المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

العلوم المساعدة لعلم الأجرام
17-6-2022
منح عثمان للاعيان
12-4-2016
المياه الجارية
2024-10-09
ادارة العـجـز فـي المـوازنـة العـامـة
26-6-2022
رافع بن الحسين الأقطع
30-12-2015
مفهوم القياس الحراري عند أبو القاسم المجريطي (القرن 5هـ/11م)
2023-05-07


تفسير الآية (44-50) من سورة الشورى  
  
3761   03:28 مساءً   التاريخ: 27-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الشين / سورة الشورى /

قال تعالى : {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَو يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى : 44 - 50]

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {ومن يضلل الله} أي ومن يضلله الله عن رحمته وجنته {فما له من ولي} أي معين {من بعده} أي سواه وقيل من عذبه الله عقوبة له على عناده وجحوده فما له من ولي يلي أمره ويدفع عذاب الله عنه {وترى الظالمين لما رأوا العذاب} أي ترى الظالمين يا محمد إذا شاهدوا عذاب النار {يقولون هل إلى مرد} أي رجوع ورد إلى دار الدنيا {من سبيل} تمنيا منهم لذلك .

{وتراهم} يا محمد {يعرضون عليها} أي على النار قبل دخولهم النار {خاشعين من الذل} أي ساكنين متواضعين في حال العرض {ينظرون من طرف خفي} أي خفي النظر لما عليهم من الهوان يسارقون النظر إلى النار خوفا منها وذلة في نفوسهم عن الحسن وقتادة وقيل خفي ذليل عن ابن عباس ومجاهد وقيل من عين لا تفتح كلها وإنما نظروا ببعضها إلى النار (2) .

{وقال الذين آمنوا} لما رأوا عظيم ما نزل بالظالمين {إن الخاسرين} في الحقيقة هم {الذين خسروا أنفسهم} بأن فوتوها الانتفاع بنعيم الجنة {وأهليهم} أي وأولادهم وأزواجهم وأقاربهم لا ينتفعون بهم {يوم القيامة} لما حيل بينهم وبينهم وقيل وأهليهم من الحور العين في الجنة لو آمنوا {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} هذا من قول الله تعالى والمقيم الدائم الذي لا زوال له .

ثم أخبر سبحانه عن الظالمين الذين ذكرهم فقال {وما كان لهم من أولياء} لا فيما عبدوه من دونه ولا فيمن أطاعوه في معصيته أي نصار {ينصرونهم من دون الله} ويدفعون عنهم عقابه {ومن يضلل الله فما له من سبيل} يوصله إلى الجنة ثم قال سبحانه {استجيبوا لربكم} أي أجيبوا داعي ربكم يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيما دعاكم إليه ورغبكم فيه من المصير إلى طاعته والانقياد لأمره {من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله} أي لا رجوع بعده إلى الدنيا وقيل معناه لا يقدر أحد على رده ودفعه وهو يوم القيامة عن الجبائي وقيل معناه لا يرد ولا يؤخر عن وقته وهو يوم الموت عن أبي مسلم {ما لكم من ملجأ يومئذ} أي معقل يعصمكم من العذاب {وما لكم من نكير} أي إنكار وتغيير للعذاب وقيل من نصير منكر ما يحل بكم .

ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم){فإن أعرضوا} يعني الكفار أي عدلوا عما دعوتهم إليه {فما أرسلناك عليهم حفيظا} أي مأمورا بحفظهم لئلا يخرجوا عما دعوتهم إليه كما يحفظ الراعي غنمه لئلا يتفرقوا أي فلا تحزن لإعراضهم {إن عليك إلا البلاغ} أي ليس عليك إلا إيصال المعنى إلى أفهامهم والبيان لما فيه رشدهم {وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة} وأوصلنا إليه نعمة {فرح بها} أي بطر لأن الفرح المراد هنا ما قارنه أشر أو جحودا وإنكار لأنه خرج مخرج الذم وقيل أن الرحمة هنا العافية {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم} أي قحط أو فقر أو مرض أو غير ذلك مما يسؤهم {فإن الإنسان كفور} بعدد المصيبة ويجحد النعم ثم بين سبحانه أن النعم كلها منه فقال {لله ملك السماوات والأرض} أي له التصرف فيهما وفيما بينهما وسياستهما بما تقتضيه الحكمة {يخلق ما يشاء} من أنواع الخلق {يهب لمن يشاء} (3) من خلقه {إناثا} فلا يولد له ذكر {ويهب لمن يشاء الذكور} البنين فلا يولد له أنثى {أو يزوجهم ذكرانا وإناثا} معناه أو يجمع لهم بين البنين والبنات تقول العرب زوجت إبلي أي جمعت بين صغارها وكبارها قال مجاهد هو أن تلد المرأة غلاما ثم جارية ثم غلاما ثم جارية وقيل : هو أن تلد توأما ذكرا وأنثى أو ذكرا وذكرا أو أنثى وأنثى عن ابن زيد وقيل هو أن يجمع في الرحم الذكر والأنثى عن محمد بن الحنفية {ويجعل من يشاء} من الرجال والنساء {عقيما} لا يلد ولا يولد له {إنه عليم} بما خلق {قدير} على خلق من يشاء .

___________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص59-61 .

2- في المخطوطة بزيادة ((خوفا منها)) .

3- [يهب لمن يشاء] .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} . من سلك طريق الضلال بسوء اختياره حقت عليه كلمة اللَّه بأنه من الضالين . . ولا يلومن إلا نفسه . . ومن خذله اللَّه وأخزاه فلن يجد من ينصره وينقذه من هذا الخذلان {وتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} ؟ اعتزوا بأنفسهم ، وشمخوا بأنوفهم بغيا واستكبارا في الحياة الدنيا ، ولما حشرهم اللَّه أذلة خاسئين تضرعوا وطلبوا الخلاص من العذاب أو الرجوع إلى الدنيا ثانية . . وهكذا الطغاة يتعاظمون حيث لا قوة رادعة ، وينهارون إذا ظهرت لهم دلائلها .

{وتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} . أقبلوا على النار بأعمالهم في تخوف وانكسار ، يسترقون النظر إلى جهنم ، وفرائصهم ترتعد من شدة الخوف ، ومن قبل كانوا بها يستهزئون {وقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ} . قال المؤمنون هذا حين رأوا المجرمين يساقون إلى عاقبة أعمالهم ، قالوه حمدا للَّه الذي أنجاهم من هذا الخزي والعذاب المقيم . وتقدم مثله في الآية 15 من سورة الزمر .

{وما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} . الشرط الأساسي في الولي والناصر أن يكون له شيء من القوة ينتصر بها لنفسه أو لغيره ، وما لأحد في ذاك اليوم حول ولا قوة {ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} إلى الخلاص من النار . .

ونفسر الضلال هنا بالنار لأن السياق يومئ إليه تماما كما هو في قوله تعالى :

{كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُو مُسْرِفٌ مُرْتابٌ} [غافر - 34] أي يعذب اللَّه .

{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} . كلف سبحانه العباد بما يعود عليهم بالنفع والخير ، ومنحهم القدرة على ما كلفهم به ، وأمهلهم ليعملوا ويتوبوا ، وحذرهم عاقبة الإهمال والتقصير ، ولم يدع لأحد حجة يلجأ إليها في يوم لا يرد فيه الإنسان إلى حياته الأولى ، ولا يستطيع انكار ما كسبت يداه {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} . المعنى واضح ، وتقدم في العديد من الآيات ، منها الآية 80 من سورة النساء و107 من سورة الأنعام .

{وإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسانَ كَفُورٌ} . المراد بالرحمة النعمة كالصحة والمال ، وبالسيئة البلاء كالفقر والمرض ، وبالإنسان أكثر أفراده أو الكثير منهم لأن الإنسان غير مجرم بطبعه وإلا سقط عنه التكليف كما بيّنا في ج 4 ص 449 . والمعنى ان الجاهل الخاسر يفرح ويبطر بما يناله من حطام الدنيا ، ويكفر إذا فاته شيء منه حتى ولوكان ذلك بسوء رأيه وهوى نفسه . وتقدم مثله في الآية 10 من سورة هود ج 4 ص 212 وغيرها .

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً ويَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَو يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وإِناثاً ويَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} . يزوجهم أي يجمع ويقرن بين نوعي الذكور والإناث . . وليس من شك ان الإنسان لا إرادة له ولا اختيار في أن يجعل أولاده ذكورا أو إناثا أوهما معا ، ولكن اللَّه هو الذي يهبه الذكور فقط أو الإناث فقط أوهما معا أو يجعله عقيما من غير نسل ، وحتى الآن لم يهتد الطب إلى علاج العقم في الرجل أو المرأة ، وقد التجأ الأطباء إلى التلقيح الصناعي إذا كان الزوج عقيما ، وذلك بأن تلقح زوجته بنطفة رجل أجنبي غير عقيم من دون مقاربة . وعقدنا فصلا مستقلا لهذا الموضوع في كتاب (الإسلام مع الحياة) ، وأفتينا بتحريم التلقيح ، وإذا حملت المرأة فلا يلحق الحمل بالزوج إجماعا ، ويلحق بالأم .

__________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص531-533 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} إلخ ، لما ذكر المؤمنين بأوصافهم وأن لهم عند الله رزقهم المدخر لهم وفيه سعادة عقباهم التي هداهم الله إليها التفت إلى غيرهم وهم الظالمون الآيسون من تلك الهداية الموصلة إلى السعادة المحرومون من هذا الرزق الكريم فبين أن الله سبحانه أضلهم لكفرهم وتكذيبهم فلا ينتهون إلى ما عنده من الرزق ولا يسعدهم به وليس لهم من دونه من ولي حتى يتولى أمرهم ويرزقهم ما حرمهم الله من الرزق ، فهم صفر الأكف يتمنون عند مشاهدة العذاب الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحا فيكونوا أمثال المؤمنين .

فقوله : {ومن يضلل الله} إلخ ، من قبيل وضع السبب وهو إضلال الله لهم وعدم ولي آخر يتولى أمرهم فيهديهم ويرزقهم موضع المسبب وهو الهداية والرزق .

وقوله : {وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل} إشارة إلى تمنيهم الرجوع إلى الدنيا بعد اليأس عن السعادة ومشاهدة العذاب .

و{ترى} خطاب عام وجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنه راء ومعناه وترى ويرى كل من هو راء ، وفيه إشارة إلى أنهم يتمنون ذلك على رءوس الأشهاد ، والمرد هو الرد .

قوله تعالى : {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي} ضمير {عليها} للنار للدلالة المقام عليها وخفي الطرف ضعيفة وإنما ينظر من طرف خفي .

إلى المكاره المهولة من ابتلي بها فهولا يريد أن ينصرف فيغفل عنها ولا يجترىء أن يمتلىء بها بصره كالمبصور ينظر إلى السيف ، والباقي ظاهر .

وقوله : {وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} أي إن الخاسرين كل الخسران وبحقيقته هم الذين خسروا أنفهسم بحرمانها عن النجاة وأهليهم بعدم الانتفاع بهم يوم القيامة .

وقيل أهلوهم أزواجهم من الحور وخدمهم في الجنة لو آمنوا ولا يخلو من وجه نظرا إلى آيات وراثة الجنة .

وهذا القول المنسوب إلى المؤمنين إنما يقولونه يوم القيامة - والتعبير بلفظ الماضي لتحقق الوقوع - لا في الدنيا كما يظهر من بعضهم فليس لاستناده تعالى إلى مقالة المؤمنين في الدنيا وجه في مثل المقام ، وليس القائلون به جميع المؤمنين كائنين من كانوا وإنما هم الكاملون منهم المأذون لهم في الكلام الناطقون بالصواب محضا كأصحاب الأعراف وشهداء الأعمال قال تعالى : {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [هود : 105] .

وقال : {لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [النبأ : 38] .

فلا يصغى إلى ما قيل : إن القول المذكور إنما نسب إلى المؤمنين للدلالة على ابتهاجهم بما رزقوا يومئذ من الكرامة ونجوا من الخسران وإلا فالقول قول كل من يتأتى منه القول من أهل الجمع كما أن الرؤية المذكورة قبله رؤية كل من تتأتى منه الرؤية .

وقوله : {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} تسجيل عليهم بالعذاب وأنه دائم غير منقطع ، وجوز أن يكون من تمام كلام المؤمنين .

قوله تعالى : {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله} إلخ ، هذا التعبير أعني قوله : {وما كان لهم} إلخ ، دون أن يقال : وما لهم من ولي كما قيل أولا للدلالة على ظهور بطلان دعواهم ولاية أوليائهم في الدنيا وأن ذلك كان باطلا من أول الأمر .

وقوله : {ومن يضلل الله فما له من سبيل} صالح لتعليل صدر الآية وهو كالنتيجة لجميع ما تقدم من الكلام في حال الظالمين في عقباهم ، ونوع انعطاف إلى ما سبق من حديث تشريع الشريعة والسبيل بالوحي .

فهو كناية عن أنه لا سبيل إلى السعادة إلا سبيل الله الذي شرعه لعباده من طريق الوحي والرسالة فمن أضله عن سبيله لكفره وتكذيبه بسبيله فلا سبيل له يهتدي به إلى سعادة العقبى والتخلص من العذاب والهلاك .

قوله تعالى : {استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير} دعوة وإنذار بيوم القيامة المذكور في الآيات السابقة على ما يعطيه السياق ، وقول بعضهم : إن المراد باليوم يوم الموت غير وجيه .

وفي قوله : {لا مرد له من الله} {لا} لنفي الجنس و{مرد} اسمه و{له} خبره و {من الله} حال من {مرد} والمعنى ، يوم لا رد له من قبل الله أي أنه مقضي محتوم لا يرده الله البتة فهو في معنى ما تكرر في كلامه تعالى من وصف يوم القيامة بأنه لا ريب فيه .

وقد ذكروا للجملة أعني قوله : {يوم لا مرد له من الله} وجوها أخر من الإعراب لا جدوى في نقلها .

وقوله : {ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير} الملجأ الملاذ الذي يلتجأ إليه والنكير - كما قيل - مصدر بمعنى الإنكار ، والمعنى : ما لكم من ملاذ تلتجئون إليه من الله وما لكم من إنكار لما صدر منكم لظهور الأمر من كل جهة .

قوله تعالى : {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ} عدول من خطابهم إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لإعلام أن ما حمله من الأمر إنما هو التبليغ لا أزيد من ذلك فقد أرسل مبلغا لدين الله إن عليه إلا البلاغ ولم يرسل حفيظا عليهم مسئولا عن إيمانهم وطاعتهم حتى يمنعهم عن الإعراض ويتعب نفسه لإقبالهم عليه .

قوله تعالى : {وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور} الفرح بالرحمة كناية عن الاشتغال بالنعمة ونسيان المنعم ، والمراد بالسيئة المصيبة التي تسوء الإنسان إذا أصابته ، وقوله : {فإن الإنسان كفور} من وضع الظاهر موضع الضمير ، والنكتة فيه تسجيل الذم واللوم عليه بذكره باسمه .

وفي الآية استشعار بإعراضهم وتوبيخهم بعنوان الإنسان المشتغل بالدنيا فإنه بطبعه حليف الغفلة إن ذكر بنعمة يؤتاها صرفه الفرح بها عن ذكر الله ، وإن ذكر بسيئة تصيبه بما قدمت يداه شغله الكفران عن ذكر ربه فهو في غفلة عن ذكر ربه في نعمة كانت أوفي نقمة فكاد أن لا تنجح فيه دعوة ولا تنفع فيه موعظة .

قوله تعالى : {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء} إلى آخر الآيتين ، للآيتين نوع اتصال بما تقدم من حديث الرزق لما أن الأولاد المذكورين فيهما من قبيل الرزق .

وقيل : إنهما متصلتان بالآية السابقة حيث ذكر فيها إذاقة الرحمة وإصابة السيئة وإن الإنسان يفرح بالرحمة ويكفر في السيئة فذكر تعالى في هاتين الآيتين أن ملك السماوات والأرض لله سبحانه يخلق ما يشاء فليس لمن يذوق رحمته أن يفرح بها ويشتغل به ولا لمن أصابته السيئة أن يكفر ويعترض بل له الخلق والأمر فعلى المرحوم أن يشكر وعلى المصاب أن يرجع إليه .

ويبعده أنه تعالى لم ينسب السيئة في الآية السابقة إلى نفسه بل إلى تقديم أيديهم فلا يناسبه نسبة القسمين جميعا في هذه الآية إلى مشيته ودعوتهم إلى التسليم لها .

وكيف كان فقوله : {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء} فيه قصر الملك والسلطنة فيه تعالى على جميع العالم وأن الخلق منوط بمشيته من غير أن يكون هناك أمر يوجب عليه المشية أو يضطره على الخلق .

وقوله : {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} الإناث جمع أنثى والذكور والذكران جمعا ذكر ، وظاهر التقابل أن المراد هبة الإناث فقط لمن يشاء وهبة الذكور فقط لمن يشاء ولذلك كررت المشية ، قيل : وجه تعريف الذكور أنهم المطلوبون لهم المعهودون في أذهانهم وخاصة العرب .

وقوله : {أو يزوجهم ذكرانا وإناثا} أي يجمع بينهم حال كونهم ذكرانا وإناثا معا فالتزويج في اللغة الجمع ، وقوله : {ويجعل من يشاء عقيما} أي لا يلد ولا يولد له ، ولما كان هذا أيضا قسما برأسه قيده بالمشية كالقسمين الأولين ، وأما قسم الجمع بين الذكران والإناث فإنه بالحقيقة جمع بين القسمين الأولين فاكتفى بما ذكر من المشية فيهما .

وقوله : {إنه عليم قدير} تعليل لما تقدم أي أنه عليم لا يزيد ما يزيد لجهل قدير لا ينقص ما ينقص عن عجز .

______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص54-57 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

هل من سبيل للرجعة ؟

الآيات السابقة كانت تتحدث عن الظالمين ، أمّا الآيات التي نبحثها فتشير إلى عاقبة هذه المجموعة وجوانب من عقابها .

فهي تعتبرهم من الضالين الذين لا يملكون أي ولي ، فتقول : {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} .

الملمّون بتعابير القرآن بخصوص الهداية والضلالة ، يعرفون بوضوح أنّه لا الهداية ولا الضلالة مفروضة وجبرية ، إنّما هما نتيجتان مباشرتان لأعمال الناس . فأحياناً يقوم الإنسان بعمل معين وبسببه يسلب الخالق منه التوفيق ويطمس على قلبه ويمنع عنه نور الهداية ويتركه سابحاً في الظلمات .

وهذا هو عين الإختيار والحرية ، فلو أن شخصاً أصر على شرب الخمر وأصيب بأنواع الأمراض ، فإنه هو الذي جلب هذا الوضع وهذه الأمراض إلى نفسه ، فالخالق مسبب الأسباب ويعطي التأثيرات المختلفة للأشياء ، ولهذا السبب تربط النتائج به أحياناً (2) .

على أية حال ، فإن هذا أحد أكثر العقوبات ألماً بالنسبة للظالمين ، ثمّ تضيف الآية : {وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل} .

فقد تحدث القرآن المجيد عدة مرات عن طلب الكافرين والظالمين العودة ، فأحياناً عند الموت مثل الآية (99) و(100) من سورة المؤمنون : {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } [المؤمنون : 99 ، 100] .

وأحياناً عند القيامة عندما يقتربون من الجحيم ، كما تقول الآية (27) من سورة الأنعام : {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام : 27] .

ولكن مهما كانت هذه الطلبات فإنها ستواجه بالرفض ، لأن العودة غير ممكنة أبداً ، وهذه سنة إلهية لا تقبل التغيير ، فكما أن الإنسان لا يمكنه الرجوع من الكهولة إلى الشباب ، أومن الشباب إلى الطفولة ، أومن الطفولة إلى عالم الأجنة ، كذلك يستحيل الرجوع إلى الوراء والعودة إلى الدنيا من عالم البرزخ أو الآخرة .

الآية الأُخرى تذكر ثالث عقاب لهذه المجموعة حيث تقول : {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي} (3) .

فالقلق والخوف الشديد يسيطران على وجودهم ، والذلة والإستسلام يطغيان عليهم ، وانتهى كلّ شيء من التكبر ومحاربة وظلم وإيذاء المظلومين ، وينظرون من طرف خفي إلى النّار .

هذه صورة لحالة شخص يخشى من شيء أشد خشية ولا يريد أن ينظر إليه بعينين مفتوحتين ، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يتغافل عنه ، لذا فهو مجبور على النظر إليه ، لكن بطرف خفي .

بعض المفسّرين قالوا : إنّ جملة (طرف خفي) تعني هنا النظر بعين نصف مفتوحة ، لأنّهم لا يستطيعون فتح العين كاملةً من شدة الخوف والهول العظيم ، أو أنّهم من شدة الأنّهيار والإعياء لا يستطيعون فتح العين بشكل كامل .

فعندما تكون حالة الإنسان هكذا قبل أن يدخل النّار . . . فماذا سيجري عليه عندما يطؤها ويهوي في أعماقها ؟!

أمّا آخر عقاب ذكر هنا ، فهو سماع اللوم والتوبيخ الأليم من المؤمنين ، كما جاء في آخر الآية : {وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} .

فهل هناك خسارة أعظم من أن يخسر الإنسان نفسه ، ثمّ زوجه ، وأبناءه وأقرباءه ؟ ونصيبه نار الفراق وهو في داخل العذاب الإلهي ؟!

ثم تضيف : يا أهل المحشر : {ألا إنّ الظالمين في عذاب مقيم} .

إنّه العذاب الذي ليس هناك أمل بانتهائه ، ولا يتحدد بزمان معين . إنّه العذاب الذي يحرق أعماق الروح وظاهر الجسد على السواء .

وليس من لمستبعد أن يكون القائل لهذا الكلام هم المؤمنون الحقيقيون ، وهم الأنبياء والأولياء وأتباعهم الخاصين ، حيث أنّهم مطهرون من الذنب ، والمظلومون الذين أوذوا كثيراً من قبل هؤلاء الظالمين ، ومن حقهم التحدث بهذا الكلام في ذلك اليوم (وقد أشارت روايات أهل البيت عليهم السلام إلى هذا المعنى) (4) .

ومن الضروري الإشارة إلى هذه الملاحظة ، وهي أن (العذاب الخالد) لهؤلاء الظالمين ، يدل على أن المقصود هم الكافرون ، كما ورد في بعض الآيات القرآنية : {والكافرون هم الظالمون} .

الآية التي بعدها تشهد على هذه الحقيقة ، حيث تقول : {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله} .

فهؤلاء قطعوا أواصر ارتباطهم بالعباد المخلصين والأنبياء والأولياء ، لذلك لا يملكون ناصراً أو معيناً في ذلك اليوم ، والقوى المادية سينتهي مفعولها في ذلك اليوم أيضاً ، ولهذا السبب سيواجهون العذاب الإلهي بمفردهم .

ولتأكيد هذا المعنى تقول الآية في نهايتها : {ومن يضلل الله فماله من سبيل} .

وفي الآيات السابقة قرأنا : {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} .

فهناك تنفي الولي ، وهنا تنفي السبيل ، حيث أنّه ولأجل الوصول إلى الهدف ، يجب أن يكون هناك طريق ، ويجب أن يتوفّر الدليل ، إلاّ أن هؤلاء الضالين محرومون من هذا وذاك .

 

وقوله تعالى : { اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [الشورى : 47 - 50]

 

الأولاد . . . هبة الرحمن :

بما أنّ الآيات السابقة ذكرت جانباً من العقاب الأليم الموحش للكافرين والظالمين ، فإنّ الآيات اعلاه تحذر جميع الناس من هذا المصير المشؤوم ، وتدعوهم إلى الإستجابة لدعوة الخالق والعودة إلى طريق الحق .

فأوّل آية تقول : {استجيبوا لربّكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله} (5) .

وإذا كنتم تتصورون وجود ملجأ آخر سوى لطفه ، وأحداً يحميكم غير رحمته ، فإنّكم على خطاً ، لأن : {ما لكم من ملجأ يومئذ ومالكم من نكير} .

عبارة (يوم لا مرد له من الله) تشير إلى يوم القيامة ، وليس إلى يوم الموت . كما أن عبارة (من الله) تشير إلى أن أحداً لا يستطيع أن يتخذ قراراً بعدم العودة قبال أمر الخالق جلّ وعلا .

وعلى أية حال ، فجميع الطرق التي يعتقد أنّها تنقذ الشخص من العذاب الإلهي تكونن مغلقة في ذلك اليوم ، وأحدها هو العودة إلى عالم الدنيا والتكفير عن الذنوب والخطايا .

أمّا الآخر فهو وجود ملجاً يأمن الإنسان عند اللجوء إليه .

وأخيراً وجود من يقوم بالدفاع عن الإنسان .

فكل جملة من الجمل الثلاث ـ للآية أعلاه ـ تنفي واحداً من هذه الطرق .

وقد فسّر بعضهم جملة (ما لكم من نكير) بمعنى أنكم لا تستطيعون أن تنكروا ذنوبكم هناك ، لأن الأدلة والشهود كثيرون بحيث لا مجال للإنكار ، إلاّ أن المعنى الأوّل أفضل كما يبدو .

الآية التي بعدها تخاطب الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وتواسيه قائلة : {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً} فلا تحزن عليهم لأنّك لست مسؤولا عن حفظهم من الإنحراف .

{إن عليك إلا البلاغ} سواء قبلوا بذلك أم لم يقبلوا .

يجب عليك أن تقوم بإبلاغ الرسالة الإلهية بأفضل وجه ، وتُتِم الحجّة عليهم ، أمّا القلوب المهيأة فسوف تقبل بذلك بالرغم من أن كثيراً من الجاهلين سوف يعرضون عنها ، ولكنك لست مسؤولا عنهم .

وقد ورد ما يشبه هذا المعنى في بداية هذه السورة في قوله تعالى : {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الشورى : 6] .

ثمّ ترسم صورة لحال هذه الجماعة غير المؤمنة والمعرضة عن الحق فتقول : {وإنا إذا أذقنا الإنسان منّا رحمة فرح بها} ويغفل عن ذكر الخالق : {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور} .

فلا النعم الإلهية وشكر المنعم توقظ هذا الإنسان وتجرّه نحو الشكر والمعرفة والطاعة ، ولا العقوبات التي تصيبه بسبب الذنوب توقظه من نوم الغفلة ، ولا تؤثر فيه دعوة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فعوامل الهداية من حيث «التشريع» هي دعوة رُسُل الخالق ، ومن حيث «التكوين» قد تكون النعم وقد تكون المصائب ، إلاّ أن هؤلاء الجهلة ذوي القلوب الميتة لا تؤثر فيهم أيّ من هذه العوامل ، وهذا بسببهم أنفسهم وليس بسببك ، لأنّك قمت بمسؤوليتك في الإبلاغ .

وقد تكون عبارة «إذا أذقنا» في الآية أعلاه (وهي هنا بخصوص رحمة الخالق ، وفي آيات قرآنية اُخرى بخصوص العذاب الإلهي) إشارة إلى أن النعم والمصائب في هذه الدنيا تعتبر لا شيء بالنسبة إلى نعم ومصائب الآخرة . أوقد تكون بمعنى أن هؤلاء الأشخاص يصابون بالغرور والطغيان بمجرّد قليل من النعمة ، واليأس والكفر بقليل من المصائب .

ومن الضروري الإشارة إلى هذه الملاحظة ، وهي أن الخالق يوكل النعم إلى نفسه ، لأن رحمته تقتضي ذلك ، بينما يوكل المصائب والإبتلاءات إليهم ، لأنّها نتيجة أعمالهم .

واستخدام كلمة (الإنسان) في مثل هذه الآيات تشير إلى طبيعة (الإنسان غير المهذّب) حيث أنّه ذو تفكير قصير ونفسية ضعيفة ، وتكرار ذلك ـ في الآية أعلاه ـ يؤكّد على هذا المعنى .

ثمّ لبيان حقيقية أن أي نعمة ورحمة في هذا العالم مصدرها الخالق ، ولا يملك الأفراد شيئاً من عندهم ، أشارت الآية إلى قضية عامة ومصداق واضح لهذه الحقيقة ، حيث تقول : {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء} .

ولهذا السبب فإنّ الكل يأكل من مائدة نعمه ، ويحتاج إلى لطفه ورحمته ، فليس منطقياً الغرور عند النعمة ، ولا اليأس عن المصيبة .

و«نموذج» واضح لهذه الحقيقة وأن كلّ ما موجود هو منه ، والأفراد لا يملكون شيئاً من عندهم هو أنّه : {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً واناثاً ويجعل من يشاء عقيماً} .

وبهذا الترتيب فإن الناس يُقسّمون إلى أربع مجاميع : من عنده الأولاد الذكور ويريد البنات ، ومن عنده البنات ويريد الذكور ، ومن عنده الذكور والإناث ، والمجوعة التي تفتقد الأبناء ويأملون ويرغبون فيهم .

والعجيب أن أي شخص لا يستطيع الإنتخاب في هذا المجال سواء في الماضي أوفي الوقت الحاضر ، بالرغم من تقدم وتطور العلوم ، ورغم المحاولات العديدة فإن أحداً لم يستطع أن يهب الأبناء للعقيم الحقيقي ، أو يعين نوع المولود وفقاً لرغبة الإنسان بالرغم من دور بعض الأطعمة أو الأدوية في زيادة احتمال ولادة الذكر أو الأنثى ، إلاّ أن هذا يبقى مجرّد احتمال ولا توجد أية نتيجة حتمية لهذا الأمر .

وهذا نموذج واضح لعجز الإنسان ، ودليل على المالكية والحاكمية والخالقية للبارئ جلّ وعلا ، وهل هناك مثال أوضح من هذا؟

والطريف في الأمر أن هذه الآيات قدّمت الإناث على الذكور ، لكي توضح الأهمية التي يعطيها الإسلام لمنزلة المرأة ، ومن جانب ثان تقول للذين لهم تصورات خاطئة عن ولادة البنت أو الأنثى ـ ويكرهونها ـ أن الخالق يعطي الشيء الذي يريده هو وليس ما تريدونه أنتم ، وهذا دليل على أنّه هو الذي ينتخب .

إن استخدام عبارة (يهب) تعتبر دليلا واضحاً على أن الإناث والذكور من هدايا الخالق وهباته ، وليس صحيحاً للمسلم الحقيقي التفريق بين الإثنين .

كما أن استخدام عبارة (يزوجهم) لا تعني التزويج هنا ، بل تعني جمع الهبتين (الإناث والذكور) لبعض الناس وبعبارة اُخرى فإن مصطلح (التزويج) يأتي أحياناً بمعنى الجمع بين الأشياء المختلفة أو الأنواع المتعددة ، لأن (زوج) تعني في الأصل شيئين أو شخصين متقارنين .

واعتبر بعضهم هذه الآية بمعنى ولادة الذكور والإناث على الترتيب ، والبعض الآخر اعتبرها بمعنى ولادة التوائم ، يعني الذكر والأنثى .

ولكن العبارة أعلاه لا تدل على أي من التفاسير المذكورة .

إضافةٌ إلى ذلك فإنها لا تتناسب مع ظاهر الآية ، لأن الآية تريد الكلام عن مجموعة ثالثة رزقها الله البنات والبنين .

وعلى أية حال ، فإن المشيئة الإلهية هي التي تتحكم في كلّ شيء وليس في قضية ولادة الأبناء فحسب ، فهو القادر والعليم والحكيم ، حيث يقترن علمه بقدرته ، لذا فإنّ الآية تقول في نهايتها : {إنّه عليم قدير} .

ومن الضروري أن نشير إلى أن كلمة (عقيم) المأخوذة من كلمة (عقم) ـ على وزن (بخل) وكذلك على وزن (فهم)ـ وتعني في الأصل الجفاف والتصلب المانع من قبول التأثير ، والنساء العقيمات تطلق على اللواتي تكون أرحامهن غير مستعدة لتقبل النطفة ونمو الطفل ، كما تسمى بعض الرياح بالرياح العقيمة لعدم قدرتها على ربط الغيوم الممطرة ، و«اليوم العقيم» يطلق على اليوم الذي ليس فيه سرور وفرح ، كما يسمى يوم القيامة باليوم العقيم بسبب عدم وجود يوم بعد ذلك اليوم يمكن فيه التعويض عن الماضي .

وأخيراً فإن الغذاء (المعقم) يطلق على الغذاء الذي تم القضاء على جميع ميكروباته ، بحيث لا يمكنها النمو في ذلك المحيط .

_____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص315-322 .

2 ـ هناك شرح مفصل في هذا الخصوص في نهاية الآية (36) من سورة الزمر ، حيث أوضحنا جميع جوانب هذا الموضوع .

3 ـ «طرف» «بتسكين الراء» مصدر وتعني دوران العين ، وطرفة العين تعني حركة واحدة للعين . والضمير في (عليها) يعود إلى العذاب ، صحيح أن العذاب مذكر لكنّه يعني هنا النّار وجهنم وضمير المؤنث يعود إليها .

4 ـ نور الثقلين ، المجلد الرابع ، ص586 .

5 ـ قد تكون عبارة (من الله) في الجملة أعلاه بمعنى (من قبل الله) يعني لا توجد عودة من قبل الخالق ، وقد تكون بمعنى (في مقابل الله) يعني لا يوجد من يستطيع أن يعيدكم إلى هذه الدنيا ضد إرادة الخالق .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .