أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-8-2019
3776
التاريخ: 8-8-2019
7444
التاريخ: 8-8-2019
3163
التاريخ: 8-8-2019
3970
|
قال تعالى : {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة : 117 - 119] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [التوبة : 117 - 118] .
{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار} أقسم الله تعالى في هذه الآية ، لأن لام {لقد} لام القسم ، بأنه سبحانه قبل توبتهم وطاعاتهم ، وإنما ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفتاحا للكلام ، وتحسينا له ، ولأنه سبب توبتهم ، وإلا فلم يكن منه ما يوجب التوبة . وقد روي عن الرضا علي بن موسى عليه السلام ، أنه قرأ : {لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار} {الذين اتبعوه} في الخروج معه إلى تبوك {في ساعة العسرة} وهي صعوبة الأمر . قال جابر : يعني عسرة الزاد ، وعسرة الظهر ، وعسرة الماء . والمراد بساعة العسرة : وقت العسرة ، لأن الساعة تقع على كل زمان . وقال عمر بن الخطاب : أصابنا حر شديد ، وعطش ، فأمطر الله سبحانه السماء بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعشنا بذلك {من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم} عن الجهاد ، فهموا بالانصراف من غزاتهم ، من غير أمر ، فعصمهم الله تعالى من ذلك ، حتى مضوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم {ثم تاب عليهم} من بعد ذلك الزيغ ، ولم يرد بالزيغ هاهنا الزيغ عن الإيمان {إنه بهم رؤوف رحيم} تداركهم برحمته ، والرأفة أعظم من الرحمة {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} قال مجاهد : معناه خلفوا عن قبول التوبة بعد قبول توبة من قبل توبتهم من المنافقين ، كما قال سبحانه فيما مضى : {وآخرون مرجون لأمر الله أما يعذبهم وإما يتوب عليهم} وقال الحسن ، وقتادة : معناه خلفوا عن غزوة تبوك لما تخلفوا هم . واما قراءة أهل البيت عليهم السلام : {خالفوا} فإنهم قالوا : لو كانوا خلفوا لما توجه عليهم العتب ، ولكنهم خالفوا .
{حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} أي : برحبها ، وما هاهنا مصدرية ومعناه : ضاقت عليهم الأرض مع اتساعها ، وهذه صفة من بلغ غاية الندم حتى كأنه لا يجد لنفسه مذهبا ، وذلك بأن النبي أمر الناس بأن لا يجالسوهم ، ولا يكلموهم كما مر ذكره ، لأنه كان نزلت توبة الناس ، ولم تنزل توبتهم ، ولم يكن ذلك على معنى رد توبتهم ، لأنهم كانوا مأمورين بالتوبة ، ولا يجوز في الحكمة رد توبة من يتوب في وقت التوبة ، ولكن الله سبحانه أراد بذلك تشديد المحنة عليهم في تأخير إنزال توبتهم ، وأراد بذلك استصلاحهم ، واستصلاح غيرهم ، لئلا يعودوا إلى مثله .
{وضاقت عليهم أنفسهم} : هذه عبارة عن المبالغة في الغم ، حتى كأنهم لم يجدوا لأنفسهم موضعا يخفونها فيه . وقيل : معنى ضيق أنفسهم : ضيق صدورهم بالهم الذي حصل فيها {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} أي : وأيقنوا أنه لا يعصمهم من الله موضع يعتصمون به ويلجأون إليه غيره تعالى ، ومعناه : علموا أنه لا معتصم من الله إلا به ، وأن لا ينجيهم من عذاب الله إلا التوبة .
{ثم تاب عليهم ليتوبوا} أي : ثم سهل الله عليهم التوبة حتى تابوا . وقيل : ليتوبوا أي : ليعودوا إلى حالتهم الأولى قبل المعصية . وقيل : معناه ثم تاب على الثلاثة ، وأنزل توبتهم على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ليتوب المؤمنون من ذنوبهم ، لعلمهم بأن الله سبحانه قابل التوبة . قال الحسن : أما والله ما سفكوا من دم ، ولا أخذوا من مال ، ولا قطعوا من رحم ، ولكن المسلمين تسارعوا في الشخوص مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتخلف هؤلاء ، وكان أحدهم تخلف بسبب ضيعة له ، والآخر لأهله ، والآخر طلبا للراحة ، ثم ندموا وتابوا ، فقبل الله توبتهم {إن الله هو التواب} أي : الكثير القبول للتوبة {الرحيم} بعباده .
النظم : اتصلت الآية الأولى بقوله : {التائبون} الآية ، اثنى الله سبحانه عليهم هناك ، وبين في هذه الآية قبول توبتهم ، ورضاه عنهم باتباعهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ساعة العسرة ، عن أبي مسلم . وقيل : إنه سبحانه لما ذكر أن له ملك السماوات والأرض ، ولا ناصر لأحد دونه ، بين عقيبه رحمته بالمؤمنين ، ورأفته بهم ، في قبول توبتهم .
- { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة : 119] .
ثم خاطب الله سبحانه المؤمنين المصدقين بالله ، المقرين بنبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} أي : اتقوا معاصي الله واجتنبوها {وكونوا مع الصادقين} الذين يصدقون في أخبارهم ، ولا يكذبون ، ومعناه : كونوا على مذهب من يستعمل الصدق في أقواله وأفعاله ، وصاحبوهم ورافقوهم ، كقولك أنا مع فلان في هذه المسألة أي : أقتدي به فيها . وقد وصف الله الصادقين في سورة البقرة بقوله {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر} إلى قوله {أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} فأمر سبحانه بالاقتداء بهؤلاء الصادقين المتقين . وقيل : المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله في كتابه وهو قوله : {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه} ، يعني حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب . {ومنهم من ينتظر} يعني علي بن أبي طالب عليه السلام .
وروى الكلبي : عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : كونوا مع الصادقين ، مع علي وأصحابه . وروى جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله {وكونوا مع الصادقين} قال . مع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وقيل : مع النبيين والصديقين في الجنة بالعمل الصالح في الدنيا ، عن الضحاك . وقيل : مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، عن نافع . وقيل :
مع الذين صدقت نياتهم ، واستقامت قلوبهم وأعمالهم ، وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يتخلفوا عنه ، عن ابن عباس . وقيل : إن معنى {مع} هنا معنى {من} فكأنه أمر بالكون من جملة الصادقين ، ويعضده قراءة من قرأ {من الصادقين} والمعنيان متقاربان هنا ، لأن {مع} للمصاحبة ، و {من} للتبعيض ، فإذا كان من جملتهم ، فهو معهم وبعضهم . وقال ابن مسعود : لا يصلح من الكذب جد ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيه ، ثم لا ينجز له ، اقرأوا إن شئتم هذه الآية ، هل ترون في الكذب رخصة؟
_______________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 138-142 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :
ما زال الحديث عن غزوة تبوك وما يتصل بها من أحداث ، ولهذه الغزوة خصائص تميزها عن سائر الغزوات ، منها أو أهمها ان جيشها كان في جهد من الحر والجوع والعطش والعري والركب ، ومن أجل هذا سمي جيش العسرة .
قال الرواة : كان العشرة من جيش المسلمين يعتقبون بعيرا واحدا ، يركب الرجل ساعة ثم ينزل ، فيركب صاحبه ، وكان زادهم الشعير المسوس ، والتمر المدود ، وكان الواحد منهم يلوك التمرة ، حتى إذا وجد طعمها أعطاها صاحبه ، أما الماء فقد كانوا ينحرون البعير على قلة الراحلة ، ويعتصرون الفرث الذي في كرشه ، ويبلَّون به ألسنتهم . وقد تخلف عن هذه الغزوة المنافقون ، وتقدم الحديث عنهم ، أما المؤمنون الذين اتبعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) في غزوة تبوك فأشار سبحانه إليهم بقوله :
{ لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ والْمُهاجِرِينَ والأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ } .
إذا قيل : تاب فلان فهم الناس من هذا القول إن المذكور كان قد ارتكب ذنبا ثم ندم وعزم جادا على تركه وعدم العودة إليه ، وإذا قيل : تاب اللَّه عليه فهموا ان اللَّه قبل توبته ، وقد يراد من توبة اللَّه على الإنسان رحمته تعالى ورضوانه مع القرينة الدالة على ذلك ، والمعنى الأول أي قبول اللَّه سبحانه التوبة هو المراد بتوبته على الثلاثة الذين خلفوا ، والمعنى الثاني أي الرحمة والرضوان هو المراد بتوبته تعالى على النبي والصحابة الذين اتبعوه وائتمروا بأمره حتى في ساعة العسرة ، أما القرينة على إرادة الرضوان من توبته تعالى على النبي وصحابته فهي طبيعة الحال ، ونعني بها عصمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن الذنوب ، وطاعة من تابعه في ساعة العسرة .
{ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ } تخلَّف عن النبي من تخلف ، وتبعه المؤمنون من المهاجرين والأنصار ، ولكن جماعة من هؤلاء عندما قاسوا الشدة والقسوة في سفرهم انهارت أعصابهم ، وهمّوا أن يفارقوا الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ولكن اللَّه سبحانه ثبتهم وعصمهم ، فصبروا واحتسبوا { ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ } مما كانوا قد همّوا به من مفارقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . والمراد بالتوبة هنا ان اللَّه سبحانه يعاملهم معاملة من لم يهم بالذنب ، لأن من همّ بالسيئة ولم يفعلها فلا تكتب عليه { إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } لأنه علم منهم الصدق في ايمانهم ، والإخلاص في نياتهم ، وان ما همّوا به كان مجرد عارض لم يترك أي أثر .
{ وعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ } اتفق المفسرون والرواة على أن ثلاثة من مؤمني الأنصار تخلفوا عن النبي في غزوة تبوك كسلا وتهاونا ، لا نفاقا وعنادا ، وهم كعب بن مالك الشاعر ، ومروان بن الربيع ، وهلال بن أمية الواقفي . . ونترك الحديث عن هؤلاء لطه حسين ، فقد لخص ما اتفق عليه الجميع ودلت عليه الآية بأسلوبه المعروف ، قال في كتاب « مرآة الإسلام » :
« كان هؤلاء الثلاثة أشد ايمانا باللَّه ورسوله ، وأصدق حبا لهما من أن يضيفا إلى تخلفهم خطيئة الكذب ، فآثروا الصدق وفاء لدينهم ، وإشفاقا ان يفضح اللَّه كذبهم ، فاعترفوا بذنوبهم ، وسمع النبي منهم ، وأعلن انهم قد صدقوه ، ومع ذلك لم يعف عنهم ، وأمر المؤمنين ان لا يكلموهم . وينظر هؤلاء فإذا هم قد اقتطعوا من الناس اقتطاعا ، وإذا هم في عزلة بغيضة إلى أنفسهم كان السجن أهون منها . . وفي ذات يوم أرسل النبي إليهم من يبلغهم انه يأمرهم ان يعتزلوا نساءهم ، وليس في هذا شيء من الغرابة ، فنساؤهم مؤمنات ، وقد صدر الأمر إلى المؤمنين باعتزالهم ، فليعتزلهم نساؤهم أيضا ، وبعد ان مضت عليهم خمسون ليلة في هذه العزلة ، وقد أخذ الندم من قلوبهم أقوى مأخذ أنزل اللَّه توبته عليهم ، وابتهج المؤمنون كلهم لذلك ، فكانوا يهنئون هؤلاء الثلاثة بتوبة اللَّه عليهم . وقد فرح كعب ، وهو أحد الثلاثة فرحا شديدا ، وهمّ ان يتصدق بماله كله ، فأمره النبي أن يمسك بعضا ، ويتصدق ببعض ، وعاهد كعب النبي ألا يكذب في حديث حتى يموت » .
{ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهً هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } التواب مبالغة في قبوله تعالى لتوبة التائبين ، وتسأل : ان الظاهر من قوله تعالى : { تابَ عَلَيْهِمْ } انهم قد تابوا ، وقبل توبتهم ، والظاهر من قوله : { لِيَتُوبُوا } انهم لم يتوبوا بعد ، فما هو وجه الجمع ؟ .
وأجيب بأجوبة أرجحها ان المراد بتاب عليهم انه تعالى يقبل توبتهم لكي يتوبوا ولا يصروا على الذنب ، ويقولوا : لو قبل اللَّه منا التوبة لتبنا ، فهو أشبه بما لو أساء إليك من تحب ، وأنت تريد أن تغفر له ، ولكن بسبب ، فتلقنه العذر ليعتذر هو وتغفر أنت . وعقدنا فصلا خاصا للتوبة في ج 2 ص 275 الآية 17 من سورة النساء .
{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهً وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } . والصادقون هم النبي ومن أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وبتعبير ثان ليس المراد بالصدق هنا مجرد عدم الكذب في الحديث ، لأن كثيرا من الناس لا يكذبون ، ومع ذلك لا يجوز الاقتداء بهم في كل شيء ، وإنما المراد به الصدق في القول والعلم والعمل الذي يؤهل صاحبه لإمامة الناس واقتدائهم به .
_____________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 113-115 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين﴾ إلى آخر الآيتين ، الساعة مقدار من الزمان فساعة العسرة الزمان الذي تعسر فيه الحياة لابتلاء الإنسان بما تشق معه العيشة عليه كعطش أو جوع أو حر شديد أو غير ذلك ، والزيغ هو الخروج من الطريق والميل عن الحق ، وإضافة الزيغ إلى القلوب وذكر ساعة العسرة وسائر ما يلوح من سياق الكلام دليل على أن المراد بالزيغ الاستنكاف عن امتثال أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والخروج عن طاعته بالتثاقل عن الخروج إلى الجهاد أو الرجوع إلى الأوطان بقطع السير تحرجا من العسرة والمشقة التي واجهتهم في مسيرهم .
والتخليف - على ما في المجمع ، - تأخير الشيء عمن مضى فأما تأخير الشيء عنك في المكان فليس بتخليف ، وهو من الخلف الذي هو مقابل لجهة الوجه يقال خلفه أي جعله خلفه فهو مخلف .
والرحب هو السعة التي تقابل الضيق ، وبما رحبت أي برحبها فما مصدرية .
والآيتان وإن كانت كل واحدة منهما ناظرة إلى جهة دون جهة الأخرى فالأولى تبين التوبة على النبي والمهاجرين والأنصار والثانية تبين توبة الثلاثة المخلفين مضافا إلى أن نوع التوبة على أهل الآيتين مختلف فأهل الآية الأولى أو بعضهم تاب الله عليهم من غير معصية منهم وأهل الآية الثانية تيب عليهم وهم عاصون مذنبون .
وبالجملة الآيتان مختلفتان غرضا ومدلولا غير أن السياق يدل على أنهما مسوقتان لغرض واحد ومتصلتان كلاما واحدا تبين فيه توبته تعالى للنبي والمهاجرين والأنصار والثلاثة الذين خلفوا ، ومن الدليل عليه قوله : ﴿لقد تاب الله على النبي﴾ إلى أن قال : ﴿وعلى الثلاثة﴾ إلخ فالآية الثانية غير مستقلة عن الأولى بحسب اللفظ وإن استقلت عنها في المعنى ، وذلك يستدعي نزولهما معا وتعلق غرض خاص بهذا الاتصال والامتزاج .
ولعل الغرض الأصلي بيان توبة الله سبحانه لأولئك الثلاثة المخلفين وقد ضم إليها ذكر توبته تعالى للمهاجرين والأنصار حتى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتطيب قلوبهم بخلطهم بغيرهم وزوال تميزهم من سائر الناس وعفو أثر ذلك عنهم حتى يعود الجميع على نعت واحد وهو أن الله تاب عليهم برحمته فهم فيه سواء من غير أن يرتفع بعضهم عن بعض أو ينخفض بعضهم عن بعض .
وبهذا تظهر النكتة في تكرار ذكر التوبة في الآيتين فإن الله سبحانه يبدأ بذكر توبته على النبي والمهاجرين والأنصار ثم يقول : ﴿ثم تاب عليهم﴾ وعلى الثلاثة الذين خلفوا ثم يقول : ﴿ثم تاب عليهم ليتوبوا﴾ فليس إلا أن الكلام مسوق على منهج الإجمال والتفصيل ذكر فيه توبته تعالى على الجميع إجمالا ثم أشير إلى حال كل من الفريقين على حدته فذكرت عند ذلك توبته الخاصة به .
ولو كانت كل واحدة من الآيتين ذات غرض مستقل من غير أن يجمعها غرض جامع لكان ذلك تكرارا من غير نكتة ظاهرة .
على أن في الآية الأولى دلالة واضحة على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن له في ذلك ذنب ولا زيغ ولا كاد أن يزيغ قلبه فإن في الكلام مدحا للمهاجرين والأنصار باتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزغ قلبه ولا كاد أن يزيغ حتى صار متبعا يقتدى به ولو لا ما ذكرناه من الغرض لم يكن لذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) مع سائر المذكورين وجه ظاهر .
فيئول معنى الآية إلى أن الله - أقسم لذلك - تاب ورجع برحمته رجوعا إلى النبي والمهاجرين والأنصار والثلاثة الذين خلفوا فأما توبته ورجوعه بالرحمة على المهاجرين والأنصار فإنهم اتبعوا النبي في ساعة العسرة وزمانها وهو أيام مسيرهم إلى تبوك - اتبعوه من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ويميل عن الحق بترك الخروج أو ترك السير فبعد ما اتبعوه تاب الله عليهم إنه بهم لرءوف رحيم .
وأما الثلاثة الذين خلفوا فإنهم آل أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ووسعت - وكان ذلك بسبب أن الناس لم يعاشروهم ولا كلموهم حتى أهلهم فلم يجدوا أنيسا يأنسون به - وضاقت عليهم أنفسهم - من دوام الغم عليهم - وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه بالتوبة والإنابة فلما كان ذلك كله تاب الله عليهم وانعطف ورجع برحمته إليهم ليتوبوا إليه فيقبل توبتهم أنه هو التواب - كثير الرجوع إلى عباده يرجع إليهم بالهداية والتوفيق للتوبة إليه ثم بقبول تلك التوبة - والرحيم بالمؤمنين .
وقد تبين بذلك كله أولا : أن المراد بالتوبة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) محض الرجوع إليه بالرحمة ، ومن الرجوع إليه بالرحمة ، الرجوع إلى أمته بالرحمة فالتوبة عليهم توبة عليه فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) الواسطة في نزول الخيرات والبركات إلى أمته .
وأيضا فإن من فضله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن : كلما ذكر أمته أو الذين معه بخير أفرده من بينهم وصدر الكلام بذكره تشريفا له كما في قوله : ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون﴾ [البقرة : 285] وقوله : ﴿ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ [التوبة : 26] ، وقوله : ﴿لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا﴾ [التوبة : 88] إلى غير ذلك من الموارد .
وثانيا : أن المراد بما ذكر ثانيا وثالثا من التوبة بقوله : ﴿ثم تاب عليهم﴾ في الموضعين هو تفصيل ما ذكره إجمالا بقوله : ﴿لقد تاب الله﴾ .
وثالثا : أن المراد بالتوبة في قوله : ﴿ثم تاب عليهم﴾ في الموضعين رجوعه تعالى إليهم بالهداية إلى الخير والتوفيق فقد ذكرنا مرارا في الأبحاث السابقة أن توبة العبد محفوفة بتوبتين من الرب تعالى ، وأنه يرجع إليه بالتوفيق وإفاضة رحمة الهداية وهو التوبة الأولى منه فيهتدي العبد إلى الاستغفار وهو توبته فيرجع تعالى إليه بقبول توبته وغفران ذنوبه وهو التوبة الثانية منه تعالى .
والدليل على أن المراد بها في الموضعين ذلك أما في الآية الأولى فلأنه لم يذكر منهم فيها ذنبا يستغفرون له حتى تكون توبته عليهم توبة قبول ، وإنما ذكر أنه كان من المتوقع زيغ قلوب بعضهم وهو يناسب التوبة الأولى منه تعالى دون الثانية ، وأما في الآية الثانية فلأنه ذكر بعدها قوله : ﴿ليتوبوا﴾ وهو الاستغفار ، أخذ غاية لتوبته تعالى فتوبته تعالى قبل توبتهم ليست إلا التوبة الأولى منه .
وربما أيد ذلك قوله تعالى في مقام تعليل توبته عليهم : ﴿إنه بهم رءوف رحيم﴾ حيث لم يذكر من أسمائه ما يدل بلفظه على قبول توبتهم كما لم يذكر منهم توبة بمعنى الاستغفار .
ورابعا : أن المراد بقوله في الآية الثانية : ﴿ليتوبوا﴾ توبة الثلاثة الذين خلفوا المترتب على توبته تعالى الأولى عليهم ، فالمعنى ثم تاب الله على الثلاثة ليتوب الثلاثة فيتوب عليهم ويغفر لهم إنه هو التواب الرحيم .
فإن قلت : فالآية لم تدل على قبول توبتهم وهذا مخالف للضرورة الثابتة من جهة النقل أن الآية نزلت في توبتهم .
قلت : القصة ثابتة نقلا غير أنه لا توجد دلالة في لفظ الآية إلا أن الآية تدل بسياقها على ذلك فقد قال تعالى في مقام الإجمال : ﴿لقد تاب الله﴾ وهو أعم بإطلاقه من التوبة بمعنى التوفيق وبمعنى القبول ، وكذا قوله بعد : ﴿إن الله هو التواب الرحيم﴾ وخاصة بالنظر إلى ما في الجملة من سياق الحصر الناظر إلى قوله : ﴿وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه﴾ فإذا كانوا أقدموا على التوبة ليأخذوا ملجأ من الله يأمنون فيه وقد هداهم الله إليه بالتوبة فتابوا فمن المحال أن يردهم الله من بابه خائبين وهو التواب الرحيم ، وكيف يستقيم ذلك؟ وهو القائل عز من قائل : ﴿إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم﴾ [النساء : 17] .
وربما قيل : إن معنى ﴿ثم تاب عليهم ليتوبوا﴾ ثم سهل الله عليهم التوبة ليتوبوا .
وهو سخيف ، وأسخف منه قول من قال : إن المراد بالتوبة في ﴿ليتوبوا﴾ الرجوع إلى حالتهم الأولى قبل المعصية .
وأسخف منه قول آخرين : إن الضمير في ﴿ليتوبوا﴾ راجع إلى المؤمنين والمعنى ثم تاب على الثلاثة وأنزل توبتهم على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتوب المؤمنون من ذنوبهم لعلمهم بأن الله قابل التوب .
وخامسا : أن الظن يفيد في الآية مفاد العلم لا لدلالة لفظية بل لخصوص المورد .
قوله تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ الصدق بحسب الأصل مطابقة القول والخبر للخارج ، ويوصف به الإنسان إذا طابق خبره الخارج ثم لما عد كل من الاعتقاد والعزم - الإرادة - قولا توسع في معنى الصدق فعد الإنسان صادقا إذا طابق خبره الخارج وصادقا إذا عمل بما اعتقده وصادقا إذا أتى بما يريده ويعزم عليه على الجد .
وما في الآية من إطلاق الأمر بالتقوى وإطلاق الصادقين وإطلاق الأمر بالكون معهم - والمعية هي المصاحبة في العمل وهو الاتباع - يدل على أن المراد بالصدق هو معناه الوسيع العام دون الخاص .
فالآية تأمر المؤمنين بالتقوى واتباع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وهو غير الأمر بالاتصاف بصفتهم فإنه الكون منهم لا الكون معهم وهو ظاهر .
______________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 333-336 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [التوبة : 117 - 118] .
الحصار الاجتماعي للمذنبين :
تتحدّث هذه الآيات أيضا عن غزوة تبوك ، والمسائل والأحداث التي ترتبط بهذا الحدث الكبير ، وما جرى خلاله .
فتشير الآية الأولى إلى رحمة اللّه اللامتناهية التي شملت النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والمهاجرين والأنصار في اللحظات الحساسة ، وتقول : {لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ والْمُهاجِرِينَ والْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ} .
ثمّ تبيّن أن شمول هذه الرحمة الإلهية لهم كان في وقت اشتدت فيه الحوادث والضغوط والاضطرابات إلى الحد الذي أوشكت أن تزل فيه أقدام بعض المسلمين عن جادة الصواب ، (و صمموا على الرجوع من تبوك) فتقول : {مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} . ثمّ توكّد مرّة أخرى على أن اللّه سبحانه قد تاب عليهم ، فتقول : {ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} .
ولم تشمل الرحمة الإلهية هذا القسم الكبير الذي شارك في الجهاد فقط ، بل شملت حتى الثلاثة الذين تخلفوا عن القتال ومشاركة المجاهدين في ساحة الجهاد : {وعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} .
إلّا أنّ اللطف الإلهي لم يشمل هؤلاء المتخلفين بهذه السهولة ، بل عند ما عاش هؤلاء- وهم كعب بن مالك ومرارة بن ربيع وهلال بن أمية ، الذين مر شرح حالهم في سبب النزول- مقاطعة اجتماعية شديدة ، وقاطعهم كل الناس بالصورة التي تصورها الآية ، فتقول : {حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ} .
بل إنّ صدور هؤلاء امتلأت همّا وغمّا بحيث ظنوا أن لا مكان لهم في الوجود ، فكأنّه ضاق عليهم {وضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} فابتعد أحدهم عن الآخر وقطعوا العلاقة فيما بينهم .
عند ذلك رأوا كل الأبواب مغلقة بوجوههم . فأيقنوا {وظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} فأدركتهم رحمة اللّه مرّة أخرى ، وسهلت ويسرت عليهم أمر التوبة الحقيقية ، والرجوع إلى طريق الصواب ليتوبوا : {ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} .
- { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة : 119] .
كونوا مع الصّادقين :
في الآيات السابقة كان الحديث حول جماعة من المتخلفين الذين نقضوا عهدهم مع اللّه ورسوله ، وأظهروا عمليا تكذيبهم للإيمان باللّه واليوم الآخر ، ورأينا كيف أنّ المسلمين قد أرجعوهم إلى حظيرة الإيمان بمقاطعتهم ، ونبّهوههم على خطئهم .
أمّا هذه الآية فقد أشارت إلى النقطة المقابلة لهؤلاء ، فهي تأمر بتحكيم الروابط مع الصادقين الذين حافظوا على عهدهم وثبتوا عليه .
في البداية تقول الآية : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} ولأجل أن يستطيعوا سلوك طريق التقوى المليء بالمنعطفات والاخطار بدون اشتباه وانحراف أضافت : {وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} .
وقد احتمل المفسّرون احتمالات مختلفة في المقصود من الصادقين ، ومن هم ؟
إلّا أنّنا إذا أردنا اختصار الطريق ، يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم نفسه الذي فسّر معنى الصادقين في آيات متعددة .
فنقرأ في سورة البقرة ، الآية (177) : {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ولكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ والْمَلائِكَةِ والْكِتابِ والنَّبِيِّينَ وآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وفِي الرِّقابِ وأَقامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكاةَ والْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا والصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ والضَّرَّاءِ وحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} .
فنحن نرى في هذه الآية أنّها بعد نهي المسلمين عن البحث والمناقشة حول مسألة تغيير القبلة ، تفسر لهم حقيقة العمل الصالح والبر بأنّه الإيمان باللّه ويوم القيامة والملائكة والكتب السماوية والأنبياء ، ثمّ الإنفاق في سبيل اللّه ومساعدة المحتاجين والمحرومين ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والوفاء بالعهد ، والاستقامة والصمود أمام المشاكل حين الجهاد ، وبعد ذكر كل هذه الصفات تقول: إنّ الذين يمتلكون هذه الصفات هم الصادقون وهم المتقون .
وعلى هذا ، فإنّ الصادق هو الذي يؤمن بكل المقدسات ، ثمّ يعمل بموجبها في جميع النواحي ، وفي الآية (15) من سورة الحجرات نقرا : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} فإنّ هذه الآية أيضا تعرّف الصدق بأنّه مجموع الإيمان والعمل الذي لا تشوبه أية شائبة من التردد أو المخالفة .
ونقرا في الآية (8) من سورة الحشر : {لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْواناً ويَنْصُرُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} فهذه الآية عرّفت الصادقين بأنّهم المؤمنون المحرومون الذين استقاموا وثبتوا رغم كل المشاكل ، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم ، ولم يكن لهم هدف وغاية سوى رضى اللّه ونصرة رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم .
من مجموع هذه الآيات نحصل على نتيجة ، وهي أنّ الصادقين هم الذين يؤدون تعهداتهم أمام الإيمان باللّه على أحسن وجه دون أي تردد أو تماهل ولا يخافون سيل المصاعب والعقبات ، بل يثبتون صدق إيمانهم بأنواع الفداء والتضحية .
ولا شك أنّ لهذه الصفات درجات ، فقد يكون البعض في قمتها ، وهم الذين نسمّيهم بالمعصومين ، والبعض في درجات أقل وأدنى منها .
_____________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 387-395 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|