المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

أحكام التخلي
7-11-2016
الكاريكاتير
29-12-2022
الفطريات الملونة Stain Fungi
13-3-2020
حضارة أشولينية
11-10-2016
الأجرة
5-5-2016
التخطيط الاستراتيجي
28-7-2016


تفسير الآية (38-43) من سورة القصص  
  
3779   05:03 مساءً   التاريخ: 5-10-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف القاف / سورة القصص /

قال تعالى : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُو وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص : 38 - 43] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وقال فرعون} منكرا لما أتى به موسى من آيات الله لما أعياه الجواب وعجز عن محاجته {يا أيها الملأ} يريد أشراف قومه {ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين} أي فأجج النار على الطين واتخذ الآجر وقيل أنه أول من اتخذ الآجر وبنى به عن قتادة {فاجعل لي صرحا} أي قصرا وبناء عاليا {لعلي أطلع إلى إله موسى} أي أصعد إليه وأشرف عليه وأقف على حاله وهذا تلبيس من فرعون وإيهام على العوام أن الذي يدعو إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان والجهة {وإني لأظنه من الكاذبين} في ادعائه إلها غيري وأنه رسوله {واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق} أي رفع فرعون وجنوده أنفسهم في الأرض فوق مقدارها بالباطل والظلم وأنفوا وتعظموا عن قبول الحق في اتباع موسى {وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} أي أنكروا البعث وشكوا فيه .

{فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} أي فعاقبناهم وطرحناهم في البحر وأهلكناهم بالغرق وعنى باليم نيل مصر وقيل بحر من وراء مصر يقال له إساف غرقهم الله فيه {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} أي تفكر وتدبر وأنظر بعين قلبك كيف أخرجناهم من ديارهم وأغرقناهم {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} وهذا يحتاج إلى تأويل لأنه ظاهره يوجب أنه تعالى جعلهم أئمة يدعون إلى النار كما جعل الأنبياء أئمة يدعون إلى الجنة وهذا ما لا يقول به أحد فالمعنى أنه أخبر عن حالهم بذلك وحكم بأنهم كذلك وقد تحصل الإضافة على هذا الوجه بالتعارف ويجوز أن يكون أراد بذلك أنه لما أظهر حالهم على لسان أنبيائه حتى عرفوا فكأنه جعلهم كذلك ومعنى دعائهم إلى النار أنهم يدعون إلى الأفعال التي يستحق بها دخول النار من الكفر والمعاصي .

{ويوم القيامة لا ينصرون} أي لا ينصر بعضهم لبعض ولا ينصرهم غيرهم يوم القيامة كما كانوا يتناصرون في الدنيا {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} أي أردفناهم لعنة بعد لعنة وهي البعد عن الرحمة والخيرات وقيل معناه ألزمناهم اللعنة في هذه الدنيا بأن أمرنا المؤمنين بلعنهم فلعنوهم عن أبي عبيدة {ويوم القيامة هم من المقبوحين} أي من المهلكين عن الأخفش وقيل من المشوهين في الخلقة بسواد الوجوه وزرقة الأعين عن الكلبي عن ابن عباس وقيل من الممقوتين المفضوحين .

ثم ذكر سبحانه من أخبار موسى (عليه السلام) ما فيه دلالة على معجزة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة {من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} أي الجموع التي كانت قبله من الكفار مثل قوم نوح وعاد وثمود ويجوز أن يريد بالقرون قوم فرعون لأنه سبحانه أعطاه التوراة بعد إهلاكهم بمدة {بصائر للناس} أي حججا وبراهين للناس وعبرا يبصرون بها أمر دينهم وأدلة يستدلون بها في أحكام شريعتهم {وهدى} أي دلالة لمن اتبعه يهتدي بها {ورحمة} لمن آمن به {لعلهم يتذكرون} أي يتعظون ويعتبرون وجاءت الرواية بالإسناد عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية التي مسخوا قردة أ لم تر أن الله تعالى قال {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} الآية .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص439-442 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} . قال هذا لأنه وجد من يصدقه . . وحفظت مثالا أيام الطفولة ، وما زلت على ذكر منه ، وهو{قيل لفرعون : من الذي فرعنك ؟ قال : ما وجدت أحدا يردعني} وأكثر الناس {يتفرعنون} لولا القوة الرادعة . انظر تفسير الآية 24 من سورة النازعات :

{فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى} . وفي قاموس الكتاب المقدس ان فرعون كلمة مصرية ، ومعناها البيت الكبير ، وهي لقب لملوك مصر .

{فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ} . عجز فرعون عن مقابلة الحجة بالحجة ، وخاف من موسى وعصاه ، فحاول أن يخفي خوفه وعجزه بالتمويه على شعبه العريق في السذاجة ، فأظهر الشك في وجود إله سواه ، وانه سينظر ويبحث عن هذا الإله . . فإن وجده طلبه للبراز . . وإلا - وهذا هو المظنون عند فرعون - كان موسى من الكاذبين . . وليؤكد هذا التمويه على أعين الرعاع الذين عبدوه قال لوزيره هامان :

أوقد النار ، واصنع الآجر لبناء صرح رفيع أصعد منه إلى السماء ، لأبحث عن إله موسى . . ولم يبن هامان الصرح - كما نظن - لأنه على يقين من مكر فرعون وتدليسه ، وأي عاقل يحاول البناء إلى ما لا نهاية ، ويتوهم انه بالخشب والآجر يبلغ السماوات العلى ، ويعلم من فيها وعليها ؟ .

{واسْتَكْبَرَ هُو وجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ} .

تعاظموا وتعالوا على الناس ، وأخذتهم العزة بالإثم ، وعاثوا في الأرض شرا وفسادا ، والسبب الأول والأخير انهم لا يؤمنون باللَّه واليوم الآخر ، ولا بمبدأ وضمير ، ولا بشيء إلا بأنفسهم ومنافعهم ، ولذا أخذهم جل وعز أخذ عزيز مقتدر {فَأَخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} .

ألقت أم موسى وليدها في اليم خوفا من فرعون ، فالتقطه هذا العدو للَّه ولموسى لينتفع به أو يتخذه ولدا . ولما شبّ موسى وكبر حاول جهده أن ينفع فرعون وينقذه من الهلاك والعذاب ، ولكنه نفر وتكبر ، فكان عاقبة أمره ان أهلكه سبحانه في نفس اليم الذي ألقي فيه موسى ، والتقطه منه آل فرعون . . وان في ذلك لعبرة لأولي الأبصار . . ولكن أين هم ؟ .

{وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ويَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ} . ضمير جعلناهم يعود إلى فرعون وجنوده ، والمعنى انهم في الدنيا ضالون ومضلون ، وانهم في الآخرة هم الأخسرون ، ومعنى جعلناهم ان اللَّه سبحانه قضى وقدر أن من يسلك طريق الضلال فهو ضال ، تماما كما قضى وقدر أن من يسلك طريق الهلاك فهو هالك ، وبيّنا ذلك فيما تقدم أكثر من مرة . وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ان الأئمة في كتاب اللَّه نوعان : أئمة الهدى ، وهم الذين أشار سبحانه إليهم بقوله :

{وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا} [الأنبياء - 73] فيقدمون أمر اللَّه قبل أمرهم ، وحكمه قبل حكمهم ، وأئمة يدعون إلى النار ، يقدمون أمرهم قبل أمر اللَّه ، وحكمهم قبل حكمه ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللَّه .

{وأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً ويَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} . عليهم في الدنيا لعنة اللَّه ولعنة اللاعنين ، ولهم في الآخرة عذاب الجحيم {ولَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وهُدىً ورَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .

أنزل سبحانه التوراة على موسى بعد أن أهلك قوم نوح وعاد وثمود ، والغرض من انزالها أن يتعظ الناس بها ، ويعملوا بأحكامها لأنها كانت قبل التحريف نورا وهدى ورحمة ، أما توراة اليوم فإنها تقول لبني إسرائيل : اقتلوا الرجال والأطفال والنساء إلا الأبكار منهن ، أبقوهن للذاتكم وشهواتكم . . وانهبوا البهائم والمواشي والأملاك . . وأحرقوا المدن والمساكن والحصون كما في الإصحاح 32 من سفر العدد . فهل بعد هذا يقال : لما ذا أحرقت إسرائيل المسجد الأقصى ؟ .

ان عقيدة اليهود عقيدة شريرة تعادي جميع الأديان والشرائع والقيم الإنسانية .

________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص 66-68 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} إلى آخر الآية ، فيه تعريض لموسى بما جاء به من الدعوة الحقة المؤيدة بالآيات المعجزة يريد أنه لم يتبين له حقية ما يدعو إليه موسى ولا كون ما أتى به من الخوارق آيات معجزة من عند الله وأنه ما علم لهم من إله غيره .

فقوله : {ما علمت لكم من إله غيري} سوق للكلام في صورة الإنصاف ليقع في قلوب الملأ موقع القبول كما هو ظاهر قوله المحكي في موضع آخر : {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } [غافر : 29] .

فمحصل المعنى : أنه ظهر للملإ أنه لم يتضح له من دعوة موسى وآياته أن هناك إلها هورب العالمين ولا حصل له علم بأن هناك إلها غيره ثم أمر هامان أن يبني له صرحا لعله يطلع إلى إله موسى .

وبذلك يظهر أن قوله : {ما علمت لكم من إله غيري} من قبيل قصر القلب فقد كان موسى (عليه السلام) يثبت الألوهية لله سبحانه وينفيها عن غيره وهو ينفيها عنه تعالى ويثبتها لنفسه ، وأما سائر الآلهة التي كان يعبدها هو وقومه فلا تعرض لها .

وقوله : {فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا} المراد بالإيقاد على الطين تأجيج النار عليه لصنعة الأجر المستعمل في الأبنية ، والصرح البناء العالي المكشوف من صرح الشيء إذا ظهر ففي الجملة أمر باتخاذ الأجر وبناء قصر عال منه .

وقوله : {لعلي أطلع إلى إله موسى} نسب الإله إلى موسى بعناية أنه هو الذي يدعو إليه ، والكلام من وضع النتيجة موضع المقدمة والتقدير : اجعل لي صرحا أصعد إلى أعلى درجاته فأنظر إلى السماء لعلي أطلع إلى إله موسى كأنه كان يرى أنه تعالى جسم ساكن في بعض طبقات الجو أو الأفلاك فكان يرجو إذا نظر من أعلى الصرح أن يطلع إليه أو كان هذا القول من قبيل التعمية على الناس وإضلالهم .

ويمكن أن يكون المراد أن يبني له رصدا يترصد الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثة رسول أو حقية ما يصفه موسى (عليه السلام) ، ويؤيد هذا قوله على ما حكى في موضع آخر : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر : 36 ، 37] .

وقوله : {وإني لأظنه من الكاذبين} ترق منه من الجهل الذي يدل عليه قوله : {ما علمت لكم من إله غيري} إلى الظن بعدم الوجود وقد كان كاذبا في قوله هذا ولا يقوله إلا تمويها وتعمية على الناس وقد خاطبه موسى بقوله : {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الإسراء : 102] .

وذكر بعضهم أن قوله : {ما علمت لكم من إله غيري} من قبيل نفي المعلوم بنفي العلم فيما لوكان لبان فيكون نظير قوله : {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [يونس : 18] ، وأنت خبير بأنه لا يلائم ذيل الآية .

قوله تعالى : {واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} أي كانت حالهم حال من يترجح عنده عدم الرجوع وذلك أنهم كانوا موقنين في أنفسهم كما قال تعالى : {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} .

قوله تعالى : {فأخذناه وجنوده} إلخ النبذ الطرح ، واليم البحر والباقي ظاهر .

وفي الآية من الاستهانة بأمرهم وتهويل العذاب الواقع بهم ما لا يخفى .

قوله تعالى : {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون} الدعوة إلى النار هي الدعوة إلى ما يستوجب النار من الكفر والمعاصي لكونها هي التي تتصور لهم يوم القيامة نارا يعذبون فيها أو المراد بالنار ما يستوجبها مجازا من باب إطلاق المسبب وإرادة سببه .

ومعنى جعلهم أئمة يدعون إلى النار ، تصييرهم سابقين في الضلال يقتدي بهم اللاحقون ولا ضير فيه لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجحود وليس من الإضلال الابتدائي في شيء .

وقيل : المراد بجعلهم أئمة يدعون إلى النار تسميتهم بذلك على حد قوله : {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } [الزخرف : 19] .

وفيه أن الآية التالية على ما سيجيء من معناها لا تلائمه .

على أن كون الجعل في الآية المستشهد بها بمعنى التسمية غير مسلم .

وقوله : {ويوم القيامة لا ينصرون} أي لا تنالهم شفاعة من ناصر .

قوله تعالى : {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين} بيان للازم ما وصفهم به في الآية السابقة فهم لكونهم أئمة يقتدي بهم من خلفهم في الكفر والمعاصي لا يزال يتبعهم ضلال الكفر والمعاصي من مقتديهم ومتبعيهم وعليهم من الأوزار مثل ما للمتبعين فيتبعهم لعن مستمر باستمرار الكفر والمعاصي بعدهم .

فالآية في معنى قوله : {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ } [العنكبوت : 13] وقوله : {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس : 12] ، وتنكير اللعنة للدلالة على تفخيمها واستمرارها .

وكذا لما لم ينلهم يوم القيامة نصر ناصر كانوا بحيث يتنفر ويشمئز عنهم النفوس ويفر منهم الناس ولا يدنو منهم أحد وهو معنى القبح وقد وصف الله تعالى من قبح منظرهم شيئا كثيرا في كلامه .

 

وقوله تعالى : {ولَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكتَب مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولى بَصائرَ لِلنّاسِ وهُدًى ورَحْمَةً لّعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ

 

سياق الآيات يشهد أن المشركين من قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) راجعوا بعض أهل الكتاب واستفتوهم في أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرضوا عليهم بعض القرآن النازل عليه وهو مصدق للتوراة فأجابوا بتصديقه والإيمان بما يتضمنه القرآن من المعارف الحقة وأنهم كانوا يعرفونه بأوصافه قبل أن يبعث كما قال تعالى : {وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين} .

فساء المشركين ذلك وشاجروهم وأغلظوا عليهم في القول وقالوا : إن القرآن سحر والتوراة سحر مثله {سحران تظاهرا} و{إنا بكل كافرون} فأعرض الكتابيون عنهم وقالوا : سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين .

هذا ما يلوح إليه الآيات الكريمة بسياقها ، وهو سبحانه لما ساق قصة موسى (عليه السلام) وأنبأ أنه كيف أظهر قوما مستضعفين معبدين معذبين يذبح أبناؤهم وتستحيى نساؤهم على قوم عالين مستكبرين طغاة مفسدين بوليد منهم رباه في حجر عدوه الذي يذبح بأمره الألوف من أبنائهم ثم أخرجه لما نشأ من بينهم ثم بعثه ورده إليهم وأظهره عليهم حتى أغرقهم أجمعين وأنجى شعب إسرائيل فكانوا هم الوارثين .

عطف القول على الكتاب السماوي الذي هو المتضمن للدعوة وبه تتم الحجة وهو الحامل للتذكرة فذكر أنه أنزل التوراة على موسى (عليه السلام) فيه بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون فينتهون عن معصية الله بعد ما أهلك القرون الأولى بمعاصيهم .

وكذا أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن وقص عليه قصص موسى (عليه السلام) ولم يكن هو شاهدا لنزول التوراة عليه ولا حاضرا في الطور لما ناداه وكلمه ، وقص عليه ما جرى بين موسى وشعيب (عليهما السلام) ولم يكن هو ثاويا في مدين يتلو عليهم آياته ولكن أنزله وقص عليه ما قصه رحمة منه لينذر به قوما ما أتاهم من نذير من قبله لأنهم بسبب كفرهم وفسوقهم في معرض نزول العذاب وأصابه المصيبة فلولم ينزل الكتاب ولم يبلغ الدعوة لقالوا : ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك وكانت الحجة لهم على الله سبحانه .

فلما جاءهم الحق من عنده ببعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزول القرآن قالوا : لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أ ولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل حين راجعوا أهل الكتاب في أمره فصدقوه فقال المشركون : سحران تظاهرا يعنون التوراة والقرآن ، وقالوا إنا بكل كافرون .

ثم لقن سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجة عليهم بقوله : {قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين} أي إن من الواجب في حكمة الله أن يكون هناك كتاب نازل من عند الله يهدي إلى الحق وتتم به الحجة على الناس وهم يعرفون فإن لم تكن التوراة والقرآن كتابي هدى وكافيين لهداية الناس فهناك كتاب هو أهدى منهما وليس كذلك إذ ما في الكتابين من المعارف الحقة مؤيدة بالإعجاز وبدلالة البراهين العقلية .

على أنه ليس هناك كتاب سماوي هو أهدى منهما فالكتابان كتابا هدى والقوم في الإعراض عنهما متبعون للهوى ضالون عن الصراط المستقيم وهو قوله : {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} إلخ .

ثم مدح سبحانه قوما من أهل الكتاب راجعهم المشركون في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن فأظهروا لهم الإيمان والتصديق وأعرضوا عن لغو القول الذي جبهوهم به .

قوله تعالى : {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس} إلخ اللام للقسم أي أقسم لقد أعطينا موسى الكتاب وهو التوراة بوحيه إليه .

وقوله : {من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} أي الأجيال السابقة على نزول التوراة كقوم نوح ومن بعدهم من الأمم الهالكة ولعل منهم قوم فرعون ، وفي هذا التقييد إشارة إلى مسيس الحاجة حينئذ إلى نزول الكتاب لاندراس معالم الدين الإلهي بمضي الماضين وليشار في الكتاب الإلهي إلى قصصهم وحلول العذاب الإلهي بهم بسبب تكذيبهم لآيات الله ليعتبر به المعتبرون ويتذكر به المتذكرون .

وقوله : {بصائر للناس} جمع بصيرة بمعنى ما يبصره به وكان المراد بها الحجج البينة التي يبصر بها الحق ويميز بها بينه وبين الباطل ، وهي حال من الكتاب وقيل : مفعول له .

وقوله : {وهدى} بمعنى الهادي أو ما يهتدى به وكذا قوله : {ورحمة} بمعنى ما يرحم به وهما حالان من الكتاب كبصائر ، وقيل : كل منهما مفعول له .

والمعنى : وأقسم لقد أعطينا موسى الكتاب وهو التوراة من بعد ما أهلكنا الأجيال الأولى فاقتضت الحكمة تجديد الدعوة والإنذار حال كون الكتاب حججا بينة يبصر بها الناس المعارف الحقة وهدى يهتدون به إليها ورحمة يرحمون بسبب العمل بشرائعه وأحكامه لعلهم يتذكرون فيفقهون ما يجب عليهم من الاعتقاد والعمل .

_____________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص29-40 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

كيف كان عاقبة الظالمين ؟

نواجه هنا المقطع التاسع من هذا التاريخ المليء بالأحداث والعبر .

هذا المقطع يعالج مسألة صنع فرعون البرج ـ أو بنائه الصرح المعروف ـ للبرهنة على وهمية دعوة موسى(عليه السلام) .

ونعرف أن من سنن الساسة القدماء في أعمالهم أنّه كلما وقعت حادثة مهمّة على خلاف رغباتهم وميولهم (ومن أجل التمويه وايهام الناس) يبادرون إلى خلق جو جديد ليلفتوا أنظار الناس إليه ، وليصرفوهم عن تلك الحادثة المطلوبة .

ويبدو أنّ بناء «الصرح العظيم» حدث بعد ما جرى لموسى من مواجهته السحرة ما جرى . . لأنّه يستفاد من سورة «المؤمن» أن هذا العمل «بناء البرج» تمّ حين كان الفراعنة يخططون لقتل موسى (عليه السلام) ، وكان مؤمن آل فرعون يدافع عنه . . ونعرف أنّه قبل أن يواجه موسى (عليه السلام) السحرة لم يكن مثل هذا العمل ولا مثل هذا الحديث ، وحيث أن القرآن ا لكريم تحدّث عن مواجهة موسى (عليه السلام) للسحرة في سورة «طه ، والأعراف ، ويونس ، والشعراء» فإنّه لم يتطرق إليها هنا . وإنّما تحدث هنا وفي سورة المؤمن عن بناء البرج .

وعلى كل حال فقد شاع خبر انتصار موسى (عليه السلام) على السحرة في مصر ، وإيمان السحرة بموسى زاد في الأمر أهمية ، كما أن موقع الحكومة الفرعونية أصبح في خطر جديّ شديد .

واحتمال تيقظ الجماهير التي في أسر الذل كان كبيراً جدّاً . . فيجب صرف أفكار الناس بأية قيمة كانت ، واشغالهم بسلسلة من المشاغل الذهنية مقرونة ببذل من الجهاز الحكومي ، لإغفال الناس وتحميقهم !

وفي هذا الصدد يتحدث القرآن الكريم عن جلوس فرعون للتشاور في معالجة الموقف ، إذ نقرأ في أوّل آية من هذا المقطع : {وقال فرعون يا أيّها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} .

فأنا إلهكم في الأرض . . أمّا إله السماء فلا دليل على وجوده ، ولكنني سأتحقق في الأمر ولا أترك الإحتياط ، فالتفت إلى وزيره هامان وقال : {فأوقد لي يا هامان على الطين} ثمّ أصدر الاوامر ببناء برج أو قصر مرتفع جدّاً لأصعد عليه واستخبر عن إله موسى .

{فاجعل لي صرحاً لعلي اطلع الى إله موسى وإنّي لأظنّه من الكاذبين} .

لم لَمْ يذكر فرعون اسم الآجر ، واكتفى بالقول : {فأوقد لي يا هامان على الطين}؟ قال بعضهم : هذا دليل على أن الآجر لم يكن متداولا حتى ذلك الحين ، وإنّما ابتكره الفراعنة من بعد . . في حين أن بعضهم يرى أن هذا التعبير أو هذا البيان فيه نوع من التكبر وموافق لسنّة الجبابرة .

وقال بعضهم : إنّ كلمة «آجر» ليست فصيحة ، لذلك لم يستعملها القرآن ، وإنّما استعمل هذا التعبير المتقدم على لسان فرعون ! .

هنا ناقش جماعة من المفسّرين كالفخر الرازي والآلوسي مسألة «الصرح» ، وهل بنى فرعون «الصرح» حقّاً أم لا ؟!

ويبدو أن الذي شغل فكر المفسّرين هو أن هذا العمل لم يكن متزّناً بأيّ وجه وأي حساب .

ترى . . ألم يكن الناس قد صعدوا الجبال من قبل فرأوا منظر السماء كما هو على الأرض ؟ .

وهل البرج الذي يبنيه البشر أكثر ارتفاعاً من الجبل؟ .

وأي أحمق يصدق أنّه يمكن الوصول إلى السماء بواسطة مثل هذا البرج ؟!

ولكن أُولئك الذين يفكرون مثل هذا التفكير غفلوا عن هذه المسألة ، وهي أن مصر لم تكن أرضاً جبلية ، وبعد هذا كلّه نسوا أنّ الطبقة العامّة لأهل مصر بسطاء ويخدعون بشتى الوسائل .

حتى في عصرنا الذي يسمى عصر العلم وعصر النور ، نجد مسائل تشبه ما وقع في العصور الماضية ينخدع بها الناس .

وعلى كل حال ، فطبقاً لما ورد في بعض التواريخ ، فإنّ هامان أمر بأرض واسعة ليبنى عليها الصرح أو البرج ، وهيّأ خمسين ألف رجل من العمال والمهندسين لهذا العمل المضني ، وآلاف العمال لتهيئة الوسائل اللازمة لهذا البناء ، وفتح أبواب الخزائن وصرف أموالا طائلة في هذا السبيل ، واشغل عمالا كثيرين في هذا البناء . . حتى أنّه ما من مكان إلاّ وتسمع فيه أصوات هذا البناء أو أصداؤه ! .

وكلما اعتلى البناء أكثر فأكثر كان الناس يأتون للتفرج ، وما عسى أن يفعل فرعون بهذا البناء وهذا البرج .

صعد البناء إلى مرحلة بحيث أصبح مشرفاً على جميع الأطراف . وكتب بعضهم : إنّ المعمارين بنوا هذا البرج بناءً بحيث جعلوا حوله سلالم حلزونية يمكن لراكب الفرس أن يرتقي الى أعلى البرج .

ولمّا بلغ البناء تمامه ولم يستطع البناؤون أن يعلوه أكثر من ذلك . . جاء فرعون بنفسه يوماً وصعده بتشريفات خاصة . . فنظر إلى السماء فوجدها صافية كما كان ينظرها من الأرض لم تتغير ولم يطرأ عليها جديد .

المعروف أنّه رمى سهماً إلى السماء ، فرجع السهم مخضباً بالدم على أثر إصابته لأحد الطيور أو أنّها كانت خديعة من قبل فرعون من قبل . . فنزل فرعون من أعلى القصر وقال للناس : اذهبوا واطمأنوا فقد قتلت إله موسى (2) .

ومن المسلم به أن جماعة من البسطاء الذين يتبعون الحكومة اتباعاً أعمى وأصم ، صدّقوا ما قاله فرعون ونشروه في كل مكان ، وشغلوا الناس بهذا الخبر لإغفالهم عن الحقائق ! .

ونقلوا هذا الخبر أيضاً ، وهو أنّ البناء لم يدم طويلا «وطبعاً لا يدوم» أجل لقد تهدم البناء وقتل جماعة من الناس . . ونقلوا في هذا الصدد قصصاً أُخرى ، وحيث أن لم تتّضح صحتها لنا فقد صرفنا عنها النظر .

والذي يلفت النظر أن فرعون في كلامه هذا {ما علمت لكم من إله غيري} كان قد استعمل نهاية الخبث ومنتهى الشيطنة . . إذ كان يرى من المسلّم به أنّه إله !! . . وكان مدار بحثه : هل يوجد إله غيره ؟!! . . ثمّ ينفي أن يكون هناك إله سواه إله ; لعدم وجود الدليل !! وفي المرحلة الثّالثة والأخيرة ، ومن أجل أن يقيم الدليل على عدم وجود إله غيره بنى ذلك الصرح ! .

كل هذه الأُمور تؤكّد جيداً أنّه كان يعرف تلك المسائل ، إلاّ أنّه كان يضلل الناس ويصرف أفكارهم عن الحق ، ليحفظ موقعه وحكومته ! .

بعد هذا كلّه يتحدث القرآن عن استكبار فرعون ومن معه ، وعدم اذعانهم لمسألتي «المبدأ والمعاد» بحيث كان فرعون يرتكب ما يشاء من إجرام وجنايات بسبب انكار هذين الاصلين فيقول : {واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحقّ وظنوا أنّهم إلينا لا يرجعون} .

هذا الإنسان الضعيف الذي لا يستطيع أن يبعد عن نفسه بعوضة ، وربّما قتله ميكروب لا يرى بالعين المجرّدة كيف يمكن له أن يدعي العظمة والألوهيّة !؟ .

ورد في الحديث القدسي أنّ الله سبحانه يقول : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النّار» (3) .

ومن البديهي أنّ الله لا يحتاج إلى أوصاف كهذه . . ولكن حالة الطغيان والعدوان تستولي الإنسان حينما ينسى نفسه ، وتملأ ريح الكبر والغرور فكره !

لكن لننظر إلى أين وصل هذا الغرور بفرعون وجنوده ؟!

يقول القرآن الكريم : {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمّ} .

أجل ، لقد جعلنا سبب موتهم في مصدر معيشتهم ، وجعلنا النيل الذي هو رمز عظمتهم وقوّتهم مقبرةً لهم ! .

من الطريف أنّ القرآن يعبّر بـ«نبذناهم» من مادة «نبذ» على زنة «نبض» ومعناه رمي الأشياء التي لا قيمة لها وطرحها بعيداً ، تُرى ما قيمة هذا الإنسان الأناني المتكبر المتجبّر الجاني المجرم ؟!

أجل ، لقد نبذنا هؤلاء الذين لا قيمة لهم من المجتمع البشري ، وطهّرنا الأرض من لوث وجودهم .

ثمّ ، يختتم الآية بالتوجه إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) قائلا : {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} .

هذا النظر ليس بعين «البصر» بل هو بعين «البصيرة» ، وهولا يخص ظلمة الماضي وفراعنة العهد القديم ، بل إن ظلمة هذا العصر ليس لهم من مصير سوى هذا المصير المشؤوم ! .

ثمّ يضيف القرآن قائلا في شأنهم : {وجعلناهم أئمّة يدعون إلى النّار ويوم القيامة لا ينصرون} .

هذا التعبير أوجد إشكالا لدى بعض المفسّرين ، إذ كيف يمكن أن يجعل الله أناساً أئمة للباطل ؟!

ولكن هذا الأمر ليس معقداً . . لأنّه أولا . . إن هؤلاء هم في مقدمة جماعة من أهل النّار ، وحين تتحرك الجماعات من أهل النّار ، فإنّ هؤلاء يتقدمونهم إلى النّار ! فكما أنّهم كانوا في هذه الدنيا أئمّة الضلال ، فهم في الآخرة ـ أيضاً ـ أئمّة النّار ، لأنّ ذلك العالم تجسم كبير لهذا العالم ! .

ثانياً . . كونهم أئمّة الضلال ـ في الحقيقة ـ نتيجة أعمالهم أنفسهم ، ونعرف أن تأثير كل سبب هو بأمر الله ، فهم اتخذوا طريقاً يؤدي بهم إلى الضلال وينتهي بهم إلى أن يكونوا أئمّة الضالين ، فهذه حالهم في يوم القيامة ! .

ولمزيد التأكيد يصور القرآن صورتهم وماهيتهم في الدنيا والآخرة ! {واتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة هم من المقبوحين !} (4) لعنة الله معناها طردهم من رحمته ، ولعنة الملائكة والمؤمنين هي الدعاء عليهم صباحاً ومساءً . . وفي كل وقت . وأحياناً تشملهم اللعنة العامة . وأحياناً يأتي اللعن خاصّة لبعضهم . حيث أنّ كل من يتصفح تأريخهم يلعنهم ، ويتنفّر من أعمالهم .

وعلى كل حال فإنّ سوء أعمالهم في هذه الدنيا ، هو الذي قبّح وجوههم في الدار الآخرة «يوم القيامة» ، لأنّه يوم البروز ويوم هتك الحُجب .

 

وقوله تعالى : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ مِنْ بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاُْولَى بَصَآئِرَ لِلنَّاسَ وَهُدىً ورَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}

 

الأخبار الغيبيّة هي من عند الله وحده . .

نصل في هذا القسم من الآيات إلى «المقطع العاشر» وهو القسم الأخير من الآيات التي تتعلق بقصّة موسى وما تحمله من معان كبيرة ! .

وهي تتحدث عن نزول الأحكام ، والتوراة ، أي إنّها تتحدث عن انتهاء الدور السلبي «الطاغوت» وبداية «الدور الإيجابي» والبناء ! .

يبدأ هذا المقطع بالآية التالية {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعدما أهلكنا القرون الأُولى بصائر للناس وهدىً ورحمةً لعلّهم يتذكرون} .

والكلام في أنّ المقصود من «القرون الأولى» أي الأقوام السابقين . . من هم ؟!

قال بعض المفسّرين : هو إشارة إلى الكفّار من قوم نوح وعاد وثمود وأمثالهم . . لأنّه بتقادم الزمان ومضيّه تمحى اثار الأنبياء السابقين ، ويلزم من ذلك وجود كتاب سماويّ جديد في أيدي البشر ! .

وقال بعض المفسّرين : هو إشارة إلى هلاك قوم فرعون الذين كانوا بقايا الأقوام السابقين ، لأنّ الله سبحانه آتى موسى كتاب «التّوراة» بعد هلاكهم .

ولكنّه لا مانع من أن يكون المقصود بالقرون الأُولى في الآية شاملا لجميع الأقوام .

و«البصائر» جمع «بصيرة» ومعناها الرؤية ، والمقصود بها هنا الآيات والدلائل التي تستوجب إنارة قلوب المؤمنين . . و«الهدى» و«الرحمة» أيضاً من لوازم البصيرة . . وعلى أثرها تتيقظ القلوب (5) .

________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص577-585 .

2 ـ مقتبس من تفسير أبي الفتوح الرازي ذيل الآيات محل البحث ، ج 89 ، ص 362 .

3 ـ تفسير روح المعاني ، التّفسير الكبير ، للفخر الرازي ، تفسير الميزان وتفاسير أخر ذيل الآية محل البحث .

4 ـ «المقبوح» مشتق من «القبح» ومعناه السوء . ما فسّره بعضهم بأنّ المقبوح معناه المطرود أو المفضوح أو المغضوب عليه وما شاكلها ، فهومن التّفسير بلازم المعنى ، وإلاّ فالمقبوح معناه واضح .

5 ـ «البصائر» جمع «بصيرة» وأمّا «البصر» فجمعه «أبصار» .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .