في توحيد الله تعالى وتنزيهه
في الكافي ( 1 / 95 ) : ( كتبت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) أسأله : كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع ( عليه السلام ) : يا أبا يوسف ، جل سيدي ومولاي ، والمنعم عليَّ وعلى آبائي أن يُرى . قال وسألته : هل رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ربه ؟ فوقع : إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) بقلبه من نور عظمته ما أحب ) .
وفي الكافي ( 1 / 103 ) : ( كتبت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) سنة خمس وخمسين ومئتين : قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد ، منهم من يقول هو جسم ومنهم من يقول هو صورة . فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولاً على عبدك . فوقع بخطه ( عليه السلام ) :
سألت عن التوحيد ، وهذا عنكم معزول . الله واحدٌ أحد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، خالقٌ وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك ، وليس بجسم ، ويصور ما يشاء وليس بصورة . جل ثناؤه وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه ، هو لا غيره ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ) . والتوحيد للصدوق / 102 .
وفي الكافي ( 1 / 108 ) : ( عن جعفر بن محمد بن حمزة قال : كتبت إلى الرجل أسأله : إن مواليك اختلفوا في العلم فقال بعضهم : لم يزل الله عالماً قبل فعل الأشياء ، وقال بعضهم : لا نقول : لم يزل الله عالماً ، لأن معنى يعلم يفعل ، فإن أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئاً ، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه . فكتب ( عليه السلام ) بخطه : لم يزل الله عالماً ، تبارك وتعالى ذكره ) .
وفي الثاقب لابن حمزة / 568 : ( عن أبي هاشم الجعفري ، قال : فكرت في نفسي فقلت : أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمد في القرآن ؟ فبدأني وقال : الله خالق كل شئ ، وما سواه فهو مخلوق ) .
وفي كشف الغمة ( 2 / 403 ) : ( حدثنا جعفر بن محمد بن حمزة العلوي ، قال : كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي بن محمد الرضا ( عليهم السلام ) أسأله : لم فرض الله تعالى الصوم ؟ فكتب إليَّ : فرض الله تعالى الصوم ، ليجد الغني مسَّ الجوع ليحنو على الفقير ) .
وفي الكافي ( 1 / 511 ) : ( أخبرني محمد بن الربيع الشائي قال : ناظرت رجلاً من الثنوية بالأهواز ، ثم قدمت سر من رأى وقد علق بقلبي شئ من مقالته ، فإني لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد ( عليه السلام ) من دار العامة يوم الموكب ، فنظر إلي وأشار بسباحته : أحدٌ ، أحدٌ ، فردٌ ، فسقطت مغشياً عليَّ ) .
يقصد أنه ناظر مجوسياً يقول بإلهين فتأثر بكلامه ، فرأى من الإمام ( عليه السلام ) آية .
حق الأبوين المعنويين محمد وعلي ( عليهما السلام )
في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 330 : ( قال الله عز وجل : وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا . وقال علي ( عليه السلام ) : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : أنا وعلي أبَوَا هذه الأُمة ، وَلَحَقُّنَا عليهم أعظم من حق أبويْ ولادتهم ، فإنا ننقذهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار ، ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار .
قال الإمام العسكري ( عليه السلام ) : إن رجلاً جاع عياله ، فخرج يبغي لهم ما يأكلون فكسب درهماً فاشترى به خبزاً وإداماً ، فمر برجل وامرأة من قرابات محمد وعلي ( عليهما السلام ) فوجدهما جائعين فقال : هؤلاء أحق من قراباتي فأعطاهما إياه ، ولم يدر بماذا يحتج في منزله فجعل يمشي رويداً يتفكر فيما يعتل به عندهم ويقول لهم ما فعل بالدرهم ، إذ لم يجئهم بشئ . فبينا هو متحير في طريقه إذا بفيج يطلبه ، فدل عليه فأوصل إليه كتابا من مصر وخمسمائة دينار في صرة ، وقال : هذه بقية مالك حملته إليك من مال ابن عمك ، مات بمصر وخلف مائة ألف دينار على تجار مكة والمدينة ، وعقاراً كثيراً ومالاً بمصر بأضعاف ذلك . فأخذ الخمس مائة دينار ووسع على عياله . ونام ليلته فرأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلياً ( عليه السلام ) فقالا له : كيف ترى إغناءنا لك لمَّا آثرت قرابتنا على قرابتك ) !
وقالت فاطمة ( عليها السلام ) : أبوا هذه الأمة : محمد وعلي ، يقيمان أَوَدَهُم وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما ، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما .
وقال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : حق قرابات أبوي ديننا محمد وعلي ( عليهما السلام ) وأوليائهما ، أحق من قرابات أبوي نسبنا ، إن أبوي ديننا يرضيان عنا أبوي نسبنا ، وأبوي نسبنا لا يقدران أن يرضيا عنا أبوي ديننا .
إن كان الأبوان إنما عظم حقهما على أولادهما لإحسانهما إليهم ، فإحسان محمد وعلي ( عليهما السلام ) إلى هذه الأمة أجل وأعظم ، فهما بأن يكونا أبويهم أحق .
وقال الإمام الجواد ( عليه السلام ) : من كان أبوا دينه محمد وعلي ( عليهما السلام ) آثر لديه وقراباتهما أكرم عليه من أبوي نسبه وقراباتهما ، قال الله تعالى له : فضلت الأفضل ، لأجعلنك الأفضل ، وأثرت الأولى بالإيثار ، لأجعلنك بدار قراري .
وقال الإمام الهادي ( عليه السلام ) : من لم يكن والدا دينه محمد وعلي ( عليهما السلام ) أكرم عليه من والدي نسبه ، فليس من الله في حل ولاحرام ، ولا كثير ولا قليل .
وقال الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) : محمد وعلي أبوا هذه الأُمة ، فطوبى لمن كان بحقهما عارفاً ، ولهما في كل أحواله مطيعاً ، يجعله الله من أفضل سكان جنانه ، ويسعده بكراماته ورضوانه . . عليك بالإحسان إلى قرابات أبوي دينك محمد وعلي ، وإن أضعت قرابات أبوي نسبك ) .
محاربة الغلو بأهل البيت ( عليهم السلام )
في رجال الكشي ( 2 / 803 ) : ( حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، كتب إليه في قوم يتكلمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها إليك والى آبائك ، فيها ما تشمئز منها القلوب ، ولا يجوز لنا ردها إذ كانوا يروون عن آبائك ( عليهم السلام ) ولا قبولها لما فيها ، وينسبون الأرض إلى قوم يذكرون أنهم من مواليك ، وهو رجل يقال له علي بن حسكة ، وآخر يقال له القاسم اليقطيني .
من أقاويلهم أنهم يقولون إن قول الله تعالى : إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ ، معناها رجل لاسجودٌ ولا ركوعٌ ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لاعددُ درهم ولا إخراجُ مال ! ، وأشياءٌ من الفرائض والسنن والمعاصي تأولوها وصيروها على هذا الحد الذي ذكرت !
فإن رأيت أن تبين لنا ، وأن تمن على مواليك بما فيه السلامة لمواليك ونجاتهم من هذه الأقاويل التي تخرجهم إلى الهلاك . فكتب ( عليه السلام ) :
ليس هذا ديننا فاعتزله . قال نصر بن الصباح : علي بن حسكة الحوار كان أستاذ القاسم الشعراني اليقطيني ، من الغلاة الكبار ، ملعون ) .
فضل تعليم المسلمين والدفاع عن التشيع
قال ( عليه السلام ) : ( حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فقالت : إن لي والدة ضعيفة ، وقد لُبس عليها في أمر صلاتها شئ ، وقد بعثتني إليك أسألك ؟ فأجابتها فاطمة ( عليها السلام ) عن ذلك ، ثمّ ثنَّت فأجابت ، ثمّ ثلثت فأجابت إلى أن عشرت فأجابت . ثم خجلت من الكثرة فقالت : لا أشقُّ عليك يا بنت رسول الله ! قالت فاطمة ( عليها السلام ) : هاتي وسلي عما بدا لك أرأيت من اكتُرِيَ يوماً ليصعد إلى سطح بحمل ثقيل ، وكراؤه مائة ألف دينار أيثقل عليه ؟ فقالت : لا ! فقالت ( عليها السلام ) : اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً ، فأحرى أن لا يثقل عليَّ !
سمعت أبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجِدهم في إرشاد عباد الله ، حتى يُخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور ، ثم ينادي منادي ربنا عز وجل : أيّها الكافلون لأيتام آل محمد ، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم ، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم ، فاخلعوا عليهم كما خلعوا عليكم خلع العلوم في الدنيا . فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة ، وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلّم منهم .
ثم إن الله تعالى يقول : أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها ، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ويضاعف لهم ، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم . وقالت فاطمة . يا أمة الله إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة ، وما فضل ما هو مشوب بالتنقيص والكدر ) .
وفي الإحتجاج ( 1 / 5 ) : ( حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري ( عليهما السلام ) قال حدثني أبي عن آبائه ( عليهم السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من أمه وأبيه ، يتمُ يتيمٍ انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا ، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أعان ضعيفاً في بدنه على أمره أعانه الله تعالى على أمره ، ونصب له في القيامة ملائكة يعينونه على قطع تلك الأهوال ، وعبور تلك الخنادق من النار ، حتى لا يصيبه من دخانها ولا سمومها ، وعلى عبور الصراط إلى الجنة سالماً آمناً . ومن أعان ضعيفاً في فهمه ومعرفته فلقنه حجته على خصم ألد طَلَّاب الباطل ، أعانه الله عند سكرات الموت . . ومن أعان مشغولاً بمصالح دنياه أو دينه على أمره حتى لا ينتشر عليه ، أعانه الله تعالى يوم تزاحم الأشغال ، وانتشار الأحوال . . فيميزه من الأشرار ويجعله من الأخيار .
وبهذا الإسناد عن أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) قال : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به ، جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور ، يضئ لجميع أهل العرصات ، وحُلَّةٌ لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ، ثم ينادي مناد : يا عباد الله هذا عالمٌ من تلامذة بعض علماء آل محمد ، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان ، فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيراً ، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلاً ، أو أوضح له عن شبهة .
وقال أبو محمد الحسن بن علي العسكري ( عليهما السلام ) : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من قوى مسكيناً في دينه ضعيفاً في معرفته ، على ناصب مخالف فأفحمه ، لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره أن يقول : الله ربي ، ومحمد نبيي ، وعلي وليي ، والكعبة قبلتي ، والقرآن بهجتي وعدتي ، والمؤمنون إخواني ، فيقول الله : أدليت بالحجة فوجبت لك أعالي درجات الجنة ، فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة .
وقال أبو محمد ( عليه السلام ) : قالت فاطمة ( عليها السلام ) وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شئ من أمر الدين إحداهما معاندة والأخرى مؤمنة ، ففتحت على المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة ، ففرحت فرحاً شديداً ، فقالت فاطمة : إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك ، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها ، وإن الله عز وجل قال للملائكة : أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف مما كنت أعددت لها ، واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين فيغلب معانداً ، مثل ألف ألف ما كان له معداً من الجنان .
وبهذا الإسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) قال : قال الحسين بن علي ( عليه السلام ) : فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه ، الناشب في رتبة الجهل ، يخرجه من جهله ويوضح له ما اشتبه عليه ، على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه ، كفضل الشمس على السُّها .
وبهذا الإسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري قال : قال الحسين بن علي ( عليهما السلام ) : من كفل لنا يتيماً قطعته عنا محنتنا باستتارنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتى أرشده وهداه ، قال الله عز وجل : أيها العبد الكريم المواسي لأخيه ، أنا أولى بالكرم منك ، إجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر ، وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعيم .
وقال أبو محمد ( عليه السلام ) : قال علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) : أفضل ما يقدمه العالم من محبينا وموالينا أمامه ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبينا من يد ناصب عدو لله ولرسوله ، يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره إلى موضع محله من جنان الله ، فيحملونه على أجنحتهم يقولون له : مرحبا طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الأبرار ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار .
وقال ( عليه السلام ) : قال جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وأن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب . ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة ، لأنه يدفع عن أديان شيعتنا ومحبينا ، وذاك يدفع عن أبدانهم .
وقال أبو محمد ( عليه السلام ) : قال جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : من كان همه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا ، الموالين حميةً لنا أهل البيت يكسرهم عنهم ، ويكشف عن مخازيهم ، ويبين عورانهم ، ويفخم أمر محمد وآله ، جعل الله تعالى همة أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره ، يستعمل بكل حرف من حروف حججه على أعداء الله أكثر من عدد أهل الدنيا أملاكاً قوة كل واحد تفضل عن حمل السماوات والأرضين . فكم من بناء ، وكم من نعمة ، وكم من قصور لا يعرف قدرها إلا رب العالمين .
وقال ( عليه السلام ) : قال الإمام الجواد ( عليه السلام ) : العالم كمن معه شمعة تضئ للناس فكل من أبصر بشمعته دعا له بخير ، كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة . فكل من أضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل ، فهو من عتقائه من النار ، والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل من الصدقة بمائة ألف قنطار على غير الوجه الذي أمر الله عز وجل به ، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها ، لكن يعطيه الله ما هو أفضل من مائة ألف ركعة بين يدي الكعبة .
وقال ( عليه السلام ) : قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : يقال للعابد يوم القيامة : نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك ، وكفيت الناس مؤونتك ، فادخل الجنة . إلا أن الفقيه من أفاض على الناس خيره ، وأنقذهم من أعدائهم ، ووفر عليهم نعم جنان الله ، وحصل لهم رضوان الله تعالى .
ويقال للفقيه : يا أيها الكافل لأيتام آل محمد ، الهادي لضعفاء محبيه ومواليه ، قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك . فيقف فيدخل الجنة ومعه فئاماً وفئاماً حتى قال عشراً ، وهم الذين أخذوا عنه علومه ، وأخذوا عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة ، فانظروا كم فرق ما بين المنزلتين ) . ( تفسير الإمام العسكري / 339 - 345 ) .
وفي الإحتجاج ( 1 / 13 ) : ( قال أبو محمد ( عليه السلام ) لبعض تلامذته ، لما اجتمع إليه قوم من مواليه والمحبين لآل محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بحضرته وقالوا : يا بن رسول الله إن لنا جاراً من النُّصَّاب يؤذينا ويحتج علينا في تفضيل الأول والثاني والثالث على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويورد علينا حججاً لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها ، مُرْ بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلمون فتستمع عليهم فسيستدعون منك الكلام فتكلم وأفحم صاحبهم واكسر غربَه وفُلَّ حَدَّهُ ولا تُبق له باقية .
فذهب الرجل وحضر الموضع وحضروا ، وكلم الرجل فأفحمه وصيره لا يدري في السماء هو أو في الأرض . قالوا : ووقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وعلى الرجل والمتعصبين له من الغم والحزن مثل ما لحقنا من السرور . فلما رجعنا إلى الإمام ( عليه السلام ) قال لنا : إن الذين في السماوات لحقهم من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله أكثر مما كان بحضرتكم ، والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته من الشياطين من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم ، ولقد صلى على هذا العبد الكاسر له ملائكة السماء والحجب والعرش والكرسي ، وقابلهما الله تعالى بالإجابة فأكرم إيابه وعظم ثوابه ، ولقد لعنت تلك الأملاك عدو الله المكسور وقابلها الله بالإجابة فشدد حسابه وأطال عذابه ) .
عظمة مقام الإمام المعصوم ( عليه السلام )
في الخرائج ( 2 / 687 ) : ( قال أبو هاشم الجعفري : إنه سأله عن قوله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ . قال : كلهم من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، الظالم لنفسه : الذي لا يقر بالإمام ، والمقتصد : العارف بالإمام ، والسابق بالخيرات بإذن الله : الإمام . فجعلت أفكر في نفسي في عِظَم ما أعطى الله آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وبكيت ، فنظر إليَّ وقال : الأمر أعظم مما حدثت به نفسك من عظم شأن آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فاحمد الله أن جعلك مستمسكاً بحبلهم ، تدعى يوم القيامة بهم ، إذا دعي كل أناس بإمامهم ، إنك على خير ) .
أقول : قال الله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ . ( فاطر : 32 - 33 ) وفسرها أهل البيت ( عليهم السلام ) بأن الذين أورثهم الله القرآن هم أولاد فاطمة ( عليها السلام ) خاصة ، فمنهم المعصومون الأحد عشر ( عليهم السلام ) وهم السابقون بالخيرات ، ومنهم المقتصد أي المؤمن بالأئمة ، والظالم لنفسه الذي لم يؤمن بالأئمة ( عليهم السلام ) لجهله وليس لتكبره ، فهو ظالم لنفسه فقط وليس ظالماً لغيره ولا منكر لحق عرفه . وهؤلاء كلهم في الجنة . ومنهم الظالم لغيره ، وهو خارج عنهم وعن وراثة الكتاب الإلهي .
وقد تحير المخالفون في تفسير الذين أورثهم الله الكتاب ، فقال كعب وعمر هم جميع الأمة وكلهم يدخلون الجنة ! راجع : ألف سؤال وإشكال ( 1 / 162 ) .
لماذا سميت فاطمة بالزهراء ( عليها السلام ) ؟
في الإحتجاج ( 3 / 111 ) : ( أبو هاشم العسكري : سألت صاحب العسكر ( عليه السلام ) : لم سميت فاطمة الزهراء ؟ فقال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) من أول النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند الغروب غروب الشمس كالكوكب الدري ) .
تفسير قوله تعالى : إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ
قال القطب الراوندي في الخرائج ( 2 / 739 ) : ( روى سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن داود بن القاسم الجعفري قال : سأل أبا محمد ( عليه السلام ) عن قوله تعالى : إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ، رجل من أهل قم وأنا عنده حاضر . فقال أبو محمد العسكري ( عليه السلام ) : ما سرق يوسف ، إنما كان ليعقوب منطقة ورثها من إبراهيم ( عليهما السلام ) وكانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلا استعبد ، وكانت إذا سرقها إنسان نزل جبرئيل وأخبره بذلك فأخذت منه وأُخذ عبداً . وإن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق بن إبراهيم ، وكانت سمية أم إسحاق ، وإن سارة هذه أحبت يوسف وأرادت أن تتخذه ولداً لنفسها ، وإنها أخذت المنطقة فربطتها على وسطه ثم سدلت عليه سرباله ، ثم قالت ليعقوب : إن المنطقة قد سرقت . فأتاه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا يعقوب إن المنطقة مع يوسف ، ولم يخبره بخبر ما صنعت سارة لما أراد الله ، فقام يعقوب إلى يوسف ففتشه وهو يومئذ غلام يافع واستخرج المنطقة ، فقالت سارة ابنة إسحاق : مني سرقها يوسف فأنا أحق به ! فقال لها يعقوب : فإنه عبدك على أن لا تبيعيه ولا تهبيه . قالت : فأنا أقبله على ألا تأخذه مني وأعتقه الساعة . فأعطاها إياه فأعتقته . فلذلك قال إخوة يوسف : إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ) .
من قصار أحاديثه وكلماته ( عليه السلام )
روي عنه أنه قال ( عليه السلام ) : ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبةٌ تُذله .
وقال ( عليه السلام ) : خصلتان ليس فوقهما شئ : الإيمان بالله ، ونفع الإخوان .
وقال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الدالُّ على الخير كفاعله .
وقال ( عليه السلام ) : جرأة الولد على والده في صغره ، تدعو إلى العقوق في كبره .
وقال ( عليه السلام ) : قلب الأحمق في فمه ، وفم الحكيم في قلبه .
وقال ( عليه السلام ) : لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض .
وقال ( عليه السلام ) : لا تكرم الرجل بما يشق عليه .
وقال ( عليه السلام ) : ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون .
وقال ( عليه السلام ) : ما من بلية إلاولله فيها نعمة تحيط بها .
وقال ( عليه السلام ) : إن للسخاء مقداراً فإن زاد عليه فهو سرف ، وللحزم مقداراً فإن زاد عليه فهو جبن ، وللاقتصاد مقداراً فإن زاد عليه فهو بخل ، وللشجاعة مقداراً فإن زاد عليه فهو تهور .
وقال ( عليه السلام ) : من الفواقر التي تقصم الظهر : جارٌ إن رأى حسنة أطفأها ، وإن رأى سيئة أفشاها .
وقال ( عليه السلام ) : أورع الناس من وقف عند الشبهة . أعبد الناس من أقام على وقال ( عليه السلام ) : من تعدى في طهوره كان كناقضه .
وقال ( عليه السلام ) : الغضب مفتاح كل شر .
وقال ( عليه السلام ) : أزهد الناس من ترك الحرام .
وقال ( عليه السلام ) : أقل الناس راحة الحقود .
وقال ( عليه السلام ) : المؤمن بركة على المؤمن ، وحجة على الكافر .
وقال ( عليه السلام ) : علامات المؤمن خمس : صلاة الخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختم في اليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
وقال ( عليه السلام ) : ( الإلحاح في المطالب يسلب البهاء ، ويورث التعب والعناء ، فاصبر حتى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه .
الحظوظ مراتب ، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك ، فإنما تنالها في أوانها .
واعلم أن المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك ) . ( جامع أحاديث الشيعة : 17 / 20 ، وعدة الداعي / 125 ) .
وقال ( عليه السلام ) في وصيته لشيعته
أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد ( صلى الله عليه وآله ) . صلوا في عشائرهم ، واشهدوا جنائزهم ، وعودوا مرضاهم ، وأدوا حقوقهم ، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه ، وأدى الأمانة ، وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعيٌّ ، فيسرني ذلك . اتقوا الله وكونوا لنا زيناً ولا تكونوا شيناً ، جُرُّوا إلينا كل مودة ، وادفعوا عنا كل قبيح ، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله ، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك . لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتطهير من الله ، لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب . أكثروا ذكر الله ، وذكر الموت ، وتلاوة القرآن ، والصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن الصلاة على رسول الله عشر حسنات . إحفظوا ما وصيتكم به ، وأستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام .
رسالته إلى والد الصدوق علي بن بابويه
في مناقب آل أبي طالب ( 3 / 527 ) : ( ومما كتب ( عليه السلام ) إلى أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي : اعتصمت بحبل الله . بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والجنة للموحدين ، والنار للملحدين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله أحسن الخالقين ، والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرين .
منها : عليك بالصبر وانتظار الفرج قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي ، وأمر جميع شيعتي بالصبر ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين . والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ، ورحمة الله وبركاته . وصلى الله على محمد وآله ) .
أقول : أتحفظ على صحة هذه الرسالة لأن لم أجد في خطابات الأئمة ( عليهم السلام ) أن المعصوم يعبر لأحد بقوله : يا شيخي .
الاكثر قراءة في التراث العسكري الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة