حفظ القرآن الكريم بالتواتر
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1، ص 295 - 298
2025-10-14
140
[مما يدل على حفظ القرآن الكريم وبقائه من دون تغير وتبديل] أن القرآن الكريم متواتر بتمام اجزائه من عهد النزول الى زماننا هذا وبعده لانه كان من عهد النبي موردا للاهتمام والتوجه ، بحيث لا مجال للتغيير والتبديل فيه ، وكان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هو الأكثر توجها بذلك ، كيف لا يكون كذلك ، مع أنه أصل وأساس للإسلام. فالعقل يشهد بأن اهتمامه به كثير في زمان حياته ، ولذا ذهب الأصحاب إلى حفظه وقراءته ومقارأته بحيث صار الكتاب محفوظا ومنشورا في عصره قال الفاضل الشعراني : «قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : «ليؤمكم أقرأكم» فرغب الناس إلى حفظ القرآن وكتابته (بمثل هذا البيان) إلى أن حفظ عدد غير محصور من المسلمين في أقطار الحجاز ، كل واحد من السور القرآنية بالتحفظ الذهني أو الكتبي. مثلا حفظ عشرة آلاف نفر سورة يس وعشرون ألفا سورة الرحمن وهكذا ، ولم تكن سورة لا يحفظها جمع كثير. عدة منهم حفظوا عشر سور ، وعدة اخرى حفظوا خمسين سورة وعدة منهم حفظوا كل ما نزل كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ.
ثم إن تركيب سور القرآن من الآيات وعددها وموضع الآية النازلة بالنسبة إلى أي سورة ، عينه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ من ناحية الله تعالى ، ولكل سورة اسم مخصوص معروفة به في زمانه ـ صلى الله عليه وآله ـ بحيث إذا قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ سورة طه ، أو سورة مريم ، أو سورة هود علمه الناس وفهموه. مثلا لما قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : شيبتني سورة هود ، علمه الناس لأن الوفاء منهم حفظوها أو كتبوها. كل ذلك معلوم بالتواتر ولا شك فيه ـ إلى أن قال ما محصله ـ : فهم حفظوا القرآن الكريم بتمام الدقة حرفا بحرف ، وكلمة بكلمة إلى عهدنا هذا ، والله تعالى حتم على نفسه حفظه كما قال : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (1) وأنجز الله تعالى هذا الوعد ، والمسلمون راعوا ضبط القرآن مع كمال المواظبة ، وسلكوا مسلك الاحتياط إلى أنه لو كتب في الصدر الأول رسم الخط القديم على خلاف القواعد المعمولة ، حفظوه بتلك الصورة ولم يجوزوا تغييره مثلا بعد واو الجمع لزوم ذكر الألف طبقا للقواعد المعمولة في رسم الخط ، وهذه القاعدة كانت مرعية في القرآنات التي كتب في عهد الصحابة إلّا في كلمة (جاؤُ) و (فاؤُ) و (باؤُ) و (سَعَوْا فِي آياتِنا) في سورة سبأ و (عَتَوْا عُتُوًّا) في الفرقان و (الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ) في الحشر ، فإن الألف في الموارد المذكورة لم يكتب في تلك القرآنات ، وتبعهم المتأخرون في ترك الألف في الموارد المذكورة ، ولم يجوزوا زيادتها حتى نعلم أنهم حفظوا وضبطوا القرآن بأمانة ودقة ، ولم يكن سبيل للتحريف والتغيير فيه ـ إلى أن قال ـ : نعم في عهدنا لم يلتفت بعض الناشرين في إيران إلى النكتة المذكورة ، ولم يراعوا ذلك وزادوا الألف في المواضع التي تركه الصحابة ، وهذا موجب للأسف من جهة عدم توجه الناشرين إلى هذه النكتة المهمّة ، مع أن المسلمين في الممالك الاخر راعوا ذلك كمال الرعاية» (2).
والمحصل أن القرآن الموجود بين أيدينا مستند إلى التواتر القطعي سلفا عن سلف إلى زمان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.
وقال في البيان : «وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة ، وفي قول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» وفي هذا دلالة على أنه كان مكتوبا مجموعا ؛ لأنه لا يصح اطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ، بل ولا على ما كتب في اللخاف (الحجارة البيض الرقاق) والعسب (الجرائد) والأكتاف إلّا على نحو المجاز والعناية ، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزئا غير مجتمع ، فضلا عما إذا لم يكتب وكان محفوظا في الصدور فقط» (3). ولا يضر استعمال الكتاب في بعض الآيات مجازا في أن لفظ الكتاب من دون قرينة على الخلاف ظاهر في معناه الحقيقي. وقال في موضع آخر : «إن اسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنة والإجماع والعقل ، فلا يمكن للقائل بالتحريف أن يستدل به على دعواه ، ولو سلمنا أن جامع القرآن هو أبو بكر في أيام خلافته ، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في الروايات المتقدمة مكذوبة ، وأن جمع القرآن كان مستندا إلى التواتر بين المسلمين ، غاية الأمر أن الجامع قد دون في المصحف ما كان محفوظا في الصدور على نحو التواتر ، نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق المصاحف الاخرى التي تخالف ذلك المصحف ، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة ، وقد صرح بهذا كثير من أعلام أهل السنة.
قال الحارث المحاسبي : «المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك ، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد ، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار ، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي انزل بها القرآن» (4) أقول : أما أن عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين والتي تلقوها بالتواتر عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأنه منع عن القراءات الاخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، التي تقدم توضيح بطلانها ، أما هذا العمل من عثمان ، فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، وذلك لأن الاختلاف في القراءة كان يؤدي ... إلى تكفير بعضهم بعضا ـ إلى أن قال ـ : ولكن الأمر الذي انتقد عليه هو احراقه لبقية المصاحف ، وأمره أهالي الأمصار باحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين ، حتى سمّوه بحراق المصاحف» (5).
_______________
(1) القيامة : 18.
(2) كتاب راه سعادت : ص 133 ـ 135.
(3) البيان في تفسير القرآن : ص 167.
(4) الاتقان : النوع 18 ج 1 ص 103.
(5) البيان في تفسير القرآن : ص 171 ـ 172.
الاكثر قراءة في القرآن الكريم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة