القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
البعد الاجتماعي في فرض الجنسية التأسيسية
المؤلف:
احمد فليح زبالة الخزاعي
المصدر:
الوظيفة الاجتماعية للجنسية
الجزء والصفحة:
ص 7-15
2025-09-14
75
تنظم الدولة أحكام الجنسية التأسيسية في أول عهدها ؛ وذلك لحصر المواطنين الذين تأسست بهم الدولة عند نشوئها ، فتنتقل جنسيتهم لأولادهم وأحفادهم وإن نزلوا (1).
فالجنسية التأسيسية يرافقها البعد الاجتماعي في أصل نشوئها ومنحها للأفراد ضمن إقليم واحد، يتمتعون بصفات وراثية متقاربة، وصلة قرابة بين الأب وبين الأبناء، أو الجد والأحفاد من دون مغادرة الإقليم لأي سبب كان، وهذا يعني: لابد من وجود أساس اجتماعي يرافقه أساس جغرافي ؛ كي يؤهل من يتوافر فيه الأساسين للتمتع بجنسية التأسيس (2).
والدولة العراقية عند تكوينها والاعتراف بشخصيتها القانونية وصيرورة سيادتها على إقليمها بعد انسلاخها من حكم الدولة العثمانية، فرضت الجنسية التأسيسية على من وقع في محيطها الجغرافي من أفراد، مراعية في الوقت نفسه الروابط الاجتماعية التي تربط بينهم.
وعند تعريف الجنسية العراقية نجد أن لوظيفتها الاجتماعية أثراً واضحاً وصريحاً، اذ عبرت عن الارتباط الروحي بين الفرد والدولة، وعند مراجعة تعريف الجنسية على أنها ((رابطة سياسية وقانونية وروحية بين الفرد والدولة، يترتب عليها حقوق والتزامات متبادلة، وهي انتماء الفرد قانونياً للشعب المكون للدولة))(3) ، يظهر أنَّ هذا المعنى متحقق في الجنسية العراقية بمضامينه الاجتماعية المفضية إلى وظائف اجتماعية عدة، ويمكن أن نتلمس الوظيفة الاجتماعية للجنسية منذ وقت نشوء الجنسية بشكل عام، أو نستطيع أن نتتبع هذه الوظيفة الاجتماعية في قانون الجنسية العثماني لعام 1869 الصادر في يناير ، وهذا القانون حمل مضامين تفيد الوظيفة الاجتماعية لاسيما المادة (1) التي نصت على أن ((كل من ولد بين أبوين عثمانيين أو من أب عثماني فقط فهو من رعايا الدولة العثمانية))، وهذا يفيد بوجود صلة نسب تربط الشخص المتلقي للجنسية بمن تلقى الجنسية منه، سواء كان الأب أم الأم، ونتلمس الوظيفة الاجتماعية للجنسية أيضاً من القانون أعلاه في المادة (7)، التي نصت على أنَّ للمرأة العثمانية التي تزوجت بأجنبي ومات زوجها أن تسترد تابعيتها العثمانية بأن تقرر ذلك في السنين الثلاث التالية لوفاته...)) ، وهذا يدل على الرابط الاجتماعي للجنسية العثمانية في أن المرأة العثمانية عندما تزوجت أجنبياً فقدت الجنسية العثمانية قانوناً، ولكنها استطاعت أن تسترد جنسيتها بعد أن أصبحت أرملة، وهذا دليل على أنَّ المُشرع العثماني أعطى فرصة للمرأة العثمانية المتزوجة من أجنبي أن تسترجع جنسيتها، أي أنَّ المُشرع قد أستوعبها مرة أخرى لاعتبارات إنسانية وهذه الاعتبارات هي فقدانها لزوجها، ونجد أنَّ المُشرع العثماني قد راعى الجانب الاجتماعي للمرأة لوجودها في موقف صعب وهو فقدها لزوجها.
وعند مراجعة شروط منح الجنسية العراقية التأسيسية للفرد، نجد أن هناك شروطاً عدة هي: أولاً: السكنى في العراق وهذا هو الأساس الجغرافي ، إذ أن الشخص العثماني إذا سكن في العراق في مدة معينة يحددها القانون، تفرض عليه جنسية التأسيس العراقية، وقد جعل قانون الجنسية العراقية رقم (42) لسنة (1924) الملغى الشخص عراقياً إذا كان عثمانياً، وهذا هو الأساس الاجتماعي إذا اشترط فوق ذلك السكنى أن تكون في (6 / أب / 1924)، أي منذ تاريخ 23/أب/1921، وهو تاريخ استقلال العراق إلى (6 / أب / 1924) ، ويظهر ذلك في نص المادة رقم (3) من القانون المذكور إذ نص على أن (( كل من كان في اليوم السادس من أب سنة 1924 من الجنسية العثمانية وساكناً في العراق عادة تزول عنه الجنسية العثمانية، ويعد حائزاً على الجنسية العراقية، ابتداء من التاريخ المذكور )) ، واشترطت المادة كذلك السكن الشخصي في العراق بصورة معتادة من يوم (23 / آب/ 1921 - إلى 6 / أب / 1924) ، ومن ثم لا تفرض جنسية التأسيس العراقية على الأشخاص إلا بتوافر هذين الشرطين (4) ، وتفرض بحكم القانون من دون الحاجة إلى تقديم طلب أو صدور موافقة، ومن هذا الشرط تتضح أهمية البعد الاجتماعي، إذ أن السكن المعتاد في العراق يفيد استمرار الاندماج الاجتماعي، واستيعابه يحقق وحدة النسيج الاجتماعي للجماعة البشرية المكونة لشعب الدولة العراقية، ضمن هذه المدة التي حصرت بين العامين المذكورين (5) فالأبعاد الجغرافية والزمانية والاجتماعية قد تخللت في الشروط أعلاها، وجميعها تفيد الوظيفة الاجتماعية المتلازمة مع بداية تكوين الجنسية، أما في التشريع المصري بعد صدور القانون المصري رقم (26) لسنة 1926 عقب انفصال مصر عن تركيا في 5 نوفمبر 1914 ، وبعد صدور الدستور المصري سنة ،1923، فقد نصت المادة الثانية من الدستور على أن ((الجنسية المصرية يحددها القانون))، ولما كان هذا القانون لم يصدر بعد، رأى بعض الشراح أن يظل قانون الجنسية العثماني سارياً في مصر بوصفه قانوناً مصرياً حتى يصدر هذا القانون المصري الخاص بالجنسية ، وظل الحال كذلك حتى عالج المُشرع المصري هذا القصور التشريعي بإصدار مرسوم بقانون الجنسية المصرية في 26 مايو 1926 متضمناً (26) مادة، وقد نهج المُشرّع المصري في هذا القانون نهج التشريعات الحديثة الخاصة بالجنسية (6).
ثانياً: التوظيف العثماني في الحكومة العثمانية: تنص المادة (8/ج) على أن (( يعتبر عراقياً كل من كان في يوم 6 أب من عام 1924 من الجنسية العثمانية وساكناً في العراق عادة وإذا كان مستخدماً في الحكومة العراقية كموظف عراقي في ذلك التاريخ أو قبله وإن لم يكن قد بلغت سكانه المدة الواردة في الفقرة (2/ هـ ) )) (7) ، وشروط النص هي :
1- يكون الشخص عثماني الجنسية في 6 أب عام 1924 وهو يوم تنفيذ معاهدة لوزان لعام 1923.
2- أن يكون ساكناً في العراق عادة من دون أن يشترط امتداد السكن من تاريخ 23 أب من عام 1921، أو لغاية 6 أب لعام 1924 ، إذ يمكن أن يكون ساكناً بعد عام 1921 وإن لم تبلغ إقامته يوم 6 أب لعام 1924.
3-أن يكون العثماني ساكناً في العراق موظفاً في الحكومة العثمانية من يوم 23 أب عام 1921 ولغاية 6 أب من عام 1924.
أي: أن حصول الجنسية يكون بحكم القانون من دون الحاجة إلى تقديم طلب أو حصول موافقة لكل من توفرت فيه الشروط أعلاه (8).
وإذا أردنا التمييز بين الجنسية الأصلية ، والجنسية المكتسبة نرى أن :
الجنسية الأصلية هي التي تثبت للشخص منذ ميلاده، ولو أقيم الدليل عليها بعد ذلك ؛ لذا يسميها بعضهم بجنسية الميلاد، ولما كانت هذه الجنسية مفروضة من قبل الدولة على الشخص منذ ميلاده، فأن بعضهم يميل إلى تسميتها بالجنسية المفروضة، وتثبت الجنسية الأصلية للشخص بناءً على أحد معيارين حق الدم أو الإقليم.
أما الجنسية المكتسبة فهي تلك التي تثبت للشخص في تاريخ لاحق على ميلاده ، ومن غير أن ترتد بأثر رجعي إلى وقت الميلاد ، ولما كان هذا النوع من الجنسية تؤدي إرادة الفرد المتجنس دوراً واضحاً فيه ، فأن بعضهم يسميها بالجنسية المختارة (9).
وتكون الجنسية الأصلية في الغالب مفروضة، تلحق الطفل منذ لحظة ولادته، لكن الجنسية المكتسبة تكون في وقت لاحق على الميلاد، ونجد أن البعد الاجتماعي للجنسية يظهر في الجنسية الأصلية أكثر من ظهوره في الجنسية المكتسبة، ونستطيع القول إن الدولة لها ميل طبيعي أن تمنح الجنسية لمن هم من أصولها، أو من يولدون على أراضيها، أي على أساس حق الدم ، والإقليم، فهنا ينشط الجانب الاجتماعي للجنسية ؛ بسبب الارتباط القديم والمتأصل للمولودين في الدولة المانحة، لذلك فأن الدولة المانحة : بسبب ذلك الارتباط ، الذي يكون عن طريق الأصول بالجد والأب نجدها تركز على البعد الاجتماعي عند منحهم الجنسية.
أما الجنسية المكتسبة للشخص، والتي يحصل عليها وهو أجنبي في الأصل فالجانب الاجتماعي فيها ضعيف ، ولكن نستطيع القول إنَّ الجنسية المكتسبة يمكن أن تحقق الوظيفة الاجتماعية بشكل غير مباشر، في حين تحقق الجنسية الأصلية الوظيفة الاجتماعية بشكل مباشر.
وللتفريق بين نوعي الجنسية الأصلية والمكتسبة ، أهمية كبيرة من الوجهة العملية إذ أنَّ المُشرع في الغالب يخضع أصحاب الجنسية المكتسبة لمرحلة اختبار يحرمهم فيها من ممارسة بعض الحقوق ، خلافاً للجنسية الأصلية ، وفوق ذلك فإنَّ الجنسية المكتسبة يمكن سحبها متى تبين للدولة أنَّ من اكتسبها ليس أهلاً لها ، وهذا الحكم لا يتحقق في الجنسية الأصلية .
وهكذا فإنَّ المعيار المعوّل عليه للتمييز بين الجنسية الأصلية والجنسية المكتسبة ، يكمن في مدى التطابق الزمني بين واقعة الميلاد ، وكسب الجنسية ، فإذا تزامن كسب الجنسية وواقعة الميلاد كنا بصدد جنسية أصلية ، أما إذا وافق هذا الكسب تاريخ لاحق على الميلاد ، فإنَّ الجنسية تكون مكتسبة (10).
وفي القانون العراقي فإنَّ الميلاد هو الأساس الذي تبنى عليه الجنسية الأصلية، أي: منذ اللحظة التي يولد فيها الطفل تسمى بالجنسية الأصلية ، فالجنسية الأصلية هي التي يتم فيها التطابق الزمني بين الميلاد وكسب الجنسية ، باكتمال عناصر كسب الجنسية في هذا التطابق ، في هذا الوقت حتى ولو لم يتم انباتها إلا في تاريخ لاحق الاكتساب .
وهناك من يرى أنَّ الجنسية أصلية إذا ثبتت للمرء بسبب ولادته سواء كان اكتسابها قد تم في وقت الميلاد ، أم بعده فلا يغير ذلك من صفتها، وكونها أصلية إذ يكفي بالنسبة لهم أن يكون أساس اكتسابها الميلاد (11).
وفي هذا الغرض يثبت البعد الاجتماعي، فأساس حق الدم الذي توليه الدولة هام لفرض الجنسية نتيجة الترابط الروحي ، ويقصد بحق الدم ثبوت الجنسية لكل من يولد من مواطني الدولة بغض النظر عن مكان مولدهم ، فهذا الحق يجعل جنسية الدولة تنتقل عبر الأجيال بشكل متتابع يحفظ استمرارها من الأصول إلى الفروع لوحدة الأصل ، وهناك من يرى أن الجنسية الأصلية تنتقل بحسب استمرار شعور الفرد بها ها (12)
فالبعد الاجتماعي قائم على هذا الأساس ، فضلاً عن أهمية العلاقة الروحية التي تأتي عبر الاندماج المجتمعي مع الأفراد الذين ينتمي إليهم الفرد ، الذي فرضت عليه الجنسية على أساس حق الدم.
ولهذا فإنَّ انتقال الشخص خارج حدود دولته وانقطاع اتصاله بها روحياً وفعلياً لا يؤهله لانتقال جنسية الدول إلى أبنائه ؛ وذلك لفقدانه الارتباط الروحي بالدولة ، وقد أخذ المُشرع العراقي في قانون الجنسية الملغى ، وقانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006 بحق الدم.
ولتحديد الجنسية الأصلية وتمييزها عن الجنسية اللاحقة أهمية بالغة في الآثار ، التي تترتب عن ذلك، فالوطني اللاحق يخضع لمدّة اختيار لا يستطيع فيها التمتع بالحقوق كافة، كحق التوظيف مثلاً ، إذ يحرم منه لمدة خمس سنوات ويجوز سحب الجنسية عنه في حالات معينة، نص عليها القانون، ولا تشتمل هذه الأحكام الوطني أصلاً (13).
وهذه واحدة من أهم امتيازات الجنسية الأصلية عن الجنسية المكتسبة ، أي أن اكتساب الجنسية يكون بناءً على حق الإقليم وهو لمجرد الولادة في إقليم دولة من الدول ليكون لهذه الولادة سبب لاكتساب جنسيتها، فأساسه تعلّق الشخص بمسقط رأسه واندماجه بالمجتمع الذي يولد فيه، ويتربى بين أحضانه (14).
وهذه إشارة إلى البعد الاجتماعي في فرض الجنسية للذين يولدون ضمن الإقليم ذاته، لما تضيفه هذه الولادة من اندماج بالمجتمع ، وتعلم عاداته ، وهذا عين ما رأيناه بعض العراقيين الذين يولدون خارج الإقليم العراقي ، فهم يحملون سمات الدولة التي ولدوا عليها ؛ فضلاً عن اللغة والعادات والتقاليد.
وكذلك بعض الممارسات اليومية التي لا نجدها عند من يولد ضمن الإقليم العراقي ، ويندمج في مجتمعه ، ويأخذ العادات والتقاليد ذاتها السائدة فيه .
وينطبق هذا الأمر على الاجنبي الذي ضمن إقليم الدولة ، فإنَّ من عوامل اكتساب الجنسية هو التجنس ، الذي توافق بموجبه الدول على منح جنسيتها لأجنبي بطلب ، وإن أقام في إقليمها لمدة زمنية حددها القانون، فضلاً عن إعلان رغبة الاجنبي الصريحة في الانخراط بجنسية الدولة(15).
أما الجنسية المصرية فتمتد إلى فجر التاريخ، فهي ليست بالجنسية حديثة النشأة (16)، وذلك ما عبرت عنه المذكرة الايضاحية لقانون الجنسية المصرية الملغى رقم (391) عام 1956 بقولها (( إنَّ الجنسية المصرية ليست حديثة النشأة بل أنها ترتبط بواقع وجودها بواقع وجود الدولة المصرية نفسها الممتد إلى فجر التاريخ لأنه لا تنشأ دولة من دون شعب ينتمي إليها ويتصف بجنسيتها ))، والواقع يؤكد أن تاريخ الجنسية المصرية يتصل بتاريخ الجنسية في الدولة العثمانية ، فقد كانت مصر جزءاً منها بخضوعها لتلك الدولة عام 1516 ، وقد أسس تشريع الجنسية العثماني منح الجنسية الأصلية على أساس حق الدم وجعل الزواج المختلط للعثمانية من اجنبي سبباً لفقدها الجنسية العثمانية بقوة القانون، ويمكن القول إن فكرة الجنسية لم تدخل مصر إلا في صدور قانون الجنسية العثماني في 19 يناير عام 1869 حتى انفصلت مصر عن الدولة العثمانية في 5 نوفمبر عام 1914 ، فأصبح المصريون يتمتعون بجنسية مستقلة وهي الجنسية المصرية (17).
وأشار إلى ذلك التشريع الفرنسي الصادر سنة 1945 في المادة (44) من قانون الجنسية الفرنسي (( كل فرد مولود في فرنسا الأجانب يكسب الجنسية الفرنسية عند بلوغه سن الرشد إذا كان له في هذا التاريخ محل إقامة في فرنسا وإذا كانت إقامته الاعتيادية منذ سن السادسة عشر في فرنسا أو في المستعمرات أو البلاد الواقعة تحت الحماية أو الانتداب الفرنسي)) (18).
ويعد الزواج من عوامل فرض الجنسية ، فزواج أي امرأة من شخص ينتمي لدولة أخرى ، يؤدي إلى اندماج الزوجة بعائلة الزوج إلى تشابههم من حيث الحقوق وخضوعهم لقانون واحد في معظم الأحيان، وهذا ما يسوغ اكتسابها الجنسية من قبل الدولة التي ينتمي إليها الزوج .
وهناك سبب رئيس حدده المُشرّع لاكتساب الجنسية ، وهو في جعله سبباً سياسياً خالصاً في الضم والانفصال، وما يعني تغيير السيادة على إقليم، إذ تتلاشى السلطة السابقة أمام إحلال سلطة جديدة تحل محلها في إقليم معين ، فذلك يؤثر في جنسية سكان المنطقة التي حدث فيها تغيير السيادة ، وتبدلها ، إذ لا يمكن أن تمارس الدولة الجديدة سيادتها على هذا الإقليم مع بقاء سكانه . جميعهم بعيدين عن جنسيتها ، فتبديل السيادة يلحقه التخلي عنها مع احترام إرادة السكان في ذلك (19).
تلك القوانين تعد أهم الأسباب العامة لاكتساب الجنسية أثناء فرضها في التشريعات كافة(20)، وتتضح هنا أهمية الجانب الاجتماعي الذي تضعه الدولة في حسبانها وهي تنفصل عن إقليم، أو تضع سيادتها على إقليم معين.
ففي اتفاقية (23) سبتمبر سنة 1952 بشأن جنسية أبناء الدول العربية)(21) في المادة الأولى منها تنص على أن (( كل شخص ينتمي أصله إلى إحدى الدول العربية ولم يكتسب جنسية معينة ولم يتقدم لاختيار جنسية بلده الأصلي في المهل المحددة بموجب المعاهدات والقوانين يعتبر من رعايا بلده الأصلي )).
وقد نتساءل هل الجنسية الأصلية، أو الجنسية المفروضة ، أو جنسية الميلاد ، أو الجنسية المكتسبة تبنى على معنى واحد ، أم أنَّ المُشرّع حاول أن يقف عند كل واحدة منها باختلاف معين؛ لينقل المعنى من فرد لآخر تبعاً لحالة الفرد الذي يمنح الجنسية، أو تمنحه الدولة الجنسية على وفق قانونها الخاص في منح الجنسية؟ ، فما المراد بالجنسية الأصلية أو المفروضة ، أو جنسية الميلاد؟
تثبت جنسية الميلاد للفرد منذ ميلاده، وبعبارة أدق لحظة الميلاد، وقد تثبت له بعد الميلاد، ويكون الميلاد عاملاً في اكتساب هذه الجنسية ، وهناك من يطرح تسميه الجنسية المبنية على حق الدم بالجنسية الأصلية أو جنسية البنوة ، فهي لا تنهض على وراثه الجنس أو الأصل، أو العرق، أو السلالة البشرية ، وإنما على ما يسود الأسرة من تربية توحد المشاعر والأماني ، ولاسيما شعور الولاء للدولة ، والأمل في مستقبلها ، أي أنها تنهض على الناحية الروحية التي تسود الأسرة ، فوراء حق الدم أو النسب ، حق التربية (الفكرة الاجتماعية في الجنسية)، وهذا وما سواه ما تعتد به الدولة لتمنح الجنسية للأبن عن أبيه ؛ لذلك يطلق عليها مصطلح جنسية البنوة (22).
فأساس كسب الجنسية هنا هو الأصل العائلي الذي ينحدر منه المولود ، وتسمى الجنسية الممنوحة للفرد بناءً على حق الدم بجنسية النسب (23)، ومهما كان محل الميلاد أو مكانه ، فجنسية النسب تلحق الفرد بمجرد ميلاده لأبوين أحدهما أو كلاهما وطني، سواء أكان ميلاد هذا الفرد في إقليم الدولة أم خارجه (24)، وقد نصت المادة (2) من قانون الجنسية العراقي رقم (26) لسنة 2006 النافذ على أنه (( يعتبر عراقي الجنسية كل من حصل على الجنسية العراقية بموجب أحكام قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 الملغى وقانون الجنسية العراقي رقم 43 لسنة 1963 وقانون منح الجنسية العراقية للعرب المرقم (5) لسنة 1975 وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الخاص بمنح الجنسية العراقية)).
__________
1- ينظر : د. احمد مسلم : القانون الولي الخاص في الجنسية ومركز الأجانب وتنازع القوانين ، ط1، 1954، مكتبة النهضة المصرية ، ج 1 ، ص 114 .
2- د. ياسين السيد طاهر، الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي، 3، مطبعة شركة الوفاق للطباعة الفنية، 2010 ، ص 99.
3- د. عباس العبودي شرح أحكام قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 والموطن ومركز الاجانب ، مكتبة السنهوري ، بغداد ،2012 ، وينظر أيضاً .د. ممدوح عبد الكريم حافظ القانون الدولي الخاص وفق القانون العراقي والمقارن، ط1، بغداد، 1973، ص38.
4- ينظر: د. عباس العبودي، أحكام شرح قانون الجنسية العراقية، مصدر سابق، ص 62.
5- ينظر : د. ياسين السيد طاهر ، الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي ، مصدر سابق، ص100
6- د. عزالدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص المصري ج1 في الجنسية والموطن ومركز الأجانب ط2 1951، ص278
7- أضاف المشرع إلى المادة (8) فقرة (ج) حسب تعديل الجنسية لسنة 1932 نشرته الوقائع العراقية في العدد 1142 في 1932/6/14 ، وقد أشارت المادة (2/هـ) من قانون الجنسية العراقي المرقم (42) لسنة 1924 الملغي أن الساكن في العراق عادة تعبير يشمل كل من كان محل اقامته المعتاد في العراق منذ اليوم 23 أب سنة 1921 كل تذكير في هذا القانون يشمل التأنيث ايضا مالم تقم قرينه خلاف ذلك". ينظر : د. عبد الرسول الأسدي، مصدر سابق، ص 47 .
8- د. عبد الرسول الأسدي، القانون الدولي الخاص الجنسية والموطن ومركز الاجانب، بيروت، 2022 طبعة جديدة ومنقحة، ص 48.
9- ينظر : د. عباس العبودي، شرح أحكام قانون الجنسية العراقية ، مصدر سابق، ص 64-65.
10- ينظر : د. عكاشة محمد عبد العال ، القانون الدولي الخاص ، الجنسية المصرية ، الاختصاص القضائي الدولي ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 1996 ص 105 - 107 .
11- ينظر : د. حسن الهداوي ، الجنسية ومركز الاجانب وأحكامها في القانون العراقي ، مطبعة الرشاد ، بغداد ، 1967، ص 49
12- ينظر : د. شمس الدين الوكيل ، الجنسية مركز الاجانب ، ط 2 ، منشأة المعارف الاسكندرية ، 1968 ص 86 ، ص 87 .
13- ينظر : د. حسن الهداوي ، الجنسية ومركز الاجانب وأحكامهما في القانون العراقي، مصدر سابق ، ص 49.
14- د. عبد المنعم ،زمزم أحكام الجنسية في القانون الدولي والقانون المصري المقارن دار النهضة العربية، القاهرة، 2011، ص 47 .
15- د. عماد خلف دهام، د. طلعت جياد لجي الحديدي، شرح أحكام قانون الجنسية دراسة مقارنة، مكتبة زين الحقوقية، ط1، 2016، ص 37.
16- د احمد مسلم : القانون الولي الخاص في الجنسية ومركز الأجانب وتنازع القوانين ، ط1، 1954، مكتبة النهضة المصرية ، ج 1 ، ص81.
17- د عبد المنعم حافظ السيد أحكام تنظيم الجنسية ، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية، ط1، 2012 ، ص 40.
18- د. عزالدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص المصري ج1 في الجنسية والموطن ومركز الأجانب ط2 1951، ص 126
19- ينظر: د. أحمد عبد الكريم سلامة ، القانون الدولي الخاص الجنسية والموطن ومركز الاجانب، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، بلا سنة نشر، ص173.
20- ينظر : د. حسن الهداوي، الجنسية ومركز الاجانب ، مصدر سابق ،ص53 .
21- هذه الاتفاقية بشأن جنسية ابناء الدول العربية المقيمين في بلاد غير التي ينتمون إليها بأصلهم ، تاريخها 1952/9/23 وقد شرعت حول تعيين جنسية من ينتمون بأصلهم إلى أحدى الدول الجامعة العربية ويقيمون فعلاً في دولة أخرى ولم يكسبوا بعد جنسية أخرى .
22- ينظر : د. عبد المنعم حافظ السيد أحكام تنظيم الجنسية ،، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية، ط1، 2012، ص 132
23- ينظر : د. هاشم صادق، القانون الدولي الخاص الجنسية ، 2005، ص 105.
24- ينظر : عبد المنعم حافظ السيد ، مصدر سابق ، ص133.
الاكثر قراءة في القانون الدولي الخاص
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
