أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-6-2017
1695
التاريخ: 29-11-2018
1751
التاريخ: 26-4-2018
2666
التاريخ: 6-1-2019
1765
|
عناصر متعددة
وكان السكان في ذلك العهد يتكونون من عناصر مختلفة تختلف في دمها وفي عقليتها وعاداتها وتقاليدها ومنهج تفكيرها … وامتزجت كلها في أتون واحد؛ ذلك لأنها كانت تتكون من أمم مختلفة على أثر الفتوح الأموية، فكان منها العنصر البربري الوارد من بلاد المغرب، والعنصر الفارسي الوارد من بلاد فارس، والعنصر العربي الوافد من جزيرة العرب، واليمنيون الآتون من اليمن، والنبطيون، والروم الذين كانت تسوقهم الحرب بين المسلمين والبيزنطيين، وغيرهم من العناصر والأجناس الأخرى.
وكان لكل من هذه العناصر عقلية خاصة، ودم خاص، وأخلاق خاصة، ولكل عنصر مزاياه، وقد عَدَّدَ الجاحظ مزايا العناصر في عصره فقال:(ميزات أهل الصين الصناعة فهم أصحاب السبق، والصياغة، والإفراغ، والإذابة، والأصباغ العجيبة، وأصحاب الخرط، والنحت، والتصاوير، والنسيج، واليونانيون يعرفون العلل، ولا يباشرون العمل، وميزتهم الحِكَم والآداب، والعرب لم يكونوا تُجارًا، ولا صُنَّاعًا، ولا أطباء، ولا حسابًا، ولا أصحاب فِلاحة … فيكونون مهنة، ولا أصحاب زَرْع؛ لخوفهم من صَغار الجزية، ولا طلبوا المعاش من ألسنة المكاييل ورؤوس الموازين، ولا عرفوا الدوانيق والقراريط، وإنما ميزَتُهُم قول الشعر، وبلاغة المنطق، وحفظ النسب، والاهتداء بالنجوم، والاستدلال بالآثار، وتعرف الأنواء، والبصر بالخيل والسلاح وآيات الحروب، والحفظ لكل مسموع، والاعتبار بكل محسوس، وميزة الأتراك في الحروب، والزنج أطبع الخلق على الرقص، والضرب بالطبل، وعلى الإيقاع الموزون من غير تأديب ولا تعليم، وليس في الأرض أحسن حُلوقًا منهم، وليس كل يوناني حكيمًا، ولا كل صينيِّ في غاية من الحذق، ولا كل أعرابي شاعرًا فائقًا، ولكن هذه الأمور في هؤلاء أعم وأتم، وفيهم أظهر وأكثر).
كذلك كانت هذه العناصر تختلف في الأهواء والسياسة، ولذلك قالوا: اشتهرت الكوفة بالتشيع لعلي وأولاده، والبصرة بالتشيع لعثمان وأهل بيته، واشتهرت الجزيرة بأنها تضم الخوارج، وأهل الشام لا يعرفون إلا آل أبي سفيان، وطاعة بني مروان، واشتهر أهل مكة والمدينة بالميل إلى أبي بكر وعمر، لا يعدلون عنهما. كما كان في هذه البلاد نصارى حافظوا على شعائر دينهم، ويهود كذلك، ومجوس يوقدون نيرانهم.
ولكلٍ من هؤلاء جميعًا أدبٌ وعلم، وهؤلاء كلهم يتزاوجون، فيخرج منهم مولدون يحملون جزءًا من طبائع آبائهم، وجزءًا من طبائع أمهاتهم، وجزءًا من شخصياتهم، وخير مثل على ذلك قصور الخلفاء؛ فالمنصور كان له أَمَةٌ كردية، ولدت له جعفرًا الأصغر، وأمةٌ رومية، ولدت له ابنًا يسمى صالحًا المسكين، وامرأة أموية، أولدها بنتًا تسمى العالية، وهكذا.
وكان للرشيد زهاء ألفي جارية غير الحرائر … فله جارية فارسية، أولدها المأمون، وأخرى أولدها المعتصم، ويقال: إنه كان للمتوكل أربعة آلاف سُرِّية … إلخ. وكما كان هناك توالُد بيْن الأجسام كان هنالك توالُد مثله بيْن العقول … فعقل عربي مع عقل يوناني يكون منه نتاج خاص، وكذلك العقل المتولد بيْن فارسي وعربية، أو بيْن عربي وهندية، أو بيْن مسلم ونصرانية، أو بيْن مسلم ويهودية.
ومع هذا الاختلاف في العناصر والأديان والعرف والتقاليد، كانت كلها تصُب في قالب واحد نتيجة للبيئة الطبيعية والاجتماعية، كالذي تراه إذا ذهبْتَ إلى أوروبا فنظرْتَ إلى وجهٍ حَكَمْتَ بأنه مصري، ولا عبرة في ذلك بيْن أبيض وأسمر وجعْد الشَّعر ومُرْسَلِه؛ لأن لكل امة وحْدة يتساوى فيها الأفراد مع اختلافهم في الدم والدِّين، وغير ذلك، وكان العنصر المتميز في عصر الخلفاء الراشدين والأمويِّين هو العنصر العربي، وسائر الأجناس كانت تبَعًا لهم، رَوَوْا أن رَجلًا من الموالي خطب بنتًا من أعراب بني سليم وتزوجها، فركب محمد بْن بشير الخارجي إلى المدينة، وقابل الوالي فأرسل الوالي إلى المولى، وفرَّقَ بينه وبيْن زوْجته، وضرَبَه مائتي سوط، وحلق رأسه ولحيته وحاجبه عِقابًا له على أنه تزوج أعرابية، فقال محمد بْن بشير للوالي:
قضيت بسنة وحكمت عدلا *** ولم ترث الحكومة من بعيد
وفي المئتين للمولى نكال *** وي سلب الحواجب والخدود
اذا كافأتهم ببنات كسرى *** فهل يجد المولى من مزيد
فأي الحق انصاف للموالي *** من اصهار العبيد الى العبيد
ولَمَّا نَزَل الحَجَّاج واسطًا نفى النبط منه، ووسم أيديَهم بالمشرط، وكتب إلى عامِلِه بالبصرة: إذا قرأْتَ كتابي فَانْفِ مَنْ قِبَلَكَ من النبط، فإنهم مَفْسَدة للدِّين والدنيا، وأَمَر الحَجاجُ أَلَّا يَؤمَ الناسَ في الكوفة إلا عربي، وكان العرب في الدولة الأموية إذا أقبل العربي من السُّوق، ومعه شيء ثقيل فرأى مولى دَفَعَه إليه ليَحْمِله عنه، ولو كان العربي راكبًا والمولى ماشيًا، فلما جاء الفُرس انتقموا من العرب، وخلقوا فكرة الشعوبية يطلبون فيها المساواة، وَيَدَّعون أن في كُل أمُّة مزايا وعيوبًا، وأَلَّفُوا في ذلك الكتب يُحَقِّرون من شأن العرب، ويذكرون مثالِبَهُم، كالذي يقوله أبو نواس:
ومن تميم ومن قيس ومن غيرهما *** ليس الأعاريب عند الله من احد
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|