

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

أحاديث وروايات مختارة

الأحاديث القدسيّة

علوم الحديث عند أهل السنّة والجماعة


علم الرجال

تعريف علم الرجال

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)

أصحاب الائمة (عليهم السلام)

العلماء من القرن الرابع إلى القرن الخامس عشر الهجري
شرح الأبيات (463 ــ 469)
المؤلف:
شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي
المصدر:
فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث للعراقي
الجزء والصفحة:
ج2، ص 253 ــ 259
2025-12-30
33
[النَّوْعُ الْخَامِسُ: التَّعْلِيقُ فِي الْإِجَازَة]
463 - وَالْخَامِسُ التَّعْلِيقُ فِي الْإِجَازَهْ ... بِمَنْ يَشَاؤُهَا الَّذِي أَجَازَهْ
464 - أَوْ غَيْرُهُ مُعَيَّنًا وَالْأُولَى ... أَكْثَرُ جَهْلًا وَأَجَازَ الْكُلَّا
465 - مَعًا أَبُو يَعْلَى الْإِمَامُ الْحَنْبَلِي ... مَعَ ابْنِ عَمْرُوسٍ وَقَالَ: يَنْجَلِي
466 - الْجَهْلُ إِذْ يَشَاؤُهَا وَالظَّاهِرُ ... بُطْلَانُهَا أَفْتَى بِذَاكَ طَاهِرُ
467 - قُلْتُ: وَجَدْتُ ابْنَ أَبِي خَيْثَمَةِ ... أَجَازَ كَالثَّانِيَةِ الْمُبْهَمَةِ
468 - وَإِنْ يَقُلْ: مَنْ شَاءَ يَرْوِي قَرُبَا ... وَنَحْوَهُ الْأَزْدِي مُجِيزًا كُتُبَا
469 - أَمَّا أَجَزْتُ لِفُلَانٍ إِنْ يُرِدْ ... فَالْأَظْهَرُ الْأَقْوَى الْجَوَازُ فَاعْتَمِدْ
(وَ) النَّوْعُ (الْخَامِسُ) مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ: (التَّعْلِيقُ فِي الْإِجَازَةِ)، وَلَمْ يُفْرِدْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنِ الَّذِي قَبْلَهُ، بَلْ قَالَ فِيهِ: وَيَتَثَبَّتُ بِذَيْلِهِ الْإِجَازَةُ الْمُعَلَّقَةُ بِشَرْطٍ، وَذَكَرَهُ، وَإِفْرَادُهُ حَسَنٌ، خُصُوصًا وَالصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي لَا جَهَالَةَ فِيهَا.
ثُمَّ التَّعْلِيقُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ (بِمَنْ يَشَاؤُهَا) أَيِ: الْإِجَازَةَ (الَّذِي أَجَازَهْ) الشَّيْخُ، يَعْنِي أَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِمَشِيئَةِ مُبْهَمٍ لِنَفْسِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: مَنْ شَاءَ أَنْ أُجِيزَ لَهُ فَقَدْ أَجَزْتُ لَهُ، أَوْ أَجَزْتُ لِمَنْ شَاءَ.
وَقَدْ كَتَبَ أَبُو الطَّيِّبِ الْكَوْكَبِيُّ إِلَى ابْنِ حَيَّوَيْهِ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَقَدْ سَأَلَنِي ابْنُكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ أَنْ أُجِيزَ لَكَ هَذَا التَّأْرِيخَ الَّذِي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَقَدْ أَجَزْتُهُ لَكَ وَلِكُلِّ مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ، فَارْوِهِ عَنِّي وَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ (أَوْ) يَشَاؤُهَا (غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الْمُجَازِ، حَالَ كَوْنِهِ (مُعَيَّنًا)، فَهِيَ مُعَلَّقَةٌ بِمَشِيئَةِ مُسَمًّى لِغَيْرِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: مَنْ شَاءَ فُلَانٌ أَنْ أُجِيزَهُ فَقَدْ أَجَزْتُهُ، أَوْ أَجَزْتُ لِمَنْ يَشَاءُ فُلَانٌ، أَوْ يَقُولُ لِشَخْصٍ: أَجَزْتُ لِمَنْ شِئْتَ رِوَايَةَ حَدِيثِي، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَدْ أَلْحَقَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِهَا الصُّورَةَ الْأُولَى، لَكِنَّهُ قَالَ: (وَالْأُولَى) أَيِ: التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ الْمُجَازِ لَهُ الْمُبْهَمِ (أَكْثَرُ جَهْلًا) وَانْتِشَارًا مِنَ الثَّانِيَةِ ؛ فَإِنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا يُحْصَرُ عَدَدُهُمْ، وَالثَّانِيَةُ بِمَشِيئَةِ مُعَيَّنٍ، مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي جَهَالَةِ الْمُجَازِ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ مُبْهَمًا، كَأَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لِمَنْ شَاءَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي، فَأَكْثَرُ جَهْلًا ؛ لِوُجُودِ الْجَهَالَةِ فِيهَا فِي الْجِهَتَيْنِ، وَلِذَا كَانَتْ فِيهَا بِخُصُوصِهَا بَاطِلَةً قَطْعًا.
(وَأَجَازَ الْكُلَّا) أَيِ: الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ (مَعًا) الْقَاضِي (أَبُو يَعْلَى) مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ الْفَرَّاءِ (الْإِمَامُ الْحَنْبَلِي) وَالِدُ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدٍ مُؤَلِّفِ طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ (مَعَ ابْنِ عَمْرُوسٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، هُوَ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ، فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا الْحَافِظُ الْخَطِيبُ الشَّافِعِيُّ فِي جُزْءِ الْإِجَازَةِ لِلْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ (وَقَالَا) مُسْتَدِلِّينَ لِلْجَوَازِ: (يَنْجَلِي الْجَهْلُ) فِيهَا فِي ثَانِي الْحَالِ (إِذْ يَشَاؤُهَا) أَيِ: الْإِجَازَةَ، الْمُجَازُ لَهُ.
قُلْتُ: وَلَمْ أَرَ الِاسْتِدْلَالَ وَلَا الصُّورَةَ الْأُولَى فِي الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ، وَلَا عَزَاهَا ابْنُ الصَّلَاحِ لَهُمَا، بَلْ كَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِكَوْنِ الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ عَلَى الصِّحَّةِ فِيهَا؛ حَيْثُ قَالَ: فَهَذَا فِيهِ جَهَالَةٌ وَتَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ.
(وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهَا) وَعَدَمُ صِحَّتِهَا، وَقَدْ (أَفْتَى بِذَاكَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (طَاهِرُ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ ؛ إِذْ سَأَلَهُ صَاحِبُهُ الْخَطِيبُ عَنْهَا، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إِجَازَةٌ لِمَجْهُولٍ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَجَزْتُ لِبَعْضِ النَّاسِ، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ، يَعْنِي الْمُجِيزَيْنِ وَالْمُبْطِلَ، كَانُوا مَشَايِخَ مَذَاهِبِهِمْ بِبَغَدَادَ إِذْ ذَاكَ، وَكَذَا مَنَعَهَا الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ تَحَمُّلٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ الْمُتَحَمِّلِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَلَعَلَّ مَنْ مَنَعَ صِحَّتَهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالْوَكَالَةِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: وَكَّلْتُكَ إِذْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، لَمْ يَصِحْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَكَذَلِكَ إِذَا عَلَّقَ الْإِجَازَةَ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ، يَعْنِي: الْمُعَيَّنِ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَدْ يُعَلَّلُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا فِيهَا مِنَ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ؛ فَإِنَّ مَا يَفْسَدُ [بِالْجَهَالَةِ يَفْسَدُ] بِالتَّعْلِيقِ عَلَى مَا عُرِفَ عِنْدَ قَوْمٍ.
(قُلْتُ): وَلَكِنْ قَدْ (وَجَدْتُ) الْحَافِظَ (ابْنَ أَبِي خَيْثَمَةَ) أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ (أَجَازَ) بِكَيْفِيَّتِهِ (كَالثَّانِيَةِ الْمُبْهَمَةِ) فِي الْمُجَازِ فَقَطْ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ: أَجَزْتُ لِأَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ مَسْلَمَةَ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي مَا أَحَبَّ مِنْ تَأْرِيخِي الَّذِي سَمِعَهُ مِنِّي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ الْأَصْبَغِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، كَمَا سَمِعَاهُ مِنِّي، وَأَذِنْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلِمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الْإِجَازَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ هَذَا فَأَنَا أَجَزْتُ لَهُ ذَلِكَ بِكِتَابِيِّ هَذَا.
وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَافِظِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ الصَّلْتِ: أَجَزْتُ لِعُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ، وَوَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَتَنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ جَمِيعَ مَا فَاتَهُ مِنْ حَدِيثِي مِمَّا لَمْ يُدْرِكْ سَمَاعَهُ مِنَ الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ، وَلِكُلِّ مَنْ أَحَبَّ عُمَرُ فَلْيَرْوُوهُ عَنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ، حَكَاهُ الْخَطِيبُ، وَقَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ هَذِهِ الْإِجَازَةِ لِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، إِلَّا أَنَّ اسْمَهُ ذَهَبَ مِنْ حِفْظِي، انْتَهَى.
وَلَعَلَّ مَا رَآهُ هُوَ مَا حَكَاهُ عَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا الصَّنِيعِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ، بِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَهَلْ يَلْتَحِقُ بِالتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ الْمُعَيَّنِ الْإِذْنُ لَهُ فِي الْإِجَازَةِ، كَأَنْ يَقُولَ: أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي مَنْ شِئْتَ؟ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا، إِلَّا مَا حَكَاهُ شَيْخُنَا فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَلَفِ بْنِ مَنْصُورٍ الْغَسَّانِيِّ مِنْ لِسَانِ الْمِيزَانِ، أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ وَكَالَاتٌ بِالْإِجَازَةِ مِنْ شُيُوخٍ وَكَّلُوهُ فِي الْإِذْنِ لِمَنْ يُرِيدُ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ، قَالَ ابْنُ مَسْدِيٍّ: وَكُنْتُ مِمَّنْ كُتِبَ إِلَيَّ بِالْإِجَازَةِ عَنْهُ وَعَنْ مُوَكِّلِهِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ (603) هـ، انْتَهَى.
وَقَدْ فَعَلَهُ شَيْخُنَا، بَلْ وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ بَعْضِ مَنْ عَاصَرَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، قَالَ: وَالظَّاهِرُ فِيهِ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ قَالَ: وَكِّلْ عَنِّي. وَيَكُونُ مُجَازًا مِنْ جِهَةِ الْإِذْنِ، وَيَنْعَزِلُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْإِجَازَةِ بِمَوْتِ الْآذِنِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ كَالْوَكِيلِ، فَلَوْ قَالَ: أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي فُلَانًا، كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي قِسْمِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ إِنَّ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّعْلِيقِ لِنَفْسِ الْإِجَازَةِ.
(وَإِنْ يَقُلْ: مَنْ شَاءَ) الرِّوَايَةَ عَنِّي (يَرْوِي) [فَقَدْ أَجَزْتُهُ]، وَكَانَ التَّعْلِيقُ لِلرِّوَايَةِ (قَرُبَا) الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ: أَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، يَعْنِي مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ مُجِيزِهِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُقْتَضَى كُلِّ إِجَازَةٍ تَفْوِيضُ الرِّوَايَةِ بِهَا إِلَى مَشِيئَةِ الْمُجَازِ لَهُ، فَكَانَ هَذَا مَعَ كَوْنِهِ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ تَصْرِيحًا بِمَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ، وَحِكَايَةً لِلْحَالِ لَا تَعْلِيقًا فِي الْحَقِيقَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَفْظِيًّا فَهُوَ لَازِمٌ حُصُولُهُ بِحُصُولِهَا، فَكَانَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ سَوَاءً فِي عَدَمِ التَّأْثِيرِ.
وَاسْتَظْهَرَ لِلْأَوْلَوِيَّةِ بِتَجْوِيزِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْبَيْعِ؛ أَيْ: وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا إِنْ شِئْتَ، فَيَقُولُ: قَبِلْتُ.
وَنُوزِعَ فِي الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمُبْتَاعَ مُعَيَّنٌ، وَالْمُجَازَ لَهُ هُنَا مُبْهَمٌ، وَكَذَا تَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ التَّعْلِيقُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لِلْإِيجَابِ عَلَى مَا عَلَيْهِ تَفَرُّعٌ مِنْ جِهَةِ التَّصْرِيحِ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ ؛ لِتَوَقُّفِ تَمَامِ الْبَيْعِ عَلَى قَبُولِهِ، بِخِلَافِهِ فِي الْإِجَازَةِ، فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: أَجَزْتُ لِمَنْ شَاءَ الرِّوَايَةَ، تَعْلِيقًا ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ مُجَازًا، وَبَعْدَ مَشِيئَتِهَا يَكُونُ مُجَازًا.
وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَعْلِيقٍ وَجَهْلٍ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ. نَعَمْ، نَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ: وَكَّلْتُ مَنْ شَاءَ، أَوْ أَوْصَيْتُ لِمَنْ شَاءَ وَأَمْثَالُهُمَا مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهَا، قَالَ: وَإِذَا بَطَلَ فِي الْوَصِيَّةِ مَعَ احْتِمَالِهَا مَا لَا تَحْتَمِلُهُ غَيْرُهَا فَلَأَنْ يَبْطَلَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: (وَنَحْوَهُ) أَيْ: نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيقِ الرِّوَايَةِ، أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ (الْأَزْدِي) الْمَوْصِلِيُّ الْحَافِظُ، حَالَ كَوْنِهِ (مُجِيزًا كُتُبًا) بِخَطِّهِ فَقَالَ: أَجَزْتُ رِوَايَةَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنِّي (أَمَّا) لَوْ قَالَ: (أَجَزْتُ) لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ، أَوْ كَذَا وَكَذَا، أَوْ فِهْرِسَتِي إِنْ شِئْتَ الرِّوَايَةَ عَنِّي، أَوْ أَجَزْتُ لَكَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي، أَوْ أَجَزْتُ (لِفُلَانٍ) الْفُلَانِيِّ (إِنْ يُرِدْ) ، أَوْ يُحِبَّ الرِّوَايَةَ عَنِّي، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ أَوْ يُشَابِهُهَا (فَالْأَظْهَرُ الْأَقْوَى) فِيهَا (الْجَوَازُ) إِذْ قَدِ انْتَفَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَحَقِيقَةُ التَّعْلِيقِ، وَلَمْ يَبْقَ سِوَى صِيغَتِهِ (فَاعْتَمِدْ) ذَلِكَ.
وَإِنْ حَكَى ابْنُ الْأَثِيرِ الْمَنْعَ فِيهَا عَنْ قَوْمٍ؛ لِأَنَّهَا تَحَمُّلٌ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ تَعْيِينُ الْمُتَحَمِّلِ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْأَجْدَرُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَالْأَوْلَى بِنَجَابَةِ الْمُحَدِّثِ وَحِفْظِهِ - انْتَهَى.
وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَاجَعْتُكِ إِنْ شِئْتِ، لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ قَالَ: أَجَزْتُ لِفُلَانٍ إِنْ يُرِدِ الْإِجَازَةَ، فَالظَّاهِرُ - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ -: إِنَّهُ لَا فَرْقَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحِ ابْنُ الصَّلَاحِ بِتَعْلِيقِ الْإِجَازَةِ فِي الْمُعَيَّنِ، فَتَعْلِيلُهُ وَبَعْضُ أَمْثِلَتِهِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِيهِ بِعُمُومِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ نَفْيَ ابْنِ الصَّلَاحِ حَقِيقَةَ التَّعْلِيقِ عَنِ الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ قَالَ الْمُجِيزُ: أَذِنْتُ لِمَنْ أَجَزْتُ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ عَنِّي إِنْ شَاءَ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَتِهِ فِي الْإِجَازَةِ، وَيَتَأَيَّدُ بِتَسْوِيَةِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ إِرَادَةِ الْإِجَازَةِ أَوِ الرِّوَايَةِ فِي الْمُعَيَّنِ.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند أهل السنّة والجماعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة
الآخبار الصحية

قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاباً يوثق تاريخ السدانة في العتبة العباسية المقدسة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)