكر و الفر " فقط، بل أظهروا عبقريات عسكرية منقطعة النظير.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|