إمكان النبوة					
				 
				
					
						
						 المؤلف:  
						آية الله السيد محسن الخرّازي					
					
						
						 المصدر:  
						بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية					
					
						
						 الجزء والصفحة:  
						ج1 ، ص 214 - 216					
					
					
						
						2025-07-31
					
					
						
						248					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				لا يخفى أنها ممكنة ذاتا، لأن في تكليمه تعالى مع الإنسان الكامل بواسطة أو بدونها، لا يلزم أحد من المحالات كاجتماع النقيضين أو الضدين أو المثلين، إذ تكليمه ليس إلا ايجاد الكلام ونحوه، ومن المعلوم أنه لا يستلزم المحدودية كالجسمية، حتى يناقض مع صرفيته ولا حديته، فلا ريب في إمكانها ذاتا، وإنما الكلام في إمكانها وقوعا، فإن البراهمة (1) زعموا أنها لا فائدة فيها، فلا تصدر عن الحكيم أمرين: أما أن يكون معقولا وإما أن لا يكون معقولا، فإن كان معقولا فقد كفانا العقل التام بادراكه والوصول إليه، فأي حاجة لنا إلى الرسول؟ وإن لم يكن معقولا فلا يكون مقبولا، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حد الإنسانية، ودخول في حريم البهيمية (2).
وأجيب عن ذلك بأنه لا ريب في فائدة النبوة، فإن النبي إذا أتى بما تدركه العقول أيدها وأكدها وفائدة التأكيد أوضح من أن يخفى، وإن أتى بما لا تدركه العقول من غير طريق الشرع ففائدتها هي الارشاد والهداية، وأي فائدة أعظم من تلك الفائدة؟ ولعل البراهمة زعموا أن العقول حاكمة بثبوت الفائدة في بعض الأفعال وبعدمها في بعض آخر، مع أنها حاكمة في بعضها وليس لها الحكم في الآخر، فلا منافاة بين العقول التي لا حكم لها ومع الشرع الحاكم، إذ لا مناقضة بين اللااقتضاء والاقتضاء كما لا يخفى، ولذلك قال المحقق الطوسي - قدس سره - في تجريد الاعتقاد: " البعثة حسنة لاشتمالها على فوائد، كمعاضدة العقل فيما يدل عليه، واستفادة الحكم فيما لا يدل " (3).
هذا مضافا إلى فوائد اخر كرفع الشك عن الشبهات الموضوعية للعدل والظلم اللذين كانت العقول مستقلة فيهما. ألا ترى أن الناس اختلفوا في اليوم في القيمة الزائدة الحاصلة من عمل الأجير على المواد الطبيعة كالخشب أنها لصاحب المواد أو للأجير أو لهما، وكل قوم يدعي أن العدل هو ما ذهب إليه والظلم خلافه، وليس هذا الاختلاف إلا في موضوع حكم العقل الكلي، إذ لا اختلاف في قبح الظلم وحسن العدل بينهم، وفي مثل هذا يحتاج إلى الشرع حتى يزول الشك.
وكرفع الغفلة عما حكم به العقل، إذ كثيرا ما تصير الأحكام العقلية مغفولة عنها، فالشرع يرشد الناس إلى عقولهم، وينبؤهم بحيث تذكروا ما نسوه، خصوصا إذا بشروهم وأنذروهم بالآثار التي للأعمال بالنسبة إلى البرزخ والقيامة والآخرة.
وأضعف مما ذكر من الشبهة حول إمكان النبوة وقوعا، هو ما حكي عنهم أيضا من أنه دال العقل على أن للعالم صانعا حكيما، والحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم، وقد وردت أصحاب الشرايع بمستقبحات من حيث العقل من التوجه إلى بيت مخصوص في العبادة والطواف حوله، والسعي ورمي الجمار، والاحرام والتلبية، وتقبيل الحجر الأصم، وكذلك ذبح الحيوان - إلى أن قال -:
وكل هذه الأمور مخالفة لقضايا العقول (4).
وذلك لأن الموضوع للقبح العقلي هو ما علم خلوه عن المصالح، أو ما علم اشتماله على المفاسد، والأمور المذكورة ليست كذلك، بل الأمر فيها بالعكس،
لما علم من الفوائد المهمة والأسرار العظيمة فيها، وهذا التوهم ناش من قلة التدبر حول العبادات، وعدم التوجه إلى حقيقتها وأسرارها، وتأثيرها في استكمال الروح الإنساني للتقرب والتهذيب، فمثل رمي الجمار يوجب تذكار رمي آدم - على نبينا وآله وعليه السلام - لعدوه الشيطان، وتبريه منه، وهذا التذكار يوجب أن يعرف الإنسان عدوه ويقتدي بأبيه في رميه، والتبري منه، وهل هذا إلا غرض صحيح، فكيف يكون مثل هذا مخالفا للعقل؟ وهكذا الطواف والسعي بين الصفا والمروة وغيرها اشتمل على أسرار وحكم عظيمة، يكون شطر منها مدونا تحت فلسفة الحج فراجع.
وبالجملة فكل أمر صدر عن الحكيم المتعالي وجاء به الأنبياء مشتمل على الفوائد والمصالح، وإن لم نعلمها بالتفصيل، لأنهم أخبروا عن الحكيم المتعال الذي لا يصدر منه القبيح، فليس في الأوامر الشرعية التي جاءت به الرسل والأنبياء مفسدة يمكن للعقل أن يعرفها، غايته عدم العلم بوجه المصلحة وهو لا يضر، فلا موجب لقول البراهمة من استحالة وقوع النبوة كما لا يخفى.
_______________
(1) البراهمة قوم انتسبوا إلى رجل يقال له: براهم وقد مهد لهم نفي النبوات أصلا وهم كما في المنجد خدمة إله الهنود.
(2) راجع الملل والنحل: ج 2 ص 251.
(3) شرح تجريد الاعتقاد: ص 346 الطبعة الحديثة.
(4) الملل والنحل للشهرستاني: ج 2 ص 251.
 
 
				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  الغرض من بعثة الانبياء					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة