فوائد البعثة وغاياتها					
				 
				
					
						
						 المؤلف:  
						آية الله السيد محسن الخرّازي					
					
						
						 المصدر:  
						بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية					
					
						
						 الجزء والصفحة:  
						ج1 ، ص 216 - 221					
					
					
						
						2025-07-26
					
					
						
						298					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				لا يخفى عليك أنها متعددة. منها: الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، وهذه الغاية لا تقع كاملة إلا بالشرع، فإن بديهيات العقل محدودة، فلا تكفي للارشاد إلى جميع المنافع والمصالح، كما أن التجريبيات الحاصلة للبشر في طول التاريخ لا يكون وافية بذلك، هذا مضافا إلى أن حاجات الإنسان لا تنحصر بالعالم المادي المشهود، وأن ما وراء العالم المادي لا يكشف عادة بالعقل، ولا يكون في حيطة الحس والتجربة، فليس لكل واحد من العقل والحس، منفردا أو منضما إلى الآخر، أن يحقق حوله لكشف الروابط بين ذلك العالم وبين أفعالنا وعقائدنا حتى ينتظم البرنامج الصالح لسير الإنسان نحو ما ينفعه من سعادته في الدنيا والآخرة.
لا يقال: إن الوجدان والفطرة يكفي لذلك، لأنا نقول: إن الادراك الفطري إجمالي يحتاج إلى التفصيل، بل مستور في صميم ذات الإنسان، بحيث يحتاج إلى الكشف والإثارة والتنبيه بوساطة الأنبياء والرسل، ولولا ذلك لما نال إلى كثير مما يحتاج إليه كما قال تبارك وتعالى: " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون " (1).
فلو أهمل الإنسان مع ماله من العقل والوجدان والتجربة، ولم يرسل الأنبياء لهم لكان لهم العذر والحجة على الله، لعدم تمكنهم من النيل إلى السعادة بدون وساطة الأنبياء، ولكن ارسال الرسل يقطع عذرهم ويكون الحجة لله عليهم، وإليه يشير قوله عز وجل: " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " (2).
فالغاية من بعثهم وإرسالهم هو إرشاد الناس نحو مصالحهم ومفاسدهم، ليتمكنوا من اتخاذ السعادة التي خلقوا لأجلها، ولئلا يكون للعصاة والكفار حجة على الله، وغاية إرشاد الناس إلى مصالحهم ومفاسدهم ملازمة مع غاية اتمام الحجة، ولا تنفك عنها، ولعله لذا اكتفى المصنف بذكر الملزوم ولم يشر إلى اللازم، كما أن بعض المحققين، اكتفى بذكر اللازم ولم يذكر الملزوم، وكيف كان فكلاهما من الغايات كما لا يخفى.
ومنها: التنزيه والتزكية، ومن المعلوم أن الغرض من إرسال الرسل ليس منحصرا في مجرد التعليم، بل التزكية من الأغراض، ولإنجاز ذلك اختار الله تعالى النبوة والرسالة من بين الناس عباده الصالحين وأولياءه الكاملين، بحيث يكونون أسوة كاملة بين أبناء البشر، ويسوقون الناس نحو السعادة والكمال بأعمالهم، وغير خفي أن هذا الغرض لا يحصل بمجرد نزول ما يحتاج إليه من السماء بصورة كتاب سماوي فقط، أو بنزول ذلك على عباده المتوسطين، أو بنزول ذلك على غير جنسهم كالملائكة، لأن الناس في هذه الصورة إما أن لا يجدوا الأسوة، وإما أن يزعموا أن الطهارة والتزكية من خصائص الجنس الآخر ولا يمكن للإنسان أن ينال إلى ذلك.
ولمثل هذا جعل المرسلون من جنس الإنسان، كما قال عز وجل: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " (3) وجعلهم مصطفين من الأخيار كما نص عليه في الكتاب العزيز: " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار " (4).
ومنها: تعليم الحكمة والمعرفة، ولا يذهب عليك، أن ظاهر المصنف أن تعليم الحكمة غير الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم، كما أن ظاهر قوله تعالى : " ويعلمهم الكتاب والحكمة " هو المغايرة بين تعليم الكتاب وتعليم الحكمة، فلعل مراد المصنف من الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم، هو بيان الأحكام والمقررات والتعبديات والتشريعيات المتعلقة بالأعمال والمعاملات، والمراد من الحكمة المعارف الحقة المطابقة للواقع، التي توجب بصيرة في الأمور والدين وازديادا في معرفة الله تعالى وما يؤدي إليها كمعرفة الإمام، كما هو المستفاد من الآيات والأخبار كقوله عز وجل: " ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد " (5).
وقوله تبارك وتعالى: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب " (6).
