أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-9-2016
1732
التاريخ: 30-10-2016
5721
التاريخ: 19-8-2020
2491
التاريخ: 1-12-2016
1826
|
لقد طبع الدين الحياة في كل من سومر وبابل بطابعه، فنجد أن ما أنتجوه من تراث أدبي وعلمي وفني يظهر عليه تأثير الدين والنظرة التاريخية العامة لشعوب وادي الرافدين ولأن التاريخ عند مؤرخ هذه الحضارة قد اكتمل في الزمان الأول القديم وأخذ شكله المثالي الذي وضعته الآلهة ليكون نموذجا للبشرية فهكذا أيضا الحال بالنسبة للأنشطة الإنسانية المختلفة من أدب وعلوم وفن. فهذه الأنشطة عبارة عن أنماط أولية فعلتها الآلهة وأصبحت بعد ذلك فعلا إنسانيا يكرر فيه الإنسان عمل الإله، ويرتبط نجاح المجهود الإنساني أو فشله بمدى قربه أو بعده من النموذج الذي وضعته الآلهة.
ومن أهم نتاج هذا الاعتقاد على بعض العلوم أن الدين قد احتواها، ولم يبدأ العلم بالانفصال عن الدين إلا عندما بدأ العلم يأخذ منحى تجريبيا مختبريا ويخضع للملاحظة الدقيقة، ولكن هذا لا يعني أن العلم وهو في أحضان الدين لم يؤد وظيفته كعلم، بل لقد أعطى ذلك التوازن بين ما هو روحي وما هو مادي صيغة نادرة الحصول بين مستلزمات متعارضة ومتوافقة في نفس الوقت، لقد كان الدين يهتم بالمجال القدسي، وكان المجال الدنيوي الذي أهمله الدين نوعا من اختصاص العلم، واستطاع العلم والدين أن يقدما صيغة للعلاقة بين القدسي والدنيوي، وحتى إن تحرر العلم من المحظورات السحرية الدينية فإن بعض الملاحظات التي أجريت من أجل الحصول على قدرة سحرية كانت أحيانا عن طريق الصدفة تقود إلى اكتشاف علمي، إضافة إلى أن الذين اختصوا بهذا المجال ربما كانوا ينشدون الثواب وهو ما نلاحظه خاصة في اهتمامهم برصد الظواهر والكواكب حيث نستشف ذلك من التذييل الذي كانوا يتركونه في نهاية كل رقم خاص بالأرصاد.
أما على الأدب والفن وغيرها من الأنشطة الفكرية فهو أن الكاتب والفنان لم يسع في أعماله الفنية والأدبية إلى الإبداع ومحاولات الخلق الأدبي أو الفني بل كرس جهده في تقليد نماذج أولية قديمة فهو مثلا يتفنن في نسخ النصوص الأدبية لأنها أشكال مقدسة، ومن ثمة فهو لا يعتني بذكر اسمه أو نسبه العمل إلى الفني أو الأدبي إلى شخصه، وقد ترتب عن هذه الرؤية أن أصبح من الصعب تمييز التطور التاريخي لهذين الأسلوبين الأدبي والفني فالموضوعات واحدة متكررة وإن اختلفت في درجة دقتها وتمثلها للنموذج الأول، وطبقا لهذه الرؤية فإن العديد من المنجزات الفكرية نشأت بسيطة وأخذت في التطور، ولأنها من صنع الآلهة حسب معتقداتهم فقد بلغت قمة الإبداع الحضاري، ومن هنا لم يسع الكاتب أو الفنان إلى خلق شخصية أدبية أو فنية مستقلة ولم يرغب في الإبداع الذاتي بل حرص على التعبير الجماعي الموضوعي، إذ تفنن في نقل ونسخ التفاصيل الأولية للعمل الأدبي دون محاولته التعديل فيه، وهو ما أدى إلى اختفاء شخصية الكاتب أو الفنان وراء الأعداد الهائلة من الأعمال الفنية والأدبية المتكررة والمتشابهة، ولكن رغم ذلك فقد عبر هذا الفن الجماعي عن حياة المجتمع وأنشطته المختلفة، ولأن حياة المجتمع الأرضي صورة من حياة مجتمع الآلهة جاء الأدب والفن معبرين عن هذه العلاقة بين مجتمع الآلهة ومجتمع البشر وعلى هذا فالتراث الأدبي والفني تراث ديني في شكله ومضمونه هدفه خدمة الآلهة.
