التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الأعوام الأخيرة من حياة دولة السلاجقة في العراق
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 246 ــ 253
2025-09-28
184
ازداد نفوذ الأمراء والأتابكة بعد وفاة السلطان مسعود، وكان أقوى هؤلاء الأمير خاص بك بن بلنكري الذي أمسك بزمام الأمور، واعترف بملكشاه بن السلطان محمود سلطاناً جديداً في همذان بناء على وصية السلطان المتوفى (1)، وعندما وصل خبر الوفاة إلى بغداد هرب شحنتها مسعود البلالي إلى تكريت، وبسط نفوذه على وهزم جيشاً أرسله السلطان الجديد. ومن جهته استولى الخليفة المقتفي على ممتلكات الشحنة، وصادر ممتلكات الأمراء السلاجقة في بغداد، ولكي يضمن ولاء موظفيه وتعاونهم عزل كل من ولاه السلطان المتوفى، وعين مكانهم موظفين يثق بهم، ثم جهز جيشاً استعداداً لما قد يطرا من مستجدات من قبل السلطان ملكشاه، ودعمه بعناصر من مماليكه الأرمن والروم وسماهم (الخيلية) (2)، وزاد من تحصينات بغداد، وعيَّن الولاة في الولايات وأرسل الجواسيس إلى مختلف الولايات بما يستجد من أمور في الوقت الذي كان فيه السلاجقة منهمكين في نزاعاتهم الداخلية من أجل السلطة(3) ، وبعد أن اطمأن على قوته الذاتية نهض لاستعادة ولايات العراق وإعادة الوحدة إلى هذا البلد تحت سلطانه.
وأرسل السلطان ملكشاه في عام (548 هـ / 1153م)، كعادة من سبقه من السلاطين السلاجقة، جيشاً إلى العراق بقيادة سلار كرد. وعندما وصل إلى الحلة قبض مسعود البلالي على قائده وأغرقه في نهر الفرات واستبد بالبلد، فجهز الخليفة جيشاً بقيادة الوزير عون الدين بن هبيرة لحربه فاستعاد الحلة، ثم لحق الخليفة بجيشه على رأس جيش آخر، ونجح هذان الجيشان في هزيمة مسعود البلالي الذي فر إلى تكريت ثم لحق بهمذان مستصرخاً. وملك الخليفة العراق من أقصى الكوفة إلى حلوان ومن حد تكريت إلى عبَّادان وأقطع الولايات، وأضاف إلى جميع ما كان لوزير السلطان وأرباب مناصبه في جميع هذه البلاد ونعته بتاج الملوك فلك الجيوش (4).
لم يكن السلطان ملكشاه على قدر المسؤولية التي أُلقيت على عاتقه، فانصرف إلى اللهو والشراب ومعاشرة النساء ما دفع خاص بك إلى عزله، واعتقله بمرج همذان بعد ثلاثة أشهر من اعتلائه منصب السلطنة واستدعى أخاه محمداً، وكان في خوزستان وأجلسه على عرش السلاجقة، وذلك في أواخر (548هـ / 1153م)، لكن هذا دبَّر مؤامرة بمساعدة بعض الأمراء الذين يكنون الكراهية لخاص بك، وتخلص منه، وظن أن بعمله هذا يكسب ثقة كل الأمراء النافرين منه، لكن النتيجة جاءت عكسية، إذ فَقَدَ هؤلاء ثقتهم به، فثاروا ضده وحاولوا عزله (5).
كان موقف السلطان محمد من الخلافة العباسية مماثلاً لموقف أخيه السلطان ملكشاه المعزول، فقد اجتمع عنده الأمراء الذين منح الخليفة إقطاعاتهم لوزيره عون الدين بن هبيرة، وحرَّضوه على محاربته واستعادة هيبة السلاجقة.
ويبدو أن الخليفة المقتفي أراد أن يستفيد من انقسام أمراء البيت السلجوقي إلى أقصى حد، فنصب في (محرم/ آذار) سلیمان شاه بن محمد سلطاناً على السلاجقة، وكان ينزل عليه ضيفاً، واستحلفه على التزام الطاعة والإخلاص للخليفة، واتفق معه على أن لا يتعرض للعراق التي ستكون تحت حكم الخليفة المباشر، في حين يكون له ما يفتحه من بلاد خراسان وخلع عليه الخليفة خلع السلطنة وخُطب له ببغداد ولُقب بلقب أبيه: غياث الدنيا والدين (6).
كذلك عقد الخليفة المقتفي اتفاقاً السلطان السلجوقي المخلوع ملكشاه أخي السلطان سليمان وكان قد فرّ من معتقله واستقر بخوزستان، واستحلفه لسليمان وجعله ولياً لعهده، ثم أمدهما بالمال والسلاح والجند وسيرهما لقتال السلطان محمد (7).
توجه الأخوان ملكشاه وسليمان شاه إلى بلاد الجبال لمحاربة السلطان محمد، وعندما علم هذا بما يُحاك ضده التمس المساعدة من قطب الدین مودود صاحب الموصل (544 - 565هـ / 1149 - 1170م) ونائبه زين الدين علي، وبذل لهما المال والإقطاعات إن انتصر في هذا الصراع فأجاباه إلى ذلك، فقويت نفسه وسار إلى لقاء السلطان سليمان شاه ومن اجتمع معه وجرى اللقاء بين الطرفين في (جمادى الأولى/ تموز) واشتد القتال بينهما، وأسفر عن انتصار السلطان محمد وهزيمة السلطان سليمان شاه ومن معه، وفر جنده الثلاثة آلاف بكل اتجاه، وهرب السلطان سلیمان شاه بعد المعركة إلى مازندران، وسار منها إلى خراسان في طريقه إلى بغداد، فاعترضه زين الدين علي وقبض عليه وحمله أسيراً إلى قلعة الموصل وسجنه فيها مكرماً محترماً، وأرسل يُعلم السلطان محمد(8).
وكتب السلطان محمد بعد انتصاره إلى الخليفة المقتفي يطلب منه أن يخطب له في بغداد والعراق، فامتنع الخليفة عن إجابة طلبه ما كان سبباً في اندلاع الحرب، وخرج السلطان محمد من همذان في (ذي الحجة 551هـ / كانون الثاني 1157م) على رأس جيش كبير في طريقه إلى بغداد ووعده قطب الدین مودود صاحب الموصل ونائبه زين الدين علي بالمساعدة، ولما وصل إليها في (محرم 552هـ شباط 1157م) ضرب الحصار عليها وكان الخليفة قد استعد لمواجهته عسكرياً وسياسياً:
من حيث الناحية العسكرية، فقد استدعى الأمراء التابعين له، وفرق السلاح على الجند، ونصب المجانيق والعرادات، ووزّع المؤن على المقاتلين، ورتَّب المدافعين على أسوار بغداد المحصنة تحصيناً قوياً (9).
ومن حيث الناحية السياسية، فقد عبَّاً البغداديين نفسياً لمواجهة المعركة مع السلاجقة لدرجة أن كثيراً من العامة انخرطوا في جيش الخلافة لقتال المهاجمين وعمد إلى تحريض الأمراء الطامعين في السلطنة ضد السلطان محمد، وعلى رأسهم السلطان ملكشاه، ودفعه إلى مهاجمة العاصمة همذان، فدخلها وأعلن نفسه سلطاناً على السلاجقة.
وآتت تدابير الخليفة أكلها، فقد فك السلطان محمد الحصار عن بغداد بعد أكثر من ثلاثة أشهر، وانسحب عائداً إلى عاصمته للدفاع عنها، ولم يكن لدى جيش الخلافة القوة الكافية لمطاردته (10).
وما زال الخطر السلجوقي يُهدِّد بغداد حتى توفي السلطان محمد في (ذي الحجة 554هـ / كانون الأول 1159م) (11)، فاختلف الأمراء السلاجقة على من يخلفه في السلطنة بين مؤيد لتولية أخيه ملكشاه وبين مساند لتولية عمه سليمان شاه، وأيَّد آخرون تولية أرسلان بن طغرل ثم استقر الرأي على تنصيب الثاني، فتولى السلطنة في أوائل (555هـ / 1160م) (12).
وكان السلطان ملكشاه قد سيطر على أصفهان واستقر بها، ولكنه لم يتمكن من الحصول على تأييد قادة الجيش في همذان، في حين كانت الخطبة تُقرا في بغداد باسم السلطان سليمان شاه.، وهدد السلطان ملكشاه الخليفة أنه سيهاجم بغداد إن لم يُخطب له على منابرها، ولكن المنية وافته فمات مسموماً في العام المذكور أعلاه، وخُطب للسلطان سليمان شاه في أصفهان (13).
ويبدو أن السلطان سليمان شاه لم يكن على قدر المسؤولية التي ألقيت على عاتقه، فانصرف إلى اللهو وأهمل شؤون الدولة فحيكت مؤامرة ضده وقبض عليه في همذان في (شوال/ تشرين الأول)، وسُجن في قلعة علاء الدولة ثم مات مسموماً في (13 ربيع الأول 556هـ/ 13 آذار 1161م) (14).
وحدث في بغداد أن توفي الخليفة المقتفي في (2 ربيع الآخر 555هـ/ 11 نيسان 1160م) بعد حياة حافلة بالنضال ضد تسلط السلاجقة، وهو أول خليفة عباسي حكم العراق من دون تدخل سلاطين السلاجقة، وقد نجح في استعادة ما فقدته الخلافة العباسية من هيبة واحترام، كما تمكن من تثبيت سلطة الخلافة ونفوذها في معظم أجزاء العراق (15)، وخلفه ابنه المستنجد (16) ، فسار على نهج والده في إدارة الدولة وفي الوقوف في وجه الاستبداد السلجوقي وكان أول عمل قام به هو أنه كتب إلى السلطان سليمان شاه يطلب منه إقامة الخطبة له في سائر البلدان التابعة للسلاجقة، فاستجاب لطلبه(17).
ويبدو أن السلطان سليمان شاه طمع بعد ذلك، كغيره من السلاطين السلاجقة، في حكم العراق متجاهلاً الاتفاق الذي أبرمه مع الخليفة المقتفي والقاضي أن يحكم الخليفة العراق مباشرة، غير أن الخليفة المستنجد لم يحقق رغبته، كما أن السلطان لم يجرؤ على فرضها بالقوة، لما كان للخلافة آنذاك في نفوسهم من الهيبة والخيبة من الحصول على بغداد (18).
استقر رأي الأمراء السلاجقة في همذان على تولية أرسلان شاه بن طغرل، وكان في أزان تحت حماية حاكمها ايلدكز وأرسلان ابن زوجته، فطلبوا منه الحضور فسار إليهم على رأس جيش كبير يرافقه أرسلان ونزلا بدار السلطنة في همذان وخُطب لأرسلان بالسلطنة في تلك البلاد، واتخذ أيلدكز أتابكاً له وابنه محمد جهان بهلوان حاجباً، وهو أخ السلطان من أمه (19)، وطبيعي أن يصبح إيلدكز منذ ذلك يصبح الوقت مهيمناً على جميع مرافق الدولة، يتصرف في كل الأمور برأيه وأضحى، السلطان أرسلان شاه ألعوبة في يده ليس له سوى الخطبة، وذكر اسمه في السكة. وحاول السلطان أرسلان شاه بدوره أن يعيد ما كان للسلاجقة من نفوذ وسلطة في بغداد، فأرسل أتابكه إيلدكز إلى الخليفة المستنجد يطلب الخطبة له، وأن تُعاد القواعد إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود، ولكن الخليفة رفض طلبه، وأهان رسوله (20).
وتجددت أطماع السلاجقة في العراق بعد وفاة الخليفة المستنجد في (9 ربيع الآخر 566هـ/ 20 كانون الأول 1170م) واعتلاء ابنه المستضيء سدة الخلافة، ولكن لم تكن لديهم القدرة على فرض رغبتهم في ظل رفض الخلافة العباسية الدائم.
ظل نفوذ إيلدكز قوياً في الدولة السلجوقية طيلة مدة حياته وحتى وفاته في عام (568 هـ / 1172 - 1173م) (21)، فخلفه ابنه جهان بهلوان، وغلبت شخصيته على شخصية أخيه السلطان أرسلان شاه الذي آثر الانزواء حتى توفي في عام (570هـ / 1174م) بنخجوان (22)، وفي رواية أن أخاه محمد جهان بهلوان أراد الاستبداد بالسلطة من دونه فسمه ليتخلص منه ويولي مكانه ابنه الطفل طغرل (23). وفعلاً خلف هذا أباه، وكان طفلاً في السابعة من عمره، وهو آخر سلاطين السلاجقة في العراق، وتركزت السلطة في يد جهان بهلوان، وقد بلغت سطوة هذا الأتابك درجة جعلت الحكام الآخرين يخشونه ويرهبون جانبه، ويرسلون السفراء إلى بلاطه (24).
وشمل نفوذ السلطان طغرل همذان والري وأصفهان وأذربيجان وتوابعها، وعاصر هذا السلطان الخليفة العباسي الناصر (575هـ - 622هـ / 1180 - 1225م) الذي خلف أباه الخليفة المستضيء، ويُعد من أقوى الشخصيات التي تولت الخلافة في عصرها المتأخر.
وتمكن جهان بهلوان، بفضل قوته وشجاعته ومساعدة أخيه قزل أرسلان، من خطرين تعرّض لهما في وقت واحد، تمثل الأول بخطر الكرج الذين أغاروا على أذربيجان وتمثل الثاني بما قام به محمد بن طغرل بن محمد بن ملكشاه من الإغارة على العراق.
كانت علاقة الأتابك جهان بهلوان مع الخليفة الناصر جيدة، ولما توفي في عام (582 هـ / 1186م)(25)، خلفه أخوه قزل أرسلان، وكان موالياً كأخيه للخليفة، وما حدث من بلوغ السلطان طغرل مرحلة الشباب دفعه للتخلص من سيطرة أتابكه والاستقلال بالحكم، فنشبت النزاعات بينهما وانضم كثير من الجند والأمراء إلى السلطان فقوي أمره وكثر جمعه ووضع يده على كثير من المناطق ما دفع قزل أرسلان إلى أن يلتمس المساعدة من الخليفة الناصر، وراح يخوفه من طموح السلطان (26).
وتنبه السلطان إلى ما يحيكه الأتابك مع الخليفة فأخذ زمام المبادرة وطلب من الخليفة إقامة الخطبة له في بغداد وتجديد عمارة دار السلطنة لينزل بها عند قدومه إلى عاصمة الخلافة كان رد الخليفة حازماً، فأمر بهدم دار السلطنة وإعادة رسول السلطان طغرل من دون جواب، وكتب إلى الأتابك قزل أرسلان يأمره بالانضمام إلى جيش الخلافة لقتال السلطان (27).
وخرج جيش الخلافة في صفر (584هـ / نيسان 1188م) من بغداد بقيادة الوزير جلال الدين عبيد الله بن يونس قاصداً همذان لنجدة الأتابك قزل أرسلان في نزاعه السلطان طغرل وكان الاتفاق أن ينضم جيش قزل ارسلان إلى جيش الخلافة ومن ثم يسيران معاً لمحاربة السلطان لكن يقظة هذا الأخير أفشلت الخطة العسكرية المتفق عليها، فقد أسرع باعتراض جيش الخلافة قبل أن ينضم إلى جيش قزل ارسلان في همذان وهزمه عند دايمرج، وأسـر قـائده الوزيـر عـبـيـد الله بن يونس (28).
لم تؤثر هذه الهزيمة على معنويات الخليفة الناصر، بل يبدو أنها زادته حماساً وتصميماً على حرب السلاجقة، فجهَّز جيشاً آخر أسند قيادته للأمير مجاهد الدين خالص، ودفعه إلى همذان في العام نفسه، وتمكن من دخولها من دون قتال؛ لأن السلطان طغرل كان قد خرج منها عندما علم بقوة جيش الخلافة(29)، وتوجه إلى أذربيجان ووصل إلى تبريز في حين وصل قزل ارسلان إلى كرمنشاه، فلما علم برحيل السلطان طغرل إلى أذربيجان عاد إلى همذان وتربع على دست الحكم، وتلقى رسائل تأييد من أمراء الأطراف وأخذ نجم السلطان طغرل ودولة سلاجقة العراق في الأفول، بخاصة بعد محاولته الفاشلة لاستعادة عاصمته، واضطر إلى طلب الصلح من الخليفة وذلك في عام (586هـ / 1190م) ، وأرسل ابنه ألب أرسلان إلى دار الخلافة كرهينة(30).
وقصد قزل أرسلان السلطان في أذربيجان للقبض عليه، فعاد إلى همذان فمنعه جند الأتابك من دخولها، ولما علم هذا بذلك، عاد إلى همذان على وجه السرعة، واضطر السلطان إلى الاستسلام، فسجنه قزل أرسلان في قلعة بأذربيجان قريبة من مدينة تبريز (31).
وهكذا خلت الساحة السياسية لقزل ارسلان فسيطر على مقدرات الحكم وتزوج بالخاتون زوجة أخيه جهان بهلوان ولم يلبث أن تلقى رسالة تأييد وموافقة من الخليفة العباسي لاعتلاء عرش السلطنة، فأعلن نفسه سلطاناً في عام (587هـ/ 1191م)، لكن السلطنة كانت وبالاً عليه فقد ظهر من يحقد عليه من أمراء العراق وينافسه على النفوذ، وكان على ما يبدو سيء السيرة ومنصرفاً عن زوجته التي تآمرت عليه مع ابنها قتلغ إينانج وأمراء العراق واغتالته في فراشه (32). وفي رواية بأنه سار في أواخر أيامه إلى أصفهان وهي تموج بالفتن المتنوعة، ومن بينها النزاع بين
الشافعية والحنفية، فاضطهد الشافعية وقتل بعض مشايخهم ثم عاد إلى همذان، وعندما آوى إلى فراشه في إحدى الليالي دخل عليه من قتله وهو نائم، ولم تعرف هويته، فقبض أصحابه على صاحب بابه ظناً وتخميناً، وجرت عملية القتل في (شعبان 587هـ / أيلول 1191) (33).
ومهما يكن من أمر، فقد اشتدت النزاعات بين الأمراء السلاجقة بعد مقتل قزل أرسلان، فاستغل السلطان طغرل هذه الفرصة فهرب من سجنه، وتعاون الأمراء الموالين له وحارب الطامعين في السلطة وعلى رأسهم ابن عمه قتلغ إينانج وانتصر عليهم، ثم توجه إلى همذان فدخلها واسترد عرشه المغصوب، واعترف حكام الأطراف به (34).
واستمر الصراع بين السلطان وبين قتلغ إينانج واتخذ بعداً خارجياً عندما التمس الثاني المساعدة من السلطان الخوارزمي علاء الدين تكش الطامع في التمدد نحو الغرب، فأمده بقوة عسكرية ساعدته في الاستيلاء على الري وقلعة طبرك، فتصدى له السلطان وتغلب على الجيش الخوارزمي وقتل قائده واستعاد القلعة وخربها ثم عاد إلى عاصمته وذلك في عام (589هـ / 1193م)، وجدَّد الجيش الخوارزمي هجومه على الري في العام التالي، فتصدى له السلطان طغرل وهزمه (35).
لفت التدخل الخوارزمي في شؤون الدولة السلجوقية نظر الخليفة الناصر، فأرسل إلى علاء الدين تكش يشكو سوء نيات السلطان طغرل وطلب منه التوجه إلى بلاده للقضاء عليه، ومنحه منشوراً بإقطاعه البلاد من نيسابور إلى الري، فخرج العاهل الخوارزمي من بلاده واصطدم بالسلطان طغرل بالقرب من الري في (24 ربيع الأول 590هـ / 9 آذار 1194م) ، وقاتل السلطان بشجاعة وتغلغل في صفوف الجيش فأحاط به الجند وألقوه عن فرسه وقتلوه وفي رواية أن قتلغ إينانج هو الخوارزمي، الذي قام بقتله، وحمل رأسه إلى علاء الدين تكش الذي أرسله إلى بغداد (36).
وهكذا زالت الدولة السلجوقية في العراق، وأسدل الستار على حياتها المليئة بالنزاعات الداخلية بين السلاطين كما بين الأمراء، وكانت دولة السلاجقة الكبار في إيران وخراسان قد زالت من قبل، ولم يبق من الأسرة السلجوقية العامة على قيد الحياة سوى سلاجقة الروم في آسيا الصغرى.
.............................................................
(1) البنداري: ص333. ابن الأثير: جـ 9 ص 186.
(2) البنداري: ص 338
(3) البنداري: ص 338
(4) المصدر نفسه ص 337
(5) المصدر نفسه: ص 334- 335
(6) البنداري: ص 226
(7) المصدر نفسه.
(8) ابن الأثير: جـ 9 ص 226، 227. الراوندي: ص381
(9) ابن الجوزي: جـ 10 ص 198 ، 169 ابن الأثير : جـ 9 ص 232 ، 233. البنداري: ص 345 – 347
(10) الراوندي: ص 385
(11) ابن الأثير: جـ 9 ص 265.
(12) المصدر نفسه: ص 266. الراوندي: ص393. البنداري: ص 372
(13) ابن الأثير: جـ 9 ص 275، 276.
(14) البنداري: ص 376
(15) الزهراني: ص 63.
(16) ابن الأثير: جـ 9 ص 270، 271
(17) البنداري: ص 376.
(18) المصدر نفسه ص 377
(19) الحسيني: ص 145، 146.
(20) ابن الأثير: جـ 9 ص 280
(21) المصدر نفسه ص381
(22) الحسيني: ص 168، 169.
(23) البنداري: ص381
(24) الحسيني: ص 171، 172.
(25) ابن الأثير : ج 10 ص 17.
(26) المصدر نفسه الحسيني: ص 176، 177.
(27) ابن الأثير: ج 10 ص 44.
(28) ابن الأثير: جـ 10 ص 62. الراوندي: ص 480 ، 481 الحسيني: ص177، 178.
(29) الحسيني: ص178 ، 179
(30) المصدر نفسه: ص179، 180
(31) المصدر نفسه ص180
(32) الحسيني ص 181. الراوندي: 501 -502.
(33) البنداري ص 382. ابن الأثير: ج 10 ص 103.
(34) الراوندي: ص 502، 503
(35) المصدر نفسه ص 505، 506
(36) ابن الأثير: جـ 10 ص 128. الحسيني: ص 192، 193. الراوندي: ص513، 514.
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
