التنازع على منصب الوزارة وأثره على الأوضاع الداخلية
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 164 ــ 166
2025-09-19
322
تأثر منصب الوزارة إلى حد كبير بالظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها الدولة السلجوقية، كما أثر التنازع على هذا المنصب على الأوضاع الداخلية لهذه الدولة. لقد شكل تنافس أبناء نظام الملك على منصب الوزارة في عهد السلطان بر كياروق، وكذلك تنافس النظامية مع غيرهم من الطامعين؛ سبباً في انقسام السلاجقة وقيام النزاعات بين أبناء السلطان ملكشاه، فالحروب التي نشبت بين ابني ملكشاه السلطان بركياروق والسلطان محمود عقب موت ملكشاه مباشرة، كانت نتيجة لتنافس نظام الملك وتاج الملك أبي الغنائم الشيرازي على وزارة ملكشاه، كما أن الحروب التي اندلعت بين السلطانين بركياروق وأخيه محمد في المدة ( 498هـ / 1098 - 1104م) كانت بسبب تنافس أبناء نظام الملك، مؤيد الملك وفخر الملك وعز الملك على منصب وزارة السلطان. الواقع أن السلطان بركياروق عمد إثر توليه السلطة إلى مكافأة النظامية على مساندتهم له في اعتلاء العرش السلجوقي، فعين عز الملك الحسن بن نظام الملك وزيراً له ثم عزله بعد مدة وجيزة بسبب عدم كفاءته واستوزر بدلاً منه أخاه مؤيد الملك عبيد الله بن نظام الملك (1).
وكان فخر الملك، الابن الأكبر لنظام الملك، يتطلع أيضاً إلى اعتلاء منصب الوزارة فراح يتقرَّب من السلطان، وحدث آنذاك أن أراد السلطان بركياروق إحضار والدته زبيدة خاتون من أصفهان إلى ،همذان فأشار عليه مؤيد الملك بإبقائها في أصفهان، فرفض ذلك وقال : لا أريد الملك إلا ،لها وبوجودها عندي، فلما وصلت إلى همذان نمي إليها ذلك، فحقدت على مؤيد الملك، وأخذت تعمل على إقصائه من الوزارة وساعدها كاتبها أبو الفضل مجد الملك البلاساني، الذي كان يطمع في الوصول إلى مكانة متقدمة ودرجة عالية من النفوذ في الدولة، ويخشى أن يقف مؤيد الملك في وجهه ويحول دون ذلك، فاستغل فخر الملك هذه الحادثة وطلب من السلطان ووالدته أن يتبوأ منصب الوزارة وتعهد بدفع مبلغ كبير من المال لقاء ذلك، وسانده مجد الملك البلاساني، فأجيب إلى طلبه، وعزل أخوه مؤيد الملك من الوزارة وقبض عليه وسُجن، وخلفه فخر الملك وذلك في عام (488 هـ / 1095م) (2).
كانت سلطة فخر الملك اسمية في حين كانت السلطة الفعلية في يد مجد الملك البلاساني الذي كان وزيراً لديوان الاستيفاء، كما كان وزيراً لزبيدة خاتون والدة السلطان (3)، فاستطاع أن يبسط نفوذه على كل مرافق الدولة، وأن يتصرف بجميع مهامها، وكانت وزارة فخر الملك ألعوبة في يده.
وعندما خرج مؤيد الملك من سجنه لم يعمل على مناوأة أخيه فخر الملك، ولم يحاول أن يستعيد الوزارة من جديد، بل راح يتآمر ضد السلطان نفسه ويعمل على الانتقام منه ومن والدته زبيدة خاتون فأخذ يتصل بأعدائه ومنافسيه، فسار في عام (492 هـ / 1099م) إلى الأمير أنر حاكم بلاد الجبال، وأقنعه بالخروج على طاعة السلطان وخوفه من مجد الملك البلاساني المهيمن على مقدرات الأمور، فزحف أثر على رأس جيش كبير إلى الري وطلب من السلطان بركياروق تسليمه مجد الملك البلاساني، فرفض السلطان طلبه وتهيأ للخروج لمحاربته، لكن اغتيل أنر في غضون ذلك على أيدي الحشيشية فاستقر رأي مؤيد الملك على الانضمام إلى صفوف محمد بن ملكشاه، وكان والياً على إقليم أذربيجان فاجتمع به وأشار عليه أن يطلب السلطنة وينتزعها من يد أخيه السلطان ،بركياروق فاستجاب لإغرائه واتخذه وزيراً ليضمن تأييد أسرة نظام الملك له، فقطع الخطبة للسلطان من بلاد أران(4) وأعمالها، وأقام الخطبة لنفسه، ثم تحرَّك في (عام 492 هـ / 1099م) على رأس جيش كبير قاصداً همذان والري يصحبه وزيره مؤيد الملك (5).
أدرك السلطان بركياروق أنه لن يستطيع التصدي لقوات أخيه محمد، فخرج من الري إلى أصفهان ومنها إلى خوزستان وانتشرت الفتنة بين جنوده، وكان أغلبهم يميل إلى أسرة نظام الملك ويكرهون مجد الملك البلاساني، ولم يلبثوا أن طالبوه بقتل وزيره لكنه رفض طلبهم، فما كان منهم إلا أن هجموا على خيمة مجد الملك البلاساني وقتلوه (6)، وعندما علم عز الملك منصور بن نظام الملك بمقتل الوزير مجد الملك البلاساني انضم إلى صفوف السلطان وهو يطمع في أن يسترد منصب الوزارة.
ودخل محمد مدينة الري، وكانت زبيدة خاتون والدة السلطان بركياروق، قد تخلفت فيها فقبض عليها الوزير مؤيد الملك وقتلها (7)، انتقاماً لدورها في عزله من الوزارة عام (488 هـ / 1095م)، ثم وقع مؤيد الملك نفسه أسيراً في إحدى المعارك، التي دارت بين السلطان بركياروق وبين أخيه محمد فقتله في عام (494هـ / 1101م) (8).
ويبدو أن الطمع لم يفارق مؤيد الملك حتى عندما كان في سجن السلطان بركياروق، حيث أخذ يراسله من السجن عارضا عليه أن يعفو عنه ويوليه الوزارة مقابل مبلغ مائة ألف دينار، فوافق السلطان على طلبه، واستطاع الوزير أن يؤمن المبلغ خلال أسبوع لكن السلطان بركياروق عدل عن اتخاذه وزيراً بـ بسبب المشكلات أثارها، فغضب عليه وقتله (9).
................................................................
(1) البنداري: ص 236، 237.
(2) ابن الأثير: جـ 8 ص 397 البنداري: ص 238.
(3) الراوندي: ص 210، 218.
(4) آران ولاية واسعة تضم بلاداً كثيرة، وهي مجاورة لأذربيجان من الشمال والغرب، وقيل: أران من أصقاع أرمينية. الحموي: ج1 ص 136.
(5) البنداري ص 239. الحسيني: ص 76، 77 ابن الأثير: ج 8 ص 423، 424، 428.
(6) الراوندي: ص 224.
(7) ابن الأثير: جـ 8 ص 429.
(8) المصدر نفسه: ص 442. البنداري: ص 240.
(9) الراوندي: ص 226، 227.
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة