أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016
2720
التاريخ: 31-8-2016
1563
التاريخ: 26-8-2016
1490
التاريخ: 3-7-2020
1515
|
هل يجب الموافقة الالتزاميّة كالموافقة العلميّة ويحرم المخالفة الالتزاميّة كالمخالفة العمليّة أو لا؟ فاعلم أوّلا أنّ للمخالفة الالتزاميّة مرتبتين، الاولى: مجرّد عدم الانقياد القلبي بالحكم الشرعي، وبعبارة اخرى اللا بناء، والثانية: البناء القلبي على الخلاف مضافا إلى عدم انقياد الحكم وعدم الإذعان به.
ومحلّ الكلام ما إذا لم يكن في البين مخالفة قطعيّة عمليّة لا في زمان واحد ولا تدريجا، وهو لا محالة يكون فيما إذا دار الأمر في زمان مخصوص يسع عملا خاصّا بين كون هذا العمل الخاص حراما أو واجبا مع العلم بعدم الحرمة والوجوب قبل هذا الزمان وبعده؛ فإنّ المخالفة القطعيّة من حيث العمل غير ممكن حينئذ ولو بطريق التدريج، والمخالفة الاحتماليّة لازمة على أيّ حال؛ لعدم إمكان صدور الفعل والترك معا عن المكلّف ولا خلّوه عنهما وبشرط عدم العلم بالتعبّد به إمّا في الوجوب معيّنا أو في الحرمة كذلك أو كليهما؛ لوضوح أنّه معه يتحقّق المخالفة القطعيّة كما هو واضح.
وهذا في الشبهة الحكميّة لم نعثر له على مثال؛ فإنّ الأحكام الشرعيّة ثابتة من أوّل هذه الشريعة إلى الأبد وليس فيها ما يكون دوامه ساعة واحدة مثلا، حتّى يعلم إجمالا بكون العنوان الفلاني في الساعة الفلانيّة من اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية إمّا واجبا وإمّا حراما، مع كونه خاليا عن الوجوب والحرمة قبل هذه الساعة وبعدها إلى الأبد.
نعم له مثال في الشبهة الموضوعيّة، وهو كما إذا علم بصدور حلف منه متعلّق بالمرأة الفلانيّة في الساعة الاولى من ظهر يوم الجمعة الفلاني بقدر زمان يسع الوطي الواحد فقط، ولم يعلم أنّه حلف على وطئها فيها أو على ترك الوطي؛ فإنّ الأمر دائر حينئذ بين الوجوب والحرمة في الشيء الواحد والزمان الواحد، ومن المعلوم أنّه لا يخلو من الفعل والترك في هذا الزمان، فينازع في مثل ذلك في أنّه هل يحرم عدم البناء على شيء أصلا والبناء على عدم الوجوب والحرمة معا أولا؟.
فنقول: إن كان مقصود المدّعي أنّ المكلّف يكون عالما بالإلزام على نحو الإجمال فيلزم عليه الانقياد والتصديق القلبي على قدر علمه وبمقدار معلومه، فيلزم الاعتقاد بأصل الإلزام على ما هو عليه واقعا من الوجوب والحرمة، فالظاهر أنّه مسلّم؛ فإنّ معنى الإيمان والإسلام والتصديق بما جاء به النبي صلّى اللّه عليه وآله هو انقياد ما علم أنّه حكم اللّه من غير فرق بين علمه تفصيلا أو إجمالا، فإن كان تفصيليّا فعلى نحو التفصيل، وإن كان إجماليّا فعلى نحو الإجمال كما فيما نحن فيه.
ويشهد لذلك مراجعة الوجدان في من يشرب الخمر معتقدا أنّه معصية المولى ومن يشربه مستحلّا له أو غير بان على شيء أصلا(1)؛ فإنّ الثاني والثالث أغلظ من الأوّل قطعا؛ فإنّهما مستخفّان بحكم المولى، والأوّل غير مستخفّ به، بل قابل له، وبالجملة التفرقة بينهما في مراتب الاستحقاق لعلّه من أوائل البديهيّات، وليس منشأ ذلك إلّا المخالفة الالتزاميّة الموجودة في الأخيرين دون الأوّل.
فيكون هذا شاهدا على المدّعى فيما نحن فيه وهو صورة العلم الإجمالى وعدم إمكان المخالفة القطعيّة العمليّة؛ لعدم الفرق بينها وبين صورة العلم التفصيلي وإمكانها، فإذا كانت المخالفة القطعيّة الالتزاميّة محرّمة في الثانيّة فهي كذلك في الاولى أيضا ولا يعقل التفكيك، وبالجملة يلزم الانقياد القلبي على طبق العلم وحذوه، إن تفصيليّا فتفصيليّا، وإن إجماليّا فإجماليّا.
وإن كان المقصود لزوم عقد القلب على الشخص المعيّن من الحكم بمعنى أنّه يلزم في المثال البناء على خصوص ما كان واقعا ثابتا من الوجوب أو الحرمة أو كان هو بالخيار في تعيين أحدهما، فإمّا يبنى على شخص الوجوب أو على شخص الحرمة، فيكون حال الموافقة الالتزاميّة في مورد العلم الإجمالي حال الموافقة العمليّة في مورد العلم الإجمالي، فكما يجب الموافقة القطعيّة وقد يجب الموافقة الاحتماليّة عملا في صورة العلم الإجمالي، فكذلك الحال في الموافقة الالتزاميّة.
ففيه أنّ الأوّل وهو الالتزام والبناء على خصوص الحكم الواقعي غير ممكن لكونه تكليفا بما لا يطاق؛ لفرض عدم العلم بهذا الحكم الشخصي، والثاني وهو الالتزام والبناء على خصوص أحد الحكمين على نحو التخيير وإن كان ممكنا ولكن لا دليل يدلّ على ثبوت هذا التكليف التخييري، وإذا لم يثبت الدليل جاء حرمته من باب التشريع؛ فإنّ البناء على خصوص وجوب الوطي في المثال أو خصوص حرمته إدخال لما لا يعلم أنّه من الدين في الدين، فيشمله أدلّة حرمة التشريع، فيكون موافقة احتماليّة للحكم الواقعي ومخالفة قطعية لحرمة التشريع.
وربّما يتوهم أنّ الدليل تنقيح المناط فيما ورد في الخبرين المتعارضين من جعل أحدهما طريقا على التخيير، وأنّ المناط هو الحكمان المشتبهان اللذان دلّ عليهما الخبران، لا خصوص كونهما خبرين، فإذا دلّ أحدهما على وجوب الجمعة والآخر على حرمته فالمكلّف يشكّ في أنّ حكم اللّه هو الوجوب أو الحرمة؟ فالتخيير يكون من هذا الحيث، فيجري في كلّ ما إذا دار الأمر بين حكمين شرعيين، فمعنى الأخذ بما دلّ على الوجوب هو الأخذ بالوجوب، ومعنى الأخذ بما دلّ على الحرمة هو الأخذ بالحرمة.
وفيه أنّه تابع لإثبات كون المناط هذا، وأنّى لأحد بإثباته، فلا يمكن العلم به، وإن كان لو علم مناطيّة ما ذكر صحّ إجراء الحكم في غير مورد الخبرين المتعارضين بتنقيح المناط.
ثمّ بعد تبيّن عدم لزوم البناء على واحد شخصي على التخيير فإن قلنا بأنّ أدلّة حليّة كل مشتبه من مثل قوله عليه السلام: كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي غير شاملة إلّا لما إذا شكّ في أصل الإلزام كما إذا كان أحد الطرفين الوجوب والآخر الإباحة، فهي غير شاملة للمقام ممّا يكون أصل الإلزام فيه متيقّنا، وحينئذ فمن حيث أصل الإلزام حيث إنّه عالم يلزم الانقياد قلبا، ومن حيث التعيّن والشخص فحيث إنّه جاهل لا يجب عليه شيء.
وإن قلنا بشمول تلك الأدلّة لمثل المقام فيجب هنا عليه التزامان الالتزام بالإلزام الواقعي أيّا ما كان، والالتزام بالإباحة والحليّة، ولا منافاة بين الالتزامين كما لا منافاة بين نفس الحكمين؛ فإنّ أحدهما بحسب مرحلة الواقع والآخر بحسب مرحلة الظاهر، فمن حيث مرحلة الواقع المكلّف عالم بأصل الإلزام وجاهل بشخصه ومنقاد بالإلزام الإجمالي، ومن حيث مرحلة الظاهر بان على حليّة كلّ مشتبه الحرمة ومنه المقام.
والمحصّل أنّ محلّ الكلام أنّ المخالفة العمليّة في مورد العلم الإجمالي، كما أنّها مانعة عن جريان أصالة الإباحة في الأطراف كذلك الالتزاميّة أيضا أولا؟.
فلنفرض الكلام في صورة لم يكن مانع عن جريانه من جهة العمليّة وكان ممحّضا في الالتزاميّة كالشبهة الموضوعيّة التي مثّلنا بها، فالمدّعي للمانعيّة لا بدّ وأن يقول: كما أنّ العلم الإجمالي ينجّز التكليف في مقام العمل في خصوص الأطراف، ففي ما علم بوجود إناء نجس بين إناءين يوجب الموافقة العمليّة في خصوص شخص هذا الطرف وذاك الطرف، كذلك يوجب تنجزّ التكليف في مقام عقد القلب في خصوص الطرف.
ففي ما علم بالتكليف المردّد بين الوجوب والحرمة يجب الالتزام بخصوص شخص الوجوب أو شخص الحرمة، نظير الالتزام بطريقيّة أحد الخبرين عند التعارض؛ فإنّه حينئذ لا يمكن إجراء أصالة الإباحة؛ فإنّه وإن كان لا مانع من حيث المخالفة العمليّة- إذ القطعيّة منها غير ممكنة والاحتماليّة غير منفكّة، وأمّا من جهة المخالفة الالتزاميّة فالمانع موجود؛ إذ لا يمكن عقد القلب في فعل واحد في زمان واحد على وجوبه أو حرمته وعلى إباحته- ولكن قلنا: إنّ المقدار الذي تعلّق به العلم وهو مجرد التكليف الحتمي الإلزامي من غير تعيين كونه أمرا أو نهيا يلزم التصديق والبناء القلبي به، وأمّا الزائد على هذا بأن وجب عقد القلب على خصوص الأمر أو خصوص النهي فإن كان خصوص الواقع فمحال، وإن كان خصوص أحد الطرفين مخيّرا فممكن، لكن لا دليل عليه، فيكون مشمولا لأدلّة التشريع ويصير موافقة احتماليّة للتكليف المعلوم ومخالفة قطعيّة لدليل التشريع.
وإذن فينحصر المانع في الالتزام بما تعلّق به العلم أعني التكليف الإلزامي وهو غير مانع عن شمول دليل أصل الإباحة لو قلنا بعدم اختصاصه بما إذا كان أحد طرفي الشكّ التكليف والآخر اللاتكليف، بل عمومه لكلّ ما إذا شكّ في الحرمة سواء كان طرفها الوجوب أم غيره، والجمع بين الالتزام بالتكليف والالتزام بالإباحة على نحو قرّر في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي.
______________
(1) ذهب شيخنا المرتضى قدّس سرّه إلى أنّه لو ترك شرب الخمر ولكن كان بانيا على حليّته فلا بأس؛ إذ لا دليل على وجوب عقد القلب على كلّ حكم تفصيلا، وإنّما المسلّم في تحقّق الإسلام عقد القلب على العنوان الإجمالى الذي هو كلّ ما جاء به النبي صلّى الله عليه وآله، وفيه أنّه نعم لا يكون شرطا في الإسلام أن يكون عالما بالأحكام تفصيلا بواقعها وبانيا عليها على التفصيل حتى يلزم كفر الجاهل بالأحكام الفرعيّة كلّا أو بعضا بالجهل البسيط أو بالجهل المركّب، بل يكفي عقد القلب على أنّ كلّ ما جاء به النّبي صلّى الله عليه وآله إجمالا حقّ ومن جانب اللّه عزّ وجلّ، وهذا أمر علاوة على الاعتقاد الجناني الذي هو عبارة عن اليقين والجزم بالحقيّة الحاصل لتمام الكفّار الجاحدين في زمانه صلّى اللّه عليه وآله؛ فإنّه اتّضح الأمر عليهم أجلى من الشمس في رابعة النهار، ولكن كانوا جاحدين.
والمراد بالجحود ليس هو الإنكار اللساني، بل يجتمع مع الخرس وعدم التكلّم أيضا وهو الإباء القلبى عن قبول أحكامه ورسالته والتزامه وعقد القلب على خلاف أحكامه والعتوّ والتمرّد عن الدخول تحت إطاعته وامتثال أو امره، والطغيان والاستكبار عن تذليل النفس له ولرسالته وما يقابل هذا، وهو الذي يعتبر في تحقّق الإسلام والاقرار اللساني كاشف عنه وليس له موضوعيّة.
ولذا يتحقّق الإسلام مع الخرس وعدم التكلّم وهو التباني وتذليل النفس وتوطينها على انقياد حكمه وقبول رسالته وعقد القلب والالتزام بها، وهو أيضا أمر قلبي باطني كالعلم والجزم ولكنّه غيرهما.
والحاصل أنّه وإن كان لا يعتبر في الإسلام زيادة على الاعتقاد وعقد القلب الجنانيين على صحّة وحقيّة كلّ ما جاء به النبي صلّى الله عليه وآله على سبيل الإجمال، ولكن كما لا يجتمع هذا الاعتقاد فيما إذا علم وجدانا بأنّ الشيء الفلاني مصداق ما جاء به مع الاعتقاد بعدم حقيّة هذا المصداق، ولا محالة يكون هذا استثناء من تلك الكليّة؛ ضرورة أنّه لا يمكن الاعتقاد بالموجبة الكليّة مع السالبة الجزئيّة؛ فإنّهما متناقضان، كذلك التباني وعقد القلب على تلك الكليّة الإجماليّة أيضا لازم وجوده الذي لا ينفكّ عنه أنّه إذا صار مصداقه تفصيليّا صار هو أيضا تفصيليّا قهرا، وإلّا يكشف عن عدم الإجمال أيضا.
ولهذا ذكروا أنّه لا ينفكّ إنكار الضروري أو التشكيك فيه عن إنكار الرسالة وحقيّة ما جاء به، أو التشكيك في ذلك مع الالتفات إلى كونه ضروريا واصلا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى أيدي الناس، فحينئذ لا محالة يكون عقد القلب على بعض ما جاء به دون تمامه، منه قدّس سرّه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|