البداء المستحيل بحق المولى سبحانه وتعالى
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 192 - 194
2025-07-07
445
البداء بهذا المعنى [بمعنى التغير والتبدل عن جهل] يستحيل على الله تعالى، لأنه من الجهل والنقص، وذلك محال عليه تعالى، ولا تقول به الإمامية.
قال الصادق - عليه السلام -: " من زعم أن الله تعالى بدا له في شئ بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم " وقال أيضا: " من زعم أن الله بدا له في شئ ولم يعلمه أمس فأبرأ منه " (أ).
______________
(أ) هذه الأخبار ونظائرها تدل على استحالة البداء بالمعنى الاصطلاحي عند الشيعة أيضا وذلك لأن التغير والتبدل في الرأي والندامة، حاك عن الجهل وهو نقص لا سبيل له إليه تعالى، لأنه تعالى عين الكمال وعين الفعلية، ولم يقل أحد من الشيعة بالبداء بالمعنى المذكور المحال.
بل صرح في الأخبار باستحالته، ومن جملتها أن اليهود سألوا عن النبي - صلى الله عليه وآله - " يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: ما بدا له عن ذلك، فإنه العالم بالعواقب، والقادر على المصالح، لا يستدرك على نفسه غلطا، ولا يستحدث رأيا يخالف المتقدم. جل عن ذلك، ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مراده، وليس يبدو، وإلا لما كان هذا وصفه، وهو عز وجل متعال عن هذه الصفات علوا كبيرا. ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وآله: - أيها اليهود: أخبروني عن الله أليس يمرض، ثم يصح، ويصح ثم يمرض، أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت، أبدا له في كل واحد من ذلك؟
فقالوا: لا، قال: فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة، بعد أن تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس، وما بدا له في الأول - الحديث الشريف " (1).
وحاصله أن البداء التشريعي كالبداء التكويني، فكما أن في البداء التكويني ما بدا شئ له تعالى، لأنه العالم بالعواقب، بل بدا منه لغيره، كذلك في البداء التشريعي.
وأما البداء بمعناه الآخر من ظهور الشئ منه تعالى للغير، على خلاف ما تقتضيه المقتضيات الغير التامة والمعدات، فلا استحالة فيه، لأنه لا ينافي علمه به وإرادته به من الأزل، وهو أمر واقع في النظام العالمي المادي الذي لا يخلو عن التزاحم بين المقتضيات، ومن المعلوم أن الواقع لا يقع إلا لكونه ممكنا، فلا مجال لدعوى استحالته بعد الوقوع.
قال العلامة الطباطبائي - قدس سره - في ذيل قوله تعالى: " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " ما حاصله: " إنما البداء هو ظهور أمر منه تعالى ثانيا، بعد ما كان الظاهر منه خلافا أولا، فهو محو الأول وإثبات الثاني، والله سبحانه عالم بهما جميعا، وهذا مما لا يسع لذي لب إنكاره، فإن للأمور والحوادث وجودا بحسب ما تقتضيه أسباها الناقصة، من علة أو شرط أو مانع ربما تخلف عنه، ووجودا بحسب ما تقتضيه، أسبابها وعللها التامة، وهو ثابت غير موقوف ولا متخلف - إلى أن قال: - وعلى أي حال ظهور أمر أو إرادة منه تعالى، بعد ما كان الظاهر خلافه واضح لا ينبغي الشك فيه، والذي أحسب أن النزاع في ثبوت البداء، كما يظهر من أحاديث أئمة أهل البيت - عليهم السلام - ونفيه كما يظهر من غيرهم، نزاع لفظي، ولهذا لم نعقد لهذا البحث فصلا مستقلا على ما هو دأب الكتاب، ومن الدليل على كون النزاع لفظيا، استدلالهم على نفي البداء عنه تعالى بأنه يستلزم التغير في علمه، مع أنه لازم البداء بالمعنى الذي يفسر به البداء فينا، لا البداء بالمعنى الذي يفسره به الإخبار فيه تعالى " (2).
فالبداء على قسمين: أحدهما محال كما تدل عليه الأدلة العقلية، وجملة من الروايات الواردة عن طرق أهل البيت - عليهم السلام - وهو الذي مقرون بتبدل الرأي والندامة، وثانيهما ممكن واقع، وهو ظهور الأشياء على خلاف المقتضيات والمعدات، كموت شخص صحيح المزاج الذي لا يتوقع موته، وشفاء مريض لا يتوقع برؤه، وهذه الظهور بالنسبة إلينا، وأما بالنسبة إليه تعالى، فلا خفاء، بل علمه من الأزل. وبتعبير آخر فهو ظهور منه خفاء، لا ظهور له تعالى، والمحال هو الظهور له، لا الظهور منه لنا، فالبداء المحال هو التبدل والتغير في ناحية علمه الذاتي، وهو الذي لا يقول به أحد من الشيعة، وأما التبدل والتغير في ناحية فعله تعالى، سواء كان تكوينيا أو تشريعيا، فلا مانع منه، بعد كونه معلوما له بأطرافه، وهو الذي اعتقده الشيعة به، وورد الروايات المتعددة للترغيب نحو الايمان به، لأنه يوجب أن يرجو أو يخاف تبدل شئ وتغيره ويعمل بمقتضاه على الدوام.
______________
(1) بحار الأنوار: ج 4 ص 106.
(2) تفسير الميزان: ج 11 ص 420.
الاكثر قراءة في البداء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة