الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أهداف تربوية / العناية والإتقان
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 99 ــ 101
2025-07-30
29
العصر الذي نعيش فيه هو عصر الأشياء الدقيقة والأشياء المتقنة والفائقة، وهذه السمات كلها سمات زائدة على الوجود، إنها نوع من التجاوز للضرورات باتجاه الأناقة والكمال. ويمكن القول: إن ما نلاحظه من جودة وإتقان وتنظيم في البيئة المحيطة والأشياء المنتجة، هو - بمعنى ما - صدى لكينونة إنسانية منظمة. وتعبر المنتجات الرديئة - في أكثر الأمر - عن أمم، طابعها العام الكسل والفوضى والجهل والاضطراب، وهذا من الأشياء المشاهدة اليوم.
إن تجويد الأعمال - أياً كانت - وإتمامها على نحو متميز، يتطلب على ما يبدو نوعاً من الاستقامة الفكرية والنفسية، كما يتطلب تقاليد اجتماعية راسخة، ومستوى حضارياً عالياً، حيث يتم طرد الجيد للرديء، ويتمدد كيف الأشياء على حساب كمها.
إن المواد الخام آخذة في النضوب وليس أمام العالم من مخرج لمواجهة هذه المسألة سوى تمكن الناس من الاستفادة القصوى مما تبقى من موارد. وذلك لن يكون إلا من خلال الحرص المطلق على (النوعية) في كل شيء؛ لأنها وحدها هي التي توقف هدر الموارد، وتمكن من إنتاج أجهزة صغيرة الحجم عالية الكفاءة، وآلات اقتصادية ومعمرة، وما نراه اليوم من تنام سريع للمعلوماتية والهندسة الوراثية في مجال النبات والحيوان، ما هو في الحقيقة سوى صدى للإحساس بضرورة تحسين نوعية الأشياء والارتقاء بها.
إن لدينا نصوصاً عديدة، تدلنا على ضرورة التحلي بخلق الإتقان والإكمال، والسعي إلى معالي الأمور في كل ما يتصل بنا، وكل ما ننتجه من أفكار ونظم وأشياء... حين سئل النبي عن (الإحسان) بعد أن سئل عن الإسلام والإيمان قال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (1)، كأنه يشير إلى أن العبد يعبد الله - تعالى - على هذه الصفة، من استحضار القرب، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية والتعظيم كما يوجب النصح في العبادة، وبذل النصح في تحسينها وإتمامها وإكمالها (2). وفي حديث آخر: (إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها) (3). وفي نص ثالث: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم العمل أن يتقنه) (4).
إذا تأملنا كل جوانب الحياة، وجدنا أنه ما من شيء إلا ويمكن أن يؤدي الحد الأدنى من وظائفه، ويعطي نوعاً من الانطباع بأنه تام وكامل، لكن الخبرة الجيدة هي التي تمحص دائماً أشكال القصور والزيف، وترشد إلى الوضعية التي تبلغ فيها الأشياء اكتمالها، ويبدو أنه لا سبيل إلى تكوين الخبرات الناضجة سوى التجربة، ولكن لا بد لمن يكسب وعيه عن طريق التجارب أن يدفع الثمن، وهذا ما تفعله الأمم الضعيفة اليوم!
إن كل ما يتصل بالثقافة والتربية، لا ينضج ولا يرتقي - على نحو جوهري - عن طريق النظم والأفكار والعظات وإنما عن طريق زجه في أجواء تحمله حملاً على الارتقاء، أو تطرده، وتحجمه عند حرونه وتأبيه.
هذه الأجواء تتشكل عن طريقين اثنين:
أ- ما يقوم به كل أولئك الذين يرتقون بعقلية الناس ومشاعرهم ومهاراتهم، وما يبذلونه من جهد: الأسرة من خلال دلالتها لأطفالها على الأفضل والأجود والأحسن في كل ما يأتونه، والمعلم الذي يراجع أعمال طلابه، ويرشدهم إلى ما ينبغي أن تكون عليه، والدولة التي تشجع الأعمال العظيمة المتقنة التي ترفع سوية المجال الذي تنتمي إليه.
ب- النقد النشط البنّاء لكل أولئك الذين يأخذون من كل أمر شكلياته، ومن كل شيء أدناه، وأولئك الذين أصابتهم حمى الإنجازات السريعة والفجأة، ومهمة الحكومات في هذا الجانب حيوية، حيث إن بإمكانها أن تضع مواصفات عالية للجودة في كل شيء، وأن تتابع تطبيق تلك المواصفات دون استرخاء أو محاباة لأحد. ويظل الأصل هو الثقافة التي تتغلغل في أوصال الحياة الاجتماعية. وتكوين ثقافة الجودة، يحتاج إلى وقت وجهد، لكن ذلك حين يتم، ينتج عنه صلاح شامل وارتقاء عام، يسعد به الجميع ويمكن للقوانين والنظم أن تؤدي وظيفة مهمة في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ رواه مسلم
2ـ جامع العلوم والحكم: 33.
3ـ أخرجه الطبراني في الأوسط، ورمز له بالحسن.
4ـ رواه أبو يعلى والبيهقي والطبراني وغيرهم.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