وكما روي عن الصادق - عليه السلام -: " الحكمة ضياء المعرفة، وميزان التقوى وثمرة الصدق " (7) وعنه - عليه السلام -: " الحكمة المعرفة والتفقه في الدين " (8) وعن النبي - صلى الله عليه وآله -: " رأس الحكمة مخافة الله " (9) وعن الصادق - عليه السلام -: " طاعة الله ومعرفة الإمام " (10) فالحكمة هي المعارف الإلهية التي تشتمل العقائد الحقة والأخلاق الكاملة والمعارف الحقيقية ويمكن أن يشير إليه ما ذكره العلامة الطباطبائي - قدس سره - بقوله: " الحكمة هي القضايا الحقة المطابقة للواقع، من حيث اشتمالها بنحو على سعادة الإنسان، كالمعارف الحقة الإلهية في المبدأ والمعاد، والمعارف التي تشرح حقايق العالم الطبيعي من جهة مساسها بسعادة الإنسان، كالحقايق الفطرية التي هي أساس التشريعيات الدينية " (11) وما ذكره السيد عبد الله شبر - قدس سره - حيث قال: " الحكمة العلم النافع، أو تحقيق العلم واتقان العمل " انتهى.
وكيف كان فهي أمر وراء ظواهر الأحكام والمقررات الشرعية، كما لا يخفى، كما أن النسبة بين الحكمة والكتاب عموم من وجه، لامكان أن يكون حكمة غير مذكورة في الكتاب، كبعض تفاصيل المعارف الحقة، كما يجوز أن يكون شئ مذكورا في الكتاب وليس مصداقا للحكمة كالاجتناب عن النساء في المحيض ونحوه، كما يمكن أن يكون في الكتاب أمور كانت من مصاديق الحكمة.
وأما استعمال الحكمة في الفلسفة فهو اصطلاح خاص حادث، فلا يحمل عليه الاستعمالات القرآنية، وعلى كل تقدير فهذه المعارف الحقة الأصلية الإلهية مما لا يمكن النيل إليها بدون إرسال الرسل وبعث الأنبياء، كما هو واضح لمن عرفها وقاسها مع المعارف البشرية.
ومنها: أداء الرسالة الاصلاحية، وأنت خبير بأن المفاسد الاجتماعية من الظلم والفحشاء والمنكرات ونحوها، ربما تكون بحيث يحتاج ازالتها والمقابلة معها إلى رسول إلهي، حتى يدعو الناس نحو الاصلاح وإقامة العدل، ويدافع عن المظلومين والمحرومين، لأن مجرد نزول الكتاب وتعليم الأحكام والتربية والتزكية بدون المجاهدة والقيام في مقابل المفاسد الاجتماعية، غير كاف لدفعها ورفعها، إذ بعض النفوس الشريرة كالمترفين والمفسدين لن يتوجهوا إلى ذلك كله، ويظلمون ويصدون عن سبيل الله ويفسدون النسل والحرث، كما نشاهد ذلك في يومنا هذا في الممالك الغريبة والشرقية، التي نبذ فيها الكتب السماوية فاللازم في أمثال ذلك هو إرسال الرسل أو الرجال الإلهية للقيام للاصلاح، وهذه الغاية من مهمات الغايات.
قال الفاضل الشعراني - قدس سره -: " ليس في طبيعة الانسان شئ أعظم قيمة وقدرا من الاستقلال والحرية وإقامة العدل وحفظ الحقوق ودفع الظلم والتجاوز، ولذا لم ينس الناس حق الرسل الإلهية في إقامة العدل والاستقلال والحرية وان نسوا كل شئ من الخدمات المدنية والمادية عن الآخرين " (12).
" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب أن الله قوي عزيز " (13).
كما يظهر من بعض الآيات أن كل أمة من الأمم الماضية، لم تخل عن ارسال رسول إلهي لاصلاحها، حيث قال تبارك وتعالى: " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " (14).
ومن تلك الرسل موسى بن عمران - على نبينا وآله وعليه السلام - حيث أرسله الله تعالى لنجاة بني إسرائيل من أيدي فرعون وأتباعه، وقال عز وجل:
" وقال موسى يا فرعون اني رسول من رب العالمين * حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل " (15).
ويلحق بالرسالة الاصلاحية مجئ الرسل لرفع الاختلافات الدينية والتحريفات اللفظية والمعنوية بين الأمة بعد مجئ نبي ونزول كتاب وشريعة معه، فإن أمة الأنبياء كثيرا ما كانوا يختلفون فيما جاءهم بحيث يحتاج إلى ارسال رسول لإصلاح الأمور الدينية، وإبانة الحق من الباطل، وكيف كان فأداء الرسالة الاصلاحية من الفوائد والغايات البينة لإرسال الرسل الإلهية التي لا يجوز أن تهمل وتترك، وهذه جملة من الغايات والفوائد للبعثة والرسالة.
____________
(1) البقرة: 151.
(2) النساء: 17.
(3) آل عمران: 164.
(4) ص: 45 - 48.
(5) لقمان: 12.
(6) البقرة: 269.
(7) تفسير آلاء الرحمن: ص 237.
(8) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.
(9) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.
(10) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.
(11) تفسير الميزان: ج 2 ص 418.
(12) راجع كتاب " راه سعادت ": ص 61.
(13) الحديد: 25.
(14) النحل: 26.
(15) الأعراف: 104 - 105.
 
				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  الغرض من بعثة الانبياء					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة