المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الاتجاه الطبيعي في حركة السنن التاريخية
3-05-2015
تكاثر الاناناس
2023-03-31
المراء والجدال.
2024-02-24
بعض أصناف النكتارين «الخوخ الأملس»
2023-10-26
معنى اركسهم
2024-05-07
الحماية المتداخلة Cross Protection
20-12-2017


الاعتزال في راي الامام الصادق  
  
13868   03:03 مساءً   التاريخ: 17-04-2015
المؤلف : الشيخ عباس القمي
الكتاب أو المصدر : منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل
الجزء والصفحة : ج2,ص173-182.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام جعفر بن محمد الصادق / التراث الصادقيّ الشريف /

قال ابوعبدالله الصادق (عليه السلام)  لحمران بن أعين : يا حمران أنظر من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك فانّ ذلك أقنع لك بما قسم اللّه لك وأحرى أن تستوجب الزيادة منه عز وجل، واعلم إنّ العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند اللّه من العمل الكثير على غير يقين ؛ واعلم انّه لا ورع أنفع من تجنّب محارم اللّه والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال أنفع من القناعة باليسير المجزئ، ولا جهل أضرّ من العجب‏ .

قال (عليه السلام) : إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل وانّ عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن، صومعة المسلم بيته يحبس فيه نفسه وبصره ولسانه وفرجه .

يقول المؤلف : قد رغّب (عليه السلام) في كلامه هذا إلى الاعتزال والبعد عن الناس والانس باللّه، واختلفت الروايات في باب الاعتزال فمنها تذمّه ومنها تمدحه ومنها تنسبه إلى الكراهة ومنها ترجّحه في بعض الأوقات والأزمان، ونذكر الآن كلا القسمين : أما ما جاء في مدح الاعتزال غير ما ذكر فهوما رواه الشيخ احمد بن فهد في كتاب التحصين الذي يبحث عن العزلة والخمول، عن ابن مسعود (رحمه اللّه) انّه قال : قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)  : لتأتينّ‏  على الناس زمان لا يسلم لذى دين دينه الّا من يفرّ من شاهق الى شاهق ومن جحر إلى جحر كالثعلب بأشباله، قالوا : ومتى ذلك الزّمان؟ قال : إذا لم تنل المعيشة الّا بمعاصي اللّه فعند ذلك حلّت العزوبة، قالوا : يا رسول اللّه أمرتنا بالتزويج، قال : بلى ولكن اذا كان ذلك الزمان فهلاك الرجل على يدي أبويه فان لم يكن له أبوان فعلى يدي زوجته وولده فان لم يكن له زوجة ولا ولد فعلى يدي قرابته وجيرانه، قالوا : وكيف ذلك يا رسول اللّه، قال : يعيّرونه بضيق المعيشة ويكلّفونه ما لا يطيق حتّى يوردونه موارد الهلكة .

وروى الشيخ البهائي في الأربعين انّ الحواريين قالوا لعيسى (عليه السلام) : يا روح اللّه من نجالس؟ قال : من يذكركم اللّه رؤيته ويزيد في عملكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله.

ثم قال الشيخ ما معناه : لا يخفى انّ المراد من المجالسة في هذا الحديث ما يشمل الألفة والمصاحبة والمخالطة فهو يشعر بانّ من فقدت هذه الصفات عنده يجب ان لا يجالس ولا يخالط فكيف بالذي له صفات ضدّها ونقيضها كأكثر أهل زماننا، فهنيئا للذي وفّقه اللّه للاعتزال والبعد عنهم، والانس به، فانّ مخالطة هؤلاء الناس تميت القلب وتفسد الدين وتحصل بسببه ملكات مهلكة للنفس تسبّب الخسران المبين وفي الحديث : فرّ من الناس فرارك من الأسد .

وقال معروف الكرخي للصادق (عليه السلام) : أوصني يا ابن رسول اللّه، فقال : قلّل معارفك، قال : زدني، قال : انكر من عرفت منهم‏ .

وحكي انّه قيل لراهب : يا راهب، فقال : لست راهبا بل الراهب من خاف اللّه وحمده على‏ نعمائه، وصبر على بلائه، وفرّ إليه، واستغفر من ذنوبه وامّا أنا فكلب عقور حبست نفسي في هذه الصومعة كي أريح الناس من شرّي ولا أوذيهم.

ونقل عن قثم الزاهد قال : رأيت راهبا والها وهو على باب بيت المقدس، فقلت له : عظني، قال : كن في الدنيا كالذي احتوشته الوحوش من كلّ جانب وتريد الفتك به فهو خائف حيران إذا غفل افترسته الوحوش، فيمضي ليله بالخوف والقلق والحال انّ المغرورين يبيتون آمنين، ويمسي بالحزن والغم والحال انّ البطّالين في فرح وسرور، فقال هذا وذهب، فقلت له : زدني، فقال : العطشان يقنع بالماء القليل.

وقيل لراهب : ما الذي دعاك على ترك الخلق؟ قال : خفت أن يسرق ديني وأنا في غفلة، وقال سفيان الثوري لجعفر بن محمد (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه اعتزلت الناس، فقال (عليه السلام) : يا سفيان فسد الزمان وتغيّر الاخوان فرأيت الانفراد اسكن للفؤاد ثم قال (عليه السلام):

ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب‏           والناس بين مخاتل وموارب‏

يفشون بينهم المودّة والصفا              وقلوبهم محشوّة بعقارب‏

أما ما ورد في كراهية الاعتزال فكثير، ونكتفي بما ذكره العلامة المجلسي في عين الحياة، قال ما ملخّصه : لا يكون الاعتزال عن كافة الناس ممدوحا في هذه الامة، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل تزاور الاخوان وعيادة المريض واعانة المحتاجين وتشييع الجنائز وقضاء الحوائج، ولا تجتمع هذه مع الاعتزال، مضافا إلى قيام الاجماع على وجوب تعلّم الجاهل العلم وضروريات الدين، ووجوب هداية الخلق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر على العالم ولا يجتمع هذا مع العزلة أيضا كما روى الكليني بسند معتبر انّ رجلا قال للامام الصادق (عليه السلام) : جعلت فداك رجل عرف هذا الأمر لزم بيته ولم يتعرّف إلى احد من اخوانه، قال : فقال : كيف يتفقّه هذا في دينه‏ .

وروي أيضا بسند معتبر عنه (عليه السلام) قال : عليكم بالصلاة في المساجد، وحسن الجوار للناس، واقامة الشهادة، وحضور الجنائز، انّه لا بد لكم من الناس، انّ أحدا لا يستغني عن الناس حياته والناس لا بدّ لبعضهم من بعض‏ .

وقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)  : من أصبح ولا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم‏ .

وسئل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)  : من أحبّ الناس إلى اللّه؟ قال : أنفع الناس للناس‏ .

وروي بسند معتبر عن خيثمة قال : دخلت على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أودّعه، فقال : يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى اللّه العظيم وأن يعود غنيّهم على فقيرهم، وقويّهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيّهم جنازة ميّتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فان لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا، رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا .

وروي عن الصادق (عليه السلام) قال : من زار أخاه للّه لا لغيره التماس موعد اللّه وتنجّز ما عند اللّه وكّل اللّه به سبعين ألف ملك ينادونه ألا طبت وطابت لك الجنّة .

وقال (عليه السلام) لأصحابه : اتقوا اللّه وكونوا اخوة بررة متحابّين في اللّه، متواصلين، متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه‏ .

وقال في حديث آخر : لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحبّ إليّ من أن أعتق ألف‏ نسمة، وأحمل في سبيل اللّه على ألف فرس مسرّجة ملجمة .

واعلم انّ لكلّ هذه الاصناف المذكورة أحاديثا متواترة، ومن المعلوم انّ العزلة توجب الحرمان عن درك هذه الفضائل، والمراد من الاخبار الواردة في العزلة هو اعتزال شرار الخلق الذين لا يهتدون لو عوشروا ولا يحصل الضرر على الدين بتركهم، والّا فمعاشرة الصلحاء وهداية الغاوين من سيرة الأنبياء ومن أفضل العبادات، بل العزلة الممدوحة تحصل حتى لوكنّا مع الناس، والمعاشرة المذمومة تحصل حتى في الخلوة، لانّ مفسدة المعاشرة مع الناس وأهل الباطل هي الميل إلى الدنيا والتخلق بأخلاقهم وتضييع العمر، وكم من معتزل عن الخلق يوسوس الشيطان في صدره بتحصيل الجاه والتعلق بالدنيا فهو وان اعتزلهم لكن قلبه معهم وتقوى في نفسه أخلاقهم ؛ وكم من معاشر للناس ومصاحبهم وحاضر لمجالسهم وهو منزعج من أفعالهم وتكون هذه المعاشرة سببا لازدياد بصيرته وبغضه للدنيا، مضافا إلى كسب الثواب العظيم لوكان هدفه من معاشرتهم للّه، ومن أجل هدايتهم أو غيرها من الاهداف الراجحة.

وروي عن الصادق (عليه السلام) بسند صحيح ما معناه : طوبى للعبد الصامت المجهول بين الناس العارف بأهل زمانه، يصاحبهم ببدنه فيعرفونه ظاهرا ويعرفهم باطنا، اذا المطلوب من العزلة، عزلة القلب عن قبيح فعال الناس وعدم الاعتماد عليهم والتوكل على اللّه، والانتفاع من منافعهم واجتناب مفاسدهم، والّا فترك الناس واعتزالهم لا يصلح الانسان بل العزلة قد تقوّي في نفسه أغلب الصفات الذميمة كالعجب والرياء وغير ذلك‏ .

قال (عليه السلام) : إذا أضيف البلاء إلى البلاء كان من البلاء عافية .

يقول هذا الفقير : هذا الكلام يشبه كلام جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال : عند تناهي الشدّة تكون الفرجة وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء وقال اللّه تعالى : {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح : 5، 6] ؛ وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : انّ للنكبات غايات لا بدّ أن تنتهي إليها فاذا حكم على أحدكم بها فليطأطأ لها ويصبر حتى تجوز فانّ اعمال الحيلة فيها عند اقبالها زائد في مكروها .

وقال (عليه السلام) : إذا أقبلت الدنيا على المرء أعطته محاسن غيره واذا أعرضت عنه سلبته محاسن نفسه‏ .

يقول المؤلف : هذا الكلام يشبه كلام جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال : إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره واذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه .

قيل انّ البرامكة لمّا كانت الدنيا لهم وبنفعهم كان الرشيد يقسم لجعفر بن يحيى البرمكي بانّه أفصح من قيس بن ساعدة وأشجع من عامر بن الطفيل، وأكتب من عبد الحميد، وأكثر سياسة من عمر بن الخطاب، وأحسن وجها من مصعب بن الزبير مع انّه لم يكن حسن الوجه وأنصح له من الحجاج لعبد الملك، وأسخى من عبد اللّه بن جعفر، وأعفّ من يوسف بن يعقوب، لكن لمّا انقلبت الاوضاع وأفل نجم البرامكة انكر الرشيد جميع هذه الاوصاف حتى التي كانت في جعفر ولم ينكرها أحد كالكياسة والسماحة ؛ والخلاصة انّ الناس ابناء الدنيا يريدون الوصول إلى متاعها ونعيمها فيحبّون من كان‏ عنده هذا المتاع وينسبون له المحاسن ويغضّون النظر عن مساويه بل لا يرون فيه أيّ سيئة لأنّ عين الرضا عن كلّ عيب كليلة .

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : الناس ابناء الدنيا ولا يلام الرجل على حبّ أمّه‏ .

قال رجل لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : أوصني، قال : أعدّ جهازك، وقدّم زادك، وكن وصيّ نفسك، لا تقل لغيرك يبعث إليك بما يصلحك‏ .

روى الشيخ أبو الفتوح الرازي انّه لما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من دفن فاطمة (عليها السلام) ذهب إلى المقبرة وقال : السلام عليكم يا أهل المقبرة والتربة، اعلموا انّ المنازل بعدكم قد سكنت، وانّ الأموال بعدكم قد قسمت، وانّ الأزواج بعدكم قد نكحت، فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ فأجابه هاتف من المقابر : اما خبر ما عندنا فقد وجدنا ما وعدناه، وربحنا ما قدّمناه، وخسرنا ما خلّفناه‏ .

قال (عليه السلام) في وصيته لعبد اللّه بن جندب : يا ابن جندب أقل النوم بالليل والكلام بالنهار، فما في الجسد شي‏ء أقلّ شكرا من العين واللسان، فانّ أم سليمان قالت لسليمان (عليه السلام) : يا بني ايّاك والنوم فانّه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم.

وقال له : واقنع بما قسمه اللّه لك ولا تنظر الّا إلى ما عندك ولا تتمنّ ما لست تناله فانّ من قنع شبع، ومن لم يقنع لم يشبع، وخذ حظّك من آخرتك ولا تكن بطرا في الغنى ولا جزعا في الفقر، ولا تكن فظّا غليظا يكره الناس قربك، ولا تكن واهنا يحقّرك من عرفك، ولا تشار من فوقك ولا تسخر بمن هو دونك، ولا تنازع الامر أهله، ولا تطع السفهاء، ولا تكن مهينا تحت كلّ أحد، ولا تتّكلنّ على كفاية أحد، وقف عند كلّ أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم‏ .

 وروي انّ رجلا جاء إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)  وقال له : أوصني يا رسول اللّه، فقال له ما معناه : أوصيك أن إذا عزمت على امر فتبين عاقبته فان كانت صلاحا فأقدم وإن كانت غيّا وضلالة فأمسك.

روي انّ يهوديّا سأل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) مسألة، فمكث (صلّى اللّه عليه وآله) مدّة لا يجيبه، ثم أجابه، فسأل اليهودي عن سبب مكثه وهو يعلم الجواب، فقال (صلّى اللّه عليه وآله)  : انّ مكثي كان لاجل توقير وتعظيم الحكمة .

قال (عليه السلام) : مع التثبت تكون السلامة، ومع العجلة تكون الندامة، ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه.

قال (عليه السلام) : انّا لنحبّ من كان عاقلا، عالما، فهما، فقيها، حليما، مداريا، صبورا، صدوقا، وفيّا، انّ اللّه خصّ الأنبياء (عليهم السّلام) بمكارم الاخلاق فمن كانت فيه فليحمد اللّه على ذلك ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى اللّه ويسأله اياها، قيل له : وما هي ؛ قال (عليه السلام) : الورع، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، والحياء، والسخاء، والشجاعة، والغيرة، وصدق الحديث، والبرّ، وأداء الامانة، واليقين، وحسن الخلق، والمروة .

يقول المؤلف : وسئل الصادق (عليه السلام) ما المروة؟ فقال : لا يراك اللّه حيث نهاك ولا يفقدك من حيث أمرك‏ ؛ واعلم انّ الورع قدّم على جميع هذه الأخلاق الشريفة ولعلّ مرتبته أعلى من سائر الأوصاف لأنّ الورع هو ترك المحرمات والشبهات بل ترك بعض المباحات، فهي مرتبة رفيعة ودرجة عالية لا يصلها أحد بسهولة ولذا نرى الامام الصادق (عليه السلام) كثيرا ما يوصي أصحابه وشيعته بالورع، فقد روي عن عمروبن سعيد بن هلال الثقفي انّه قال : قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : انّي لا ألقاك الّا في السنين فأوصني بشي‏ء حتى آخذ به، قال أوصيك بتقوى اللّه والورع والاجتهاد، واعلم انّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه‏ .

وقال (عليه السلام) لأبي جعفر الكناني : انّ أصحاب جعفر منكم لقليل إنمّا أصحاب جعفر من اشتدّ ورعه وعمل لخالقه .

وفي رواية انّه سئل عن الورع من الناس؟ فقال : الذي يتورّع عن محارم اللّه عز وجل .

وقال أيضا : أورع الناس من وقف عند الشبهة .

وقال (عليه السلام) أيضا : عليكم بالورع فانّه الدين الذي نلازمه وندين اللّه به، ونريده ممن يوالينا، لا تتعبونا بالشفاعة .

وقال أيضا : إنمّا شيعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فاذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر .

وقال أيضا : انّ أحقّ الناس بالورع آل محمد وشيعتهم كي تقتدي الرعيّة بهم‏ .

وحكي من كثرة ورع صفوان بن يحيى من أصحاب الامام موسى الكاظم والامام الرضا (عليهما السّلام) انّ أحد جيرانه في مكّة أعطاه دينارين كي يوصلها إلى الكوفة فقال له صفوان : إنّي لمّا اكتريت الجمال لم يكن الديناران مع أثاثي ولوازمي فأمهلني حتى أسأل فيها صاحب الجمال ، فذهب إلى الجمّال واستأذنه لحملها .

قال الدميري في حياة الحيوان ما معناه : انّ عبد اللّه بن المبارك أخذ قلما عارية وهو بالشام فلمّا سافر ووصل إلى أنطاكية ذكر انّ القلم بقي عنده ولم يردّه فرجع إلى الشام ماشيا فردّ القلم إلى صاحبه ثم عاد.

وذكر الشيخ البهائي (رحمه اللّه) في الكشكول انّه اختلط غنم الغارة الغنم التي أخذت بالغارة والنهب بغنم أهل الكوفة، فتورع بعض عبّاد الكوفة عن أكل اللحم وسأل كم تعيش الشاة؟

قالوا سبع سنين، فترك أكل لحم الغنم سبع سنين‏ .

ونقل شيخنا في الكلمة الطيبة عن السيد ابن طاوس انّه كان يحتاط عن كل طعام هيئ لغير وجه اللّه للآية الشريفة الناهية عن أكل ما لم يذكر اسم اللّه عليه.

وروى الشيخ الصدوق (رحمه اللّه) انّه : سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) ما ثبات الايمان؟

فقال الورع، فقيل له : ما زواله؟ قال : الطمع‏ .

قال (عليه السلام) : الرجل يجزع من الذلّ الصغير فيدخله ذلك في الذلّ الكبير .

إنّ هذا الكلام قاله (عليه السلام) لمرازم في الليلة التي أذن لهم المنصور بالخروج من الحيرة والذهاب إلى المدينة وكان معه (عليه السلام) غلامه مصادف ومرازم أحد أصحابه، فلمّا خرجوا انتهوا إلى‏ السالحين‏  في أوّل الليل فعرض له عاشر وهو الذي يجمع العشور للسلطة  كان يكون في السالحين في اوّل الليل، فقال له : لا أدعك تجوز فألحّ عليه وطلب إليه فأبى اباء.

فقال له مصادف : جعلت فداك إنمّا هذا كلب قد آذاك وأخاف أن يردّك وما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر وأنا ومرازم، أ تأذن لنا أن نضرب عنقه ثم نطرحه في النهر؟ فقال : كفّ يا مصادف، فلم يزل يطلب إليه حتى ذهب من الليل أكثره فأذن له فمضى، فقال : يا مرازم هذا خير أم الذي قلتماه؟ قلت : هذا جعلت فداك، فقال : يا مرازم انّ الرجل يخرج من الذلّ الصغير فيدخله ذلك في الذلّ الكبير ؛ و مقصوده (عليه السلام) انّ مداراة هذا الرجل وتأخيره لنا ذلّ صغير، امّا قتله فسوف يدخلنا في ذلّ أكبر منه .

فلذا قيل : لا يقوم عزّ الغضب بذلّ الاعتذار.

قال (عليه السلام) : ليس لإبليس جند أشدّ من النساء والغضب‏ .

يقول المؤلف : إنّ في حديث يحيى (عليه السلام) وابليس انّ يحيى سأله : وأيّ الأشياء أقرّ لعينك؟ قال : النساء هنّ فخوخي ومصائدي، فانّي إذا اجتمعت عليّ دعوات الصالحين ولعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهنّ‏ .

وعلى رواية العامة انّ ابليس قال ليحيى (عليه السلام) : انّ أرجى الأشياء عندي وأدعمه لظهري وأقرّه لعيني النساء، فانّها حبالتي ومصائدي وسهمي الذي به لا أخطئ، بأبي هنّ، لولم يكن هنّ ما اطقت اضلال أدنى آدميّ، قرّة عيني بهنّ أظفر بمقراتي‏  وبهنّ أوقع في المهالك.

يا حبّذا هنّ إذا اغتممت ليست على النساك‏ والعباد والعلماء غلبوني بعد ما أرسلت عليهم الجيوش فانهزموا وبعد ما ركبت وقهرت ذكرت النساء طابت نفسي، وسكن غضبي، واطمأنّ كظمي، وانكشف غيظي، وسلت كآبتي، وقرّت عيني، واشتدّ أزري‏ ولولاهنّ من نسل آدم لسجدتهنّ، فهنّ سيّداتي وعلى عنقي سكناهنّ وعليّ ما هنّ، ما اشتهت امرأة من حبالتي حاجة الّا كنت أسعى برأسي دون رجلي في اسعافها بحاجتها لأنهن رجائي وظهري وعصمتي ومسندي وثقتي وغوثي‏ .

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.