إنّ نهضة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) كسائر النهضات الأخرى تحتاج إلى الصفوة من الأنصار الأكفّاء الذين يمتثلون أوامره حتّى تشكيل الحكومة العالميّة بأبعادها المختلفة؛ من هنا، وكما قدّمنا الذكر: إنّ الاعتقاد بأنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) سيفتح العالم وينشر حكم الدين والعدل في العالم بأسره من خلال الكرامات والإمدادات الغيبية فقط، ومن دون الاستفادة من المقدّمات الإنسانيّة؛ خلاف العقل والآيات والروايات. فمثل الإمام وليّ العصر (عجل الله تعالى فرجه) مثل النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي استعان في سبيل تحقيق أهدافه المقدّسة بكلا العاملين الماديّ والغيبيّ، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالمُؤمِنِينَ﴾ (الأنفال: 62).
إنّ تأييد الناس للقائد لا ينسجم مع الإرادة الإلهيّة فحسب؛ بل إنّ الناس وفق هذه الآية هم عضد القائد والمدافعون عنه. ولهذا، صرّحت الروايات المرتبطة بأحداث الظهور بحضور المؤمنين الأكفّاء إلى جانب المدد الإلهيّ، فذكرت أنّ الله يؤيّد الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) «بثلاثة أجناد: الملائكة، والمؤمنين، وبثّ الرعب في قلوب الأعداء» .
يبدو أنّ هذا القول في سياق واحد مع المفاد القرآنيّ الذي يقول إنّ الإمدادات الإلهيّة شاملة للبعدين الظاهريّ والغيبيّ:
﴿...فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾ (التحريم: 4).
ومن اللازم هنا الإشارة إلى هذه النقطة، وهي أنّ قادة جيش الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لا ينحصر عددهم بـ 313 شخصاً، لأنّ الروايات تشير إلى لزوم اجتماع عدد أكبر حتّى يخرج الإمام (عجل الله تعالى فرجه).
يقول أبو بصير:
سأل رجل من أهل الكوفة الإمام الصادق (عليه السلام): كم يخرج مع القائم؟ فقال (عليه السلام): «وَما يَخْرُجُ إِلَّا في أُولِي قُوَّةٍ، وَما تَكونُ أُولُو الْقُوَّةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ» .
إنّ جميع من عُدّوا في أصحاب الإمام (عجل الله تعالى فرجه)؛ لا بدّ من أن يكونوا ذوي قدرة، وبتعبير الرواية: «أولو قوّة». وبطبيعة الحال، سيوكل بالمسؤوليّات الأهمّ إلى الأكثر قوّة منهم، وقد عبّر القرآن الكريم عن هؤلاء بـ: ﴿يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمۚ﴾ (المائدة: 54).
وفي تفسيره لهذه الآية الشريفة، قال الإمام الصادق (عليه السلام):
«إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ مَحْفُوظَةٌ لَهُ أَصْحَابُهُ لَوْ ذَهَبَ اَلنَّاسُ جَمِيعاً أَتَى اَللَّهُ لَهُ بِأَصْحَابِهِ»، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: ﴿فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡما لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ 89﴾ (الأنعام: 89)، و ﴿فَسَوفَ يَأتِي الله بِقَوم يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ﴾.
ينبغي أن يُعلم أنّ مفتاح فلاح المجتمع هو بوجود أفراد لائقين على رأسه يحكمون بالعدل، فيما منشأ المشكلات والمصائب في المجتمع هو وصول غيرالجديرين إلى مسند الرئاسة والقيادة؛ من هنا، كانت مراعاة مبدأ اختيار الأكفّاء ضروريّة حتّى على مستوى المرؤوسين، والله تعالى ﴿هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ (الأعراف: 196).
وإليك أهمّ الصفات اللائقة بخواصّ وأصحاب إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه) والتي تبعث على افتخار أتباعه قادة وجنوداً:
1. الإيمان المستحكم
إنّ الإيمان بالله تعالى، الذي لا يشوبه شكّ، يشكّل إحدى الصفات البارزة في أنصار المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، بل هو من أهمّ تلك الصفات، قال الإمام الصادق (عليه السلام) في أوصاف أصحاب إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه):
«رِجَالٌ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ زُبَرُ الْحَدِيدِ، لَا يَشُوبُهَا شَكٌّ فِي ذَاتِ اللَّهِ، أَشَدُّ مِنَ الْحَجَرِ» .
وكأنّهم المصداق الأبرز لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِذَا لَقِيتُم فِئَة فَاثبُتُواْ﴾ (الأنفال: 45). وهذا الثبات في إيمانهم إنّما هو نتاج معرفتهم العالية بالحقّ تعالى. كما أنّ الأعمال الصالحة التي ذكرت روايات المعصومين (عليهم السلام)تساهم في تثبيت الإيمان في قلوبهم.
2. العبادة والمناجاة
أن يصل الإنسان إلى مقام العبوديّة لله؛ فذاك لا يحصل دفعة واحدة، بل يحتاج إلى المداومة والخضوع في محضره تعالى. وهذه هي فلسفة العبادة ليس إلّا؛ أن يتعلّم الإنسان التذكّر والمداومة على الخضوع والخشوع لربّ العالمين؛ حتّى يصبح مسلّماً لإرادته تعالى في سائر شؤون حياته، وكلّما كان الامتحان أصعب برزت أهمّيّة العبادة أكثر. لذا، كانت العبادة والدعاء والمناجاة مع المعبود تعالى؛ صفة أخرى من صفات أصحاب الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، كما جاء في وصفهم:
«رِجَالٌ لَا يَنَامُونَ اللَّيْلَ، لَهُمْ دَوِيٌّ فِي صَلَاتِهِمْ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يَبِيتُونَ قِيَاماً عَلَى أَطْرَافِهِمْ، وَيُصْبِحُونَ عَلَى خُيُولِهِمْ، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ، لُيُوثٌ بِالنَّهَار» .
3. معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه)
لا يوجد رأس مال لأصحاب إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه) بعد معرفة الله تعالى؛ أهمّ من المعرفة الراسخة بالإمام، هذه المعرفة التي تجعلهم يهيمون به (عجل الله تعالى فرجه) وتصيّرهم طوع أمره. ولا ريب أنّ مثل هذه المعرفة لا تتيسّر بسهولة؛ بل هي معرفة تتراكم في زمن الغيبة حال انتظارهم لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه). وهذا ما يتّضح جيّداً في كلام الإمام السجّاد (عليه السلام) بحيث يقول:
«إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ، الْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ، وَالْمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ، أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْطَاهُمْ مِنْ العُقُولُ وَالأَفْهَامُ وَالمَعْرِفَةُ مَا صَارَتْ بِهِ الغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ المُشَاهَدَةِ» .
من هنا، جرى التأكيد على قراءة دعاء «المعرفة» في عصر الغيبة:
«اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ. اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ. اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي» .
جاء في الرواية أيضاً:
«لو أنّ رَجُلًا قامَ لَيْلَهُ، وصامَ نَهارَهُ، وتَصَدَّقَ بِجَميعِ مالِهِ، وحَجَّ جَميعَ دَهْرِهِ، ولَمْ يَعْرِفْ وِلايَةَ وَلِيِّ اللهِ فَيُواليهِ، ويَكونَ جَميعُ أَعْمالِهِ بِدَلالَتِهِ إِلَيْهِ، ما كانَ لَهُ عَلَى اللهِ حَقٌّ في ثَوابِهِ، ولا كانَ مِنْ أَهْلِ الإيمانِ» .
4. التولّي وطاعة الإمام (عجل الله تعالى فرجه)
إذا أردنا ذكر أبرز الخصائص العمليّة التي تمنحنا التوفيق للانضمام إلى جيش إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه)؛ يمكن القول بثقة إنّ الطاعة المطلقة له وموالاته هما من أهمّ تلك الخصائص. وقد جاء هذا المعنى في وصف أنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه): «طاعتُهُم للإمامِ تُفوقُ طاعةَ الأُمَّةِ لِسيِّدِها» . وقد قال جابر بن يزيد الجعفيّ: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: أنزل الله تعالى على نبيّه هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمرِ مِنكُم﴾ (النساء: 51)، قلت يا رسول اللّه! عرفنا الله ورسوله، فمن هم أولو الأمر الذين قرن طاعتهم بطاعته؟ فقال:
«هُم خُلَفائي يا جابر، وأَئِمَّةُ المُسلِمينَ مِن بَعدي: أَوَّلُهُم عَلِيُّ بنُ أَبي طالِب، ثُمَّ الحَسَنُ والحُسَين، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ الحُسَين، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المعروفُ في التَّوراةِ بِالباقِر، وستُدرِكُهُ يا جابر، فإذا لَقِيتَهُ فأَقرِئْهُ مِنِّي السَّلام. ثُمَّ الصّادِقُ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّد، ثُمَّ مُوسى بنُ جَعفَر، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ مُوسى، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّد، ثُمَّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ سَمِيِّي وكُنِيِّي حُجَّةُ اللهِ في أَرضِهِ، وبَقيَّتُهُ في عِبادِهِ ابنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ. ذاكَ الَّذي يَفتَحُ اللهُ تَعالى ذِكرُهُ على يَدَيهِ مَشارِقَ الأَرضِ ومَغارِبَها، ذاكَ الَّذي يَغيبُ عن شِيعَتِهِ وأَوليائِهِ غَيبَةً لا يَثبُتُ فيها على القَولِ بِإمامَتِهِ إلَّا مَنِ امتَحَنَ اللهُ قَلبَهُ لِلإيمان» .
كذلك قال النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) في طاعة قائم آل محمّد (عجل الله تعالى فرجه):
«الْقَائِمُ مِنْ وِلْدِي اسْمُهُ اسْمِي، وكُنْيَتُه كُنْيَتِي، وَشَمَائِلُه شَمَائِلي، وَسُنَّتُهُ سُنَّتِي، يُقِيمُ النَّاسَ عَلَى مِلَّتِي وَشَرِيعَتِي، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ. مَنْ أَطَاعَه فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَانِي، وَمَنْ أَنْكَرَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَنْكَرَنِي، وَمَنْ كَذَّبَهُ فَقَد كَذَّبَنِي، وَمَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ صَدَقَنِي. إلَى اللَّهِ أَشْكُو الْمُكَذِّبِين لِي فِي أَمْرِهِ، وَالْجَاحِدَيْن لِقَوْلَيْ فِي شَأْنِهِ، والْمُضِلِّين لِأُمَّتِي عَنْ طَرِيقَتِهِ» .
لقد سمع أتباع الإمام (عجل الله تعالى فرجه) هذه الكلمات النورانيّة بآذان قلوبهم فتعلّقوا بها بقوّة.
5. التفاني في خدمة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) وطلب الشهادة
واحدة من صفات أصحاب إمام العصر (عجل الله تعالى فرجه)، التي ذكرتها الأحاديث هي:
«يَتَمَسَّحُونَ بِسَرَجِ الإِمَامِ عَجَّلَ اللَّـهُ تَعَالَى فَرَجَهُ الشَّرِيفِ يَطْلُبُونَ بِذَٰلِكَ البَرَكَةَ، يَحُفُّونَ بِهِ، يَقوُنَهُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي الحُرُوبِ وَيَكْفُونَهُ مَا يُرِيدُ فِيهِمْ» .
هذا يبيّن أنّ أنصار الإمام (عجل الله تعالى فرجه) يرخصون كلّ شيء حتّى أرواحهم في سبيل الإمام المعصوم، وأنّهم يشاركون في النهضة العالميّة للإمام المنتظر بروح استشهاديّة.
6. التقوى والورع
لقد ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) صراحة أنّ التقوى شرط أساسيّ لنصرة إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، يقول (عليه السلام):
«مَنْ سُرَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ، فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ الْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ. فَجِدُّوا وَانْتَظِرُوا» .
من هنا، يُعلم أنّه لا يمكن للمرء أن يصبح لائقاً للدخول في زمرة أصحاب إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه) ما لم يحرز هذه الخصلة السامية التي أكّد عليها القرآن الكريم مراراً.
7. محوريّة الأخلاق
الحياة المرتكزة على الأخلاق الإسلاميّة هي إحدى الصفات المميّزة الأخرى لأصحاب إمام العصر (عجل الله تعالى فرجه) كما ورد في الحديث السابق عن الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «مَنْ سُرَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ وَيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ...».
ويتكرّر هذا المعنى في تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) للآية المهدويّة: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ (المائدة: 54).
فقد عدّ (عليه السلام) أصحاب إمام العصر (عجل الله تعالى فرجه) من المصاديق التامّة للآية السابقة إذ قال (عليه السلام):
«هم الذين قال الله فيهم: «فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ...» .
لقد أُشير بوضوح إلى صفتين أخلاقيّتين مهمّتين في أتباع أصحاب إمام العصر (عجل الله تعالى فرجه): التواضع أمام المؤمنين والاعتزاز بالنفس.
8. نصرة دين الله ونشر أحكامه الإلهيّة
ثمّة سنن إلهيّة عديدة تجري في هذا الوجود، وقد أشار القرآن الكريم إلى بعضها، ومن بين هذه السنن، سنّة النصرة.
يقول القرآن الكريم: ﴿إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم﴾ (محمد: 7).
من صفات أنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) الحرص على نشر الدين الحقّ وإبلاغه للناس. قال الإمام السجاد (عليه السلام) وهو يذكر صفات المنتظرين لإمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه): «إنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ والْمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمَان... أُولَئِكَ الْمُخْلَصُونَ حَقًّاً وشِيعَتُنَا صِدْقاً وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سِرًاً وَجَهْراً» .
9. الكفاءة والتخصّص
قد ينظر بعضهم إلى أنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) على أنّهم أهل المساجد والعبادة فحسب، لكنّهم في الواقع يتمتّعون بالإضافة إلى التديّن بالكفاءة والتخصّص المبنيّ على تعاليم القرآن. سأل [أبو بصير] الإمام الصادق (عليه السلام) عن أصحاب الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) الـ 313: ليس على الأرض يومئذ مؤمن غيرهم؟
قال (عليه السلام): «بَلَى، وَلَكِنْ هَذِهِ اَلَّتِي يُخْرِجُ اَللَّهُ فِيهَا اَلْقَائِمَ، وَهُمُ اَلنُّجَبَاءُ وَاَلْقُضَاةُ وَاَلْحُكَّامُ وَاَلْفُقَهَاءُ فِي اَلدِّينِ» .
نخلص من هذه الرواية إلى أنّ مجرد الالتزام، والإيمان، والمحبّة للإمام لا تكفي لتكون في جمع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه). فإمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه) مُكلّف بإدارة العالم بأسره، وهو يحتاج إلى أنصار يتميّزون بالخبرة والكفاءة في مختلف المجالات.
إنّ القيادة والحكم يتطلّبان كفاءات ومؤهّلات خاصّة. يقول القرآن الكريم: ﴿أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105). وفقاً لهذه الآية الكريمة، وهي من الآيات المهدويّة؛ فإنّ ورثة الأرض يتميّزون بخاصيّتين إحداهما أنّهم عباد لله ومن أهل التقى، والثانية: امتلاكهم الكفاءة والصلاحيّة اللازمتين، أي المؤهّلات والتخصّص والقدرة على الإدارة.
10. القوة الجسديّة
كما ذكرنا سابقاً، فإنّ حكومة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، تعتمد إلى جانب التأييد الإلهيّ، على المؤمنين الصالحين وعلى المسارات الطبيعيّة للأمور. من هنا، ومن أجل القيام بالمطلوب، كانت القوّة البدنيّة صفة أخرى من صفات أصحاب إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، فإدارة المسؤوليّات الثقيلة الممتدّة على مستوى العالم؛ تتطلّب قوّة بدنيّة. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في صفات القائد، حيث ذكر القوّة البدنيّة إلى جانب العلم: ﴿وَزَادَهُۥ بَسۡطَة فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ﴾ (البقرة: 247).
وقد جاءت الروايات المهدويّة على ذكر هذه الصفة أيضاً، يقول الإمام السجّاد (عليه السلام):
«إِذَا قَامَ قَائِمُنَا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ شِيعَتِنَا الْعَاهَةَ، وَجَعَلَ قُلُوبَهُمْ كَزُبُرِ الْحَدِيدِ، وَجَعَلَ قُوَّةَ الرَّجُلِ مِنْهُمْ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً، وَيَكُونُونَ حُكَّامَ الْأَرْضِ وَسَنَامَهَا» .
روى أبو بصير أنّ رجلاً من أهل الكوفة سأل الإمام الصادق (عليه السلام): كم يخرج مع القائم (عليه السلام)؟ فإنّهم يقولون إنّه يخرج معه مثل عدّة أهل بدر ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً ؟ قال:
«وَمَا يَخْرُجُ إِلَّا فِي أُولِي قُوَّةٍ، وَمَا تَكُونُ أُولُو الْقُوَّةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلافٍ» .
11. الصبر والثبات
في أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، يُقرَن الصبر دائماً بالنصر. كما أشار القرآن الكريم مراراً إلى هذا المبدأ كما في قصّة طالوت وجالوت، بحيث يُروى عن أصحاب طالوت أنّهم دعوا الله أثناء المعركة قائلين: ﴿رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا﴾ (البقرة: 250).
وفي موضع آخر من القرآن الكريم، عُدّت الاستقامة مقدّمة للنصر الإلهيّ، فقال تعالى: ﴿...فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ﴾ (الأنعام: 34).
بناء على ما تقدّم: إنّ انتصار امام الزمان(عجل الله تعالى فرجه) وإقامة حكومة العدل العالميّ، يحتاجان إلى الصبر والثبات، ولا ريب في أن يكون الصبر من الصفات الضروريّة للعاملين مع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه). ولا شكّ في أنّ هذا الصبر يُكتسب في ميدان عصر الغيبة، يقول الإمام الحسين (عليه السلام):
«مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ، وَآخِرُهُمُ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، يُحْيِي اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيُظْهِرُ بِهِ دِينَ الْحَقِّ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. لَهُ غَيْبَةٌ يَرْتَدُّ فِيهَا قَوْمٌ، وَيَثْبُتُ عَلَى الدِّينِ فِيهَا آخَرُونَ، فَيُؤْذَوْنَ وَيُقَالُ لَهُمْ: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. أَمَا إِنَّ الصَّابِرِينَ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْأَذَى وَالتَّكْذِيبِ، بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ» .
12. الإخلاص والعمل في سبيل الله
إنّ أنصار الإمام المهديّ المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) لم يسيروا في طريق نصرته لتحقيق مصالح شخصيّة، بل كانت دوافعهم الإخلاص لله والسعي للتقرّب إليه، وهم لايتوانون أبداً عن تقديم كلّ ما يستطيعون في هذا الطريق. وقد شهد الإمام السجّاد (عليه السلام) لهؤلاء بإخلاصهم لله تعالى، فيقول (عليه السلام):
«إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ وَالْمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ... أُولَئِكَ الْمُخْلَصُونَ حَقًّاً وَشِيعَتُنَا صِدْقًاً» .
13. اجتناب الغرور
أنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) هم خرّيجو مدرسة القرآن، ولا يزال نصب أعينهم قول الله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾ (الأنفال: 17).
من هنا، ما كان يعتريهم الغرور لما حقّقوا من انتصارات، وهم أهل ذلك لا يتوقّع منهم خلافه.
14. روح الجهاد
الجهاد ضدّ الظالمين ومحاربتهم سبب من أسباب نزول النصر الإلهيّ وسنّة إلهيّة تكرّر التذكير بها في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُم يُعَذِّبهُمُ الله بِأَيدِيكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم﴾ (التوبة: 14).
ويقول أيضاً:
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ المُحسِنِينَ﴾(العنكبوت: 69).
كلّ هذا التأكيد يجعل من الروحيّة الجهاديّة صفة من صفات أصحاب الإمام في قضيّة الظهور، مثلاً: جاء في هذه الآيات المهدويّة:
﴿... يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلَا يَخَافُونَ لَومَةَ لَائِم﴾ (المائدة: 54).
وهي تذكر جملة من صفات أنصار الإمام إحداها الجهاد؛ لذا، لا بدّ لكلّ من يتوق للانضمام إلى جيش الإمام (عجل الله تعالى فرجه) من أن يتحلّى بهذه الصفة.
15. الإصلاح في المجتمع
أولئك الذين يطمحون إلى مرافقة المصلح العالميّ؛ عليهم أن يحملوا روحيّة الإصلاح في أنفسهم، والتي تتجلّى بشكل واضح في المجتمع من خلال ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنّ الأمر بالمعروف هو علامة حبّ الناس، علامة المسؤوليّة والشفقة، ورغبة الإنسان في صيانة المجتمع، دليل على الفطرة السليمة الحيّة. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من الانضباط الاجتماعيّ الذي يقيّد الرغبات والميول الشخصيّة عندما تتعارض مع مصلحة المجتمع، وهو في الواقع وسيلة لضبط الأفراد اللامبالين. إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة الرشد.
توجّه لوط (عليه السلام) لقومه المذنبين بالسؤال: ﴿أَلَيسَ مِنكُم رَجُل رَّشِيد﴾ (هود: 78).
نعم، إن راقبنا أنفسنا من الداخل، وراقبنا الناس من الخارج، وظلّل الجميع نظام سياسيّ وحكوميّ يدعو إلى الخير ويمنع الشرّ؛ نصبح خير الأمم، كما جاء في القرآن الكريم:
﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: 110).
إنّ على المنتظر الحقيقيّ، التوّاق للظهور، الذي يريد للتوحيد أن يعمّ العالم؛ أن يدرك أنّ إعلاء كلمة التوحيد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا تَزالُ «لا إلهَ إلّا اللّهُ (تَنفَعُ مَن قالَها)، وتَرُدُّ عَنهُمُ العَذابَ والنِّقمَةَ، ما لَم يَستَخِفّوا بِحَقِّها.
قالوا: يا رَسولَ اللّه، وما الاستِخفافُ بِحَقِّها؟ قالَ: يَظهَرُ العَمَلُ بِمَعاصي اللّه، فلا يُنكَرُ، ولا يُغَيَّرُ» .
عندما يقول النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ ٱلْمُنْكَرِ فَهُوَ خَلِيفَةُ ٱللَّهِ فِى أَرْضِهِ» ، وعندما يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «ٱلْأَمْرُ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّهْىِ عَنْ ٱلْمُنْكَرِ خُلُقَانِ مِنْ أَخْلَاقِ ٱللَّهِ، وَمَن يُعِينُ عَلَىٰ هَٰاتَيْنِ ٱلْفَرِيضَتَيْنِ، يُعْطِيهِ ٱللَّهُ ٱلْعِزَّةَ» .
يجب على من يحكمون الأرض في ظلّ الولاية المهدويّة ويتسنّمون العزّة بذلك؛ أن يكونوا من العاملين على إصلاح المجتمع، على حدّ سواء في عصر الغيبة أم في عصر الظهور، وذلك عبر القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لذا، كان أحد العهود التي يأخذ إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه) البيعة عليها مع بدء نهضته العالميّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث يقول: «أبايعكم على أن... تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر» .
الاكثر قراءة في تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة