أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-8-2019
13923
التاريخ: 6-8-2019
3885
التاريخ: 8-8-2019
4424
التاريخ: 13-8-2019
7854
|
قال تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة : 60] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية (1) :
ثم بين سبحانه لمن الصدقات فقال {إنما الصدقات للفقراء والمسكين} ومعناه : ليست الصدقات التي هي زكاة الأموال إلا لهؤلاء . واختلف في الفرق بين الفقير والمسكين على قولين أحدهما : إنهما صنف واحد ، وإنما ذكر الصنفان تأكيدا للأمر ، وهو قول أبي علي الجبائي ، وإليه ذهب أبو يوسف ، ومحمد فقالا فيمن قال ثلث مالي للفقراء والمساكين ، وفلان ، إن لفلان نصف الثلث ، ونصفه الآخر للفقراء والمساكين ، لأنهما صنف واحد . و (الآخر) : وهو قول الأكثرين انهما صنفان ، وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، فإنه قال في المسألة المذكورة إن لفلان ثلث الثلث ، وثلثي الثلث للفقراء والمساكين .
ثم اختلف هؤلاء على أقوال : فقيل : إن الفقير : هو المتعفف الذي لا يسأل ، والمسكين : الذي يسأل ، عن ابن عباس ، والحسن ، والزهري ، ومجاهد ، ذهبوا إلى أن المسكين مشتق من المسكنة بالمسألة ، وروي ذلك عن أبي جعفر عليه السلام .
وقيل : إن الفقير الذي يسأل ، والمسكين الذي لا يسأل . وجاء في الحديث ما يدل على ذلك : فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال : ليس المسكين الذي يرده الأكلة والأكلتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنيا فيغنيه ، ولا يسأل الناس شيئا ، ولا يفطن به فيتصدق عليه . وقيل : الفقير هو الزمن المحتاج ، والمسكين : هو الصحيح المحتاج ، عن قتادة . وقيل : الفقراء المهاجرون ، والمساكين : غير المهاجرين ، عن الضحاك ، وإبراهيم .
ثم اختلفوا من وجه آخر ، فقيل : إن الفقير أسوأ حالا من المسكين ، فإن الفقير هو الذي لا شيء له ، والمسكين الذي له بلغة من العيش لا تكفيه ، وإليه ذهب الشافعي ، وابن الأنباري ، واحتجا بقوله تعالى {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} وبأن الفقير مشتق من فقار الظهر ، فكأن الحاجة قد كسرت فقار ظهره .
وقيل : إن المسكين أسوأ حالا من الفقير الذي له بلغة من العيش ، والمسكين : الذي لا شيء له ، وهو قول أبي حنيفة ، والقتيبي ، وابن دريد ، وأئمة اللغة ، وأنشد يونس :
أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد (2)
فسماه فقيرا ، وجعل له حلوبة . وأجابوا عن السفينة بأنها كانت مشتركة بين جماعة ، ولكل واحد منهم الشئ اليسير . وأيضا فإنه يجوز أن يكون سماهم مساكين على وجه الرحمة ، كما جاء في الحديث : (مساكين أهل النار) وقال الشاعر :
مساكين أهل الحب حتى قبورهم * عليها تراب الذل بين المقابر
وقيل : إنهم كانوا يعملون عليها فأضيفت إليهم {والعاملين عليها} يعني سعاة الزكاة وجباتها {والمؤلفة قلوبهم} وكان هؤلاء قوما من الأشراف في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يعطيهم سهما من الزكاة ليتألفهم به على الاسلام ، ويستعين بهم على قتال العدو . ثم اختلف في هذا السهم هل هو ثابت بعد النبي أم لا؟ فقيل : هو ثابت في كل زمان ، عن الشافعي ، واختاره الجبائي ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام ، إلا أنه قال : من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم على ذلك به .
وقيل : إن ذلك كان خاصا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم سقط بعده ، لأن الله سبحانه أعز الاسلام ، وقهر الشرك ، عن الحسن ، والشعبي ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .
{وفي الرقاب} يعني في فك الرقاب من العتق ، وأراد به المكاتبين . وأجاز أصحابنا أن يشترى منه عبد مؤمن ، إذا كان في شدة ، ويعتق ، ويكون ولاؤه لأرباب الزكاة ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، ومالك {والغارمين} : وهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا إسراف يقضى عنهم الديون {وفي سبيل الله} : وهو الجهاد بلا خلاف ، ويدخل فيه عند أصحابنا جميع مصالح المسلمين ، وهو قول ابن عمر ، وعطا ، وهو اختيار البلخي ، وجعفر بن مبشر ، قالوا : يبنى منه المساجد ، والقناطر ، وغير ذلك {وابن السبيل} : وهو المسافر المنقطع به ، يعطى من الزكاة وإن كان غنيا في بلده ذا يسار ، وإنما سمي ابن السبيل للزومه الطريق ، فنسب إليه كما قال الشاعر :
أنا ابن الحرب ربتني وليدا * إلى أن شبت واكتهلت لداتي (3)
وقيل : هو الضيف ، عن قتادة {فريضة من الله} أي : مقدرة واجبة قدرها الله وحتمها {والله عليم} بحاجة خلقه {حكيم} فيما فرض عليهم وأوجب من اخراج الصدقات ، وغير ذلك .
_______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 74-76 .
2 . قائله الراعي يمدح عبد الملك بن مروان ، ويشكر إليه سعاته . وفي نسخة مخطوطة كنسخة التبيان (أنا الفقير) . والحلوبة : الناقة التي تحلب ، ويقال : حلوبة فلان وفق عياله أي : لها لبن قدر كفايتهم لا فضل فيه . والسبد : كناية عن القليل .
3. الوليد : المولود حين يولد . ولدات جمع اللدة ، الترب : وهو الذي ولد معك ، أو تربى معك .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآية (1) :
المراد بالصدقات هنا الزكاة المفروضة ، وتكلم الفقهاء عن حكمها وشروطها والأعيان التي تجب فيها والمستحقين لها ، وعرضنا ذلك مفصلا في الجزء الثاني من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق . وفي ج 1 من التفسير الكاشف ص 428 تكلمنا عن الزكاة كمبدأ أقره الإسلام ، ونتكلم هنا تبعا للآية الكريمة عن أصناف المستحقين لها ، وهم ثمانية :
1 - { إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ } . قال الإمامية : الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له ولعياله . وقال الحنفية : من يملك أقل من نصاب الزكاة . وقال الشافعية والحنابلة : من وجد نصف كفايته لا يعد فقيرا . وقال الإمامية والشافعية والحنابلة : من قدر على الاكتساب لا تحل له الزكاة . وقال الحنفية والمالكية :
بل تحل .
2 - { والْمَساكِينِ } . قال جماعة : ان كلمة فقير وكلمة مسكين إذا اجتمعتا عبّرت كل منهما عن معنى غير معنى الأخرى ، وإذا افترقتا عبّرتا عن معنى واحد ، وقالوا : ان الفرق عند الاجتماع هو ان الفقير لا يسأل ، والمسكين يسأل ، ومهما يكن ، فإن العبرة بالحاجة ، وكل منهما محتاج .
3 - { والْعامِلِينَ عَلَيْها } . وهم الجباة الذين يعينهم الإمام أو نائبه للقيام بتحصيل الزكاة وحفظها ، ثم تأديتها إلى من يقسمها على المستحقين ، وما يأخذه الجباة يعتبر أجرا لهم على عملهم لا صدقة ، ولذا تعطى لهم ، وان كانوا أغنياء .
4 - { والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } . وهم قوم يراد استمالتهم إلى الإسلام ، أو ليستعين بهم المسلمون فيما يعود بالنفع على الإسلام .
5 - { وفِي الرِّقابِ } . أي تبذل الزكاة لفك العبيد وتحريرهم من الرق .
ولا موضوع اليوم لهذا الصنف .
6 - { والْغارِمِينَ } . وهم الذين تحملوا ديونا عجزوا عن وفائها ، فتؤدي عنهم من الزكاة ، على شريطة أن لا يكونوا قد صرفوها في الإثم والمعصية .
7 - { وفِي سَبِيلِ اللَّهِ } . وسبيل اللَّه كل ما يرضيه ، يتقرب به إليه كائنا ما كان ، كشق طريق أو بناء مصح أو معهد ، وأفضله الدفاع عن الدين والوطن .
8 - { وابْنِ السَّبِيلِ } . وهو المنقطع في سفره عن بلده ، فيعطى ما يستعين به على العودة إلى وطنه ، وان كان غنيا فيه ، على شريطة أن لا يكون سفره في معصية .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 59-60 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) :
قوله تعالى : ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل﴾ الآية ، بيان لموارد تصرف إليها الصدقات الواجبة وهي الزكوات بدليل قوله في آخر الآية : ﴿فريضة من الله﴾ وهي ثمانية .
وارد على ظاهر ما يعطيه سياق الآية ولازمه أن يكون الفقير والمسكين موردين أحدهما غير الآخر .
وقد اختلفوا في الفقير والمسكين أنهما صنف واحد أو صنفان ، ثم على الثاني في معناهما على أقوال كثيرة لا ينتهي أكثرها إلى حجة بينة ، والذي يعطيه ظاهر لفظهما أن الفقير هو الذي اتصف بالعدم وفقدان ما يرفع حوائجه الحيوية من المال قبال الغني الذي اتصف بالغنى وهو الجدة واليسار .
وأما المسكين فهو الذي حلت به المسكنة والذلة مضافة إلى فقدان المال وذلك إنما يكون بأن يصل فقره إلى حد يستذله بذلك كمن لا يجد بدا من أن يبذل ماء وجهه ويسأل كل كريم ولئيم من شدة الفقر وكالأعمى والأعرج فالمسكين أسوأ حالا من الفقير .
والفقير والمسكين وإن كانا بحسب النسبة أعم وأخص فكل مسكين من جهة الحاجة المالية فقير ولا عكس غير أن العرف يراهما صنفين متقابلين لمكان مغايرة الوصفين في نفسهما فلا يرد أن ذكر الفقير على هذا المعنى مغن عن ذكر المسكين لمكان أعميته وذلك أن المسكنة هي وصف الذلة كالزمانة والعرج والعمى وإن كان بعض مصاديقه نهاية الذلة من جهة فقد المال .
وأما العاملون عليها أي على الصدقات فهم الساعون لجمع الزكوات وجباتها .
وأما المؤلفة قلوبهم فهم الذين يؤلف قلوبهم بإعطاء سهم من الزكاة ليسلموا أو يدفع بهم العدو أو يستعان بهم على حوائج الدين .
وأما قوله : ﴿وفي الرقاب﴾ فهو متعلق بمقدر والتقدير : والمصرف في الرقاب أي في فكها كما في المكاتب الذي لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه أو الرق الذي كان في شدة .
وقوله : ﴿والغارمين﴾ أي وللصرف في الغارمين الذين ركبتهم الديون فيقضى ديونهم بسهم من الزكاة .
وقوله : ﴿وفي سبيل الله﴾ أي وللصرف في سبيل الله ، وهو كل عمل عام يعود عائدته إلى الإسلام والمسلمين وتحفظ به مصلحة الدين ومن أظهر مصاديقه الجهاد في سبيل الله ، ويلحق به سائر الأعمال التي تعم نفعه وتشمل فائدته كإصلاح الطرق وبناء القناطر ونظائر ذلك .
وقوله : ﴿وابن السبيل﴾ أي وللصرف في ابن السبيل وهو المنقطع عن وطنه الفاقد لما يعيش به وإن كان غنيا ذا يسار في بلده فيرفع حاجته بسهم من الزكاة .
وقد اختلف سياق العد فيما ذكر في الآية من الأصناف الثمانية فذكرت الأربعة الأول باللام : ﴿للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم﴾ ثم غير السياق في الأربعة الباقية فقيل : ﴿وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل﴾ فإن ظاهر السياق الخاص بهذه الأربعة أن التقدير : وفي الرقاب وفي الغارمين وفي سبيل الله وفي ابن السبيل .
أما الأربعة الأول : ﴿للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم﴾ فاللام فيها للملك بمعنى الاختصاص في التصرف فإن الآية بحسب السياق كالجواب عن المنافقين الذين كانوا يطمعون في الصدقات وهم غير مستحقين لها وكانوا يلمزون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حرمانهم منها فأجيبوا بالآية أن للصدقات مواضع خاصة تصرف فيها ولا تتعداها ، والآية ليست بظاهرة في أزيد من هذا المقدار من الاختصاص .
وأما كون ملكهم للصدقات هو الملك بمعناه المعروف فقها ؟ وكذا حقيقة هذا الملك مع كون المالكين أصنافا بعناوينهم الصنفية لا ذوات شخصية ؟ ونسبة سهم كل صنف إلى بقية السهام؟ فإنما هي مسائل فقهية خارجة عن غرضنا ، وقد اختلفت أقوال الفقهاء فيها اختلافا شديدا فليرجع إلى الفقه .
وأما الأربعة الباقية : ﴿وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل﴾ فقد قيل في تغيير السياق فيها وفي تأخيرها عن الأربعة الأول وجوه : منها : أن الترتيب لبيان الأحق فالأحق من الأصناف ، فأحق الأصناف بها الفقراء ثم المساكين وهكذا على الترتيب ، ولكون الأربعة الأخيرة بحسب ترتيب الأحقية واقعة في المراتب الأربع الأخيرة وضع كل في موضعه الخاص ، ولو لا هذا الترتيب لكان الأنسب أن يذكر الأصناف ثم تذكر موارد المصالح فيقال : للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وابن السبيل ثم يقال : وفي الرقاب وسبيل الله .
والحق أن دلالة الترتيب بما فيه من التقديم والتأخير على أهمية الملاك وقوة المصلحة في أجزاء الترتيب لا ريب فيه فإن كان مراده بالأحق فالأحق الأهم ملاكا فالأهم فهو ، ولو كان المراد التقدم والتأخر من حيث الإعطاء والصرف وما يشبه ذلك فلا دلالة من جهة اللفظ عليه البتة كما لا يخفى والذي أيده به من الوجه لا جدوى فيه .
ومنها : أن العدول عن اللام في الأربعة الأخيرة إلى ﴿في﴾ للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره لأن ﴿في﴾ للوعاء فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصبا ، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق والأسر ، وفي فك الغارمين من الغرم والتخليص والإنقاذ ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة ، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال .
وتكرير ﴿في﴾ في قوله : ﴿وفي سبيل الله وابن السبيل﴾ فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين .
كذا ذكره في الكشاف .
وفيه : أنه معارض بكون الأربعة الأول مدخولة للام الملك فإن المملوك أشد لزوما واتصالا بالنسبة إلى مالكه من المظروف بالنسبة إلى ظرفه ، وهو ظاهر .
ومنها : أن الأصناف الأربعة الأوائل ملاك لما عساه يدفع إليهم ، وإنما يأخذونه ملكا فكان دخول اللام لائقا بهم ، وأما الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن في مصالح تتعلق بهم .
فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون والبائعون فليس نصيبهم مصروفا إلى أيديهم حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بتملكهم لما يصرف نحوهم ، وإنما هم محال لهذا الصرف والمصلحة المتعلقة به ، وكذلك الغارمون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصا لذممهم لا لهم ، وأما سبيل الله فواضح ذلك فيه ، وأما ابن السبيل فكأنه كان مندرجا في سبيل الله ، وإنما أفرد بالذكر تنبيها على خصوصيته مع أنه مجرد من الحرفين جميعا وعطفه على المجرور باللام ممكن ولكنه على القريب منه أقرب .
وهذا الوجه لا يخلو عن وجه غير أن إجراءه في ابن السبيل لا يخلو عن تكلف ، وما ذكر من دخوله في سبيل الله هو وجه مشترك بينه وبين غيره .
ولو قال قائل بكون الغارمين وابن السبيل معطوفين على المجرور باللام ثم ذكر الوجه الأول بالمعنى الذي ذكرناه وجها للترتيب والوجه الأخير وجها لاختصاص الرقاب وسبيل الله بدخول ﴿في﴾ لم يكن بعيدا عن الصواب .
وقوله في ذيل الآية : ﴿فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ إشارة إلى كون الزكاة فريضة واجبة مشرعة على العلم والحكمة لا تقبل تغيير المغير ، ولا يبعد أن يتعلق الفرض بتقسمها إلى الأصناف الثمانية كما ربما يؤيده السياق فإن الغرض في الآية إنما تعلق ببيان مصارف الصدقات لا بفرض أصلها فالأنسب أن يكون قوله : ﴿فريضة من الله﴾ إشارة إلى أن تقسمها إلى الأصناف الثمانية أمر مفروض من الله لا يتعدى عنه على خلاف ما كان يطمع فيه المنافقون في لمزهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ومن هنا يظهر أن الآية لا تخلو عن إشعار بكون الأصناف الثمانية على سهمها من غير اختصاص بزمان دون زمان خلافا لما ذكره بعضهم : أن المؤلفة قلوبهم كانوا جماعة من الأشراف في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف قلوبهم بإعطاء سهم من الصدقات إياهم ، وأما بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد ظهر الإسلام على غيره ، وارتفعت الحاجة إلى هذا النوع من التأليفات ، وهو وجه فاسد وارتفاع الحاجة ممنوع .
___________________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 259-262 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :
موارد صرف الزكاة ودقائقها :
في تاريخ صدر الإسلام مرحلتان يمكن ملاحظتهما بوضوح ، إحداهما في مكّة ، حيث كان هدف النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والمسلمين فيها تعليم الأفراد وتربيتهم ونشر التعاليم الإسلامية . والثّانية في المدينة ، حيث أقدم النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم على تشكيل حكومة إسلاميّة أجرى من خلالها الأحكام والتعاليم الإسلامية .
وممّا لا شك فيه أنّ أوّل وأهم مسألة واجهت تشكيل الحكومة هي إيجاد بيت المال ، إذ عن طريقه تؤمّن حاجات الدولة الاقتصادية ، وهي حاجات طبيعية توجد في كل دولة بدون استثناء ، ومن هنا كان إيجاد بيت المال من أوائل أعمال النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم في المدينة ، وتشكل الزكاة أحد موارده ، وعلى المشهور فإنّ هذا الحكم شرّع في السنة الثّانية للهجرة النبوية .
وكما سنشير- بعد حين- إلى إرادة اللّه وحكمه ، فإنّ حكم الزكاة قد نزل من قبل في مكّة ، لكن لا على نحو وجوب جمعها في بيت المال ، بل كان الناس يؤدونها ذاتيا ، أمّا في المدينة فإنّ قانون جباية الزكاة وجمعها في بيت المال قد صدر من اللّه تعالى في الآية (103) من سورة التوبة .
إنّ الآية التي نبحثها ، والتي نزلت يقينا بعد آية وجوب الزكاة- وإن لم يسبق لها ذكر في القرآن الكريم- تبيّن الموارد المختلفة التي تصرف فيها الزكاة . وممّا يلفت النظر أن الآية بدأت بكلمة (إنّما) الدالّة على الحصر ، وهي توحي بأنّ بعض الأفراد الأنانيين أو المغفلين كانوا يطمعون في أن يحصلوا على نصيب من الزكاة بدون أي وجه لاستحقاقهم لها ، لكن كلمة (إنّما) ردّت أيديهم في أفواهم . وهذا المعنى تبيّنه الآيتان اللتان سبقت هذه الآية ، حيث ذكرت أنّ هؤلاء كانوا يعترضون على النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم في عدم إعطائهم شيئا من الزكاة ، ويرضون عنه إذا أعطاهم شيئا منها .
وعلى أي حال ، فإنّ الآية قد بيّنت- بوضوح- الموارد الحقيقة التي تصرف فيها الزّكاة ، وأنهت التوقعات غير المنطقية وحددت موارد صرف الزّكاة في ثمانية أصناف :
1- الفقراء .
2- المساكين : وسيأتي البحث في نهاية تفسير الآية عن الفرق بين الفقير والمسكين .
3- العاملين عليها : وهم الذين يسعون في جباية الزكاة ، وإدارة بيت المال ، وما يعطى لهم هو في الواقع بمنزلة أجرة عملهم ، ولهذا لا يشترط فيهم الفقر على أي حال .
4- المؤلفة قلوبهم : وهم الذين لا يوجد لديهم الحافز والدافع المعنوي القوي من أجل النهوض بالأهداف الإسلامية وتحقيقها ، ولكن ويمكن استمالتهم بواسطة بذل المال لهم ، والاستفادة منهم في الدفاع عن الإسلام وتحكيم دولته ، وإعلاء كلمته . وسيأتي توضيح أوسع حول هذا القسم .
5- في الرقاب : وهذا يعني أن قسما من الزكاة يخصّص لمحاربة العبودية والرق وإنهاء هذه الحالة غير الإنسانية ، وكما قلنا في محله فإنّ برنامج الإسلام في معالجة مسألة الرقيق هو اتباع نظام (التحرير التدريجي) الذي ينتهي إلى تحرير جميع العبيد بدون مواجهة ردود فعل اجتماعية غير متوقعة ، ويشكّل تخصيص قسم من الزكاة لهذا الموضوع جانبا من هذا البرنامج المتكامل .
6- الغارمون : وهم الذين عجزوا عن أداء ديونهم ، ولم يكن هذا العجز نتيجة لتقصيرهم .
7- في سبيل اللّه : والمراد منه- كما سنشير إليه في آخر تفسير الآية- جميع السبل التي تؤدي إلى تقوية ونشر الدين الإلهي ، وهي أعم من مسألة الجهاد والتبليغ وأمثالها .
8- ابن السبيل : وهم الذين تخلفوا في الطريق لعلة ما ، وليس معهم من الزاد والراحلة ما يوصلهم إلى بلدانهم أو إلى الجهة التي يقصدونها ، حتى ولو لم يكونوا فقراء في واقعهم ، لكنّهم افتقروا الآن نتيجة سرقة أموالهم أو مرضهم أو قلّة أموالهم أو لأسباب أخر ، ومثل هؤلاء يجب أن يعطوا من الزكاة ما يوصلهم إلى مقصدهم أو بلدهم .
وفي خاتمة الآية نلاحظ التأكيد على صرفها في الجهات السابقة ، ولذلك قال سبحانه : {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} ولا شك أنّ هذه الفريضة قد حسبت بصورة دقيقة جدّا ، وبصورة تحفظ مصالح الفرد والمجتمع ، لأنّ {اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
_______________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 266-268 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|