آيات القرآن تدلّ على ثلاث مراحل من عصمة الأنبياء
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص15-18
2025-09-28
189
امّا تلك المراحل الثلاث من العصمة فتدلّ عليها الآيات القرآنية، قوله تعالى: {كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ وأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ومَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ واللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.[1]
وتبين هذه الآية أنّ الغرض من إرسال الأنبياء وإنزال الوحي والكتاب انّما هو دعوة الناس إلى الحق، وهديهم إلى طريق الحق والصواب في جميع موارد الاختلاف قولًا وفعلًا واعتقاداً.
وهذا هو هدف الخلقة من بعث الأنبياء؛ لأنّ الله تعالى لا يضلّ في هذا القصد بمفاد الآية: {لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى}.[2]
وهو بالغٌ أمره وهدفه، لا يصدّه عنه رادع ولا يمنعه مانع، بمفاد الآية الشريفة: {إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً}.[3]
ومفاد الآية الكريمة: {وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ}.[4]
وينبغي- بناءً على هذا- لحفظ الوحي عند إنزاله وإبلاغه وأدائه أن يُصان الأنبياء من أي خطأ وزلل، لأنّ قلب النبيّ اذا أخطأ عند تلقّي الوحي أو تبليغه، فانّ الهدف من رسالته سيكون غير متحقّق، لأنّ المفهوم من الرسالة هو الدعوة إلى الحق: {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}.
وسيتردّد الأمر في حالة الخطأ بين أن يكون الله تعالى قد أخطأ ونسي في انتخاب الرسول وطريقة إنزال الوحي على قلبه، أو أن غرضه كان الدعوة إلى الحق لكنّه أخطأ في طريقة انزال الوحي على قلب النبيّ على نحو لا يكون معه عُرضة للتغيير والتبديل؛ وهذا ليس صحيحاً بمقتضى قوله تعالى: {لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى}.
أو انّ غرضه كان الدعوة إلى الحق، ولم يحصل في إجراء هذه الدعوة أي خطأ والتباس، ولكن ظهرت عوائق خارجيّة حالت دون تحقيق أمر الله، وهذا أيضاً مستحيل بمفاد الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ}. والآية: {وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ}.
وبناءً على هذه المقدّمات، فانّ الله سبحانه وتعالى يحفظ الأنبياء حتماً من الخطأ والالتباس في كيفيّة تلقّي الوحي وإبلاغه، ويطهرّ قلوبهم ويُصفّيها بحيث ينعدم فيها اثر إنزال الوحي أي موج أو ارتعاش أو تزلزل يكون باعثاً على قلب وتغيير كيفيّة وواقعيّة الوحي، وبحيث لا يبقى فيها أي أثر للإضطراب أو الإبهام الباعث على تأويل وتفسير الإدراكات الواقعيّة على غير حقيقتها وواقعيّتها. وهذا هو معنى حقيقة العصمة في مرحلتي تلقّي الوحي وإبلاغه. وامّا في المرحلة الثالثة وهي صونهم وعصمتهم عن المعاصي، فمن الممكن- ببيان مقدّمةٍ أخرى- أن نعتبر دلالة الآية السابقة عليها دلالةً تامّة. وهي انّه لو عصى نبيّ او ارتكب إثماً فانّه سيكون بفعله هذا قد أجاز هذا العمل وأباحه لأمّته، لأنّ العاقل لا يفعل شيئاً الّا اذا كان حسناً؛ فاذا ارتكب المعصية في حالٍ يأمرُ قولًا بخلافها، فانّ ذلك سيبعث على السقوط والتناقض، وسيكون قد دعا بفعله وقوله إلى أمرين متناقضين، فهو يمنع الناس بقوله وكلامه من ذلك العمل، ثم يُثبت بفعله له إباحة ذلك العمل ويرخّص لأمّته فيه.
ومن المعلوم انّ الدعوة إلى المتناقضين ليست دعوةً للحقّ، لأن ذينك المتناقضين سيبطل أحدهما الأخر؛ والله سبحانه الذي يبعث الأنبياء للدعوة إلى الحق لا يجعلهم دعاةً إلى الأمور المتناقضة، بل يصونهم عن فعل غير الحق وعن أي معصية، لأنّ عصمة الأنبياء في إبلاغ الرسالات وأداء وحيهم كما ينبغي سوف لن تكون تامّة بدون العصمة عن مقام المعصية؛ وقد اتّضح بهذا البيان أنّ الآية السابقة تدلّ على عصمة الأنبياء في ثلاث مراحل: التلقّي، وابلاغ الوحي، وفي مقام الخطأ والمعصية.
كما ان الإمام- وهو الحافظ للشريعة والمبين للأحكام والحارس للقانون بالنسبة للأمّة- حائز على مقام قلب النبيّ وإدراكه، ولا فرق بينه وبين النبيّ من وجهة النظر هذه، الّا انّ النبيّ هو الذي يأتي بالشريعة والكتاب، والإمام هو الذي يقوم بإبلاغها والمحافظة عليها.
والأدلّة التي تفيد في اثبات عصمة الأنبياء واردة بعينها في اثبات عصمة الإمام.
[1] الآية 213، من السورة 2: البقرة.
[2] ذيل الآية 52، من السورة 20: طه.
[3] ذيل الآية 3، من السورة 65: الطّلاق.
[4] ذيل الآية 21، من السورة 12: يوسف.
الاكثر قراءة في النبوة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة