ثورة زيد بن عليّ بن الحسين لم يكن بأمر من الإمام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص222-225
2025-10-21
41
ثُورة زيد بن علي بن الحسين لم تكن بأمر من الإمام: ينقل المرحوم الكليني في (أصول الكافي)، كتاب الحجّة، بإسناده عن أبان عن الأحول[1]، أنّ زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام بَعَث اليه وهو مستخفٍ، قال: فأتيتُه.
فقال لي: يا أبا جعفر ما تقول إنْ طَرَقَكَ طارقٌ منّا أ تخرجُ معه؟
قال: فقلتُ له: إنْ كان أباك [الإمام علي بن الحسين] أو أخاك [الإمام محمّد الباقر] خرجتُ معه.
قال: فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي.
قال: قلتُ لا ما أفعل جُعلتُ فداك.
قال: فقال لي: أ ترغب بنفسكَ عنّي؟
قال: قلتُ له: إنّما هي نفسٌ واحدة، فإنْ كان لله في الأرض حجّة فالمتخلّفُ عنك ناجٍ والخارجُ معك هالكٌ، وإنْ لا تكن للّه حجّة في الأرض فالمتخلّفُ عنك والخارجُ معك سواء.
قال: فقال لي: يا أبا جعفر كنتُ أجلس مع أبي على الخوان فيُلقمني البَضعةَ السمينة ويبرّد لي اللقمة الحارّة حتى تبرد شفقةً علي ولم يشفق عَلي من حرّ النار إذا أخبرك بالدين ولم يُخبرني به؟
فقلتُ له: جُعِلْتُ فِداكَ مِنْ شفقته عليك من حرّ النار لم يُخبرك؛ خافَ عليك أن لا تقبله فتدخل النارَ وأخبرني أنا، فإن قبلتُ نجوتُ وإن لم أقبل لم يُبالِ أن أدخل النّار.
ثم قلتُ له: جُعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء.
قلتُ: يقول يعقوبُ ليوسفَ عليهما السلام: {يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً}[2]، لِمَ لَمْ يُخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك، فكذا أبوك كتمك لأنّه خاف عليك.
قال: فقال: أما والله لئن قُلتَ ذَلك لقد حدّثني صاحبُك بالمدينة أني اقتل واصلب بالكناسة وأنّ عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي.
فحججتُ فحدّثتُ أبا عبد الله عليه السلام بمقالة زيد وما قلتُ له، فقال لي: أخذتَهُ من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ولم تتركْ له مَسلكاً يسلكه[3].
لقد كان لزيد بن علي بن الحسين مقام شامخ، وكان مشهوراً بالتقوى والزهد والغيرة والإيثار والإنفاق والعبادة، وعند ما استشهد تأثّر الإمام الصادق عليه السلام عليه كثيراً وبكى وترحّم عليه، ولكن ومع ذلك كله فقد كان مقام الإمام شيئاً آخر لم يكن زيد يعرف عنه شيئاً.
حركة الإمام وسكونه كلاهما صحيح: لقد نفد صبر زيد أمام انحراف هشام بن عبد الملك وجرائمه، ولم يكن له سعة صدر ليتحمّل هذه الأمور، فقام بثورته ضدّه، امّا الإمام فانّه لا يكلّ أبداً من التصدّي للظلم، ولأنّ نفسه لا تضيق فانّه لا يُقدم على المواجهة الدمويّة ما دام ذلك في غير صالح الاسلام والمجتمع الاسلامي، ولا يتأثّر بإحساساته أو إحساسات جلسائه أو إلقاءاتهم، فهو لا يمتلك حسّ الانتقام، ولا يُقدم على عملٍ ليرضى رغبته وليشفي غرائزه، بل انّ أعماله كلها وفق أعلى برامج الإنسانيّة لهداية الخلق إلى أعلى درجة الكمال، وفي هذه الحال فانّ حربه وسلمه كلاهما مصلحة، وكلاهما من فعل الله تعالى، وحركته وسكونه من أفعال الله أيضاً ويجب اتّباعه فيهما.
والخلاصة فانّ مقام الإمامة هو الالتزام برسالة الله وهداية نفوس الناس إلى الله، وليس هناك من يليق بهذا المقام الّا من اتّسعت نفسه وفاز بعلوم الله وصار حيّاً بحياة الله وأفلح في الامتحانات الالهيّة وتجاوز مراحل النفس كلياً.
ولقد كان أمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان الرسول الأكرم يصرّح بهذا الأمر في مواطن كثيرة، ولم يكن هذا التصريح بالطبع من وجهة نظر الظاهر والمجاملات الإعتباريّة والبلاغات العاديّة للناس، بل كان ذلك على أساس إدراك للواقع والوقوف على مراتبه وقابليّاته ومقاماته اللامتناهية، فهي كاشفة ومظهرة لتلك الواقعيّة.
وحسب تصريح الآية القرآنية في قضيّة المباهلة، فقد عُدّت نفس أمير المؤمنين نفسَ رسول الله واعتُبرت بمنزلة نفس النبّي الأكرم، كما قد اعترف الفخر الرازي في ذيل تفسير آية المباهلة بهذه الحقيقة.
[1] هو محمّد بن النعمان، من خواص اصحاب الامام الصادق عليه السلام، وكان يُدعي بـ (مؤمن الطاق) لأنّه كان يمتلك دكّة تحت الطاق، لكن أهل السنّة لقّبوه بـ (شيطان الطاق) لمهارته في المناظرة وللعداء صصص يكنّه بعضهم لأهل البيت عليهم السلام.
[2] صدر الآية 5، من السورة 12: يوسف.
[3] (اصول الكافي) ج 1، ص 174
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة