التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري "ع"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص329-336
2025-08-26
477
ثلاثة كتب باسم تفسير العسكري ( عليه السلام )
ثبت في مصادرنا أن الإمام الهادي ( عليه السلام ) أملى على الحسن بن خالد البرقي ( رحمه الله ) تفسيراً للقرآن ، من مئة وعشرين مجلداً ، وعرف باسم : تفسير العسكري .
قال في معالم العلماء / 7 : ( الحسن بن خالد البرقي : أخو محمد بن خالد من كتبه : تفسير العسكري ، من إملاء الإمام ( عليه السلام ) ، مائةٌ وعشرون مجلدة ) .
وقال الطوسي في الفهرست / 99 : ( الحسن بن خالد البرقي ، أخو محمد بن خالد ، يكنى أبا علي ، له كتب أخبرنا بها عدة من أصحابنا ، عن أبي المفضل عن بن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله عن عمه الحسن بن خالد ) .
وسند هذا التفسير صحيح لكنه فُقِدَ مع الأسف ، مثل ألوف الكتب التي فقدها شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) بغارات أعدائهم !
ويوجد كتاب تفسير منسوبٌ للإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) من مجلد واحد رواه عنه طبريان ، واختلفت آراء علمائنا فيه ، فاعتمده بعضهم كالصدوق والحر العاملي وصاحب الذريعة ، وردَّه آخرون كالغضائري والعلامة والسيد الخوئي ( قدس سره ) ، كما ستعرف .
بل يوجد تفسير ثالث منسوب إلى الإمام الهادي وليس لابنه العسكري ( عليهما السلام ) ، وهو الذي رده ابن الغضائري وحكم بأنه موضوع ، وتبعه العلامة الحلي ، وحسباه تفسير الإمام أبي محمد العسكري ( عليه السلام ) لأنهما سميا راوييه على أنهما راويا تفسير الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، كما يأتي .
الذين شككوا في صحة التفسير أو قالوا إنه موضوع
أقدم من رد هذا التفسير وحكم بأنه موضوع ابن الغضائري في رجاله / 99 ، قال : ( محمد بن القاسم المُفَسِّر الإسْتَرْآبادي ، رَوى عنهُ أبو جَعْفَر بن بابَوَيْه ، ضَعِيْفٌ كذابٌ . رَوى عنه تَفْسيْراً يَرْوِيْهِ عن رَجُليْنِ مَجْهُوليْنِ : أحَدهما يُعْرَفُ بِيُوسُف بن مُحَمَّد بن زياد ، والآخَر علي بن محمد بن يسار عن أبيهما ، عن أبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) . والتفسيرُ مَوْضُوعٌ عن سَهْل الدِيْباجي عن أبيه ، بِأحاديث من هذه المناكير ) .
وتبعه بعض علمائنا وأوردوا كلامه بدون زيادة ولا نقصان كالعلامة الحلي ! ( الخلاصة / 404 ) ومن المتأخرين التفرشي صاحب نقد الرجال ، والمحقق الداماد صاحب شارع النجاة ، والأسترآبادي صاحب منهج المقال ، والأردبيلي صاحب جامع الرواة ، والقهبائي صاحب مجمع الرجال ، والبلاغي صاحب تفسير آلاء الرحمن ، والتستري صاحب الأخبار الدخيلة ، والشعراني صاحب حاشية مجمع البيان .
وأبرز المتأخرين السيد الخوئي ( قدس سره ) ! قال في رجاله ( 13 / 157 ) : ( التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) إنما هو برواية هذا الرجل وزميله يوسف بن محمد بن زياد ، وكلاهما مجهول الحال ، ولا يعتد برواية أنفسهما عن الإمام ( عليه السلام ) اهتمامه بشأنهما ، وطلبه من أبويهما إبقاءهما عنده لإفادتهما العلم الذي يشرفهما الله به . هذا مع أن الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنه موضوع ، وجَلَّ مقام عالمٍ محقق أن يكتب مثل هذا التفسير ، فكيف بالإمام ( عليه السلام ) ) .
وقال ( رحمه الله ) في ( 18 / 162 ) : ( بقي هنا أمور ، الأول : أن محمد بن القاسم تكرر ذكره في رواية الصدوق ( قدس سره ) عنه في كتبه . . لم ينص على توثيقه أحد من المتقدمين حتى الصدوق ( قدس سره ) الذي أكثر الرواية عنه بلا واسطة . وكذلك لم ينص على تضعيفه ، إلا ما ينسب إلى ابن الغضائري ، وقد عرفت غير مرة أن نسبة الكتاب إليه لم تثبت . وأما المتأخرون فقد ضعفه العلامة ، والمحقق الداماد وغيرهما ، ووثقه جماعة آخرون على ما نسب إليهم ، والصحيح أن الرجل مجهول الحال لم تثبت وثاقته ولا ضعفه ، ورواية الصدوق عنه كثيراً لا تدل على وثاقته ، ولا سيما إذا كانت الكثرة في غير كتاب الفقيه ، فإنه لم يلتزم بأن لا يروي إلا عن ثقة ، نعم لا يبعد دعوى أن الصدوق كان معتمداً عليه لروايته عنه في الفقيه ، المؤيد بترضيه وترحمه عليه كثيراً ، ولكن اعتماد الصدوق لا يكشف عن الوثاقة ، ولعله كان من جهة أصالة العدالة . وعلى كل حال فالتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) بروايته لم يثبت ، فإنه رواه عن رجلين مجهول حالهما ، وقد أشرنا إلى ذلك في ترجمة علي بن محمد بن يسار ) .
أقول : لاحظت أن كل مستند من ضَعَّفَ راوييه ، كلام ابن الغضائري ، ولم يزد أحد منهم على كلامه شيئاً . لكن في كلامهم إشكالين لا جواب لهما :
الأول : أن التفسير المذكور في كلام ابن الغضائري مروي عن أبي الحسن الثالث الإمام علي الهادي العسكري ( عليه السلام ) ، وهو غير التفسير المروي عن ابنه الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) .
والقول بأن ذلك سهوٌ ، يرده الإشكال الثاني : حيث قال ابن الغضائري : والتفسيرُ مَوْضُوعٌ عن سَهْل الدِيْباجي عن أبيه ، بأحاديث من هذه المناكير ) .
وتفسير الحسن العسكري ( عليه السلام ) ليس فيه ذكر لسهل الديباجي أبداً !
وقد حاول السيد الخوئي ( قدس سره ) أن يبرر ذلك ، فلم يأت بوجه مقنع !
قال ( قدس سره ) في معجمه ( 18 / 163 ) : ( المذكور في كلام ابن الغضائري والعلامة ، أن التفسير موضوع عن سهل الديباجي ، عن أبيه ، بأحاديث من هذه المناكير . وهذه العبارة لا نعرف لها معنى محصلاً ، فإن سهلاً لم يقع في سند هذا التفسير ، وإنما رواه الصدوق ( قدس سره ) عن محمد بن القاسم ، عن يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار ، عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، وغير بعيد أن يكون في العبارة تحريف ، أو سقطٌ من النساخ ) .
أقول : احتمال السقط والتحريف لا ينفع هنا ، مع أنه خلاف الأصل .
الذين قبلوا التفسير وصححوا روايته
وأولهم الصدوق ( قدس سره ) ، فقد روى عن راوييه في التوحيد والعيون ومن لا يحضره الفقيه والإكمال والأمالي والعلل ومعاني الأخبار وغيرها ، بنفس سند تفسير العسكري ( عليه السلام ) أو باختلاف يسير ، مع أنه لاينقل في الفقيه مثلاً إلا رواية تكون حجة بينه وبين الله تعالى ، كما قال في مقدمته .
ومنهم الطبرسي في الإحتجاج ، والقطب الراوندي في الخرائج ، وابن شهرآشوب في المناقب ، والمحقق الكركي ، والشهيد الثاني ، الذي قال في منية المريد : فصل من تفسير العسكري ( عليه السلام ) .
ومنهم المجلسي الأول ، الذي قال في روضة المتقين : المفسر الأسترآبادي اعتمد عليه الصدوق وكان شيخه ، فما ذكره ابن الغضائري باطل . وتوهم أن مثل هذا التفسير لا يليق أن ينسب إلى المعصوم ( عليه السلام ) مردود ، ومن كان مرتبطاً بكلام الأئمة ( عليهم السلام ) يعلم أنه كلامهم ( عليهم السلام ) واعتمد عليه شيخنا الشهيد الثاني ، ونقل أخباراً كثيرة عنه في كتبه .
واعتماد التلميذ الذي كان مثل الصدوق يكفي . . وباليقين كان الصدوق أعرف بحالهم من ابن الغضائري الذي لم يوثقه العلماء صراحة ولم نعرف حاله ، بل الظاهر أنه لا ورع له ، فإنه قال : إن المفسر الأسترآبادي كذاب لنقله هذا الخبر . . . والحقيقة أن هذا التفسير كنز من كنوز الله سبحانه .
وقال المجلسي صاحب البحار : كتاب تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) من الكتب المعروفة ، واعتمد الصدوق عليه وأخذ منه ، وإن طعن فيه بعض المحدثين ، ولكن الصدوق أعرف وأقرب عهداً ممن طعن فيه ، وقد روى عنه أكثر العلماء من غير غمز ، ومنهم الحر العاملي صاحب الوسائل وإثبات الهداة قال في الأول : ونروي تفسير الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليهم السلام ) بالإسناد عن الشيخ أبي جعفر الطوسي ، عن المفيد ، عن الصدوق ، عن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي . . وهذا التفسير ليس هو الذي طعن فيه بعض علماء الرجال لأن ذلك يروي عن أبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) وهذا عن أبي محمد ( عليه السلام ) ، وذلك يرويه سهل الديباجي ، عن أبيه ، وهما غير مذكورين في سند هذا التفسير أصلاً ، وذاك فيه أحاديث من المناكير ، وهذا خال من ذلك . وقد اعتمد عليه رئيس المحدثين ابن بابويه ، فنقل منه أحاديث كثيرة في كتاب من لا يحضره الفقيه وفي سائر كتبه ، وكذلك الطبرسي وغيرهما من علمائنا .
ومنهم الفيض الكاشاني صاحب تفسيري الصافي والأصفى . ومنهم السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان . ومنهم الحسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد الأول . راجع تفصيل ذلك في مقدمة التفسير .
وقال الحر العاملي في الهداية ( 8 / 554 ) : ( تفسير العسكري ( عليه السلام ) قد ذكرنا سنده في الكتاب الكبير ، وهو تفسير مشهور معتمد ، قد اعتمد عليه رئيس المحدثين ونقل منه في كتبه كثيراً ، حتى في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وكذلك الطبرسي في الإحتجاج وشهدا له بأنه معتمد ثابت ، وهذا التفسير ليس هو الذي طعن فيه بعض علماء الرجال لأن ذاك يروي عن أبي الحسن الثالث ( عليه السلام ) وهذا عن أبي محمد ( عليه السلام ) ، وذاك يرويه سهل الديباجي عن أبيه وهما غير مذكورين في هذا التفسير أصلاً ، وذاك فيه مناكير وهذا خال من ذلك ) .
ونقل الحر العاملي في الفوائد الطوسية / 128 ، كلام العلامة الذي هو كلام ابن الغضائري ثم قال : ( قال بعض المتأخرين : كيف يكون محمد بن القاسم ضعيفاً كذاباً ، والحال أن رئيس المحدثين كثيراً ما يروي عنه في الفقيه وكتاب التوحيد وعيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، وفي كل موضع يذكره يقول بعد ذكر اسمه : رضي الله عنه أو ( رحمه الله ) . والمتتبع يعلم أنه أجلُّ شأناً من أن يروي الحديث عمن لا اعتماد عليه ، ولا يوثق به ويذكره على جهة التعظيم ، ولو كان المروي عنه ضعيفاً في نفسه ، فروايته عنه تكون بعد علمه بصحة الرواية بالقرائن والأمارات . ومما يدل على كمال احتياطه وعدم نقله حديثاً لم يثبت صحته عنده بوجه من الوجوه : ما ذكره في عيون الأخبار بعد نقل حديث رواه بسنده عن الرضا ( عليه السلام ) في الحديثين المختلفين ، فقال : كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد سئ الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث ، وإنما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنه كان في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله ، وقد قرأته عليه ولم ينكره ورواه لي . انتهى .
قال : ولكن فيما ذكره العلامة رضي الله عنه إشكالات ، أحدها : أن الإمام المروي عنه ليس أبا الحسن الثالث بل هو أبو محمد الحسن بن علي العسكري ( عليهم السلام ) . . وثانيها : أن أبويهما غير داخلين في سلسلة الرواية ، بل هما رويا عن المعصوم بلا واسطة . وثالثها : أن سهلاً وأباه غير داخلين في سند هذا التفسير . . قال : وإذا كان الأمر على ذلك فلاينطبق كلام العلامة على التفسير الذي هو مشهور بين الشيعة وينسبونه إلى مولانا الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، فلعله رأى تفسيراً آخر روياه عن أبويهما ، عن أبي الحسن الثالث علي بن محمد ( عليه السلام ) ، وكان سهل بن أحمد الديباجي وأبوه داخلين في سلسلة ذلك التفسير ، والله أعلم ) . انتهى .
وقال الطهراني في الذريعة ( 4 / 283 ) عن المطبوع من هذا التفسير : ( وقد خرج الجزء الأول من هذا التفسير مرتباً من تفسير الإستعاذة والبسملة ، وتمام سورة فاتحة الكتاب وسورة البقرة ، إلى آخر قوله تعالى : لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . آية 108 ، ثم لم يوجد في النسخ تفسير عدة آيات تقرب من ثلث جزء واحد من الأجزاء الثلاثين للقرآن ، وخرج من الجزء الثاني متفرقاً من تفسير قوله تعالى : فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ . . آية 153 ، إلى آخر : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ . آية 175 ، ثم تفسير قوله تعالى : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً . . آية 194 إلى قوله : وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الآمُورُ . . آية 206 . ثم تفسير جزء من أطول الآيات ، آية الكتابة : 282 ، من قوله : أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ، إلى قوله تعالى : وَلا يَأبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ، وهو آخر الموجود من هذا التفسير ، الذي أملاه الإمام أبو محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) ) .
فالصحيح أن سند التفسير تام كما قال جمهرة من علمائنا ، نعم لا بد من القول بوجود خلل ونقص في نسخته التي وصلت الينا ، ووجود عامية أحياناً في تعبيره ، وهذا الذي جعل السيد الخوئي ( رحمه الله ) يقول : ( وجَلَّ مقام عالمٍ محقق أن يكتب مثل هذا التفسير ، فكيف بالإمام ( عليه السلام ) ) . لكن ، قد يروي عامي عن المعصوم ( عليه السلام ) فلا يجيد الرواية والتعبير عن الفكرة ، وهذا لا يمنع صدقه في أصل روايته ، ومن هذا النوع بعض ما في تفسير العسكري ( عليه السلام ) .
أما القول بأن فيه منكرات وتناقضاً وتهافتاً ، فلم أجد مثالاً واضحاً عليه ، بل فيه نماذج راقية في سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم تروها السيرة الرسمية الحكومية ولا غيرها ، لا يمكن أن يهتدي إليها الشابان الطبريان اللذان روياه ، ولا يستطيعان وضعها ، ولو ساعدهما كل الرواة عنهما ، بل كل أهل طبرستان !
وهي وحدها عندي دليلٌ كافٍ على صدورها من المعصوم صلوات الله عليه .
الاكثر قراءة في التراث العسكري الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة