أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-4-2018
771
التاريخ: 25-4-2018
1923
التاريخ: 25-4-2018
831
التاريخ: 28-4-2018
815
|
يبدو أن البعد المعرفي بالشكل الذي نجده عليه في دراسات ذوي المنحى النفسي مستلهم من عدة أفكار وطروحات معرفية حاولت تأسيس نظرية تحاول تفسير المعاني وحصولها. وسنسوق من هذه الطروحات ثلاثة: ما عرف بالقيد المعرفي الذي أقترحه جاكندوف (1983)، ودلالة الأطر التي وضع أسسها فيلمور (1984) ودافع عنها، ونظرية القضاءات الذهنية التي قدمها فوكوني (1985).
ص47
1- القيد المعرفي في نظرية الدلالة التصورية
يعتمد هذا القيد، الذى يحاول تفسير سيرورات الإدراك البشرى وعلاقته بالسلوك اللغوي، على نظريات علم النفس التجريبي والمعرفي، وخصوصاً ما توصلت إليه نظرية الادراك الجشطلتية(1).
ويتلخص هذا القيد في وجوب افتراض مستويات للتمثيل الذهني تتضافر فيها المعلومات القادمة من أجهزة بشرية أخرى، مثل جهاز البصر، والجهاز الحركي، والأداء غير اللغوي، وجهاز الشم،... الخ، وربط كل ذلك باللغة. فبواسطة هذا الربط يستطيع البشر أن يتحدثوا عما يرونه ويسمعونه،... الخ. وبدون افتراض هذه المستويات التمثيلية يستحيل أن نقول إنا نستعمل اللغة في وصف إحساساتنا وإدراكاتنا وتجارينا المختلفة بوجه عام.
لهذا، يجب ان تكون البنية الدلالية عند البشر غنية وذات قوة تعبيرية، بحيث ترمز وتفك ترميز كل ما يمكن ان تعبر عنه اللغة، وتعالج كل ما تتطلبه التجربة البشرية مهما اختلفت طبيعته. فالأمر يرتبط، بالأساس، بكيفية معالجة البشر للعالم ورؤيتهم إياه وبنائهم " حقيقته " وذلك باعتبار هؤلاء البشر ذوات مدركة لها عدة وسائل (واللغة جزء منها فقط) للاتصال بمحيطها وادراكه، والتفاعل معه، والفعل فيه، والانفعال به. واللغة مهمة في ذلك لأنها تعبر على هذا الاتصال وتخبرنا بتفاصيله. (وسنعود الى هذا الأمر عند تعرضنا للبنية التصورية).
2- دلالة الأطر والفهم الموحد
يمكن أن نموقع البعد المعرفي النفسي، جزئياً، انطلاقا مما عرف بدلالة الأطر التي لخصها فيلمور (١٩84). إن النظرية الدلالية هي قبل كل شيء نظرية للمداخل المعجمية. فهي تسعى بوسائلها الى تحديد طبيعة المعلومات الموجودة في المداخل وكيفية وجودها وسببه. وتعتمد دلاله الأطر في تحديد هذه المداخل المعجمية (ورصد معانيها) على أطر عامة تتجانس فيها مختلف النماذج المعرفية البشرية. هذه الأطر تخصص فهما موحداً ومؤمثلا (idealized) لمجال من مجالات التجربة. لنأخذ مثالا على ذلك. الفعل " سمع " يمكن أن نضع في مدخله المعجمي ما يلى: " التقاط صرت بواسطة الأذن من دون قصد". فشرح هذا المدخل المعجمي لغويا (وهو ما يرد بعد النقطتين المفسرتين) يعتمد على جهاز الادراك الحي في جزئه السمعي. ولا بد أن نشير في المدخل الى " الالتقاط غير القصدي " لأنه يميز هذا
ص48
المدخل من مدخل آخر يعتمد على الالتقاط القصدي للأصوات، وهذا المدخل هو " أنصت ". والمدخلان ينتميان كلاهما الى حقل الادراك السمعي. إن المدخل المعجمي يضم، كما نرى، كيفية اشتغال جهازنا السمعي. وهنا يبدو اقتراب هذا الطرح من القيد المعرفي أعلاه، بحيث نكون المعلومة المرمزة في اللغة معلومة تخص جهازا معرفيا آخر، وهو هنا جهاز الادراك الحسي. ويدافع فيلمور عن ضرورة تحديد المعنى باعتبار هذا النوع من الفهم، وليس باعتبار شروط الصدق المعروفة في الأدبيات اللسانية المنطقية.
والنظرية الدلالية هي أيضا نظرية لهندسه المداخل وعلاقاتها داخل معجم اللغة. وتمتعد دلالة الأطر على العلاقات الدلالية التي تربط بين الألفاظ داخل حقول دلالية. وتمثل هذه العلاقات حجر الزاوية في دفاع فيلمور عن الفهم الموحد. فالحقول الدلالية نصنف باعتبارها حقولا لكونها تصف جانبا معيناً من السلوك البشري يختلف عن جانب آخر يختص بوصفه حقل مغاير. ومفهوم الحقل وحده كفيل يقنعنا يقنعنا بضرورة ربط المداخل المكونة للحقل بالإطار المبني على الفهم الموحد. ويجب أن نلاحظ أن الأطر تغنينا عن شروط صدق ممكنة في عالم ممكن، كما وردت عند اللسانيين المناطقة(2). فالاطار الموحد، بينته الداخلية التي تعكس مجالا معينا من التجربة يصبح بمعنى معين " شروط صدق " داخلية على قيام المعنى، بل وعلى وجوده.
3- الفضاءات الذهنية والمستوى المعرفي
تقدم النظريات الدلالية " الشعبية " الصورة التالية عن حصول المعاني: هناك ألفاظ محملة بمعان، تتألف هذه الألفاظ مع بعضها فتعطى وحدات كبرى (مثل المركبات والجمل والنصوص). ويتم اشتقاق معاني هذه الوحدات الكبرى من التأليفات التي تمت بين الألفاظ. وعلى هذه المعاني أن تحترم، في آخر الأمر، شروط الصدق. وتتم هذه العملية بواسطة ما يسمى بقواعد التأويل التي تضم بنيات تأويلية مجردة الى العبارات اللغوية، اي الى تلك الوحدات الكبرى(3).
غير أن هناك فرقاً واضحاً بين الخصائص الدلالية التي تفيدها عبارة لغوية ما بمقتضى بنيتها (أي ما يعرف في الأدبيات اللسانية بالمعنى النووي)، وبين الخصائص الذريعية أو البلاغية التي تفيدها اللغوية انطلاقاً من الاستعمال والسياق (وهو ما يعرف بالمعنى الهامشي).
ص49
وقد بين عمل فوكونسي (1985) أن الآليات المسؤولة عن بناء المعنى النووي هي نفسها التي تنتج المعنى الهامشي. ان عدة ألفاظ تحدد بصورة مباشرة بعض شروط استعمالها. وبهذا، فإن بنينة مجال معين من خلال مجال آخر تلعب دررا في إنتاج المعنى الحرفي والمعنى البلاغي على السواء. ان هذين المجالين، أو الفضاءين الذهنيين المختلفين من حيث " محتواهما الموضوعي "، قد يشتركان في خصائص رئيسية في مستوى معين من التمثيل الدلالي.
وقد اهتم فوكونبي بإحدى المظاهر العامة في التنظيم الدلالي / التشريعي، وهذا المظهر هو بناء الفضاءات الذهنية والمبادئ التي تربط بين هذه الفضاءات. كما عالج كيفية بناء الفضاءات وكيفية تزايدها أو تبدلها أو انصهارها في بعضها البعض... إلخ.
ويمكن تلخص متروح فوكونبي على الشكل التالي: اللغة لا ترتبط رأسا بعالم حقيقي أو فيزيائي. ان بين اللغة والعالم الفزيائي سيرورة بناء واسعة. وهذه السيرورة لا تعكس العبارات اللغوية التي تنشئها، ولا العالم الحقيقي الذى تعتبر الأوضاع فيه أهدافاً للعبارات التي تنطبق عليها. هذا المستوى الوسيط (أو البيني) يسميه فوكونيي المستوى المعرفي. وهذا المستوى مختلف عن المحتوى الموضوعي للعبارات، ومختلف عن بنيتها اللغوية. وهذا المستوى يُبنى. إنه حين تستعمل اللغة، بحيث يتم تحديده في نفس الوقت، بواسطة الأشكال اللغوية التي نستخدمها في تركيب وانتاج خطاب ما، وبواسطة مجموعة مرتبة من التلميحات الخارج - لغوية التي تدخل فيها أشياء من قبيل الخلفيات والتنبؤات والتجليات الذريعية... الخ.
بهذا المعنى، لا يكون العبارات اللغوية معنى في ذاتها. فالعبارات لا تحمل محتوى قضوياء بل على عكس ذلك، فقد تعتبر العبارات اللغوية (تعليمات) يتم تنفيذها بإزاء نوع معين عن البناء في المستوى المعرفي.
إن الفضاءات الذهنية، باختبارها طرحاً معرفياً، تقوم بذلك الدور الذي تقوم به العوالم الممكنة في نظرية بيري وباروايز (1983) ذات النزعة المنطقية الموضوعية. فهذه الفضاءات، التي تحوي كيانات ذهنية، تتيح شروط نجاح قول معين إذ يتم تخصيص الاقتضاءات والتضمنات باعتبار هذه الفضاءات. وهذه الفضاءات ذات الطبيعة المعرفية تترابط داخل علاقات واسعة. وما نختلف فيه عن النظريات المسماة موضوعية أنه لا يتم تأويلها باعتبارها شيئاً موضوعاً ميتافيزيقيا محايداً. وفوق كل هذا، فالفضاءات الذهنية تمدنا بالأدوات التي يجب أن تتوافر في أي نموذج معرفي دون المرور من التحديدات ذات المنحى الموضوعي. ومن الوقائع التي يسوقها فوكونبي في تبرير ورود
ص50
نموذج الفضاءات الذهنية ذلك الرصيد الموحد الذي قدمه للكناية والاقتضاء والانخلال المرجعي اعتمادا على الفضاءات الذهنية وعلى بعض الروابط بين هذه الفضاءات وبعض الاستراتيجيات المعرفية.
ص51
________________
(1) انظر في هذا الصدد جاكتدوف (1983)، وميلر وجوتسن ليرد (1976)، رفودور (1975)، وكلارك وشيز (1972).
(2) انظر باروايز وبيري (1983) على سبيل المثال.
(3) انظر فوكونبي (1983).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|