آيات نزول عيسى عليه السلام
من عقائد عامة المسلمين أن عيسى عليه السلام سينزل من السماء إلى الأرض . قال الله تعالى : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً . « النساء : 159 » . وقال تعالى : وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ . « الزخرف : 61 » . والمعنى : أنه عليه السلام آية من آيات الساعة ، وما من أحد من أهل الكتاب النصارى واليهود ، إلا سيؤمن به عندما ينزله الله إلى الدنيا ، ويرونه ويرون آياته . وهذا بذاته معجزة لأن اليهود إلى اليوم لا يؤمنون به ويتهمون أمه قال الإمام الباقر عليه السلام : « ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي » . « البحار : 14 / 350 » .
فالحكمة من رفعه إلى السماء أن الله تعالى ادَّخره لدورعظيم في مرحلة حساسة من التاريخ ، يكون أتباعه وعُبَّاده فيها قوة عائقة عن وصول الهدى إلى الشعوب وإقامة دولة العدل الإلهي العالمي .
لهذا كان من الطبيعي أن ينزل عليه السلام في العالم المسيحي ، وأن تَعُمَّ بلادهم فرحة ومظاهرات شعبية ، ويعتبروا نزوله نصراً لهم مقابل ظهور مهدي المسلمين .
والوضع الطبيعي أن يخبر الإمام المهدي عليه السلام بوقت نزوله ، وأن ينتظره ويراقبه ملايين الناس ويشاهدوا نزوله عليه السلام .
وأن يظهرالله على يديه أنواع المعجزات ويهتدي بذلك كثيرون . وأول ثمرات نزوله عليه السلام تخفيف عداء الغربيين للإسلام والمهدي عليه السلام وعقد اتفاقية سلام بينه وبين الدول الغربية . وقد ورد أن مدة هذا الصلح تكون عشر سنين .
ولا يبعد أن تكون صلاة عيسى خلف المهدي عليه السلام بعد سنين من نزوله ، عندما تنقض الدول الغربية معاهدة الصلح ، وتحشد جيوشها لحرب المهدي عليه السلام فيتخذ المسيح موقفه الصريح إلى جانبه ، ويأتي إلى الشرق ويأتمَّ به .
أما كسره الصليب وقتله الخنزير الذي أفاضت في روايته مصادر السنيين ، فيكون بعد هزيمة الغربيين في معركتهم مع الإمام المهدي عليه السلام ودخوله هو والمسيح عليه السلام إلى عواصمهم ، واستقبال شعوبها لهما بالهتاف والتكبير .
وقد رُفع المسيح عليه السلام وهوكهلٌ ، وينزل من السماء كهلاً . وقد ورد في تفسير قوله تعالى : وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ . « آل عمران : 46 » . أن تكليمه الناس في المهد عند ولادته ، وكهلاً عندما ينزل من السماء ، وقال ابن عباس : رفع وهو ابن ثلاثين سنة « البغوي : 2 / 77 » والكهولة تبدأ عند وَخْطِ الشيب كما نص اللغويون .
وفي تفسير مجمع البيان : 2 / 295 : « وكهلاً ، بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال ، وذلك لأنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وذلك قبل الكهولة » . ونسبه الطبري في تفسيره : 3 / 371 ، إلى ابن زيد ، ونسبه الثعلبي في تفسيره « 3 / 69 » إلى الحسن بن الفضل البجلي ، وكذا الرازي : 8 / 55 .
وقال البغوي : 1 / 308 : « قيل للحسين بن الفضل : هل تجدون نزول عيسى في القرآن ؟ قال : نعم ، قوله : وكهلاً ، وهو لم يكتهل في الدنيا ، وإنما معناه وكهلاً بعد نزوله من السماء » .
أقول : حتى لو كان تكليمه للناس كهلاً قبل رفعه إلى السماء ، كما قال البيضاوي : 2 / 40 ، والزركشي : 3 / 67 ، والدر المنثور : 2 / 24 ، فإنه يكلمهم كهلاً بعد نزوله أيضاً .
وفي تفسير الطبري : 6 / 14 : « عن ابن زيد في قوله تعالى : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، قال : ابن عباس ، وابن زيد ، وأبو مالك ، والحسن البصري : إذا نزل عيسى بن مريم فقتل الدجال ، لم يبق يهودي في الأرض إلا آمن به ، قال : وذلك حين لا ينفعهم الإيمان » .
وروى البيهقي : 9 / 180 : « عن مجاهد في قوله عز وجل : حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، يعني حتى ينزل عيسى بن مريم » . والجامع لأحكام القرآن 16 / 228 .
أحاديث نزول عيسى عليه السلام من مصادرهم
روى بخاري في صحيحه : 4 / 205 : « كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم » .
ومسلم : 1 / 136 ، و 137 ، وأبو عوانة : 1 / 106 ، وابن المنادي / 57 ، وابن حبان : 8 / 283 و 284 ، والبيهقي في الأسماء / 535 ، والبغوي : 3 / 516 . . إلى آخر مصادره .
وفي الطيالسي / 335 : « عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الأنبياء إخوة لعَلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، فأنا أولى الناس بعيسى بن مريم ، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين مُمَصَّرتين ، كأن رأسه يقطر ، ولم يصبه بلل . وإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال ، حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام ، وحتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلال الأعور الكذاب ، وتقع الأمنة في الأرض ، حتى يرعى الأسد مع الإبل ، والنمر مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيَّات ، ولايعض بعضها بعضاً . ثم يبقى في الأرض أربعين سنة ، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه » . وعبد الرزاق : 11 / 401 ، وابن حماد / 163 و 164 ، ونحوه ابن أبي شيبة : 15 / 158 ، وأحمد : 2 / 406 ، و 437 ، وأبو داود : 4 / 117 ، و 118 ، والمسند الجامع : 18 / 434 . إلخ .
وأبناء العَلَّات والإخوة لعَلَّات : بفتح العين وتشديد اللام : الاخوة لأب من أمهات شتى . والثوب الُممَصَّر : الذي في لونه صفرة خفيفة .
وفي مسند أحمد : 2 / 411 : « عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى بن مريم ، إماماً مهدياً وحكماً عدلاً ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها » .
أي لا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام أو القتال . وتضع أوزارها : تنتهي .
وفي جامع السيوطي : 9 / 442 : « ثم لئن قام على قبري فقال : يا محمد ، لأجيبنه » .
وفي مسند الشاميين : 1 / 317 : « ويزيد في الحلال ! قال أبو الأشعث : والله يا أبا هريرة ما أظنه يزيد في شئ من الحلال في النساء ! فنظر اليَّ وتبسم وقال : إنك قد أصبت » . ومعناه أن أبا الأشعث كذب أبا هريرة ، فقبل ذلك أبو هريرة وكذب نفسه !
وفي بيان الشافعي / 500 : « عن أبي سعيد : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه . . أخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب مناقب المهدي عليه السلام وكتابه أصل » .
وفي بيان الشافعي / 497 : « عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فيلتفت المهدي وقد نزل عيسى عليه السلام كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي : تقدم صل بالناس ، فيقول عيسى : إنما أقيمت الصلاة لك ، فيصلي عيسى خلف رجل من ولدي ، فإذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه ، فيمكث أربعين سنة . وقال : قلت : هكذا أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي » .
وفي القول المختصر / 8 : فيصلي بهم إمامهم ، وإمام عيسى .
وفي ارتقاء الغرف / 253 ، عن حذيفة : فيصلي خلف رجل من ولدي .
وفي بدائع الزهور / 189 : « عن أويس الثقفي : قال النبي صلى الله عليه وآله : ينزل عيسى بن مريم عند قيام الساعة ، ويكون نزوله على المنارة البيضاء التي بشرق جامع دمشق ، وصفته مربوع القامة ، أسود أشعر ، أبيض اللون ، فإذا نزل يدخل المسجد ويقعد على المنبر ، فتتسامع الناس به فيدخل عليه المسلمون والنصارى واليهود ، فيزدحمون هناك حتى يطأ بعضهم رأس بعض ، فيأتي مؤذن المسلمين فيقيم الصلاة ، وهي صلاة الفجر ، فيصلي عيسى مأموماً مقتدياً بالمهدي » .
وفي أحمد : 4 / 216 و 217 ، وابن شيبة : 15 / 136 : « عن عثمان بن أبي العاص قال : من حديث طويل : فينزل عيسى بن مريم عن صلاة الفجر فيقول له أمير الناس : تقدم يا روح الله فصل بنا فيقول : إنكم معشر الأمة أمراء بعضهم على بعض ، تقدم أنت فصل بنا ، فيتقدم الأمير فيصلي بهم ، فإذا انصرف أخذ عيسى حربته فيذهب نحو الدجال ، فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص ، ويضع حربته بين ثندوته فيقتله ، ثم ينهزم أصحابه » . .
وفي عقد الدرر / 274 : « عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في قصة الدجال : ويدخل المهدي عليه السلام بيت المقدس ويصلي بالناس إماماً ، فإذا كان يوم الجمعة وقد أقيمت الصلاة نزل عيسى بن مريم بثوبين مشرقين حمر ، كأنما يقطر من رأسه الدهن ، رَجْلُ الشعر صبيح الوجه أشبه خلق الله عز وجل بأبيكم إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ، فيلتفت المهدي فينظرعيسى عليه السلام فيقول لعيسى : يا ابن البتول صل بالناس . فيقول : لك أقيمت الصلاة فيتقدم المهدي فيصلي بالناس ويصلي عيسى خلفه ويبايعه . ويخرج عيسى فيلتقي الدجال فيطعنه فيذوب كما يذوب الرصاص ، ولا تقبل الأرض منهم أحداً ، لا يزال الحجر والشجر يقول يا مؤمن تحتي كافر أقتله .
ثم إن عيسى عليه السلام يتزوج امرأة من غسان ويولد له منها مولود ، ويخرج حاجاً فيقبض الله تعالى روحه في طريقه قبل وصوله إلى مكة » .
وفي سنن الداني / 143 : « عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ، ينزل على المهدي فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا ، فيقول : إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله عز وجل » .
وفي أحمد ، والحاكم : 2 / 595 ، وصححه 2 / 290 : « عن أبي هريرة : قال رسول الله : صلى الله عليه وآله ينزل عيسى بن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب ، وتجمع له الصلاة ، ويعطي المال حتى لا يُقبل ، ويضع الخراج ، وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما قال : وتلا أبو هريرة : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً » . .
أقول : إحفظ عليك هذه الأحاديث التي صححوا عدداً منها ، وهي تنص على صلاة عيسى خلف المهدي عليه السلام واقتدائه به ، قبل أن ينتبه الشُّراح من غفلتهم ويمحوها !
وفي ابن حماد / 161 : « عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : إذا بلغ الدجال عقبة أفِيق ، وقع ظله على المسلمين فيوترون قسيهم لقتاله فيسمعون نداء : أيها الناس قد أتاكم الغوث وقد ضعفوا من الجوع فيقولون : هذا كلام رجل شبعان يسمعون ذلك النداء ثلاثاً ، وتشرق الأرض بنورها ، وينزل عيسى بن مريم ورب الكعبة وينادي : يا معشر المسلمين أحمدوا ربكم وسبحوه وهللوه وكبروه ، فيفعلون فيستبقون يريدون الفرار ويبادرون ، فيضيق الله عليهم الأرض إذا أتوا باب لد في نصف ساعة ، فيوافقون عيسى بن مريم قد نزل بباب لد ، فإذا نظر إلى عيسى فيقول : أقم الصلاة ، يقول الدجال : يا نبي الله قد أقيمت الصلاة ، يقول عيسى : يا عدو الله أقيمت لك فتقدم فصل ، فإذا تقدم يصلي قال عيسى : يا عدو الله زعمت أنك رب العالمين ، فلم تصلي ؟ فيضربه بمقرعة معه فيقتله ، فلا يبقى من أنصاره أحد تحت شئ أو خلفه إلا نادى : يا مؤمن هذا دجالي فاقتله » . انتهى . وهو نصٌّ تظهر فيه تأثيرات كعب في الوضع ، وإنما أوردناه وأمثاله ليعرف حاله !
أحاديث نزول عيسى عليه السلام من مصادرنا
في تفسير القمي : 1 / 158 : « عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجاج : آية في كتاب الله قد أعيتني ! فقلت : أيها الأمير أيةُ آيةٍ هي ؟ فقال قوله : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، والله إني لآمر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه ، ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد . فقلت : أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت ، قال : كيف هو ؟ قلت : إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي ، قال : ويحك أنى لك هذا ، ومن أين جئت به ؟ فقلت : حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فقال : جئت بها والله من عين صافية » .
وفي أمالي الصدوق / 181 : « عن معمر بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول : أتى يهودي النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه ، فقال : يا يهودي ما حاجتك ؟ قال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا ، وفلق له البحر وأظلَّه بالغمام ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله : إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول إن آدم عليه السلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لمَّا غفرت لي ، فغفرها الله له . وإن نوحاً لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق ، فنجاه الله عنه . وإن إبراهيم لما ألقي في النار قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً . وإن موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني ، فقال الله جل جلاله : لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ! يا يهودي ، إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاً ولا نفعته النبوة . يا يهودي ، ومن ذريتي المهدي ، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته قدمه وصلى خلفه » .
وفي كمال الدين : 1 / 331 : « عن أبي أيوب المخزومي قال : ذكر أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام سِيَر الخلفاء الاثني عشر الراشدين صلوات الله عليهم ، فلما بلغ آخرهم قال : الثاني عشر الذي يصلي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه » .
وفي تفسير فرات / 44 : « عن أبي جعفر عليه السلام قال : يا خيثمة سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو التوحيد ، حتى يكون خروج الدجال ، وحتى ينزل عيسى بن مريم من السماء ويقتل الله الدجال على يده ، ويصلي بهم رجل منا أهل البيت ، ألا ترى أن عيسى يصلي خلفنا وهو نبي إلا ونحن أفضل منه » .
وقال الكراجكي في التفضيل / 24 : « ومما نقلته الشيعة وبعض محدثي العامة أن المهدي عليه السلام إذا ظهر أنزل الله تعالى المسيح عليه السلام فإنهما يجتمعان فإذا حضرت صلاة الفرض قال المهدي للمسيح عليه السلام : تقدم يا روح الله يريد تقدم للإمامة ، فيقول المسيح : أنتم أهل بيت لايتقدمكم أحد ، فيتقدم المهدي عليه السلام ثم يصلي المسيح خلفه » .
لماذا حرفت السلطة أحاديث نزول المسيح عليه السلام
أحاديث نزول عيسى عليه السلام واقتداؤه بالمهدي عليه السلام ، ثقيلة على أتباع الخلافة القرشية ، لأنها أولاً تدل على أفضلية المهدي على عيسى عليه السلام ولأنها تفضل أصحاب عيسى على الذين سموهم الصحابة والجيل الأول ، وزعموا أنهم أفضل الأمة .
ففي استدراك الذهبي : 2 / 1121 : « ليدركن الدجال قوماً مثلكم أو خيراً منكم ، ثلاث مرات ، ولن يُخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها » .
وفي استدراك الذهبي : 2 / 774 : « ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواماً إنهم لمثلكم أو خير منكم ، ثلاث مرات ، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها » .
وفي تذكرة القرطبي : 2 / 762 : « ليدركنَّ المسيحُ بن مريم رجالاً من أمتي مثلكم ، أو خيراً منكم » .
وروى الديلمي في الفردوس : 5 / 515 : « عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : ينزل عيسى بن مريم على ثمان مائة رجل وأربع مائة امرأة ، خيار من على الأرض وأصلح من مضى » .
ورواه الحاكم : 3 / 41 : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ليدركن الدجال قوم مثلكم أو خيراً منكم ثلاث مرات ، ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » .
وروى الترمذي في نوادر الأصول / 156 : « عن ابن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله عندما سمع بكاء المسلمين على من استشهد في تبوك فسألهم مايبكيكم ؟ فقالوا : وما لنا لانبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا ! قال : لا تبكوا ، فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها ، فاجتث رواكبها وهيأ مساكنها وحَلَّقَ سَعْفَها ، فأطعمت عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً ، ولعل آخرها طعماً يكون أجودها قنواناً وأطولها شمراخاً ، والذي بعثني بالحق نبياً ليجدن ابن مريم في أمتي خلفاً من حواريه » . والرواكب : مايركب الأشجار من زوائد منها أو من غيرها . وحلق سعفها : قصه وكربه . القِنوان مفرد وجمع : الأعذاق والقطوف . الشمراخ : جمعه شماريخ : غصون الأعذاق . خلفاً من حواريه : أصحاباً بدل أصحابه .
وأما الحديث الذي يذكر أئمة العترة فهو : « كيف يهلك الله أمة أنا في أولها ، وعيسى في آخرها ، والمهدي من أهل بيتي في وسطها » . وقال عنه الشافعي في كتابه البيان / 508 : هذا حديث حسن ، رواه الحافظ أبو نعيم في عواليه وأحمد بن حنبل في مسنده ، كما أخرجناه !
وقال السلمي في عقد الدرر / 146 : « أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، ورواه الحافظ أبو نعيم في عواليه ! وفي هامشه : ولم أجد الحديث في مسند الإمام أحمد » ! أقول : ونحن أيضاً لم نجده ، فقد حذفته الأيدي السارقة !
أما مصادرنا فروت الحديث ولم تظلم منه شيئاً ، ففي عيون أخبار الرضا : 1 / 52 ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أبشروا ثم أبشروا ثلاث مرات ، إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره ، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً ، ثم أطعم منها فوج عاماً ، لعل آخرها فوج يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً وأحسنها حباً . وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولوا الألباب والمسيح بن مريم آخرها ، ولكن يهلك من بين ذلك نتج الهرج ، ليسوا مني ولست منهم » . ومثله الخصال : 2 / 475 ، وكمال الدين : 1 / 269 ، وكفاية الأثر / 230 ، والعمدة / 432 ، والإيقاظ / 374 ، وإثبات الهداة : 3 / 617 ، عن مشكاة المصابيح ، وغاية المرام / 710 .
وفي عيون أخبار الرضا : 1 / 53 ، عن علي بن الحسين عن أبيه : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف تهلك أمة أنا وعلي وأحد عشر من ولدي أولوا الألباب أولها ، والمسيح بن مريم آخرها ولكن يهلك بين ذلك من لست منه وليس مني » .
وفي غيبة الطوسي / 114 : « عن عبد الله بن عمرو العاص : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل : فعند ذلك خروج المهدي ، وهو رجل من ولد هذا ، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، به يمحق الله الكذب ويذهب الزمان الكلِب ، به يخرج ذل الرق من أعناقكم ، ثم قال : أنا أول هذه الأمة ، والمهدي أوسطها وعيسى آخرها ، وبين ذلك ثبج أعوج » .
أقول : روت مصادر أتباع الخلافة هذا الحديث ، عن ابن عمرو العاص ، بنحو ما رواه الشيخ الطوسي ، ففي نوادر أصول الترمذي / 156 ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله : كيف يهلك الله أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها ، والمهدي من أهل بيتي في وسطها » . ورواه في تفسير الثعلبي : 3 / 82 ، وتفسير الطبري : 3 / 203 ، وتاريخ دمشق : 5 / 394 ، و : 47 / 522 .
لكن المتفق عليه في كافة المصادر أن المهدي عليه السلام في آخر الأمة ، لذلك نرجح أن يكون أصل الحديث ما رواه في أخبار الدول / 76 ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « كيف تهلك أمة أنا أولها ، وعيسى بن مريم في آخرها ، والشهداء من أهل بيتي في وسطها » . انتهى . وفي نوادر المعجزات / 197 ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي من أهل بيتي أوسطها ، وعيسى بن مريم في آخرها » .
وفي الطيالسي / 270 : « عن أنس قال النبي صلى الله عليه وآله : مَثَلُ أمتي مَثَل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره » . ومثله أحمد : 3 / 130 ، و 143 ، و : 4 / 319 ، وتأويل مختلف الحديث / 115 .
ورواه الترمذي : 5 / 152 بأكمل منه ، ونصه : « أبشروا أبشروا إنما أمتي كالغيث لا يدرى آخره خير أم أوله ، أو كحديقة أطعم منها فوج عاماً ثم أطعم منها فوج عاماً . كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها ، ولكن بين ذلك ثبج أعوج ، ليس مني ولا أنا منهم . وقال : وفي الباب عن عمار وعبد الله بن عمرو وابن عمر ، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه . روى عبد الرحمن بن مهدي أنه كان يثبت حماد بن يحيى الأبح ، وكان يقول : هو من شيوخنا » . ونوادر الأصول / 156 ، وأبو يعلى : 1 / 165 ، وابن حبان : 9 / 176 ، والبغوي : 4 / 233 ، ومسند الشهاب : 2 / 276 ، ومجمع الزوائد : 10 / 68 ، قال : رواه أحمد ، والبزار ، والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح غير الحسن بن قزعة وعبيد بن سليمان الأغر وهما ثقتان .
والنتيجة : أن أحاديث اقتداء عيسى بالمهدي عليه السلام صحيحة ، فهو أفضل منه ، مع أنه رسول من أولي العزم عليهم السلام ، والمهدي ليس نبياً . وأصحاب عيسى والمهدي عليه السلام أفضل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله .
رووا أن من يقتل الدجال عيسى وروينا أن المهدي عليه السلام يقتله
ورد في نصوص اليهود والنصارى وأتباع الخلافة أن الذي يقتل الدجال هو المسيح عليه السلام ، وفي نصوص أهل البيت عليهم السلام أن الذي يقتله هو المهدي عليه السلام .
ويؤيده ما رووه أن عيسى عليه السلام يبعث وزيراً لا أميراً . فقد روى الطيالسي / 170 : « عن مجمع بن جارية : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يقتل ابن مريم الدجال بباب لِدّ » .
وقد يكون هذا النص من أقوال كعب التي جعلوها أحاديث نبوية ، كما تقدم . وروى ابن حماد / 158 ، أن عمر قال لرجل من اليهود : « إني قد بلوت منك صدقاً ، فأخبرني عن الدجال فقال : وإله يهود ليقتلنه ابن مريم بفناء لد » .
وعن كعب قال : « إذا سمع الدجال نزول عيسى بن مريم هرب ، فيتبعه عيسى فيدركه عند باب لد فيقتله ، فلا يبقى شئ إلا دل على أصحاب الدجال فيقول : يا مؤمن هذا كافر » . وهو تحريف من كعب لقول النبي صلى الله عليه وآله : « لا يبقى حجر ولا شجر إلا قال يا مسلم هذا يهودي خلفي فاقتله » ! فحرفه كعب وتبعه تلميذه ابن العاص !
أبو هريرة كان يأمل أن يدرك المسيح عليه السلام !
روى عبد الرزاق : 11 / 402 : « عن يزيد بن الأصم قال : كنت أسمع أبا هريرة يقول : تروني شيخاً كبيراً قد كادت ترقوتاي تلتقي من الكبر ، والله إني لأرجو أن أدرك عيسى وأحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيصدقني » .
ورواه ابن حماد : 161 ، وفيه : ثم التفت فرآني من أحدث القوم ، فقال : يا ابن أخي : إن أدركته فاقرأه مني السلام » . ونحوه ابن شيبة : 15 / 145 . ولا قيمة علمية لتمنيات أبي هريرة ، وقد جعلها على لسان النبي صلى الله عليه وآله مع الأسف !
ففي مسند أحمد : 2 / 298 ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : « إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى بن مريم عليه السلام ، فإن عجل بي موت فمن لقيه فليقرؤه مني السلام ! » ومثله أحمد : 2 / 298 ، والطبراني الصغير : 1 / 256 ، والحاكم : 4 / 545 ، ومجمع الزوائد : 8 / 5 ، وقال : رواه أحمد بإسنادين مرفوع وهو هذا ، وموقوف ورجالهما رجال الصحيح .
زعموا أن المسيح يدفن مع النبي صلى الله عليه وآله
روى الترمذي : 5 / 588 : مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى يدفن معه » . وقال ابن كثير قال عنه : ولكن لا يصح إسناده . « النهاية : 2 / 118 » .
وقد رووا ذلك عن عائشة ، قال ابن كثير في كتاب المسيح / 149 : « عن عائشة مرفوعاً أنه يدفن مع رسول الله وأبي بكر وعمر في الحجرة النبوية » .
وتبني ذلك ابن سلام اليهودي فقال كما في ابن حماد : 2 / 580 : « نجد في التوراة « ! » أن عيسى بن مريم يدفن مع محمد » . ولا يوجد في التوراة ذكر للمسيح فضلاً عن قبره ودفنه !
وفي تاريخ بخاري : 1 / 263 : ليدفنن عيسى بن مريم مع النبي « ص » في بيته .
وفاء الوفا : 2 / 814 : « عن عبد الله بن عمرو : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ينزل عيسى بن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له ، ويمكث خمساً وأربعين سنة ، ثم يموت فيدفن معي في قبري ، فأقوم أنا وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر » . وفي خطط المقريزي : 1 / 188 : « روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لوفد جذام : مرحباً بقوم شعيب وأصهار موسى ، ولا تقوم الساعة حتى يتزوج فيكم المسيح ويولد له » .
والنتيجة : أنه ليس عندهم مستند صحيح في هذه المقولة .
أربع مسائل في نزول عيسى عليه السلام
المسألة الأولى : أين ينزل عيسى عليه السلام
المرجح عندي أن المسيح عليهم السلام ينزل في الغرب ، في إحدى عواصم أتباعه ، فالوضع الطبيعي المنطقي أنه بعد أن ينتصر المهدي عليه السلام ويدخل القدس ، أن يهتز العالم الغربي غضباً ويبدأ بالتحضير لحرب الإمام عليه السلام ، فيكون نزول المسيح عليه السلام آية لهم ويخبرهم المهدي عليه السلام بنزوله في اليوم الفلاني والساعة والمكان ، ومن الطبيعي أن يكون الممكان نزوله في بلادهم .
ولهذا نلاحظ أن الطرفين رووا نزوله عليه السلام ولم يحددوا مكانه . ففي مسند أحمد ( 2 / 290 ) ونحوه في صحيح البخاري ( 4 / 143 ) : ، عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال »
ومن مصادرنا روى علي بن إبراهيم في تفسيره ( 1 / 158 ) : عن الإمام الباقر عليه السلام : « إن عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا نصراني إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي » .
ثم روت مصادرالحكومات عن كعب الأحبار كما في ابن حماد : 2 / 567 : « قال : يهبط المسيح عيسى بن مريم عليه السلام عند القنطرة البيضاء ، على باب دمشق الشرقي ، إلى طرف الشجرة »
لكنه كلام لا قيمة له علمياً لأنه قول كعب ولم يسنده إلى أحد ! ومع ذلك فقد قبلوه واعتمدوه ، وقبلوا الأسوأ منه وهو أسطورة النواس بن سمعان ، وهو شخص مغمور مشكوك في صحبته وفي أبيه وعشيرته ، ولم يروعنه البخاري وروى عنه مسلم ، كما ذكرناه في بحث الدجال : 4 / 2250 : قال : « ذكر رسول الله الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال : ماشأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال غداةً ، فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ! فقال : غير الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط عينه طافئة ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتيح سورة الكهف . إنه خارج من خلة بين الشام والعراق ، فعاث يميناً وعاث شمالاً . يا عباد الله فاثبتوا . قلنا : يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً ، يومٌ كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم . قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، أقدروا له قدره . قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت دَرّاً ، وأسيغه ضروعاً ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شئ من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ! فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لُد فيقتله .
ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَانِ لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيمرأوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف « الدود » في رقابهم فيصبحون فَرْسَى « صرعى » كموت نفس واحدة ! ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيراً كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيت شاء الله ، ثم يرسل الله مطراً لا يكنُّ منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ، ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرَّسل « قطعة الإبل » حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي النفر من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحُمَر ، فعليهم تقوم الساعة » .
ثم رواه مسلم في : 8 / 199 ، وابن ماجة : 2 / 1356 ، وأبو داود : 4 / 117 ، والترمذي : 4 / 510 ، والبدء والتاريخ : 2 / 193 ، والطبراني الكبير : 8 / 171 ، والحاكم : 4 / 492 ، وصححه بشرط الشيخين . وفي / 536 ، وصححه بشرط مسلم .
وذُرَى الحيوان : سنامه وأعلاه . والخواصر والذروع : جمع خاصرة . وذرعه أي ضرعه الذي فيه الحليب ، وصف لجودته وكثرة حليبه . ويعسوب النحل : ملكتها . والغرض : الهدف . والنَّغَف : في الأصل الحزام الجلدي ، شُبِّهت به الحشرات التي تبعث على جيف يأجوج ومأجوج بزعمهم . والزَّهم بفتح الزاي : الوغف والنتن .
ومعنى : فلا يجد ريح نَفَسه أحد إلا مات ، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه : أن كل من يصل اليه نفس المسيح عليه السلام يموت . ونفسه يصل إلى حيث ينتهي طرفه !
والباحث العادي يعرف أن هذه الأحاديث إسرائيليات ، وقد خلطها الرواة البدو بخيالهم ، وبعضهم لا يعرف اللغة ، لأن اليعاسيب يتبعها النحل ولا تَتَبع . ومن الغريب أن هذه الأحاديث عندهم في أعلى درجات الصحة !
ولا يمكن الاعتماد عليها ، سواء لأسانيدها ، أو لمتنها ، ولأنها عندهم معارضة بحديث جابر كما في سنن الداني / 143 : « عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تزال طائفة من أمتي تقاتل عن الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ، ينزل على المهدي فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا ، فيقول : إن هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله عز وجل » .
ولا يرد علينا الإشكال بأن القمي روى في تفسيره ( 2 / 268 ) : « ثم رفعه الله إلى السماء ، ويهبط إلى الأرض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال » . لأنها الرواية الوحيدة اليتيمة بين رواياتنا الكثيرة التي لاتذكر مكان نزوله ، ويكفي في تضعيفها أنها موافقة لقول كعب والنواس .
المسألة الثانية : محاولة إنكار اقتداء عيسى بالمهدي عليه السلام !
وحديثه صحيح عند المخالفين لأهل البيت عليهم السلام ، ولا يمكنهم التهرب منه ، لكنهم كرهوه ، لأنه ثقيل على قلبهم ، يجعل مهدي العترة عليه السلام أفضل من رسول من أولي العزم عليهم السلام .
فقد رواه البخاري : 4 / 205 : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم » ! ومثله مسلم : 1 / 136 ، و 137 ، وأبو عوانة : 1 / 106 ، وابن المنادي / 57 ، وابن حبان : 8 / 283 284 ، والبغوي : 3 / 516 . إلى آخر المصادر .
كما روى مسلم : 1 / 137 أو : 1 / 95 ، و : 3 / 1524 ، وأحمد : 3 / 345 : « عن جابر أن النبي قال : فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ليكرم الله هذه الأمة » . والبيهقي : 9 / 39 و 180 ، وأبو يعلى : 4 / 59 ، وأبو عوانة : 1 / 106 ، وابن حبان : 8 / 289 ، والداني / 143 ، والمحلى : 1 / 9 و : 7 / 391 ، وعمدة القاري : 16 / 40 ، إلى آخر المصادر .
وقد عقد السلمي في عقد الدرر في أخبار المنتظر / 106 : « الباب العاشر في أن عيسى بن مريم يصلي خلفه ويبايعه وينزل في نصرته » وأورد فيه تسعة أحاديث وأثرين : وهي حديث بخاري ومسلم ، وحديث أبي نعيم عن حذيفة ، وحديث ابن حماد عن عبد الله بن عمرو ، وحديث جابر من سنن الداني ، وحديث هشام بن محمد من كتاب ابن حماد ، وحديث أبي أمامة من الحلية وابن حماد ، وحديث حذيفة من سنن الداني ، وحديث جابر من مسند أحمد ، وقول كعب الأحبار ، وقول السدي من كتاب ابن حماد .
وقال ابن حجر في فتح الباري « 6 / 358 » : « وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخرالزمان وقرب قيام الساعة ، دلالة للصحيح من الأقوال إن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة » .
كما فسره في إرشاد الساري بالمهدي مصرحاً باقتداء عيسى به ، وكذا في عمدة القاري .
وأما في فيض الباري فأورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال : فهذا صريح في أن مصداق الإمام في الأحاديث هو الإمام المهدي . . إلى أن قال : وبأي حديث بعده يؤمنون !
لكنهم مع ذلك يستعظمون أن يصلي عيسى خلف المهدي عليه السلام ، وقد هونوا ذلك عليهم بأن عيسى يصلي خلفه مرة واحدة ثم يصلي إماماً ، وأن صلاته خلفه تكريمٌ للأمة وليس تفضيلاً للمهدي عليه السلام !
وهذا من بؤسهم وستكثارهم ما أعطاه الله تعالى لآل محمد صلى الله عليه وآله ، ولو أعطاه لآل أبي بكر أوآل عمر أو لأحد من بني أمية ، لتبجحوا به ، ورفعوه علماً !
وقال بعضهم إن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : وإمامكم منكم ، أي يؤمكم بكتابكم ! ورده الشافعي في البيان / 496 ، وقال إنه تأويل باطل . وقال المناوي في فيض القدير : 6 / 17 : « فإنه ينزل عند صلاة الصبح على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيحس به فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى عليه السلام ويصلي خلفه ! فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الأمة ، ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من أن عيسى هو الإمام بالمهدي ، وجزم به السعد التفتازاني وعلله بأفضليته ، لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولاً ليظهر أنه نزل تابعاً لنبينا حاكماً بشرعه ، ثم بعدُ يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل » .
لاحظ أنهم جردوا المهدي عليه السلام من الفضيلة ، وجعلوا صلاة عيسى خلفه فضلاً وشرفاً للأمة فقط !
وقلَّ فيهم المعافى من مرض القلب ، فيقول : إن عيسى يقتدي بالمهدي عليه السلام ، وهذا يدل على أنه أفضل منه ولا ضير فيه !
المسألة الثالثة : تأثير عيسى عليه السلام في الشعوب المسيحية
لا بد أن سيكون له عليه السلام تأثير كبير في توعية شعوب العالم ، وخاصة الشعوب الغربية ، وتغيير الأوضاع السياسية ، وقد ورد أنه يحتج على الروم بالمهدي عليه السلام ، ففي النعماني / 146 : « عن عبد الله بن ضمرة ، عن كعب الأحبار قال في حديث طويل : ومن نسل علي القائم المهدي الذي يبدل الأرض غير الأرض ، وبه يحتج عيسى بن مريم على نصارى الروم والصين » . .
أقول : رواية النعماني لهذا النص عن كعب يدل على أنهم قد يقبلون منه ما ينسجم مع عقائد المسلمين . ومعناه : أن الآيات التي سيظهرها الله تعالى على يد المهدي عليه السلام ستكون بمستوى أن يحتج بها الأنبياء أولوا العزم عليهم السلام .
المسألة الرابعة : في مدة بقاء عيسى عليه السلام في الأرض
« وردت في ذلك روايات تقدم عدد منها ، واتفقت على أنه يبقى مدة ويموت في حياة الإمام المهدي عليه السلام ، وفي بعضها أنه يبقى ثلاثين سنة ، وفي بعضها أربعين ، وشذت رواية مرسلة نقلها في إلزام الناصب أن الإمام المهدي عليه السلام يموت في حياة عيسى عليه السلام ولعلها تصحيف . قال في : 2 / 182 ، في نسخة مرسلة من خطبة البيان : « بعد ذلك يموت المهدي ويدفنه عيسى بن مريم في المدينة بقرب قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله يقبض الملك روحه من الحرمين ، وكذلك يموت عيسى ، ويموت أبو محمد الخضر ، ويموت جميع أنصار المهدي ووزراؤه ، وتبقى الدنيا إلى حيث ما كانوا عليه من الجهالات والضلالات ، وترجع الناس إلى الكفر . فعند ذلك يبدأ الله بخراب المدن والبلدان » .
ولا يمكن قبول ذلك لأنه ينقض الغرض من وجود الإمام المهدي عليه السلام وهو أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وينافي أن دولة أهل البيت عليهم السلام آخر الدول ، ولا ظلم بعدها . وهوأشبه بكلام كعب الأحبار !
كما ورد أن عيسى عليه السلام يقاتل مع المسلمين اليهود والروم والدجال ، وأنه يحج إلى بيت الله الحرام كل عام ، ويتزوج ويولد له ، ثم يتوفاه الله تعالى ويدفنه المسلمون . وهذا معقول في أمره عليه السلام . وكنت رأيت في بعض المصادر وضاع عني أن المهدي عليه السلام يتولى دفنه على أعين الناس ، ويكفنه بثوب من غزل أمه مريم عليها السلام ، ويدفنه في القدس في قبرها .
الاكثر قراءة في الدولة المهدوية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة