أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-12
831
التاريخ: 2023-03-09
743
التاريخ: 14/9/2022
1220
التاريخ: 2023-03-08
1015
|
يشير التدهور البيئي الذي حدث معظمه خلال القرن الماضي إلى أن النموذج الاقتصادي المهيمن (الليبرالية الرأسمالية) هو "اقتصاد استخلاصي" يستنفد الموارد غير المتجددة، ويستغل الموارد المتجددة بدرجة أكبر من قدرتها على البقاء، ويتسبب في تغيير كيمائية الأرض وتشويه النظم البيئية عليها متسببا في حدوث أضرار لا يمكن إصلاحها لكل من الأرض والماء والهواء )انظر: (Coates 2003b:44-66. ولذا يمكن القول أن الاستغلال المفرط والتدمير المصاحب للتنمية هما نتاج للمجتمع الصناعي الحديث، وبخاصة منظومة قيمه ومعتقداته وبناءه السياسي. فبرغم أن لهذا النسق الاعتقادي "الحداثة" إنجازات عديدة إلا أن له جانبه المظلم أيضا متمثلا في الظلم الاجتماعي وإفساد البيئة، إلا أن معظم الناس منغمسون جدا في نموذج الحداثة هذا إلى درجة أنهم غير قادرين على إدراك أن "البناءات والعمليات التي تقوم عليها الحياة اليومية هي السبب في الدمار البيئي والظلم الاجتماعي" (Coates 2003a:27).
ويبدو أن الأسباب الرئيسة وراء قلة الاهتمام أو التصرف تنبع من ترسخ مجموعة معينة من القيم والمعتقدات والافتراضات القوية جدا ضمن نموذج الحداثة المهيمن والتي تحدد وتوجه الفعل الفردي والعام وتقف في طريق تطوير الناس والحكومات، وخاصة في الدول المتقدمة لاستجابات فعالة لتعزيز العدالة الاجتماعية والسلامة البيئية والانخراط فيهما. حيث يضع هذا النسق الاعتقادي المعروف "بالحداثة" ثقة مطلقة في التقنية والعلم، ولديه ثقة لا تتزحزح في النمو الاستهلاكي واقتصاد السوق. وقد عبر بول هاوكن Hawken عن هذا الأمر جيدا عندما صرح بأن الحداثة قد "أنتجت و بشكل طبيعي ثقافة تجارية مهيمنة تعتقد بأن كل حالات انعدام المساواة سواء الاجتماعية أو في الموارد يمكن حلها من خلال التنمية، والابتكار، والتمويل والنمو – النمو دائما" (Hawken 1993: 5).
وفي هذا السياق قدمت شارلين سبرتناك Spretnak وصفا لخصائص هذه الحداثة يتضمن مايلي:
1- Homo Economicus / أي أن الأولوية فيه تكون للرفاهية الاقتصادية التي ستقود إلى تحقيق الرفاهية في مجالات الحياة الأخرى.
2- النزعة التقدمية/ أي أن التقنية ستجد حلولا لكل المشاكل وأن الحالة الإنسانية سوف تتحسن بالتدريج من خلال الوفرة.
3- النزعة التصنيعية/ أي أن الإنتاج على نطاق واسع سيؤدي إلى تحقق الوفرة والتي بدورها ستؤدي إلى خلق نزعة استهلاكية.
4- النزعة الاستهلاكية/ إي أن استهلاك السلع المادية هو مصدر السعادة البشرية.
5- النزعة الفردية/ التي تشير إلى التنافس على المنفعة الفردية وإعطاء المصالح الفردية أولوية على المصالح العامة (Spretnak 1997:40-41).
ويعكس هذا التحيز المتأصل المعتقدات التي دفعت نحو الاستعمار، والتنمية الصناعية والاقتصادية، فضلا عن طريقة الاستجابة للمشاكل الاجتماعية والبيئية الناتجة عن ممارساتها. وضمن هذا النموذج المتمركز حول الإنسان (الأوربي غالبا) نظر إلى الأرض على أنها مجرد مصدر وافر وغير ناضب للسلع، وركزت عملية التقدم بشكل أعمى على تحويل الموارد الطبيعية (بوساطة التقنية) إلى سلع استهلاكية تتحول بشكل سريع جدا إلى نفايات. وبالفعل فإنه ينظر للاقتصاد المزدهر على أنه "اقتصاد متوسع" ينتج سلع مادية كثيرة لتستهلك ومن ثم يتخلص منها. وأعتبر الإبداع الإنساني من خلال التقنية قادرا على حل كل المشاكل مما يمكن التقدم من الاستمرار بدون توقف.
وقد هيمن هذا التركيز على دور الاقتصاد والنمو الاقتصادي على صناعة القرار الاقتصادي والسياسي، حيث أصبح الاقتصاد أساس المعنى والعلاقة في المجتمع الحديث (Rogers 1994: 86). فالنزعة الاقتصادية قوية جدا إلى حد النظر للاقتصاد كحقيقة ثابتة بدلا من أن يكون وسيلة لتحقيق حال أفضل. وضمن هذا النسق الإعتقادي تصبح النقود ومالكيها هي السلعة الأسمى، وتطغى معايير الحياة المترفة المسرفة المدفوعة بالنزعة الاستهلاكية الواسعة على كل الاعتبارات الأخرى، ويصبح السوق هو المحدد الأساسي لما يحدث في المجتمع، ويتعزز الاعتقاد بأن الوفرة (من خلال الإنتاج والاستهلاك الواسعين) ستحل كل المشاكل. ومن جانبها ساهمت وسائل الإعلام، وبخاصة التلفاز، الذي أصبح الأداة الرئيسة للتنشئة الاجتماعية في المجتمع الصناعي الحديث في التأكيد على أولوية الثروة والنقود في تحديد مكانة الفرد في المجتمع (see for instance: Durning 1991: 153-169). ونتيجة لهذا الوهم المضلل الذي نشأ من خلال هذا الاعتقاد في التقدم والتنمية وخرافة التطور الإنساني يؤكد رسل Russell "أننا نستهلك الآن في سنة واحدة أكثر مما أستهلكه الإنسان في كل الفترة الممتدة منذ ميلاد المسيح وحتى فجر الثورة الصناعية" (Russell 1998:43).
وبالرغم من حدة وكثافة الانتقادات لذلك النموذج وتنامي الاهتمام الشعبي بالقضايا البيئية إلا أن الناس بشكل عام وكذلك الشركات والحكومات مازالوا يفتقرون لأي دافع لأخذ تلك القضايا على محمل الجد ومن ثم لم ينخرطوا في عمل فعال باتجاه ممارسات مستدامة. وفي ظل غياب رؤية بديلة فإن الاعتقاد في التميز والتقدم والإبداع التقني الإنساني يسهم في خلق مجتمع راض عن/ أو يقبل بالاستغلال البيئي والاجتماعي.
ولذا فمن الضروري الاعتراف بأن القضايا البيئية هي قضايا اجتماعية وثقافية وأنه في ظل غياب التحليل النقدي للمعتقدات الأساسية والأطر السياسية الاجتماعية للمجتمعات الصناعية لن يكون هناك مبادرات ناجحة تجاه العدالة الاجتماعية والبيئية، ولن يصبح المجتمع الحديث في وضع يسمح له بالتكيف مع رؤية عالمية بديلة وبناء سياسي وثقافي واجتماعي قادر على دعم بروز مجتمع مستدام بيئيا وتنمويا.
ومن الواضح أنه لا يمكن إيجاد مجتمع عادل بيئيا واجتماعيا عندما تكون الحياة الاجتماعية فيه واقعة تحت هيمنة وتأثير قوى السوق، والربح، والنمو الاقتصادي، ومعايير الرفاهية المتنامية، كما أن النزعة الاستهلاكية غير المقيدة تؤدي إلى استغلال غير مقيد. وبناء عليه فإن معالجة تلك القضايا يتطلب تفكيرا جديدا يعترف بالعلاقة المتداخلة بين الإنسان والبيئة في ظل التنمية المستدامة التي توازن بين التغير الإبداعي والتقدمي، والمحافظة على البيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز سعادة الأفراد، والمجتمع، وتستطيع المعايير والمؤسسات العامة فيها الحفاظ على نوع من التضامن الاجتماعي الذي يمكن من خلاله المساهمة في سعادة وخير الجميع.
باختصار يمكن القول أن الاهتمام المتنامي بتلك التحديات لنموذج الحداثة التنموي قد أدى إلى قبول واسع النطاق لمفهوم جديد - التنمية المستدامة- يؤكد على حماية البيئة وتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية مما حدا بالكثير من المشتغلين بالفكر التنموي إلى عده بمثابة نموذج إرشادي جديد new paradigm للتنمية.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|