انقسام الدعوة الإسماعيلية ونتائجه
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 146 ــ 148
2025-09-15
307
ظهرت في عهد السلطان ملكشاه على المسرح السياسي في الشرق الإسلامي فرقة الإسماعيلية النزارية المعروفة بالحشيشية أو الباطنية ولما كان لهذه الفرقة علاقة مباشرة بموضوعنا من خلال التعاون أو العداء مع السلاجقة العظام منذ عهد السلطان ملكشاه؛ فمن المفيد أن نلم إلمامة وجيزة بكيفية نشأة هذه الفرقة وانتشارها في خراسان.
تعرضت الدعوة الإسماعيلية بعد وفاة المستنصر الفاطمي في عام (487هـ/ 1094م) لخضة سياسية ومذهبية نتجت عن تدخل الوزير الأفضل بن بدر الجمالي، وأدت إلى انقسامها إلى قسمين، وكان لذلك آثار جسيمة سواء في مصر أو في خارجها. والواقع أن المستنصر خلف أولاداً عدة أكبرهم نزار وأصغرهم أحمد، فتوفي بعضهم في حياته وبقي منهم أربعة هم نزار وعبد الله وإسماعيل وأحمد، وتبعاً للنظرية الإسماعيلية بانتقال الإمامة من الأب إلى الابن الأكبر، كان نزار هو صاحب الحق الشرعي في خلافة أبيه في منصب الإمامة، وكان المستنصر قد رشحه ليخلفه، ولكن لم تُجر أي احتفالات لتنصيبه ولياً للعهد، وقد أراد قبل وفاته أخذ البيعة له من رجال الدولة لكن الوزير الأفضل ماطله حتى مات، لكراهته لنزار (1).
وتجاهل الوزير الأفضل التقليد الإسماعيلي، فأبعد نزاراً عن الحكم وأجلس أخاه الأصغر أبا القاسم أحمد ولقبه بالمستعلي بالله، وذلك يوم الخميس (18 ذي الحجة 487هـ / 29 كانون الأول 1094م) (2) ، واستدعى أولاد المستنصر، فأخبرهم بوفاة أبيهم، وطلب منهم مبايعة أخيهم المستعلي، فامتعضوا وأنكروا ذلك، فقبض الوزير الأفضل على أخويه عبد الله وإسماعيل وسجنهما في المسجد بالقصر، وفر نزار إلى الإسكندرية، وأعلن الثورة على أخيه.
أدى إقصاء نزار عن الإمامة على الرغم من أحقيته، إلى نتائج بعيدة الأثر في تاريخ الدعوة الإسماعيلية والدولة الفاطمية، ويُعدُّ إبعاده وتولية المستعلي انقلاباً مذهبياً وسياسياً واضحاً قام به الوزير الأفضل ليحافظ على مكتسباته وسلطاته التي بها منفرداً منذ أواخر عهد المستنصر.
الواقع أن ثورة نزار لم تنجح بسبب تأييد الجيش للوزير الأفضل الذي تمكن، بعد محاولتين من هزيمته والقبض عليه، فسُجن في القصر وضيق عليه حتى مات أو أنه قتل بالقصر (3). واستطاع أحد الدعاة الزائرين لمصر في أيام المستنصر أن يثير معارضة جديَّة خارج مصر هذا الداعية هو الحسن بن الصباح المشهور بالحميري، نسبة إلى حمير القبيلة اليمنية والمولود في الري في بيت اشتهر بالتشيع الإثني عشري، ورحل في عام (469هـ / 1076م) إلى مصر ليتعمق في دراسة المذهب الإسماعيلي في دار الحكمة، وظل مقيماً في مصر زهاء ثمانية عشر شهراً كان
خلالها موضع حفاوة المستنصر، وأتاحت له إقامته في مصر التعرف على أوضاع الدولة الفاطمية، وما آلت إليه الدعوة الإسماعيلية في ظل سيطرة بدر الجمالي، وقد عزم على إقامة الدعوة للمستنصر في إيران ،وخراسان وحرص على تكوين مجتمع إسماعيلي صرف يعمل أعضاؤه على نشر المذهب الذي عُرف بعد وفاة المستنصر بالإسماعيلية الجديدة، واعتقد أتباعه بأحقية ابنه الأكبر نزار بالإمامة، وعُرفوا من أجل ذلك بالنزارية أو الإسماعيلية الشرقية، كما عُرفت فرقته بالحشيشية، وهو الاسم الذي اشتهرت به ربما لتعاطي أفرادها الحشيش أثناء قيامهم بعمليات انتحارية وسماهم أعداؤهم بالباطنية؛ لأنهم يرون لكل ظاهر باطناً وسموا هم أنفسهم بالتعليمية (4) وعندما توفي المستنصر وخلفه ابنه المستعلي خطب الحسن بن الصباح لنزار، وأذاع بين أنصاره أن المستعلي اغتصب الإمامة من نزار، وبذل جهداً كبيراً في الرد على حجج طائفة المستعلية أتباع المستعلي وبذلك انقسمت الحركة الإسماعيلية إلى فئتين متنافستين هما النزارية والمستعلية.
اتخذ الحسن بن الصباح في عام (483 هـ / 1090م) قلعة الموت (5) مقراً لدعوته وكان قد استولى عليها في عام (483 هـ / 1090م)، وأهم ما قام به من إنجازات غلبت عليها الصفة العملية، فاستطاع أن يُوجّه أتباعه الشديدي الولاء له لتحقيق أهداف سياسية مناهضة لخصومه، وبخاصة الخلافة العباسية في بغداد التي تحدى شرعيتها، بالإضافة إلى بعض الأمراء المسلمين من السلاجقة، وأهم ما استخدمه من الاغتيال. وبفعل ما اشتهر به أتباعه من التعلق الشديد به جعلهم على استعداد للمخاطرة والتضحية بأنفسهم متى أمرهم بذلك، فعظم أمرهم، وقويت شوكتهم، وخشيهم الناس، وامتلأوا منهم رعباً، ولم تكن كراهيتهم للنصارى تزيد كثيراً على بغض أهل السنة، لذلك لم يسع هؤلاء وأولئك إلا تقدير ذلك.
...................................................................
(1) ابن میسر ص 35
(2) المقريزي: اتعاظ الحنفا: جـ 3 ص 11.
(3) الشهرستاني، محمد عبد الكريم الملل والنحل جـ1 ص 192. الجويني، عطا ملك: تاريخ جهان کشاي: ج 3 ص 179، 180.
(4) الشهرستاني، محمد عبد الكريم الملل والنحل جـ1 ص 192. الجويني، عطا ملك: تاريخ جهان کشاي: ج 3 ص 179، 180.
(5) الموت: قلعة على جل شاهق من حدود الديلم ابن الأثير: جـ 6 ص 728.
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة