أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-08-2015
907
التاريخ: 7-11-2017
695
التاريخ: 16-11-2017
902
التاريخ: 29-12-2018
763
|
[انه بعد مراجعة نظرية الوحي النفسي التي تعني] أنّ الوحي القرآني لا علاقة له بالسماء، إنّما هو وحي نفسي نابع من ذات محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) [نجد ان] نظريّة الوحي النفسي تناقض محتوى الوحي القرآني ، وفي هذا الجانب يقف الناقد الموضوعي إزاء نظرية الوحي النفسي موقف التشكيك بل الرد والرفض، لأنه لا يستطيع التوفيق إطلاقا بين ما تفترضه هذه النظرية من مصادر في طبيعتها ومحدوديتها وبين السعة والشمولية التي اتسم بها المحتوى الداخلي للوحي القرآني.
ويمكننا توضيح ذلك من خلال ملاحظة الأُمور التالية :
أ ـ إنّ موقف الوحي القرآني من الأديان السماويّة السابقة ، وخصوصاً الديانتَين اليهوديّة والمسيحيّة ، له صورتان : الصورة الأُولى ، هي التصديق بأصل هاتَين الديانتين ، والإقرار بأنّ الله تعالى قد بعث رُسُلاً بهما مُبشّرين ومنذرين . والصورة الثانية، هي اتّخاذه موقع المهيمن عليهما جملةً وتفصيلاً ، فهو حاكم على تشريعاتها نَسخاً وإمضاءً ، ورقيباً على ما طرأ عليها من انحرافات ، وما دُسَّ فيها من ضَلالات ليظهر الحقّ ويدحض الباطل .
وذلك في قوله تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] ، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ * ... مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } [النساء: 44-45] وقوله أيضاً : {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ * ... وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } [المائدة: 13-14].
واتّصفت هذه الرقابة بالشموليّة والدقّة التامّة ، فقد استوعبت كلّ المفاهيم والأحكام والوقائع التاريخيّة ، وجعلت للصحيح منها مقياساً أظهرت فيه الحقّ وردّت الباطل . وهو مفاد قوله تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [المائدة: 15، 16] .
فمع هذه الرقابة الشاملة والدقيقة ، والتصريح القاطع بكلّ يقينٍ ورسوخٍ بجهل أهل الكتاب ونسيانهم وتحريفهم الكلِم وتبديله ، كيف يُمكننا القبول بدعوى أخذ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن أهل الكتاب ؟ وبماذا نفسّر هذا التتبّع الدقيق والشامل لتفاصيل ما اختلفوا فيه ، أو خالفوا ما نزل عليهم من الدين الصحيح ، والبيان المُحكم لِما هو الحقّ والصواب منه بلا تناقض ولا تخلّف ولا اختلافٍ فيه ؟ وليس للمنطق جواب إلاّ التصديق بأنّ كلّ ذلك قد تلقّاه الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وحياً إلهيّاً ، مصدّقا لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليه .
ب ـ لو كان ما يزعمون من الوحي النفسي صحيحاً وأنّ مصادره التي استقى منها الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هما التوراة والإنجيل ، لكان الأَولى أنْ يُجمل في كثير من الموارد أو يغض الطرف عنها أو عن بعضها ، لئلاّ يقع مثل هذا التعارض والاصطدام بهما ، إلاّ أنّنا نجد العكس من ذلك ، فقد جاء محتوى الوحي القرآني بلسان التأكيد والإصرار على بيان الحقائق بكلّ قوّة ، وإظهار مخالفته للتوراة والإنجيل في بعض الوقائع التاريخيّة بكلّ وضوح ودون أي تردّد أو إجمال .
ومن نماذج ذلك ما في قصّة موسى ، حيث يُخالف القرآن الكريم ما جاء في سِفر الخروج من أنّ التي كفلت موسى هي ابنة فرعون ، في حين يؤكّد القرآن أنّها كانت امرأته في قوله تعالى : {قَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 9] ، وفي نموذج آخر نجد التوراة تذكر غرَق فرعون بإجمال وإبهام ، في حين نجد القرآن الكريم يشير الى غرق فرعون ، وكيّفيّته بشكلٍ دقيقٍ وواضح ، بما في ذلك بيان مسألة نجاة بدَن فرعون من الغرق رغم موته وهلاكه ، وكذلك بيان الحكمة من ذلك ، وهو قوله تعالى : {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92] .
ومثال آخر هو عزو التوراة صنع العجل الذي عبده بنو إسرائيل الى هارون ( عليه السلام ) ، في حين يصرّح القرآن خلاف ذلك ويعزوه الى السامري ، ويثبت إنكار هارون ( عليه السلام ) عليهم في ذلك ، ونفس الأمر يرد في قصّة ولادة مريم للمسيح ( عليهما السلام ) ، وغيرها من القضايا .
وعليه فلا نتصوّر في محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، الذي يعترفون بحقّه أنّه الصادق الأمين الفطِن أنْ يأتي بمثل هذه التفاصيل ويُعارض بها التوراة والإنجيل ، دون أنّ يكون ذلك قد تلقّاه من لَدُن العليم الخبير عن طريق وحيه الأمين ، ويتحمّل الكثير من أذى أهل الكتاب في الثبات عليها وعدم مخالفتها .
ج ـ إنّ استيعاب الوحي القرآني في جانب كبير من محتواه الداخلي لتفاصيل التشريع الإسلامي بكلّ دقّةٍ وعمق ، وبشموليّة وسِعَتْ كافّة مجالات الحياة المختلفة وجوانب الإنسان ووجوده ، لا تجد فيما بينها إلاّ الانسجام التام والتناسق الفريد، ليس إلاّ برهاناً ساطعاً على تلقيه كل ذلك عن طريق الوحي الإلهي ، ولا يُمكننا أنْ نتصوّر معه أنّ إنساناً كمحمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهو الأُمّي الذي كان يعيش ذلك العصر المُظلم بالجهل والخرافات ، والذي قضى أغلب أدوار حياته الرساليّة في خوضِ صراعٍ اجتماعيٍّ مرير ، أنْ يقع له ما يزعمونه من الوحي النفسي ، ويحقّق عن طريقه ذلك الكمال الإعجازي في مسائل التشريع الإسلامي .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|