ويمكن ان نستخلص مما سبق الامور التالية:
- أن الرموز الدينية والممارسات والطقوس والشعائر هي بحد ذاتها إبداع استطاع الإنسان السومري والبابلي أن يعمل وفق هذه الآلية مع نظم وعلاقات للأشكال القديمة ومن ثم استطاع أن يعمل ضمن مفهوم الفكر في المعتقد الديني ومن ثم يصل إلى إسقاط تلك الأفكار على منجزاته الفكرية من أدب وعلوم وفنون...
- توصل البحث إلى اهتمامات ترتبط بالعديد من القيم والمؤثرات الاجتماعية والتي كان لها دور مؤثرا في إنسان بلاد وادي الرافدين بصفة عامة، حيث يرتبط الفكر مع معتقدات الإنسان في سعيه إلى ترويض الطبيعة من خلال شعائر سحرية ذات اهتمامات وفاعلية لتمثيلات فنية أبرزت قوانين الفكر في الطبيعة، ضمن تواصل روحي في مفردات الحياة الرافدينية القديمة.
- تميزت حضارة وادي الرافدين بخاصية قلما نجدها في الحضارات القديمة الأخرى، وهي الاستمرارية والتواصل في الخصائص الحضارية سواء تعلق بالديانة أو المنجزات الفكرية وإن كان هناك بعض الاختلاق فإنه يدخل ضمن مبدأ التطور، فالحضارة الأكدية التي تلت الحضارة السومرية لم تكن شيئا مغايرا، فقد كانت هذه الحضارة مستمدة من الحضارة السومرية، وذلك نظرا للفترة الزمنية الطويلة التي عاشها الأكديون تحت حكم السومريين، وكانت الحضارة البابلية نسخة طبق الأصل لما هو سومري، وهكذا...
- أن تغيير وتحوير الجوانب الفكرية كثيرا ما كان سببه المعتقد الديني، وتغير مكانة الآلهة وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح لما أخذ الإله مردوخ المكانة الأولى بدلا من الآلهة السومرية، حيث أخذ دور البطولة في الأساطير والملاحم والمشاهد التصويرية...
- أن تراث حضارة وادي الرافدين بصفة عامة قد تميز بالقدم، تراث كان له أهمية كبيرة في تطور الحضارات البشرية والفكر الإنساني، إذ استفادت منه الشعوب التي كان لها احتكاك بمختلف الأجناس التي استوطنت وادي الرافدين سواء عن طريق الاتصالات التجارية أو الحروب، الفتوح أو الأسفار...
وصفوة القول أن الدين كان يمثل للسومريين ومن بعد البابليين مصدرا مهما للثقافة وأنه شكل وعاء الحضارة، ولم يلعب الدين الدور الكبير الذي لعبه قط في أي مجتمع قديم آخر لأن الإنسان في هذا المكان كان يشعر على الدوام بأنه يعتمد كليا في استمراره بالوجود على إرادة الآلهة، هذه الآلهة التي تجسدت في العوامل الطبيعية ذاتها (حسب عقيدة القوم ) بكل مواصفاتها والتي كان يواجهها الإنسان يوميا في حقله وعمله وحياته، ويمكن تلخيص كل ما جاء في هذا البحث بمقولة لطه باقر: "وإذا أخذنا في الاعتبار بأن عصر فجر السلالات يمثل ظهور حضارة وادي الرافدين الناضجة، وأن فترة العصر البابلي الأخير كانت آخر عهودها، جاز لنا القول أنها لصدفة تاريخية عجيبة أن تكون هذه الحضارة قد ولدت وماتت في كنف الآلهة والمعبد".
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|