الناس في هذه القوة على إفراط و تفريط و اعتدال , فالإفراط : أن تغلب هذه الصفة حتى يخرج عن طاعة العقل و الشرع و سياستهما ، و لا تبقى له فكرة و بصيرة.

والتفريط : أن يفقد هذه القوة أو تضعف بحيث لا يغضب عما ينبغي الغضب عليه شرعا و عقلا   و الاعتدال : أن يصدر غضبه فيما ينبغي‏ ولا يصدر في ما لا ينبغي ، بحيث يخرج عن سياسة الشرع و العقل ، بل يكون تابعا لهما في الغضب و عدمه ، فيكون غضبه وانتقامه بأمرهما.

ولا ريب في أن الاعتدال ليس مذموما ، و لا معدودا من الغضب ، بل هو من الشجاعة.

والتفريط مذموم معدود من الجبن و المهانة ، و ربما كان أخبث من الغضب ، إذ الفاقد لهذه القوة لا حمية له ، و هو ناقص جدا.

و من آثاره عدم الغيرة على الحرم و صغر النفس , و الجور، و تحمل الذل من الأخساء ، و المداهنة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الفحشاء , و لذا قيل : «من استغضب فلم يغضب فهو حمار» , و قد وصف اللَّه خيار الصحابة بالحمية و الشدة ، فقال : {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح : 29].

و خاطب نبيه ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) بقوله : {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة : 73] , و الشدة و الغلظة من آثار قوة الغضب ، ففقد هذه القوة بالكلية أو ضعفها مذموم.

و قد ظهر أن الغضب المعدود من الرذائل هو حد الإفراط الذي يخرجه عن مقتضى العقل و الدين ، و حد التفريط و إن كان رذيلة إلا أنه ليس غضبا ، بل هو ضد له معدود من الجبن ، و حد الاعتدال فضيلة و ضد له و معدود من الشجاعة ، فانحصر الغضب بالأول.

ثم الناس كما هم مختلفون في أصل قوة الغضب ، كذلك مختلفون في حدوثه و زواله سرعة و بطأ ، فيكونان في بعضهم سريعين ، و في بعضهم بطيئين و في بعضهم يكون أحدهما سريعا و الآخر بطيئا ، و في بعضهم يكون كلاهما أو أحدهما متوسطا بين السرعة و البطء.

وما كان من ذلك بإشارة العقل فهو ممدوح معدود من أوصاف الشجاعة ، و غير مذموم محسوب من آثار الغضب أو الجبن.

مواضيع ذات صلة

بداية التغيير الأخلاقيّ

ارتباط المسائل الأخلاقيّة مع بعضها

أصول الأخلاق الإسلاميّة في الرّوايات

العودة للأصول الأخلاقيّة في القرآن الكريم

أصول المسائل الأخلاقيّة في القرآن الكريم

الاعتقاد بالجَبر وبالمسائل اللأخلاقيّة.

الأخلاق والحريّة

دعائم الأخلاق

الأخلاق الفرديّة والاجتماعيّة

التّأثير المتقابل للأخلاق والعمل في الأحاديث الإسلاميّة

التّأثير المتقابل بين الأخلاق والسلوك

الأخلاق والنسبيّة