أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-20
453
التاريخ: 29-1-2023
4440
التاريخ: 31-12-2022
1512
التاريخ: 11-10-2014
1243
|
هذه الشخصية الثانوية لعبت في القصة دوراً لافتاً للانتباه ، لا يقلّ في أبعاده المأساوية عن المؤامرة التي حاكها إخوة يوسف (عليه السلام) .
إنّ كلاّ من إخوة يوسف (عليه السلام) وامرأة العزيز يجسّدان بناءً هندسياً قائماً على الموازنة الفنّية في حركة القصة ، من حيث انطواؤهما على دلالات متجانسة ، ومن حيث تأثيرهما على شخصية يوسف (عليه السلام) وتحديد المصائر التي انتهى البطلُ إليها .
وهاتان الشخصيتان في الآن ذاته تتحركان من مواقع متفاوتة ، وتفرزان دلالات متفاوتةً أيضاً ، ومن هنا يمكننا أن نستكشف خطورة الفنّ الذي يجمع بين المتضادات ، ويضاد بين الوحدات المتماثلة ، أو لنقل : الفنّ الذي يحقق عنصر التضاد من خلال التماثل ، والتماثل من خلال التضاد .
ثمة مؤامرتان : إحداهما تنطلق من دافع الحسد ، والاُخرى من الدافع الجنسي ، وهما متضادتان ، غير أنـّهما تقتادان الشخصية إلى سلوك مماثل هو : التآمر .
الاُولى يمثّلها رجال ، والثانية تمثّلها امرأة ، وهما متضادتان ، لكنهما تتماثلان في تخطيط السوء .
الاُولى ، يمثلها إخوة أقارب ، والثانية يمثّلها من الأباعد امرأة غريبة ، وهما متضادتان .
الاُولى : حادثة إلقاء في البئر ، والثانية : حادثة إلقاء في السجن ، وهما متماثلان .
الاُولى : محاولة تخلّص من يوسف . الثانية : محاولة تعلّق بيوسف ، وهما متضادتان ، وهكذا . . .
إذن ، كم هو جميلٌ وممتعٌ مثلُ هذا البناء الهندسي لنمطين من أبطال القصة الثانويين ، فيما يقوم الهيكل على عنصر التضاد ، والتماثل ، والوحدة بينهما . . .
ولكن لندع عمارة القصة فنّياً ، ولنتّجه إلى امرأة العزيز لملاحظة الدلالات الفكرية لسلوكها ، وانعكاس ذلك على شخصية البطل يوسف (عليه السلام) .
فيما يتصل بالدافع الجنسي ، لا حاجة إلى الحديث عنه بقدر ما ينبغي لفت الانتباه إلى المقارنة بين سلوك امرأة العزيز ويوسف ، حيث يمكننا أن نستخلص بسهولة إمكانية السيطرة على الدافع الجنسي من خلال سلوك يوسف ذاته ، ثمّ نتائج مثل هذه السيطرة التي حوّلت يوسف (عليه السلام) وهو عبدٌ اشترته إحدى القوافل بدراهم معدودة إلى مَلِك ، وبالمقابل تحوّلت زوجة الملك إلى امرأة بائسة ، فيما تقول النصوص المفسّرة : إنّ امرأة العزيز قالت له بعد أن التقته ملكاً ، وقد افتقرت :
الحمد للّه الذي جعل الملوك بالمعصية عبيداً ، والعبيد بالطاعة ملوكاً .
هذه الفقرة التي ذكرتها بعض النصوص ، تلقي كلمة حاسمة في تحديد نتائج التحكّم والسيطرة على الدافع الجنسي ونتائج عدم السيطرة ، فيما تجعل الملوك عبيداً بسبب من المعصية ، وتجعل العبيد ملوكاً بسبب من الطاعة ، وكفى بذلك عظةً لمن اعتبر .
إذن ، الدلالة الاُولى التي نستخلصها من هذه الشخصية ، هي : أنّ الإلتواء في السلوك الجنسي ، ومحاولة ممارسته بنحوه غير المشروع ، يقتاد الشخصية إلى نتائج ليست في صالح المُمارس ، حيث اخفقت امرأة العزيز في تحقيق الممارسة ، فضلا عن أنـّها قادتها إلى المصير البائس الذي نقلته النصوص المفسّرة .
الدلالة الثانية لهذه الشخصية ، هي : أنّ المرأة التي لا تخاف اللّه ، قد تتحوّل من شخصية مُحبّة إلى شخصية مُعادية في ساعات محدودة ـ في حالة عدم تحقيق حاجاتها غير المشروعة ـ ، حتى وصل الأمر ـ كما لاحظنا بالنسبة إلى امرأة العزيز ـ إلى أن تودع البطل في السجن ، فضلا عن تشويه سُمعته على النحو الذي سردته القصة مفصلا ، ومن هنا ندرك أهمية الحقيقة التي أشار أهل البيت (عليهم السلام) إلى ما مؤدّاه : من أنّ المرأة تصبر على الحب أعواماً ، لكنها لا تكتم كراهيتها ساعة .
حتى أنـّها لا تتورّع البتة من إيقاع الرجل في التهلكة ، سواء أكان ذلك متصلا بتشويه سمعته ، أو بإنهاء حياته .
* * *
أمّا فيما يتّصل بالإنارة التي ألقتها هذه الشخصية على البطل يوسف (عليه السلام) ،
فتتمثل في كشفها أوّلا عن نظافة يوسف ، وصبره ، وتقواه ، وإيثاره السجن على ما هو محرّم ، حتى أنـّها اضطرّت في نهاية المطاف إلى الإقرار بنزاهة يوسف (عليه السلام) ، وهو ما يشكّل قمّة الإنارة لشخصية يوسف (عليه السلام) .
وقد ترتّب على ذلك أن تحوّلت هذه الشخصية من امرأة سلبيّة إلى امرأة إيجابية أعلنت عن مفارقة سلوكها ، وأقرّت بنظافة يوسف (عليه السلام) ، أي : رُسمت هذه الشخصية حسب لغة الأدب القصصي ، شخصية نامية وليست مسطحة ، . . . شخصية بدأت في أول القصة تخاطب زوجها :
﴿ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً﴾
وانتهت بهذا الإقرار :
﴿أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ﴾
بدأت كاذبة وانتهت صادقة .
ولا يغب عن ذاكرتنا ، أنّ إخوة يوسف (عليه السلام) بدورهم بدأوا ـ في القصة ـ وهم متآمرون ، وانتهوا تائبين ، ممّا يشكّل بُعداً جديداً من عناصر التماثل الفنّي بين نمطي الشخصيات الثانوية التي سبقت الإشارة إلى صياغتها متضادة من خلال التماثل ، ومتماثلة من خلال التضاد .
والمهم أنّ دلالة التعديل في السلوك ، ينبغي ألاّ نغفلها أيضاً عبر وقوفنا على هذه الشخصية الثانوية امرأة العزيز .
نسوَة المَدِينَة
كان إخوةُ يوسف بصفتهم جزء من الأبطال الثانويين في القصة قد جسّدوا ظاهرة الحسد كما لحظنا .
ويبدو أنّ النص القصصي يُريد أن يُلفت انتباهنا إلى هذه الظاهرة بكلّ محدّداتها ، بما في ذلك الفروق بين الجنسين ، فأبرز لنا ظاهرة الحسد أو الغيرة في العنصر النسوي أيضاً في نطاق التجارب الخاصة بالمرأة .
ولنقرأ النص القصصي أوّلا :
﴿وَ قالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ﴾
﴿قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنّا لَنَراها فِي ضَلال مُبِين﴾
﴿فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ﴾
﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وآتَتْ كُلَّ واحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّيناً﴾
﴿وَ قالَتِ : اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾
﴿وَ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾
﴿قالَتْ : فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾
﴿وَ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ ولَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ﴾
إنّ ما يُلفت الانتباه لدى نسوة المدينة ، أنّ الدافع إلى انتقادهنّ إمرأة العزيز لم يكن فيما يبدو موضوعياً نابعاً من إحساسهنّ بالفضيلة ، بل كان نابعاً من الحسد والغيرة ، حيث وجدن أنّ امرأة العزيز حظيت برجل حُرِمنَ هُنّ منه .
إنّ النص القرآني الكريم يُريد أن يُبرز في هذا الدور الثانوي لنسوة المدينة . . .
يُريد أن يبرز لنا ظاهرة كَم هو حريٌّ بالمرأة أن تلتزم بها في نطاق علاقتها بالجنس الآخر .
إنّه يُريد أن يقول للمرأة : عليكِ أن تتحرّكي في السلوك من خلال الموضوعية ، لا من خلال الذات . عليكِ أن تَنهَي عن المُنكر لأنـّه مُنكرٌ فحسب ، لا لأنـّه منكرٌ بالقياس إلى سواك ، وغيرُ منكر بالنسبة إليك .
فالمفروض أن تنتصر المرأةُ للفضيلة ، حبّاً بالفضيلة والتزاماً بأوامر اللّه سبحانه
وتعالى ، لا أن يكون الانتصارُ نابعاً من الغيرة أو الحسد . ففي مثل هذا السلوك تكون المرأةُ قد سلكت مفارقتين أو جريمتين :
الجريمة الاُولى : أنـّها لا تنهى عن المنكر إذا كان ذلك متصلا بحاجتها الذاتية .
والجريمة الثانية : أنـّها تفتعل إنكار المنكر وتلبس قناع الفضيلة زيفاً لا حقيقةً .
والدليل على ذلك كلّه ، أنّ النص القصصي قدّم لنا تجربتين إحداهما لفظية والاُخرى عمليّة ، ليُدلّل لنا على السلوك المنكر لدى نسوة المدينة .
أمّا التجربة اللفظية فتتمثّل في قول امرأة العزيز من خلال هذه الفقرة :
﴿فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾
فلقد وصفهنّ اللّه بسمة المكر على لسان امرأة العزيز وإلاّ لكان يخلع عليهنّ صفة إيجابيةً لو كنّ حقّاً نسوة يحرصن على الفضيلة .
وأمّا التجربة العملية فقد أبرزها النص أيضاً من خلال تحرّك امرأة العزيز :
﴿وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وآتَتْ كُلَّ واحِدَة مِنْهُنَّ سِكِّيناً﴾
﴿وَ قالَتِ : اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾
حيث هيّأت لهنّ وسائد ، أو أعدّت لهنّ وليمة وأمرت يوسف (عليه السلام) بالخروج عليهنّ بعد أن هيّأت أمامهنّ مجموعة من السكاكين ، حيث كانت النتيجة أن ينخلع لبُّهنّ من الإثارة إلى الدرجة التي قطّعن أيديهن انبهاراً بدلا من تقطيع الفواكه مثلا .
إنّ هذه التجربة العملية تدلّنا بدورها على أنّ نسوة المدينة لم يكن نَقْدَهُنّ لامرأة العزيز نابعاً من الفضيلة والالتزام بمبادئ السماء ، بدليل إنـهنّ وقعن في نفس السلوك المُنكر الذي صدرت عنه امرأة العزيز .
* * *
وخارجاً عن ظاهرة الحسد أو الغيرة ، فإنّ ما يمكن استخلاصُه من هذا الدور الثانوي لنسوة المدينة ، يتمثّل أيضاً في جملة من الحقائق ، لعل أبرزها هو : تجنّب عنصر الإثارة أساساً .
إنّ لقاء الرجل أساساً بالمرأة ينبغي أن يتمّ في تحفّظ بالغ المدى . والمشرّع الإسلامي ـ على سبيل المثال ـ حينما يمنع لقاء الجنسين لغير ضرورة ، إنّما يأخذ عنصر الإثارة بنظر الاعتبار ، أي أنـّه يمنع المحادثة أو النظر أو الخلوة بين الجنسين بغية تجنّب الإثارة ، وإلاّ فإنّ الإثارة تحصل بالضرورة إلاّ من عصمَ اللّه .
من هنا حصل تقطيع الأيدي مثلا ، نظراً لتوفّر عنصر الإثارة .
بل إنّ هذا العنصر دفع امرأة العزيز إلى أن تتمادى في المنكر وإلى أن تخلع قناع الخجل الذي ينبغي أن تصدر عنه بعد الفضيحة ، لكنها ركبت غيّها واعترفت قائلة :
﴿وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ﴾
بل إنّها ذهبت أكثر من ذلك ، حيث تشجّعت على أن تطالبه من جديد بممارسة المنكر ، حتى وصل الأمر إلى التهديد بإيداعه في السجن ، قائلةً :
﴿وَ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ﴾
إنّ هذا الإعلان الصريح عن المنكر ، إنّما صدرت امرأةُ العزيز عنه ، لأنـّها وجدت أنّ نسوة المدينة قد قطّعن أيديهن من الإثارة ، ممّا شجّعها إلى أن تتمادى في الغيّ ، على النحو الذي أوضحناه .
إذن ، الظاهرة الاُخرى التي يمكن استخلاصها بعد الحسد أو الغيرة في الدور الثانوي لنسوة المدينة ، هي ضرورة أن يتجنّب كلٌّ من الجنسين مواطن الإثارة من محادثة ، أو نظر ، أو خلوة بينهما .
وأمّا الظاهرة الفكرية الثالثة التي ينبغي استخلاصُها أيضاً من هذا الدور الثانوي لبطلاتِ نسوة المدينة ، هي : ضرورة أن يصدر المرء عن سلوك موضوعي في تصرّفاته لا أن يتلبّس بقناع الفضيلة تحت دافع ذاتي مُلوّث يحنّ إلى الرذيلة في أعماق نفسه .
* * *
هذا كلّه من حيث القيم الفكرية لبطلات نسوة المدينة .
وأمّا من حيثُ القيمُ الجماليةُ أو الفنّية ، فإنّ هذا الدور ينطوي على إمتاع حافل بالإثارة من حيث الرسمُ الخارجي لملامح الأبطال وللبيئة التي تحرّكوا من خلالها . فقد رُسمت البيئةُ وهي مائدةُ طعام ، ووسائد ، وسكاكين لتقطيع الفواكه .
ثمّ رُسمت ملامحُ الأبطالِ الخارجية ، وهي مرأى أيد تتقطّع بالسكاكين بدلا من تقطيع الفواكه ، في غمرة مرور يوسف (عليه السلام) وفي غمرة جلوس امرأة العزيز مُراقبةً عن كثب ردود الفعل في هذا الميدان .
إنّ هذا المرأى المُمتع فنّياً ، قد اُحكم من حيث البناء الهندسي حينما نلاحظ الصلة العضوية أو التلاحم بين رسم البيئة ورسم ملامح الأبطال ، أي بين مرأى الفواكه والسكاكين ، ومرأى الأيدي التي تقطّعت بعد ذلك .
والمعروف في لُغة الأدب القصصي ، أنّ الفنّ يبلغ قمّته العالية حينما يكون ثمة ترابط أو صلة بين وصفين خارجيين : أحدهما لعنصر البيئة ، والآخر لعنصر الأبطال ، حيث يكشف الترابط بين وصف البيئة سكاكين ، فواكه ووصف الملامح الخارجية أي : تقطيع الأيدي عن إحكام هذا المبنى القصصي وما يواكبه من الإمتاع الفنّي في هذا الصدد .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|