أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-5-2021
2632
التاريخ: 24-6-2019
2772
التاريخ: 1-12-2016
3469
التاريخ: 2023-06-17
979
|
مولد سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم
روى الخاصة والعامة ان الله جل وعلا لما أراد أن يخلق سيّدنا محمّد أمر جبرئيل عليه السّلام أن يأتيه بالقبضة البيضاء التي هي قلب الأرض ونورها فهبط جبرئيل عليه السّلام في ملائكة الفراديس عليه وعليهم السلام فقبض قبضة من موضع قبره وهي يومئذ بيضاء نقية فعجنت بماء التسنيم وزعزت حتى جعلت كالدرّة البيضاء ثم غمست في جميع أنهار الجنّة وطيف بها في السنوات والأرض والبحار وعرفت الملائكة محمّدا صلّى الله عليه وآله وفضله قبل أن تعرف آدم عليه السّلام.
ولما خلق الله تعالى آدم عليه السّلام سمع من تخطيط أثناء جبهته نشيشا كنشيش الذرّ فقال سبحانك ربي ما هذا؟.
قال الله عز وجل : هذا تسبيح خاتم النبيين وسيّد المرسلين من ولدك ولو لاه ما خلقتك ولا خلقت سماء ولا أرضا ولا جنّة ولا نارا فخذه بعهدي وميثاقي على ان لا تودعه إلّا في الأصلاب الطاهرة.
قال آدم عليه السّلام : نعم الهي وسيدي قد أخذته بعهدك وميثاقك على أن لا أودعه إلّا في المطهرين من الرجال والمحصنات من النساء. وروي أن المحصنات هن الصالحات العفائف.
قال : وكان نور رسول الله صلّى الله عليه وآله يرى في دايرة غرّة جبين آدم عليه السّلام كالشمس في دوران فلكها وكالبدر في ديجور ليله فكان آدم عليه السّلام كلّما أراد أن يتغشى حوا يتطهّر ويتطيب ويأمرها أن تفعل ذلك ويقول يا حوا تطهّري فلعلّ الله أن يستودع هذا النور المستودع ظهري عن قليل طهارة بطنك.
قال : فلم تزل حوا كذلك حتى بشّرها الله عزّ وجل بشيث أبي الأنبياء ورأس المرسلين ، وفتح لآدم وحوا نهر من الجنّة وبسط الله عليهما الرحمة واجتمعا في ذلك اليوم فحملت بشيث عليه السّلام.
وكان أبا الأنبياء عليهم السّلام فأصبح آدم عليه السّلام وذلك النور مفقود من وجهه ونظر إليه في جبهة حوا فسر بذلك وكانت حوا تزداد في كلّ يوم حسنا وكانت طير الأرض وسباع الآجام إليها يشيرون والى نورها يشتاقون.
وبقي آدم لا يقربها لطهارتها وطهارة ما في بطنها وقابلتها الملائكة كلّ يوم بالتحيات من عند ربّ العالمين وتؤتى كل يوم بماء التسنيم من الجنّة تشربه حتى خلق الله عز وجل لنور محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فلم تزل كذلك حتى وضعت شيئا فنظرت الى نور رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد صار بين عينيه وضرب الله بينهما وبين الملعون إبليس حجابا من النور في غلظ خمسمائة عام فلم يزل إبليس محبوسا في قرار محبسه حتى بلغ شيث سبع سنين وعمود النور بين السماء والأرض ثم لم يزل ذلك النور في الأرض ممدودا حتى أدرك شيث.
فلما أيقن آدم عليه السّلام بالموت أخذ بيد شيث وقال له يا بني ان الله أمرني أن آخذ عليك العهد والميثاق من أجل هذا النور المستودع وجهك ان لا تضعه إلّا في أطهر نساء العالمين واعلم ان ربّي جل وعز أخذ عليّ فيه قبلك عهدا غليظا.
ثم قال آدم عليه السّلام : ربّي وسيدي انّك أمرتني أن آخذ على شيث من بين ولدي جميعا عهدا من أجل هذا النور الذي في وجهه فأسألك أن تبعث إليّ ملائكة يكونون شهودا عليه.
فما استتم عليه السّلام الدعوة حتى نزل جبرئيل عليه السّلام في سبعين ألف ملك معهم حريرة بيضاء وقلم من أقلام الجنّة فسلّم عليه وقال له ان الله يقرأ عليك السلام ويقول لك قد آن لحبيبي محمّد أن ينتقل إلى الأصلاب والأرحام الطاهرة وهذه حريرة بيضاء وقلم لك من الجنّة تشهد لك بغير كتاب فاكتب على ابنك شيث كتابا بالعهد والامانة بشهادة هؤلاء الملائكة.
وطوى الحريرة طيّا شديدا وختمها بخاتم جبرئيل عليه السّلام وكسا (شيئا) حلتين حمراوين أضوأ من نور الشمس وفي رقة لجج الماء وزوجه الله قبل أن تزول الملائكة بحوراء اهبطها له من الجنّة تسمى (نزله) فحملت ب (أنوش) فلما حملت به سمعت الأصوات من كلّ مكان «هنيئا هنيئا لك ابشري فقد أودعك الله نور محمّد المصطفى» ، وضرب لها حجابا من النور عن أعين الناس ومكايد الشيطان (لعنه الله).
وكان إبليس لا يتوجّه في وجه من الأرض إلّا نظر الى ذلك الحجاب مضروبا عليه فلم يزل كذلك حتى وضعت (أنوش) فلما وضعته نظرت الحوراء «نزله» الى نور رسول الله صلّى الله عليه وآله بين عينيه فلما ترعرع دعاه أبوه شيث فقال له : يا أبتي أمرني ربّي أن أتخذ عليك عهدا وميثاقا ، ألا تتزوج إلّا بأطهر نساء العالمين.
فحمد الله وقبل وصيته.
وأوصى انوش الى ابنه «قينان» بمثل ذلك من وصيّة آبائه عليهم السّلام.
وأوصى قينان الى ابنه «مهائيل» وأوصى مهائيل ابنه «بردا» فتزوج بردا امرأة يقال لها «برة» فحملت ب «أخنوخ» وهو إدريس ، فلما ولد إدريس نظر أبوه الى النور يلوح بين عينيه فقال : يا بني أوصيك بهذا النور كلّ الوصاية ، فقبل وصيّته وتزوّج امرأة يقال لها «بزرعا» فولدت له «متوشلخ».
وولد لمتوشلخ لمك ، كان لمك رجلا أشقر قد أعطي قوّة وبطشا فتزوج امرأة يقال لها «قنسوس» بنت «تركاسل» فولدت له نوحا وتحول إليه نور رسول الله صلّى الله عليه وآله فلما نظر الى النور في وجهه قال : يا بني ان هذا النور هو النور الذي تتوارثه الأنبياء عليهم السّلام وهو نور المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله ينتقل بالعهود والمواثيق الى يوم خروجه واني آخذ عليك عهدا وميثاقا ألا تتزوّج إلّا بأطهر نساء العالمين.
فقبل نوح وصيّة أبيه فتزوّج امرأة يقال لها (عمودة) وكانت من المؤمنات فولدت (ساما) وفيه نور محمّد صلّى الله عليه وآله فلما نظر نوح الى النور في وجه سام سلّم إليه تابوت آدم عليه السّلام وكان التابوت من الياقوت ويقال انّه من درّة بيضاء له بابان مغلقان بسلسلة من ذهب أحمر ابريز وعروتان من الزمرد وفيه العهد والديباجة وزوّجه امرأة من بنات الملوك لم يكن لها في الحسن شبه فولدت له «ارفخشد» وسلّم إليه التابوت فتزوج امرأة يقال لها «مرجانة» فحملت بغابر ، وهو هود النبيّ صلّى الله عليه. فلما وضعته سمعت نداء الأصوات من كل مكان «هذا نور محمّد صلّى الله عليه وآله تكسّر به الأصنام كلّها ويقتل به من طغى وكفر».
فخرج أجمل نوره جمالا وأشدّه زهرا فزوّج امرأة يقال لها (منساحا) فولدت له (فالغا) وولد لفالغ (شالخ) وولد لشالخ (ارغو) وولد لارغو (سروع) وولد لسروع (ناحور) وولد لناحور (تارخ) فتزوج امرأة يقال لها (أدنى بنت سمن) فولدت له (الخليل) إبراهيم صلّى الله عليه ، فلما ولد إبراهيم ضرب له علمان من نور ، علم في شرق الأرض وعلم في غربها فصارت الدنيا كلّها نورا واحدا وضرب له عمود من نور في وسط الدّنيا لا حق بأعنان السماء له اشراق وطنين تهتز الملائكة من حسن طنين ذلك العمود فقالت ربنا ما هذا؟. فنوديت : هذا نور محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال ورفع لإبراهيم صلّى الله عليه كما رفع لآدم من قبل ، فقال : ربي وسيدي ما رأيت لك خلقة أحسن من هذه الخليقة ولا امة من أمم الأنبياء هي أنور من هذه الامة فمن هذا؟ فنودي : هذا محمّد حبيبي أجريت ذكره قبل أن أخلق سمائي وأرضي وجعلته نبيّا وأبوك آدم مدرة بين الروح والجسد ولقد لقيته أنت في الذروة الأولى ثم أجريته في صلبك الى صلب ابنك اسماعيل.
وكان إبراهيم قد خبر سارة بخبره ان الله عز وجل سيرزقها ولدا طيّبا فطمعت في نور محمّد صلّى الله عليه وآله وكان إبراهيم صلّى الله عليه قد خبرها بعظيم نوره وبهائه فلم تزل متوقعة لذلك حتى حملت هاجر باسماعيل.
فلما حملت هاجر اغتمت سارة من ذلك غمّا شديدا فلم تزل في أشد الغم والكرب.
فلما ولدت هاجر أدرك سارة الغيرة فأخذها ما يأخذ النساء فبكت وقالت : يا إبراهيم ما لي من بين الخلق حرمت الولد؟.
قال إبراهيم عليه السّلام : ابشري وقرّي عينا فان الله منجز وعده انّه لا يخلف الميعاد.
فلم تزل سارة كذلك حتى رزقها الله اسحاق النبيّ صلّى الله عليه ، فلما نشأ وصار رجلا أدركت إبراهيم الوفاة وجمع أولاده وهم يومئذ ستة فلما نظر الى النور في وجه اسماعيل قال له : بخ بخ هنيئا لك يا اسماعيل قد خصّك الله بنور نبيّه محمّد وأنا آخذ عليك عهدا وميثاقا.
فأخذ عليه السّلام متمسكا بذلك العهد حتى تزوّج (هالة بنت الحارث) فواقعها فولدت (قيدار) وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلما نظر اسماعيل الى النور في وجه قيدار سلّم التابوت إليه وأوصاه بدين الله وسنّته وأمره أن لا يضع النور إلّا في أطهر النساء.
وكان قيدار ملك قومه وسيّدهم وكان قد أعطي سبع خصال لم يعطها من كان قبله : القنص ، والرمي ، والفروسية ، والشدّة ، والبأس ، والصراع ، والجماع ، وكان قد تزوّج مائتي امرأة من بنات اسحاق وأقام معهنّ مائتي سنة لا يحبلهن ولا يلدن. فبينما هو ذات يوم وقد جمع قنصه إذ تلقته الوحوش والسباع والطير من كلّ مكان فنادته بلسان الآدميين: يا قيدار قد مضى عمرك وانما همّتك اللهو ولذّة الدّنيا فما آن لك أن تهتم بنور محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أين تضعه ولما ذا استودعته.
فرجع قيدار الى منزله مغموما مكروبا وحلف بإله إبراهيم أن لا يطعم طعاما ولا يقرب امرأة أبدا حتى يأتيه بيان ما سمع على لسان الوحش والطير.
فلم يزل قاعدا على فلاة من الأرض إذ بعث الله إليه ملك الهواء في صورة رجل من أهل الأرض، لم ير قيدار أحسن وجها منه وزيا وخلقا فهبط عليه السّلام فسلّم فرد عليه السلام وقعد مع قيدار وقال: يا قيدار انّك قد زيّنت بالقوّة والبأس وملكت البلاد ونقل إليك نور محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وانّه كاين لك ولد من غير نسل اسحاق عليه السّلام فلو انّك نذرت نذورا وقربت لإله إبراهيم قربانا وسألته أن يبيّن لك من أين لك ذلك التزويج لكان خيرا من التواني.
ثم تركه الملك وقد عرج الى مقامه فقام قيدار من مقامه وساعته وكانت له رحمة وجمال وبهاء وكمال، وقرب يومئذ سبعمائة كبش أقرن من الكباش التي ورثها من إبراهيم عليه السّلام وكان كلّما ذبح كبشا جاءت نار من السماء حمراء لا دخان لها في سلاسل بيض فتأخذ ذلك القربان فتصعد به الى السماء.
فلم يزل قيدار يذبح ويقرب حتى نادى مناد: حسبك يا قيدار قد استجاب الله منك دعوتك وقبل قربانك انطلق الآن من فورك هذا الى شجرة الوعد فقم في أصلها وانته الى ما تؤمر به في المنام فافعله.
فأقبل قيدار حتى أتى الشجرة فقام في أصلها فأتاه آت في المنام فقال له: قيدار ان هذا النور الذي في ظهرك هو النور الذي فتح الله به الأبواب كلّها وخلق الدّنيا طرا من أجله واعلم ان الله جلّ اسمه لم يكن ليخزنه إلّا في الفتيات العربيات فابتغ لنفسك امرأة طاهرة من العرب وليكن اسمها (غاضرة).
فوثب قيدار فرحا فرجع الى منزله وبعث رسلا يطلبون له امرأة من العرب اسمها الغاضرة ولم يرض برسله حتى ركب جواده وأخذ السيف معه شاهرا له وجعل يستقرئ أحياء العرب وينزل على قوم ويرحل الى آخرين حتى وقع على ملك الحرمين وكان من ولد ذهل بن عامر بن يعرب بن قحطان وله بنت يقال لها الغاضرة وكانت من أجمل نساء العالمين فتزوّجها وحملها الى أرضه فواقعها فحملت بابنه (حمل) واصبح قيدار والنور مفقود من وجهه ونظر إليه في وجه الغاضرة فسر بذلك سرورا شديدا.
وكان عنده تابوت آدم عليه السّلام وكان ولد اسحاق ينازعونه في التابوت ليأخذوه وكانوا يقولون ان النبوّة قد انتقلت عنكم فليس لكم إلّا هذا النور الواحد فاعطنا التابوت.
فكان يمتنع قيدار عليهم ويقول انّه وصيّة أبي اسماعيل ولا أعطيه أحدا من العالمين.
فذهب قيدار ذات يوم ليفتح التابوت فعسر فتحه عليه وناداه مناد من الهواء : مهلا يا قيدار وليس لك الى فتح التابوت سبيل. انّك وصيّ نبيّ ولا يفتح هذا التابوت إلّا نبي فادفعه الى ابن عمّك يعقوب إسرائيل الله.
فلما سمع ذلك أقبل الى أهله وهي الغاضرة فقال لها انظري ان أنت ولدت غلاما فسمّيه حملا فأني أرجو أن يكون نسمة طيبة.
وحمل قيدار التابوت على عاتقه وخرج يريد ارض كنعان وكان يعقوب عليه السّلام بها فأقبل يسير حتى قرب من البلاد فصر التابوت صريرا سمعه يعقوب فقال لبنيه أقسم بالله حقّا لقد جاءكم قيدار فقوموا نحوه.
فقام يعقوب وأولاده جميعا فلما نظر يعقوب الى قيدار استعبر باكيا وقال ما لي أرى لونك متغيّرا وقوّتك ناقصة؟ أرهقك عدو أم أتيت معصية؟.
قال : ما أرهقني عدوّ ولا أتيت معصية ولكن نقل من ظهري نور محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فلذلك تغيّر لوني وضعف ركني.
فقال : بخ بخ شرفا لك بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يكن الله عز وجل ليخزنه إلّا في العربيات الطاهرات يا قيدار فانّي مبشّرك ببشارة.
قال : وما هي؟.
قال : اعلم ان الغاضرة قد ولدت في هذه الليلة الماضية غلاما.
قال قيدار : ما علمك يا ابن عمي وأنت بأرض الشام وهي بأرض الحرم من تهامة.
قال يعقوب : لأني رأيت أبواب السماء قد فتحت ورأيت نورا كالقمر الممدود بين السماء والأرض ورأيت الملائكة ينزلون من السماء بالبركات والرحمة فعلمت ان ذلك من أجل محمّد صلّى الله عليه وآله.
قال : فسلّم قيدار التابوت الى يعقوب عليه السّلام ورجع الى أهله فوجدها قد وضعت حملا فلما ترعرع أخذ بيده وانطلق به يريد مكّة والمقام وموضع البيت الحرام.
فلما صار الى جبل (ثبير) تلقاه ملك الموت (صلّى الله عليه) في صورة آدمي فقال له : الى أين يا قيدار؟.
قال : انطلق بابني هذا فأريه مكّة والمقام وموضع البيت الحرام.
قال : وفّقك الله ولكن عندي ضحية فادن الي.
فدنا منه ليساره فقبض روحه من اذنه فخرّ ميتا بين يدي ابنه حمل.
قال : فغضب حمل من ذلك غضبا شديدا وقال : يا عبد الله فتكت بأبي.
قال له ملك الموت عليه السّلام : انظر الى أبيك أميت هو أم حي؟
قال : فانكبّ حمل على أبيه ليعرف حاله فوجده ميتا ، وعرج ملك الموت الى السماء فرفع حمل رأسه فلم ير ديارا ولا مجيبا فعلم انّه كان ملكا ، فقعد عند رأسه يبكي فقيّض الله له قوما من ولد اسحاق فغسلوه وكفّنوه وحنّطوه ودفن في جبل ثبير.
وبقي حمل وحيدا فكلاه الله عز وجل حتى بلغ ذكره في العزّ والشرف فتزوّج امرأة من قومه يقال لها (حريزة) فحملت بابنه (نبت) عليه السّلام وولد لنبت ولد هو «سلامان» وولد لسلامان «الهميسع» وولد للهميسع «اليسع» وولد لليسع «أدد» وانما سمّي أدد لأنّه كان ماد الصوت طويل العزّ والشرف.
وولد لأدد (أد) ، وولد لأد عدنان وإنمّا سمّي عدنان لأن أعين الأحياء كلّها كانت تنظر إليه وقالوا ان تركنا هذا الغلام حتى يدرك مدرك الرجال ليخرجن من ظهره من يسود الناس كلّهم أجمعين ، فأرادوا قتله فوكّل الله تعالى به من يحفظه فلم يقدروا على حيلة فيه فنشأ أحسن أهل زمانه خلقا وخلقا فولد له (معد) وإنمّا سمّي معدا لأنّه كان صاحب حروب وغارات على يهود بني إسرائيل ولم يواقع أحدا إلّا رجع منصورا مظفرا فجمع من المال ما لم يجمعه أحد في زمانه وولد له (نزار) ، سمّي نزارا لأن معدا نظر الى نور رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في وجهه فقرب له قربانا عظيما وقال «لقد استقللت هذا القربان» فمن أجل ذلك سمّي نزارا.
فتزوج امرأة من قومه يقال لها (سعيدة) فولدت له (مضر) وإنمّا سمّي مضر لأنّه أخذ بالقلوب فلم يره أحد إلّا أحبه وكان صاحب قنص وصيد وكان كلّ رجل منهم يأخذ على ابنه كتاب عهد ألّا يتزوّج إلّا أطهر النساء في زمانه وكانت الكتب بالعهود تعلّق في البيت الحرام فلم تزل معلّقة من لدن اسماعيل (صلّى الله عليه) الى أيام الفيل. وكان أوّل من بدّلها وغيّرها وزاد فيها ونقص منها عمر بن اللحي صاحب استخراج الأصنام من الكعبة فلم يزل ذلك حتى تزوّج امرأة من قومه يقال لها (خزيمة) وتدعى أم حكيم فأولدها (الياس) وإنمّا سمّي الياس لأنّه جاء على يأس وانقطاع وكان يدعى كريم قومه وسيّدهم ويسمع من ظهره أحيانا دوي نور رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلم يزل كذلك حتى تزوّج امرأة يقال لها «فرعة» فولدت له «مدركة» وولد لمدركة «خزيمة» وإنمّا سمّي خزيمة لأنّه خزم نور آبائه فلم يزل كذلك حتى تزوج «بنت طابخة» فأولدها «كنانة».
فتزوّج كنانة بامرأة يقال لها «الحافة» فأولدها «النضر» وإنمّا سمّي النضر لأن الله سبحانه وتعالى اختاره وألبسه نضرة وسمّي النضر قريشا فكلّ من ولده النضر قرشي وهو الذي قال رأيت كأنّما خرجت من ظهري شجرة خضراء حتى بلغت عنان السماء وأن أغصانها نور في نور فلما انتبهت أتيت الكعبة وأخبرت من فيها بذلك فقالوا ان صدقت رؤياك صرف إليك العزّ والكرم وخصصت بالحسب والسؤدد.
فأعطاه الله ذلك ونظر الله تبارك وتعالى نظرة الى الأرض فقال للملائكة: انظروا من أكرم أهل الأرض اليوم عندي وأنا أعلم وأحكم؟
فقالت الملائكة: ربّنا وسيّدنا ما نرى أحدا يذكرك بالوحدانية مخلصا إلّا نورا واحدا في ظهر رجل من ولد اسماعيل.
قال : فقال الله : اشهدوا اني قد اخترته لنطفة حبيبي محمّد صلّى الله عليه وآله.
قال : فانبسط له بالعزّ والشرف حتى ولد له «مالك» وإنمّا سمّي مالكا لأنّه ملك العرب فأوصى الى ابنه «فهر» وأوصى فهر إلى ابنه «غالب» وأوصى غالب إلى ابنه «لؤي» وأوصى لؤي الى ابنه «كعب» وأوصى كعب إلى «مرّة» وأوصى مرّة إلى «كلاب» وأوصى كلاب الى «قصي» وأوصى قصي الى «عبد مناف» لأنّه أناف علا الناس وعلا فضرب الى الركبان من أطراف الأرض فأول ولد ولد له هاشم ، وإنمّا سمّي هاشما لأنّه أوّل من هشم الثريد لقومه وكان الناس في جدب شديد ومحل من الزمان وكانت مائدته منصوبة وكان يحمل ابناء السبيل ويؤمن الخائفين وكانت صفته وحليته على حلية اسماعيل عليه السّلام.
فلما خصّ الله عز وجل هاشما بالنور واصطفاه على العرب وفضّله على ساير قريش قال للملائكة اشهدوا انّي قد طهّرت عبدي هذا من دنس الآدميين وأحدثت نطفة محمّد في ظهره.
وكان يرى على وجهه كالهلال والكوكب الذي يتوقّد شعاعه، لا يمر بشيء إلّا سجد له، ولا يمر بأحد من الناس إلّا أقبل نحوه ، تفد إليه قبائل العرب وملوك الروم ووفود
الدّنيا من الأحياء ، ويحملون إليه بناتهم يعرضونهن عليه ، وكان يأبى ويقول : لا والذي فضّلني على أهل زماني لا تزوجت إلّا بأطهر نساء العالمين.
قال : فلم يزل كذلك حتى رأى في المنام أن يتزوّج بسلمى بنت زيد بن عمرو بن لبيد ابن خراش بن عدنان فتزوجها وكانت كخديجة بنت خويلد في زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان لها عقل ويسار وحلم فواقعها فولدت له عبد المطلب وكان هاشم خطب خطبته المعروفة بالمنذرة.
روى هارون عن زكريا الهجري عن أبي جميل البحراني باسناد له رفعه الى علي بن جعفر الصادق عليه السّلام قال سمعت أخي موسى ـ عليه السّلام وعلى آبائه ـ يقول : رأى اعرابي رؤيا لهاشم بن عبد مناف فقصّها عليه ، فقال له هاشم : سل اعطك.
قال : تجيد حلّتي وتسدّ خلّتي وتحمل وجلتي.
قال : فأمر له بناقة حمراء دريرة يتبعها من نتاجها خمسة أبطن كلّها منتج فأمر له بمائة نعجة شحمة حلوب وكساه من حلل صنعاء وعدن وقال له : لئن أخرني الله الى كون لأجعلنك سيّد العرب.
فلما كان الليل رأى هاشم في منامه كأنّه رفع إليه لواء فركزه على باب داره وكأن شهاب نار خرج من ظهره أضاءت له الدّنيا ولم يبق شيء من الجن والانس والطير والوحوش إلّا صار تحت ذلك اللواء حتى نطحت الشاة الذئب ونبح الكلب الأسد وورد ذلك الجمع كلّه شربا واحدا وسمع هاتفا يقول : يا أبا نضلة هذا بيت شعر يكتب بسطر منفرد :
على رغم آناف الذين تحزّبوا *** سيظهر محمود وينصر ناصره.
فلما أصبح هاشم أمر مناديا فنادى في شعاب مكّة: يا معشر أولاد النضر بن كنانة ومن سكن بمكّة من قبايل مكّة لا يتخلفن أحد عن ندائي.
فلما اجتمع الناس وأوفت الركبان من كل مكان خرج عليهم وقد نصب له منبره المركز فجلس عليه ساكتا لا يتكلّم فقالت قريش يا أبا نضلة لأمر كان نداؤك فانبه فلقد ضاقت منه الصدور.
فقال : والله هيه عن قريب أضيق ، اذا حضرت القروم تنفخ شقّا شقا ، وخنس كل حادل يحك عجب الذنب فكيف بكم اذا صرتم كدوحة القاع أحاط بها الراعي بغنم المرعى فهي تحصد هشيم أغصانها ، فعندها تصبح تلك الأعلام سهلة محجتها ، لحافر العير وظلف المعزى ويتواضع كلّ شموخ عالي الذروة صعب المرتقى فاذا كان ذلك قرع النبع بالنبع وأرثت الزناد بجناتها وساد ذليل القوم عشيرته ، واتبع المتبوع تابعه ، واضطربت أمواج العرب. واصطكت جنادل قريش ، فثم تنكر قريش أمرها.
فقالت قريش: يا أبا نضلة ان سحابك ليرعد بغرق العشيرة فأبن القول نعلمه ، واشرح الأمر نفهمه.
قال: انّه لأمر عجيب وكاين عمّا قريب يعزّ تابعه ويذلّ دافعه ، فاذا أنار بدره ، وشدّ أزره ، وقاتل فظفر ، وغزا فنصر ، فليست مكّة لقريش ، ولتلقيه رجالات قريش تمنعها أواصر الألفة من اتباعه ، كالابل حول قليب السقي ، والله والله ليكونن ما أقول ولو أدركته اذا والله حاميت عنه محاماة الأسد عن عرينه ، وضاربت دونه مضاربة الجمل الهايج عن النوق الضبع ، فثم ترزأ الحاضن بيضها وتثكل المفردة وحيدها ويبكم خطيب العشيرة ، ويقدم كسير القطيع ، والله ليكونن وليظهرن وان رغمت منه أنف رجال ، حين يهتف بي فلا أجيب.
قال : وخرج فمات بغزّة. فرآه أبوه يوما في الحجر مكحولا مدهونا قد كسي حلّة من حلل الجنّة فبقى متحيرا لا يدري من فعل به ذلك. فأخذ بيده وانطلق به الى كهنة قريش فأخبرهم بذلك فقالوا اعلم يا أبا نضلة ان إله السماء قد أذن لهذا الغلام بالتزويج.
قال : فزوّجه (قبلة بنت عمرو بن عائشة) فولدت له الحارث فماتت ، فزوّجه بعدها هندا بنت عمرو ، وحضرت هاشم الوفاة فدعا بعبد المطلب وقال له : يا بني اجمع إليّ بني النضر كلّها عبد شمسها ومخزومها وفهرها ولؤيها وغالبها وهاشمها.
فجمعهم عبد المطلب وهو يومئذ غلام ابن خمس وعشرين سنة أطول قريش باعا وأشدّهم قوّة تفوح منه روايح المسك ويسطع من دائرة جبينه النور.
قال: فلما أبصر هاشم ذلك النور قال: معاشر قريش، أنتم مح أولاد إسماعيل وأولادي وقد اختاركم الله جل وعز لنفسه، فجعلكم سكّان حرمه وبيته، وأنا ربيبكم وسيّدكم، فهذا لواء نزار، وقوس اسماعيل، وسقاية الحاج ومفاتيح الكعبة، قد سلّمتها الى ابني عبد المطلب فاسمعوا له وأطيعوا أمره.
قال : فوثبت قريش فقبلت رأس عبد المطلب ونثروا عليه ورقا وعينا وقالوا سمعنا وأطعنا.
فكان لواء نزار وقوس اسماعيل وسقاية الحاج ومفاتيح الكعبة كلّ ذلك يجري على يديه وكانت ملوك الأطراف والأكناف جميعا تكاتبه وتهاديه وتعرف له فضله ما خلا كسرى صاحب المدائن فانّه كان معاندا مكاشفا.
وكانت قريش إذا أصابها محل أو شدّة يأخذون بيد عبد المطلب ويخرجونه الى جبل ثبير فيتقرّبون الى الله عز وجل به ويستسقون، فكان الله عز وجل يسقيهم بنور رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الغيث.
ولقد روي من نور رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عجب يوم قدوم ابرهة بن الصباح الملك الذي قدم لهدم الكعبة وبيت الله الحرام فقال عبد المطلب: يا معشر قريش انّه لا يصل الى هدم هذا البيت لأنّ له ربا يحفظه.
وجاء ابرهة الملك فنزل بفناء مكّة فاستاق ابلا وغنما لقريش وأربعمائة ناقة حمراء لعبد المطلب فقام فركب في نفر من قومه فلما صار على جبل ثبير استدارت دائرة غرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على جبين عبد المطلب كالهلال وزهر شعاعها على البيت الحرام كالسراج اذا وقع على الجدار ضوء.
فلما نظر عبد المطلب الى ذلك من نفسه قال : معاشر قريش ارجعوا فقد كفيتم فو الله ما استدار هذا النور مني قط إلا كان الظفر.
ثم قصد الملك وقال الملك وقد سأله عبد المطلب في الابل والغنم: جئت لأخرّب بيته وشرفه وهو يسألني في الإبل.
فأخبر الترجمان عبد المطلب بذلك عنه؛ قال: سألت فيما هو لي ولقومي؛ والبيت لمن يحميه ولا يدع أحدا يصل إليه، ومتى تهيأ له الوصول الى البيت واخرابه فليقتلني فيه.
فاشتد ذلك على (ابرهة) وقيل ان ابرهة عند ما حاصر مكّة بعث إليها رجلا من قومه يقال له حنظلة الحميري وكان شديد البأس فأقبل يسير حتى دخل مكّة فسأل عن خير الناس فقيل له عبد المطلب فلما ادخل عليه حنظلة حضر وتلجلج لسانه وخرّ مغشيا عليه يخور كما يخور الثور اذا جز.
فلما أفاق خر ساجدا له فقال : اشهد انّك سيّد قريش حقا.
قال: وكان لا يدخل مكّة أحد وينظر الى وجه عبد المطلب إلّا خرّ له ساجدا إكراما من الله جل وعز لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ثم أدّى رسالة ابرهة الملك الى عبد المطلب فركب في نفر من قومه فلما توسط العسكر سبقه حنظلة وجعل يسعى سعيا حثيثا حتى دخل على الملك فقال له قد جاءك سيّد قريش حقّا.
قال : وكيف علمت.
قال : لأنّي لم أر في الآدميين أجمل منه وجها ، كان صفاء لونه اللؤلؤ المكنون. واعلم انّه لم يمر بشيء إلّا خرّ له ساجدا.
فأخذ ابرهة أحسن زينته وأذن له بالدخول فلما دخل عبد المطلب على ابرهة وهو على سرير ملكه في قبّة ديباج سلّم عليه فرد ابرهة عليه السلام وقام قائما فأخذ بكلتا يديه فأقعده معه.
فأقبل الملك ابرهة ينظر الى وجهه ثم قال له هل كان في آبائك أحد له مثل هذا النور؟
قال : نعم كلّ آبائي كان لهم هذا النور.
قال ابرهة : فأنتم قوم قد فاخرتم الملوك شرفا وفخرا.
ثم التفت الى سايس الفيل الأبيض وكان عظيما أبيض له نابان مرصعان بالدرّ والجواهر كان يباهي به جميع ملوك الأرض وكان من بين الفيلة لا يسجد لابرهة فقال له : اخرجه.
فأخرجه وقد زيّن فلما نظر الفيل الى عبد المطلب برك كما يبرك البعير وخرّ ساجدا ونادى بلسان عربيّ مبين : السلام على النور الذي في ظهرك يا عبد المطلب سيّد قريش حزت العز والسناء والشرف.
فلما سمع ابرهة مقال الفيل وقع عليه الإفك وهي الرغدة فظن ان ذلك سحره فبعث من ساعته فجمع له كلّ ساحر في المملكة وقال لهم حدّثوني عن شأن هذا الفيل انّه لا يسجد لي وقد سجد لعبد المطلب.
قالت له السحرة أيها الملك ان هذا الفيل لم يسجد لعبد المطلب وإنمّا سجد لنور يخرج من ظهره في آخر الزمان يقال له محمّد يملك الأرض شرقا وغربا وبرّا وبحرا وسهلا وجبلا وتذلّ له الملوك ويدين بدين صاحب هذا البيت إبراهيم، وملكه أعظم من ملك أهل الدنيا فتأذن لنا أيّها الملك أن نقبّل يديه ورجليه ، فأذن لهم ابرهة في ذلك.
فقامت السحرة فقبلت يدي عبد المطلب ورجليه وقام الملك متواضعا فقبّل رأسه وأمر له بأجزل الجوائز والعطايا ورد عليه وعلى عشائره من قريش ما أخذ منهم.
وعاد عبد المطلب الى مكّة فتزوج هالة بنت الحارث فولدت أبا لهب واسمه عبد العزى فخرج كافرا شيطانا وماتت هالة فتزوج بعدها عدّة من النساء وولد له عدّة أولاد.
ثم نام يوما في الحجر قال فرأيت كأنّه قد خرج من ظهري سلسلة بيضاء لها أربعة أطراف طرف منها بلغ مشارق الأرض وطرف بلغ مغاربها وطرف لحق أعنان السماء وطرف جاوز الثرى فبينما أنا أنظر إليها إذ صارت في أسرع من طرف العين شجرة خضراء لم ير الراءون أنضر منها ولا أحسن فبينما أنا كذلك فإذا أنا بشخصين بهيين قد وقفا عليّ فقلت لأحدهما من أنت؟ فقال أما تعرفني؟ قلت لا. قال: أنا أبوك نوح رسول ربّ العالمين.
وقلت للثاني من أنت؟ فقال : أنا أبوك إبراهيم خليل ربّ العالمين.
ثم انتبهت.
فقيل له ان صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك من يؤمن به أهل السموات والأرض وليكونن في الناس علما مبينا.
فرجع عبد المطلب وبقي زمانا لا يدري بمن يتزوج حتى رأى في منامه بأن يتزوّج بفاطمة بنت عمرو بن عامر المخزومي فتزوجها وأمهرها مائة ناقة حمراء وحملت منه فولدت أبا طالب ثم حملت فولد الزبير.
وأقام على ذلك زمانا لا يزول النور عن وجهه. فلما كان يوم من الأيام رجع من قنصه في الظهيرة وهو عطشان يلهث فرأى في الحجر ماء معينا وشرب من ذلك الماء فوجد برده على قلبه ثم دخل تلك الساعة على فاطمة فواقعها فحملت بعبد الله بن عبد المطلب وهو أصغر ولده وأخو أبي طالب لأبيه وأمه فلما ولدته سر أبوه به سرورا شديدا فلم يبق أحد من احياء العرب ولا الشام إلا علم بمولده وذلك انّه كانت عنده جبّة صوف بيضاء مغموسة في دم يحيى بن زكريا عليهما السّلام وكانوا يجدون في الكتب (ان اذا رأيتم الجبّة البيضاء والدم يقطر فيها فاعلموا ان عبد الله بن عبد المطلب عليه السّلام قد ولد) فما زالوا يترقبون الجبّة على مرّ السنين حتى اذا صار عبد الله غلاما مترعرعا قدمت عليه الاحياء ليقتلوه فصرف الله كيدهم عنه فرجعوا خائبين لم يقدروا في أمره على حيلة.
وكان تجارة قريش يومئذ بأرض الشام فكان لا يقدم على احبار يهود الشام أحد من أهل الحرم وتهامة إلّا سألوه عن عبد الله بن عبد المطلب فيقول بخ بخ تركناه يزداد في قريش تلألأ وحسنا وجمالا وكمالا فيقول الأحبار : معاشر قريش ان ذلك النور ليس لعبد الله بن عبد المطلب ... ذلك النور لمحمّد نبي يخرج من ظهره في آخر الزمان يغيّر عبادة الأصنام ويزيل عبادة اللات والعزى ويبطلها.
فكانت قريش إذا سمعت بذلك يغشى عليها فإذا رجعت عادت في كفرها ثم تقول : القول كما يقولون وربّ الكعبة.
وعبد الله يومئذ أجمل أهل زمانه كلّهم قد شغف به نساؤهم حتى لقي في زمانه ما لقي يوسف الصدّيق عليه السّلام من امرأة العزيز في زمانه فقالت السحرة انّا إذا لم نغلب هذا الفتى على هذا النور الذي بين عينيه تخوفنا أن يسلب علمنا عن قليل وكهانتنا.
فكانت الكهنة تعرض أنفسها عليه مع المال الكثير فيأباهم ويقول : لا سبيل لي إلى كلامكم وكان يخبر أباه عبد المطلب بالعجائب. فقال له يوما: يا أبه أنى خرجت من
بطحاء مكّة فخرج من ظهري نوران أحدهما يأخذ المشرق والآخر المغرب وان النورين استدارا في ظهري كأسرع من طرف العين.
فقال له : ان صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك خير العالمين.
وبقي عبد الله على ذلك زمانا ودهرا ليس لنساء قريش تشوّق ولا همّة غيره.
وقدم عليه بعد ذلك سبعون حبرا من يهود الشام فتحالفوا أن لا يخرجوا أو يقتلوا عبد الله فجاءوا معهم بسبعين سيفا مسقاة سمّا فجعلوا يسيرون الليل ويكمنون النهار حتى نزلوا بفناء مكّة وأقاموا. فلما كان في بعض الأيام خرج عبد الله الى الصيد وحيدا فأصاب الأحبار منه خلوة فأحدقوا به ليقتلوه فلما نظر الى ذلك وهب بن عبد مناف الزهري وهو أبو آمنة أم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أدركته الحمية فقال : سبعون رجلا يحدقون برجل واحد من أهل مكّة لا ناصر له ولا معين أشهد لأنصرنه عليهم.
قال : فحمل من مكانه لنصرة عبد الله على اليهود فحانت منه التفاتة فنظر الى رجال لا يشبهون رجال الدّنيا ينزلون على الأرض من السماء فحملوا على اليهود فقطعوهم إربا إربا.
فلما نظر وهب الى ذلك رجع إلى أهله مبادرا فخبرها بالخبر وقال انطلقي الى عبد المطلب فاعرضي عليه ابنتك لابنه عبد الله لعلّه يتزوّجها قبل أن يسبقنا إليه قوم آخرون فتكون الحسرة الكبرى والمصيبة العظمى.
فجاءت (برة) الى عبد المطلب فعرضت ابنتها عليه وهي (آمنة) فقال عبد المطلب : لقد عرضت امرأة لا يصلح لا بني من النساء غيرها. فزوّجها إيّاه على مائة ناقة حمراء فلما ابتنى عبد الله (بآمنة) مرض نساء قريش وتلف خلق منهنّ ومن غيرهن أسفا إذ لم يتزوجهن عبد الله.
وأعطى الله عز وجل آمنة بنت وهب من النور والجمال والبهاء والكمال ما كانت تدعى سيدة قومها. وبقي عبد الله على ذلك سنين ونور محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بين عينيه لا يخرج الى بطن زوجته حتى أذن الله عز وجل لذلك النور أن ينزل من ظهر عبد الله الى بطن آمنة في ذي الحجة عشيّة عرفة وليلة جمعة وأمر الله تبارك وتعالى رضوان خازن الجنّة عليه السّلام أن يفتح أبواب الجنّة وفتحت أبواب السماء والفراديس كلّها وبشّرت الأرض بأن النور المكنون منه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الليلة يستقر في بطن آمنة امّه.
وأصبحت يومئذ أصنام قريش وأصنام الدّنيا كلّها منكوسة مصفدة فيها شياطينها وأصبح عرش إبليس اللعين منكوسا أربعين يوما وأفلت محترقا هاربا حتى أتى جبل أبي قبيس فصاح صيحة اجتمع إليه كلّ شيطان مريد فقالوا لسيّدهم ما ذا الحال؟.
فقال : ويلكم هلكتم بهذه المرّة هلاكا لم تهلكوا مثله قط.
قالوا : ما القصة؟.
قال : هذا محمّد مبعوث بالسيف القاطع الذي لا حياة بعده. امّته امة هي التي ألعنني ربي من أجلها وجعلني شيطانا رجيما ، يظهرون الوحدانية ولا يشركون بربّهم شيئا ، وسيأتي من هذا النبي ومن امّته ما يسخن عيني وقلبي فإلى أين المفر والملجأ؟
فقالت له عفاريته : طب نفسا وقرّ عينا فان الله جل وعز خلق ذرية آدم على سبعة أطباق ولكلّ طبق منهم جزء مقسوم وقد مضت ستة أطباق وكانوا أشدّ من هؤلاء وأكثر جمعا وأولادا وقد استوثقنا منهم ولا بد من أن نستوثق من في الطبق السابع.
قال إبليس : فكيف تقدرون عليهم وفيهم الخصال الجميلة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟.
قالت العفاريت : نأتي العالم من جهة علمه والجاهل من جهة جهله وصاحب الدّنيا من جهة الدّنيا ونأتي الزاهد من جهة زهده وصاحب الزنا من زنائه.
قال إبليس : انّهم يعتصمون بالله وحده.
قالت العفاريت : فان اعتصموا بالله ثبتنا فئة الأهواء الضالة المضلّة.
فضحك إبليس وقال : أقررتم عيني.
وكانت قريش في جدب جديب من الزمان ومحل وقحط فسمّيت السنة التي فيها حمل رسول الله صلّى الله عليه وآله سنة الفتح والاستبهاج وذلك ان الأرض في تلك السنة اخضرت وحملت الأشجار ووافاهم الوفود من كلّ مكان فخصبت مكّة وأكنافها خصبا عظيما.
وكان عبد المطلب إذ ذاك يستسقى به قبل أن ينتقل منه النور الى ابنه عبد الله.
ما روي من يعقوب بن جعفر بن سليمان الهاشمي عن جدّه قال حدّثني أبي عن عبد الله عن عباس عن أبيه عبد الله بن عباس قال : قحطت بلاد قيس وأجدبت جدبا شديدا فلم يصبهم سماء يعقد الثرى ولا ينبت الكلإ فذهب اللحم وذاب الشحم وتهافتوا ضرّا وهزلا فاجتمعت قيس للمشورة واجالة الرأي وعزموا على الرحلة وانتجاع البلدان فقالت فرقة منهم : معشر قيس عيلان انّكم أصبحتم في أمر ليس بالهزل هذا أمر عظيم خطره ، بعيد منظره وقد بلغنا ان عبد المطلب سيّد البطحاء استسقى فسقي ودعا فأجيب وشفع فشفع فاجعلوا قصدكم إليه واتكالكم عليه واستشفعوا به كما استشفع به غيركم.
فقالوا : أصبت الرأي.
فأتوا عبد المطلب وقالوا : افلح الوجه أبا الحارث ، نحن ذوو أرحامكم الواشجات أصابتنا سنون مجدبات أهزلن السمين وأفقرن المعين وقد بلغنا خبرك وبان لنا أثرك فاشفع لنا إلى مشفعك.
فقال لهم : موعدكم جبل عرفات.
ثم خرج في بنيه وبني بنيه حتى أتى جبل عرفات فرفع عبد المطلب يديه ثم قال ، اللهم ربّ الريح العاصف والبرق الخاطف ، والرعد القاصف ، منشئ السحاب ، ومالك الرقاب وخالق الخلق ، ومنزل الرزق والحق ، هذه مضر ، خير البشر ، تشكو شدّة الحال ، وكثرة الامحال ، قد احدودبت ظهورها ، وشعثت شعورها ، وهزل سمينها ونضب معينها ، وغارت عيونها ، وقد خلفوا نشأ ظلعا ، وبهائم رتعا ، وأطفالا رضّعا ، اللهم فاتح لهم ريحا خرارة ، وسحابة درارة ، تضحك أرضهم وتذهب ضرّهم.
قال : فما برحوا حتى نشأت سحابة دكناء فيها دوي شديد.
فقال عبد المطلب : ايه. هذا أوان خريرك فسحي.
ثم قال : ارجعوا معاشر قريش فقد سقيت أرضكم.
فرجعوا وقد فعل الله بهم ذلك ، فأنشأ أبو طالب يقول شعرا :
أبونا شفيع الناس حين سقوا به
من الغيث رجاس العشير بكور
ونحن سنين المحل قام شفيعنا
بمكّة يدعو والمياه تغور
فلم تبرح الأقدام حتى رأوا بها
سحابات مزن صوبهن درور
وقيس أتتنا بعد أزم وشدّة
وقد عضّها دهر أكب عثور
فما برحوا حتى سقى الله أرضهم
بشيبة غيثا فالنبات نضير
وكان صاحب أحكام قريش يخرج في كلّ يوم فيطوف بالبيت وكان ينظر الى جمال شخص رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ممثلا بين عينيه كأنّه قطعة نور فكان يقول : معاشر قريش اني إذا خرجت أطوف أنظر الى جمال شخص بين عيني كأنّه النور.
فتقول قريش : ولكنّا نحن لا نرى مثل ما يرى عبد المطلب.
قال ابن عباس : فكان من دلايل حمل محمّد صلّى الله عليه وآله ان كلّ دابة كانت لقرشي نطقت في تلك الليلة بأن قالت : حملت بمحمّد بربّ الكعبة وهو أمان الدنيا وصلاح أهلها.
ولم تبق كاهنة في قريش إلّا حجب عنها صاحبها وانتزع علم الكهانة منها ومرّت وحش المشرق الى وحش المغرب بالبشارات وكذلك أهل البحار بشّر بعضهم بعضا بحمله صلّى الله عليه وآله.
وروي عن العالم عليه السّلام انّه قال : لما أراد الله عز وجل أن يظهر سيّدنا محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم أنزل قطرة من تحت العرش فألقاها على ثمرة من ثمار الأرض فأكلها أبوه فلما واقع آمنة وصارت في الموضع الذي خلقه الله جل وعلا فيه ومضى لها أربعون يوما سمع الصوت في بطن امّه فلما مضى له أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، فلما ظهر بأمر الله جل وعز رفع له في كلّ بلدة عمود من نور ينظر به الى أعمال العباد.
وروي عن آمنة بنت وهب انّها قالت لما قربت ولادته صلّى الله عليه وآله وسلّم: رأيت جناح طاير أبيض قد مسح على فؤادي وكان قد دخلني رعب فذهب الرعب عني وأتيت بمشربة بيضاء كأنّها لبن وكنت عطشى فناولنيها مناول فشربتها فأضاء مني نور عال ثم رأيت نسوة كأطول النخل يحدّثنني فعجبت وجعلت أقول في نفسي: من أين علم هؤلاء بموضعي. ثم اشتد بي الأمر وأنا أسمع الوجبة في كلّ وقت حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ ما بين السماء والأرض وقائل يقول «خذوه من أعين الناس» ثم رأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ثم كشف الله لي عن بصري ساعتي تلك فرأيت مشارق الأرض ومغاربها ورأيت ثلاثة أعلام منصوبة علما في المشرق وعلما في المغرب وعلما على ظهر الكعبة ثم خرج صلّى الله عليه وآله ، فخرّ ساجدا لله جلّ ذكره ورفع أصبعه إلى السماء كالمتضرع المبتهل ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته وسمعت مناديا ينادي : طوفوا بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم شرق الأرض وغربها والبحار ليعرفوه بصورته واسمه ونعته.
ثم تجلّت عنه الغمامة وإذا أنا به في ثوب أبيض أشدّ بياضا من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب وقائل يقول : قبض محمّد صلّى الله عليه وآله على مفاتيح الجنّة ومفاتيح النصر ومفاتيح النبوّة ومفاتيح الريح.
ثم أقبلت سحابة اخرى أنور من الاولى وسمعت مناديا ينادي: طوفوا بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم المشرق والمغرب واعرضوه على روحاني الانس والجن والطير والسباع واعطوه صفاء آدم ورقّة نوح وحلّة إبراهيم ولسان اسماعيل وجمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وصبر أيوب وزهد يحيى وكرم عيسى.
ثم انكشف عنه فإذا انا به وبيده حريرة خضراء قد طويت طيّا شديدا وقد قبض عليها وقايل يقول: قد قبض محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم على الدّنيا كلّها لم يبق شيء إلّا دخل في قبضته.
ثم أتاني ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم ابريق فضّة رايحته كالمسك وفي يد الثاني طشت من زمرد خضراء لها اربعة جوانب في كلّ جانب لؤلؤة بيضاء يقول : هذه الدّنيا فاقبض عليها يا حبيب الله.
فقبض على وسطها فقال قائل : قبض على الكعبة.
ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية نشرها وأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه ثم حمل ابني فغسل بذلك الماء من الابريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ولفّف في الحريرة وادخل بين أجنحتهم ساعة.
وروي عن العالم عليه السّلام : ان الفاعل به ما فعل من الغسل (رضوان) عليه السّلام ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول : ابشر يا عز الدّنيا وشرف الآخرة.
وولد صلّى الله عليه وآله وسلّم طاهرا مطهّرا (وروي) ان الوصي الذي كان هو صاحب الزمان في ذلك الوقت هو أبي فلما ولد صلّى الله عليه وآله خبر ثقاته بأمره ثم صار بابا له عليه السّلام وكان ذلك الوصي حجّة له في الظاهر وبابا في الباطن لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم تكن له حجّة عليه قط ولا كان إلّا حجّة فكان صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ وقت ولادته الى ان نطق بالرسالة حجّة على الوصي وعلى ثقات الوصي وذلك الوصي حجّة على الخلق في الظاهر وباب السيّد عليه السّلام محجوب به في الباطن.
وروي عن عبد المطلب انّه قال : كنت في ليلة ولادة ابني محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في الكعبة أؤم من البيت شيئا فلما انتصف الليل إذا أنا ببيت الله الحرام قد استمال بجوانبه الأربعة وخرّ ساجدا في مقام إبراهيم عليه السّلام ثم استوى كما كان. فسمعت منه تكبيرا عظيما الله أكبر الله أكبر ربّ محمّد المصطفى الآن طهرني الله ربّي من أنجاس المشركين ورجسات الجاهلية. ثم انتقضت الأصنام كما تنتقض البيوت فكأني أنظر الى الصنم الأعظم (هبل) وقد انكسف فلما رأيت البيت وفعلها لم أدر ما أقول وجعلت أحسر عن عيني وأقول انّي لنائم ثم أقول كلا اني ليقظان ثم انطلقت الى بطحاء مكة وخرجت فإذا أنا بالصفا تتطاول والمروة ترتج واذا أنا أنادى من كلّ جانب: يا سيد قريش ما لك كالخائف الوجل؟ أمطلوب أنت؟
ولا أخبر جوابا إنمّا همّتي آمنة حتى أنظر الى ابنها محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وإذا أنا بطير الأرض حاشرة إليها وإذا أنا بجبال مكّة مشرفة عليها وإذا أنا بسحابة بيضاء بازاء حجرتها فلما رأيت ذلك دنوت من الباب فاطلعت فإذا أنا بآمنة قد غلقت الباب على نفسها ليس بها أثر النفاس والولادة فدققت الباب فأجابت بصوت خفي. فقلت: عجّلي وافتحي الباب.
فأوّل شيء وقعت عيني عليه وجهها فلم أر موضع نور محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت : أنا نائم يا آمنة أم يقظان؟.
قالت : بل يقظان. ما لك كالخائف الوجل؟ أمطلوب أنت؟.
قلت : لا ولكني منذ ليلتي في كلّ ذعر وخوف. وما لي لا أرى النور الذي كنت أراه بين عينيك ساطعا؟.
قالت : قد وضعته.
قلت : وكيف وليس بك أثر نفاس؟ وما أنكر من أمرك شيئا.
قالت : بلى قد وضعته أتمّ الوضع وأطيبه وأسهله وهذه الطير التي تراها بإزائي تنازعني أن أدفعه إليها فتحمله إلى أعشاشها ، وهذه السحاب تسألني مثل ذلك.
قال عبد المطلب: فهاتيه حتى أنظر إليه.
قالت آمنة: حيل بينك وبينه أن تراه لأنّه أتاني آت كأنّه قضيب فضة أو كالنخلة الباسقة فقال لي: انظري يا آمنة لا تخرجيه الى خلق من ولد آدم حتى يأتي عليه منذ ولدته ثلاثة أيام.
فغضب عبد المطلب من قولها وقال: تخرجينه إليّ أو لأقتلنّ نفسي.
فلما رأت الجدّ منه قالت: شأنك وإيّاه ، هو في ذلك البيت مدرج في ثوب صوف أشدّ بياضا من اللبن تحته حريرة خضراء ..
قال عبد المطلب: فقصدت لألج الباب ، فبدر الي من داخله رجل فقال لي : مكانك وارجع فلا سبيل لأحد من ولد آدم إلى رؤيته ثلاثة أيام أو تنقضي زيارة الملائكة له.
قال: فارتعدت جوارحي وخرجت مبادرا لأخبر قريشا بذلك ، فأخذ الله عز وجل بلساني فلم أنطق بخبره سبعة أيام بلياليها.
وروي ان السيد محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم ولد مع طلوع الفجر من يوم الاثنين مطهّرا ـ وروي يوم الجمعة ـ لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في عام الفيل وهو عام الفتح ـ وهو أصحّ ـ فعظمت قريش في العرب وسمّوا آل الله جل جلاله.
ودفعه عبد المطلب الى حليمة بنت أبي ذويب، وكان من حديثها في ارضاعه ما رواه الناس وشرح في كتاب الدلائل لنبوّته صلّى الله عليه وآله وسلّم ودلايله في نحو مائتي ورقة بروايات المشايخ الثقات.
ومات أبوه وأمّه وهو صلّى الله عليه وآله صغير السن وكفله جدّه عبد المطلب مدّة قليلة ثم عمّه أبو طالب الى أن بعث وأمره الله تعالى بإظهار أمره وتبليغ رسالاته.
فروي عن العالم عليه السّلام انّه قال: ان الله جلّ وعلا أيتم نبيّه صلّى الله عليه وآله لئلا تكون عليه رئاسة لأحد من الناس.
ثم نشأ فكان من خبره مع عمّه أبي طالب ما قصّ به من حديثه وخدمة زوجته فاطمة بنت أسد له ، وكان من قصّة اليهود وطلبهم إيّاه ومن خبر خروج السيّد صلّى الله عليه وآله وسلّم مع عمّه أبي طالب واجتيازه ببحيرا الراهب في طريق الشام ونزوله من صومعته لما رأى الغمامة قد أظلّت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وما ظهر من الدلالة في تلك الحال حتى أطعمهم الطعام وما كان من خبر تزويجه بخديجة عليهما السّلام وهو ابن نيف وعشرين سنة وما خطب به أبو طالب حيث زوّجه بها ، الى غير ذلك ممّا ظهر من كلام الشجر والمدر والحصى له ودعوتهم إيّاه بالرسالة في حال صغر سنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم وصلاته وصيامه وحجّه على خلاف ما كانت قريش تعمله وانكارهم ذلك ما أتت به الأخبار ورواه الرواة من كافّة الناس.
الوحي
فلما أراد الله جل تعالى جلاله أن يتمّ نوره ويظهر برهانه وأتت له أربعون سنة ـ وقبل ذلك كان نبيّا مستخفيا ـ أمر الله عز وجل جبرئيل عليه السّلام أن يهبط إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم بإظهار الرسالة فقال له ميكائيل عليهما السّلام : أين تريد؟.
فقال له : لقد بعث الله جل وعلا نبيّ الرحمة فأمرني أن أهبط إليه بإظهار الرسالة.
فقال له ميكائيل : فأجيء معك؟.
قال له : نعم.
فنزلا فوجدا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نائما بالأبطح ، بين أمير المؤمنين علي وبين جعفر ابني أبي طالب عليهما السّلام فجلس جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ولم ينبهاه إعظاما له وهيبة فقال ميكائيل له : إلى أيّهم بعثت؟.
فقال : إلى الأوسط.
فأراد أن ينبهه فمنعه جبرئيل عليه السّلام فانتبه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له : تنبّه ابن عمّك؟.
فنبهه فأدّى جبرئيل الرسالة إليه عن الله جل جلاله.
فلما نهض جبرئيل ليقوم، أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بثوبه وقال: ما اسمك؟
قال: جبرئيل.
فنهض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلحق بغنمه، فلم يمر بشجرة ولا مدرة إلّا سلّمت عليه وهنأته بالرسالة.
وكان جبرئيل عليه السّلام يأتيه فلا يدنو منه إلّا بعد أن يستأذن عليه، فأتاه يوما وهو بأعلى مكّة بناحية الوادي فغمز بعقبه فانفجرت عين فتوضأ جبرئيل عليه السّلام وتطهّر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للصلاة ثم صلّى وهي أول صلاة صلّاها في الأرض فرضها الله جل وعز.
وصلّى أمير المؤمنين عليه السّلام تلك الصلاة مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فرجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من يومه الى خديجة عليها السّلام فأخبرها فتوضّأت وصلّت صلاة العصر من ذلك اليوم، فكان أول من صلّى من الرجال أمير المؤمنين عليه السّلام ومن النساء خديجة.
وأعطى الله جلّ ذكره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جميع ما أعطى الأنبياء المرسلين والملائكة المقرّبين وعلّمه جميع الكتب المنزلة والصحف على الأنبياء وأنزل عليه الكتاب والحكمة وآتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين.
وروي عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم انّه قال: أعطيت ما أعطي النبيّون والمرسلون جميعا وأعطيت خمسة عشر لم يعطها أحد: نصرت بالرعب، وجعل لي ظهر الأرض مسجدا وطهورا، وأعطيت جوامع الكلم، وفضلّت بالغنيمة، وأعطيت الشفاعة في أمّتي.
وأعطاه الله عز وجل كلّما أعطى الأنبياء من المعجزات والآيات والعلامات وفضل بما لم يؤته أحدا منهم.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|