علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الحديث المنقطع
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 208 ـ 223
2025-05-25
97
الصنف الثالث: ما سقط من غير الأوّل وغير الآخر، وهو على نوعين:
[المنقطع (1) ومثالان عليه]:
الأوّل: يُسمَّى المنقطع، وهو ما سقط واحد منه (2) قبل أن يصل إلى التَّابعي، ومنه الإسناد الذي فيه مبهمٌ، مثل: رجلٌ، أو شيخ، أو نحوهما (3).
مثال الأول: ما روي عن عبد الرزّاق، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زَيْد بن يُثَيْع، عن حذيفة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: "إن ولَّيتموها أبا بكر فقويٌّ أمين…" (4) الحديث.
فهذا إسناد صورته صورة الاتصال، وهو منقطع (5) في موضعين، فإنّ عبد الرزاق لم يسمع من الثَّوريِّ، وإنّما سمعه من النُّعمان بن أبي شَيبة الجَندِيّ عن الثَّوريِّ، ولم يسمعه الثَّوريُّ من أبي إسحاق، وإنّما سمعه من شريك، عن أبي إسحاق.
ومثال الثاني: ما روي عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشِّخِّير، عن رجلين، عن شداد بن أوس، عن رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - في الدعاء في الصلاة: "اللّهم إنّي أسألك الثبات في الأمر" (6).
وأطلق الشَّافعيَّ وأبو القاسم الطبراني المقطوع على المنقطع (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا العنوان من هامش الأصل.
(2) أو سقط من أكثر من موضع، شريطة أن تتعدد المواضع، ولا تتوالى، ليخرج من هذا المعضل، وقوله: "قبل أن يصل إلى التابعي" ليخرج منه المرسل، والأصل أن يقول: "قبل أن يصل إلى الصحابي". ومنهم من عمّم، فجعل (المنقطع) ما لم يتّصل إسناده على أيّ وجه كان انقطاعه، وعلى هذا درج جمع كبير من المحدّثين المعتبرين، في إطلاقهم (المنقطع) على (المرسل)، انظر كتابَي "البيان والإيضاح في شرح نظم العراقي للاقتراح" (74 - 75)، و"جزء في علوم الحديث" (ص 83 - بتحقيقي) لأبي عمرو الداني، "التمهيد" (1/ 21)، "البيقونية" مع "شروحها" و"حاشية الأجهوري" (ص 57) عليها.
(3) هذا ليس بمنقطع، بل متّصل في إسناده مجهول، وسبب الخلاف قائم على أصل كلي وهو: هل الجهالة انقطاع، فمدرك الأصوليّين لها وتطبيقاتهم واختياراتهم يدل على أنّها انقطاع، حملًا على الانقطاع المعنويّ لا الحسّيّ، أو من جهة احتمال السقط لا أنّ السقط متعيّن.
ومن دقّة المحدّثين في اعتبارهم أنّ الجهالة ليست انقطاعًا بإطلاق، أّن من الجهالة ما لا تضر، كجهالة اسم الصحابي، وبيّنت ذلك - ولله الحمد - في كتابي "بهجة المنتفع" (336 - 338)، وينظر: "فتح المغيث" (1/ 158) للعراقي "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق 18/ ب -19/ أ)، "جامع التحصيل" (96)، "بيان الوهم والإيهام" (3/ 82، 508) لابن القطان، "جزء في علوم الحديث" لأبي عمرو الداني (114) وتعليقي عليه، نشر الدار الأثرية.
(4) أخرجه الحاكم في "المعرفة" (ص 176/ رقم 53) - ومن طريقة أبي عمرو الداني في "جزئه" (رقم 83 - بتحقيقي) -، حدثنا أبو النصر محمد بن يوسف الفقيه، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: حدثنا محمد بن سهيل، حدثنا عبد الرزاق به. وأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/ 110 - 111): حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي به مختصرًا، ولفظه: "إن ولّوا عليًّا فهاديًا مهديًّا".
ومحمد بن سهيل، قال ابن منده: "منكر الحديث" "الميزان" [(3/ 576)].
ورواه جماعة عن سفيان وذكروا الواسطة بين عبد الرزاق والثوري مثل:
* محمد بن أبي السري رواه عن عبد الرزاق عن النّعمان بن أبي شيبة الجندي، عند الحاكم في "المعرفة" (177/ رقم 54)، ولم يسق لفظه، وساقه الطبراني - ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد (3/ 302) ومن طريقه ابن الجوزي في "الواهيات" (1/ 253) رقم (405) - إلا أنّه قال: "فهادٍ مهتدي يبقيكم على طريق مستقيم" وأخرجه أبو نعيم (1/ 64) من طريقه وفيه: "تجدونه هاديًا مهديًا يحملكم على المحجّة البيضاء".
* محمد بن مسعود بن يوسف أبو جعفر النيسابوري، يعرف بـ(ابن العجمي).
عند ابن عدي في "الكامل" (5/ 1950) والخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 301 - 302). وساقا بالتمام والكمال من غير إخلال، وهكذا فعل كل من:
* أحمد بن يوسف السلمي، عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (ص 200) (ترجمة عمر/ تحقيق سكينة).
* حمدان السلمي، عند ابن عدي (5/ 1950).
* إسحاق بن إبراهيم الدَّبري، راوي مصنّفه، والآخذ عنه قبل اختلاطه وكان منزلهما في قرية واحدة، وكان كثير الترداد عليه.
* محمد بن رافع النيسابوريّ أيضًا، واختلف عليه - كما سيأتي -، وروايتهما عند الحاكم في "المستدرك" (3/ 142) مقرونة مع بعضهما بعضًا، وأقاما لفظه، وفي مطبوعه "النعمان بن أبي شيبة" وتحرّف في مطبوع "إتحاف المهرة" (4/ 255) رقم (4215) إلى (عثمان)! فليصوّب.
* أحمد بن الأزهر أبو الأزهر النيسابوري، عند ابن عدي في "الكامل" (5/ 1950 أو 2/ ق 312/ ب) قال: حدثنا الشرقي ثنا أبو الأزهر ثنا عبد الرزاق ثنا يحيى العلاء عن سفيان الثوري بإسناده نحوه.
فقال (يحيى بن العلاء) وليس (النعمان بن أبي شيبة)! ورواه عبد الرزاق عن كليهما، وأسقطهما.
"قال أبو الأَزهر: فذاكرتُ به محمد بن رافع، فقال: حدثنا عبد الرزاق عن ابن هانئ عن الثوري.
كذا في مخطوط "الكامل" (2/ ق 312/ ب): "ابن هانئ" وفي مطبوعه (5/ 1550): "ابن قمازين" وكلاهما خطأ، وصوابه "ابن قماذين" واسمه سعيد بن مسلم، ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 64) رقم (274) وقال: "يماني، روى عن عثمان بن أبي سليمان، روى عنه ابن عيينة، سمعت أبي يقول ذلك" ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
قال ابن عدي (5/ 1950) على إثر بعض هذه الوجوه:
"وهذا رواه جماعة عن الثوري، وأصل البلاء منهم، ليس من عبد الرزاق، فإنّ في جملة من روى عنهم ضعفاء، منهم: يحيى بن العلاء الرازي" انتهى كلامه.
قال أبو عبيدة: يُؤكِّد ذلك أنّ طرقًا أُخر وردت عن ضعفاء عن الثَّوري على ألوان ووجوه غير المتقدّمة، وبعضهم جعله من (مسند علي بن أبي طالب [عليه السلام])، وكشف عن بعضها الطبرانيّ، فيما نقله عنه الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 302 - 303) وزاد عليه، وهذا نصّ الكلام بحروفه: "قال الطبرانيّ: روى هذا الحديث جماعة عن عبد الرزّاق عن الثوري نفسه، ووهموا، والصواب ما رواه ابن أبي السّري ومحمد بن مسعود العجمي عن عبد الرزاق عن النعمان بن أبي شيبة. قلت (الخطيب): لم يختلف رواته عن عبد الرزّاق أنّه عن زيد بن يُثَيْع عن حُذيفة.
ورواه أبو الصَّلت الهروي عن ابن نمير عن الثوري عن شَرِيك عن أبي إسحاق كذلك، ولم يَذْكُرْ فيه بين الثَّوْري وأبي إسحاق شَرِيكًا غير أبي الصَّلْت عن ابن نُمَير. ورواه إبراهيم بن هَرَاسَة عن الثَّوْري فقال: عن زيد بن يُثَيْع عن عليّ [عليه السلام]، وكذلك رواه فُضَيْل بن مرزوق عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْع عن علي عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ورواه يحيى بن يَمَان عن الثَّوْري فقال: زيد بن يُثَيْع عن النبيِّ - صلى الله عليه [وآله] وسلم - وأَرْسَلَهُ".
قال أبو عبيدة: أخرجه من طريق أبي الصَّلت الهروي عن ابن نمير عن الثوري، بإثبات شريك، الواسطة بينه وبين أبي إسحاق:
الحاكم في "المعرفة" (177/ رقم 55) والخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 46 - 47) من طريق أبي الصَّلت عبد السلام بن صالح الهروي به.
وإسناده ضعيف جدًّا، أبو الصلت الهروي متروك، والحجب من قول محقّق "معرفة علوم الحديث" للحاكم عن هذا الطريق: "إسناده لا بأس به"!
وطريق مدارها على متروك لا يفرح بها، ولا تطمئنُّ النفس إلى زيادة صاحبها، ولا تقبل هذه الحصة من التمثيل إلا وفي النفس منها غصّة، ولا قوة إلا بالله!
ثم وجدت شيخنا الألباني يقول في تعليقه على "اختصار علوم الحديث" لابن كثير (ص 163 - 164) ونقل هذا المثل عن ابن الصلاح وذكر الانقطاع في الموطنين، وقال: "وكلٌّ من الإعلالين لا يصحُّ، كما بيّنتُه في تخريجي لـ"الأحاديث المختارة" (439). وخلاصة ذلك أنّ في إسناد النعمان: محمد بن أبي السّري العسقلانيّ، وهو ضعيف، مع مخالفته للثقة عن عبد الرزّاق بالرواية الأولى، وفي الطريق إلى شريك عبد السلام بن صالح الهروي، وهو متروك، والحديث ضعيف، تدور طرقه على أبي إسحاق - وهو مدّلس - عنه".
قال أبو عبيدة: محمد بن أبي السري توبع، تابعه جماعة، والذي أسقط النعمان عبد الرزّاق، وتعليق الجناية بابن أبي السري - كما فعل شيخنا - ليس بجيّد، إذ تابعه جماعة كما سلف، وبعضهم ثقات، فكلامه على طريق أبي الصلت عبد السلام الهروي صحيح، أمّا على هذه فلا، ولا سيما أنّ العقيلي - ونقله ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص 534 - ط دار الأعلام) - قال: "قيل لعبد الرزاق: سمعت هذا عن الثوري؟ فقال: حدثنا النعمان بن أبي شيبة ويحيى بن العلاء عن الثوري".
ويحيى بن العلاء هالك.
وممّن رواه عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زبد بن يثيع - ولكن جعله من مسند (علي) لا (حذيفة) -: إبراهيم بن هراسة، ولم يذكر شريكًا.
نقل الخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 47) عن البرقاني قوله: "رواه عبد الرزاق وابن هراسة عن الثوري، لم يذكرا شريكًا" وأسنده أبو نعيم في "الحلية" (1/ 64) من طريق ابن هراسة هذا. وقد أحسن الإمام الذهبي في "الميزان" (2/ 612 - 613) لمَّا أورد هذا الحديث في ترجمة (عبد الرزّاق بن همام) وأورد ما نقله العقيلي: "قيل لعبد الرزّاق: سمعت هذا … " الخ ما تقدّم، وقال على إثره: "النعمان فيه جهالة، ويحيى هالك" وقال: "لكن رواه أحمد في "مسنده" عن شاذان عن عبد الحميد الفراء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق؛ ورواه زيد بن الحباب، عن فضيل بن مرزوق، عن أبي إسحاق؛ وروي من وجهٍ آخر عن أبي إسحاق؛ فهو محفوظ عنه، وزيد شيخه؛ ما علمتُ فيه جرحًا، وأما الخبرُ فمنكر.
وقال الإمام أبو عَمْرو بن الصلاح - عقيب قول أحمد: مَنْ سمع مِنْ عبد الرزّاق بعد العَمَى لا شيء -: "وجَدْتُ أحاديثَ رواها الطبراني، عن الدَّبَري، عن عبد الرزّاق استنكرتها، فأحَلْتُ أَمْرَها على ذلك" وانظر له "إكمال تهذيب الكمال" (8/ 266) رقم (3291).
وأذكر من باب الاستطراد: بقيّة طرق حديث حذيفة التي وقفتُ عليها، ثُمَّ أتمّم تخريج الحديث، فأقول والله المستعان، وعليه التكلان:
أخرجه البزّار في "البحر الزخّار" (7/ 299) رقم (2895) والحاكم (3/ 70) وأبو نعيم مختصرًا (1/ 64) من طريق شريك عن أبي اليقظان عن أبي وائل عن حذيفة رفعه. وقال البزّار عقبه: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن حذيفة إلّا بهذا الإسناد، وأبو اليقظان اسمه عثمان بن عمير".
وإسناده ضعيف، عثمان أبو اليقظان ضعّفوه.
وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (200 - ترجمة عمر/ تحقيق سكينة الشهابي) من طريق عمرو بن عبد الغفار الفقيمي عن شريك عن عمار الدُّهني عن سالم عن أبي الجعد عن حذيفة به مرفوعًا. وشريك شيعي، لين الحديث، وعمرو الفقيمي هو آفة هذا الطريق، قال ابن المديني: رافضي، تركته لأجل الرفض، وقال العقيلي وغيره: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال ابن عدي: اتّهم بوضع الحديث، انظر "التاريخ الكبير" (6/ 353)، "الضعفاء الكبير" (3/ 286)، "الجرح والتعديل" (6/ 264)، "الكامل في الضعفاء" (5/ 146)، "تاريخ بغداد" (12/ 211)، "الميزان" (3/ 272). والخلاف في الحديث أوعب من الطرق التي ذكرها، وأفصح عن ذلك الإمام الدَّارقطني في "العلل" (3/ 214 - 216) سؤال رقم (368) بقوله: "يرويه زيد بن يُثَيْع واختلف عنه؛ فرواه أبو إسحاق، واختلف عن أبي إسحاق أيضًا، فقال يونس بن أبي إسحاق وإسرائيل من رواية عبد الحميد بن أبي جعفر الفرَّاء عنه، وفُضَيْل بن مرزوق وجميل الخيَّاط: عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْع عن علي، وقال الحسن بن قُتَيْبة: عن يونس بن إسحاق عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْع عن سلمان الفارسي. وقال الثَّوْري: عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْع عن حُذَيْفَة. وقال شَرِيك: عن أبي إسحاق وعثمان أبي اليَقْطَان عن أبي وائل عن حُذَيْفة. وقال إسرائيل: عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْع مُرْسَلًا، لم يذكر عليًّا، ولا حُذَيْفَة، والمُرْسَلُ أشْبَهُ بالصواب". قلت: أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 108 - 109) وفي "الفضائل" (1/ 231) رقم (284) وابنه عبد الله في "السنة" (1186) ومن طريقهما الضياء في "المختارة" (3/ 86) رقم (463) وابن الأثير في "أسد الغابة" (4/ 30 - 31) وابن الجوزي في "العلل" (406) وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 253) جميعهم من طريق إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن جده أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي رفعه. وهذه أصلح طرقه، وسبق ذكر الذهبيّ لها.
ورواه كذلك عن أبي إسحاق: فُضَيل بن مرزوق - وهو صدوق يهم، ورمي بالتشيع - عند البزار في "البحر الزخار" (3/ 32 - 33) رقم (783) - وقال: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي بن أبي طالب [عليه السلام] إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد" - والطبراني في "الأوسط" (2/ 341) رقم (2166) - وقال: "لم يرو هذا الحديث عن فضيل إلا زيد بن الحُباب" - والحاكم في "المستدرك" (3/ 70) - وقال: "صحيح"، وتعقّبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: "قلت: فيه فضيل بن مرزوق ضعّفه ابن معين، وقد خرج له مسلم، لكن هذا الخبر منكر" - وابن حبّان في "المجروحين" (2/ 209 - 210) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (ص 200 - ترجمة عمر) وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 253) جميعهم من طريق زيد بن الحباب به.
وأورد الذهبي في "الميزان" (3/ 362 - 363) هذا الحديث من منكرات (فضيل بن مرزوق الكوفي) وقال: "قلت: وكان معروفًا بالتشيّع من غير سبّ" وذكر من نال منه، وضعّفه.
وأمّا مرسل زيد بن يثيع، فأخرجه ابن عدي في "الكامل" (4/ 1331) من طريق شريك القاضي عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع به.
وهذه الطريق هي الصواب على ترجيح الدارقطني، وحال زيد وتشيّعه يدل على ذلك، وهي تضعف تمثيل المصنّف بوجود شريك بين سفيان وأبي إسحاق، ولا سيما أنّا أقمنا البرهان أنّ البلاء فيه ليس من سفيان، وإنّما من الرواة عنه، ومنهم عبد الرزّاق.
وأمّا حديث سلمان، فأخرجه الدارقطني في "الغرائب والأفراد" (3/ 115) رقم (2195 - أطراف ابن طاهر) - ومن طريقه ابن الجوزي في "الواهيات" (407) - من طريق أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن سلمان، تفرّد به الحسن بن قتيبة عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه.
والحسن بن قتيبة متروك، وانظر له "الضعفاء الكبير" (1/ 241) رقم (287).
والخلاصة: إنّ الحديث ضعيف، وزيد بن يثيع لم يروِ عنه غير أبي إسحاق السبيعي، كما قال مسلم في "المنفردات والوحدان" (ص 137) رقم (369)، وقول ابن حجر عنه في "التقريب" - كذا رأيته بخطه فيه -: "ثقة" من التساهل الشديد! وخبره مردود لاضطرابه فيه، والعجب من الحاكم فإنّه صحّحه في "المستدرك" ولم يعلّه بالانقطاع الذي نصّ عليه في "المعرفة"!!
(5) قال الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (2/ 572): "إنّ هذا المثال إنّما يصلح للحديث المدلّس؛ لأنّ كلّ راوٍ من رواته قد لقي شيخه فيه، وسمع منه، وإنّما طرأ الانقطاع فيه من قبل التدليس؛ والأولى في مثال المنقطع أن يذكر ما انقطاعه فيه من عدم اللقاء؛ كمالك عن ابن عمر والثوري عن إبراهيم النخعي، وأمثال ذلك"، وينظر له كتابي "بهجة المنتفع" (360).
(6) أخرجه الحاكم النيسابوري (محمد بن عبد الله) في كتابه "معرفة علوم الحديث" (173/ رقم 50) في (ذكر النوع التاسع من علوم الحديث): (معرفة المنقطع من الحديث) وقال على إثره: "هذا الإسناد مثل لنوعٍ من المنقطع، لجهالة الرجلين بين أبي العلاء بن الشخّير وشدّاد بن أوس، وشواهده في الحديث كثيرة" - ومن طريق الحاكم أبو عمرو الداني في "جزئه في علوم الحديث" (رقم 76 - بتحقيقي) - وحذف الحاكم أوله، وفيه: "ما من عبد مسلم يأوي إلى فراشه، فيقرأ سورة من كتاب الله عز وجل حين يأخذ مضجعه، إلّا وكّل الله (عزّ وجلّ) به ملكًا لا يدع شيئًا يقربه ويؤذيه، حتى يهبّ من نومه متى هبّ".
وأخرجه مقتصرًا على هذه القطعة: النسائي في "عمل اليوم والليلة" (472/ رقم 812) - وعنه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم 748 - مع "عجالة الراغب المتمني") - أخبرنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثنا عبد العزيز بن موسى عن هلال بن حِقّ عن الجريري عن أبي العلاء به، وفي هذه الطريق عند ابن السني: "هلال بن حِقّ قديم السَّماع من الجُرَيري".
وهذه فائدة مهمّة، فالجُريري - واسمه: سعيد بن إياس، ثقة، ولكنّه اختلط قبل موته بثلاث سنين -.
وممّن رواه عنه قبل اختلاطه - فيما وقفت عليه - اثنان، هما:
* سفيان الثوري، وقال: "عن الحنظلي أو رجل من بني حنظلة" أخرجه الترمذي (3407) والطبراني (7/ رقم 7175) - ومن طريقه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/ 73) - ومحمد بن عبد الواحد الدقاق في "معجم مشايخه" (ص 273 - 274 رقم 1 - ضمن مجموع بتحقيق الشريف حاتم العونيّ)، واختصر متنه.
* بشر بن المفضل وقال: "عن رجل من بني مجاشع" أخرجه الطبراني في "الكبير" (7/ رقم 7178) وفي "الدعاء" (2/ 1081) رقم (628، 629).
ورواه عن الجُريري ممّن سمع منه قبل الاختلاط:
* حمّاد بن سلمة وجعله عن أبي العلاء عن شدّاد! دون واسطة بينهما!
أخرجه النسائي في "المجتبى" (3/ 54) وفي "الكبرى" (1/ 387) رقم (1227) والطبراني في "الكبير" (7/ رقم 7180) وفي "الدعاء، (رقم 627) - ومن طريقه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/ 75) - وابن حبان (2416 - موارد) من طرق عن حماد بن سلمة به.
قال ابن حجر في "إتحاف المهرة" (6/ 168) عقب رواية ابن حبان: "هذا الحديث لم يسمعه أبو العلاء من شداد، وإنّما سمعه من رجل من بني حنظلة، عن شداد، وكذا هو في الترمذي والنسائي".
وقال شيخنا في "الصحيحة" (3228): "ورجاله ثقات، لكنّه منقطع بين العلاء وشداد".
وممّن أثبت الواسطة بينهما، فرواه عن الجُريري به:
* يزيد بن هارون، وقال: "عن الحنظلي أو رجل من بني حنظلة".
أخرجه أحمد (4/ 125) - ومن طريقه عبد الغني المقدسيّ في "الترغيب في الدعاء" (ص 145 - 148/ رقم 85) - وابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/ 72).
* وهكذا قال خالد بن عبد الله الواسطي، مثل يزيد وسفيان.
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (رقم 275) وفي "الكبير" (رقم 7179، 7177) ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 267) وابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/ 72).
* وهكذا قال: سالم بن نوح.
أخرجه عمر بن شبة ومن طريقه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/ 72).
بينما قال عدي بن الفضل: "عن رجلين قد سماهما" أخرجه الطبراني في "الكبير" (7179)، وفي "الدعاء" (626).
فهؤلاء الرواة عن الجُريري: هلال وابن الفضل قالا: "رجلين"، وقال هلال: "من بني حنظلة"، وقال عدي: "أنه قد سماهما"، وأسقطهما بالكلية حماد بن سلمة، وقال خمسة آخرون: "عن رجل"، قال الثوري ويزيد وخالد وسالم: "من بني حنظلة"، وقال بشر: "من بني مجاشع". وهذا تفصيل الإجمال الذي ذكره أبو نعيم في "الحلية" (1/ 267) لما قال: "ورواه الثوري وبشر بن المفضل وعدي بن الفضل وحماد بن سلمة عن الجريري، على اختلاف بينهم، في مَنْ بين شدّاد وأبي العلاء" انتهى.
قال أبو عبيدة: والراجح من الوجوه والألوان السابقة: "عن رجل من بني حنظلة" وهو قول الجماهير، بما فيهم سفيان، وهو ممّن سمع الجريري قبل الاختلاط، نَصَّ على ذلك العجلي وغيره.
ثم نظرت في "جمهرة النسب" (ص 194 - 195) للكلبي، فوجدت (بني مالك بن حنظلة): "ولد مالك بن حنظلة دارمًا"، و"ولد دارم بن مالك: مجاشعًا" فلا خلاف بين القولين، ويكون بشر - وهو من الثقات الأثبات الذين سمعوا من سعيد الجريري قبل الاختلاط - قد حفظه، وتابعه عليه مطرف بن الشخير كما سيأتي، وحينئذ تكون الأقوال مؤتلفة غير مختلفة.
بقي قول من قال: "قد سماه" فيستفاد منه أنّه معروف عند الجريري!
وظفرتُ في "النكت على مقدّمة ابن الصلاح" (2/ 8 - 9) للزركشي: "قال بعضهم: ويُشبه أن يكون هذا الرجل هو المطلب بن عبد الله الحنظلي"، وكذا قال ابن الملقّن في "المقنع في علوم الحديث" (1/ 143)، ولا أدري ما مستندهما في ذلك! وظفرتُ براوٍ قد رواه عن شداد بن أوس، ويكنى (أبا الأشعث الصنعاني) واسمه: شراحيل بن كليب بن آده الصنعاني، نسبة لصنعاء اليمن، وترجمه غير واحد في أهل اليمن، منهم: الرازي (ت 460) في "تاريخ صنعاء" (ص 300) قال: "وكان شراحيل بن شرحبيل بن كليب بن أذرَشير من الأبناء، وهو أبو الأشعث الصنعاني، نزل أخيرًا دمشق. وتوفّي بها". قلت: وبها أخذ عن شداد، وسمع منه هذا الحديث، وترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (22/ 436 - 442).
وقوله: "من الأبناء" معناه: من أبناء الفرس القادمين مع سيف بن ذي يزن، كما قال الحسين بن عبد الرحمن الأهدل (ت 855 هـ) في كتابه "تحفة الزمن في تاريخ سادات اليمن" (1/ 73) وترجمه فيه (1/ 82) وقال: "وعدَّه الحاكم في تابعي اليمن من نقلة الأخبار" وذكره خليفة في "طبقاته" (125) تحت (ممّن لم يحفظ لنا نسبه) فإن كان هو الرجل من مجاشع أو من بني حنظلة فبالولاء لا الصُّلب، إلا أن تكون (كليب) التي ينسب إليها هي قبيلة كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم، كما في "موسوعة قبائل العرب" (5/ 1872).
ويؤيد ذلك أنّ شراحيل نسب إلى (كليب)، نقله ابن عساكر في "تاريخه" (22/ 438) عن ابن معين والبخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 255) وابن سعد في "الطبقات" (5/ 536) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 473) ومسلم بن الحجاج في "الكنى" (1/ 99) والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/ 109) وأبو أحمد الحاكم في "الكنى والأسامي" (1/ 427) وجماعة، وهو الذي ارتضاه صاحب "الكمال" (12/ 408، تهذيب المزي) وتتابع عليه مترجموه.
فإن ثبت هذا، فيحوّل هذا المثال!
وهذا تخريج رواية أبي الأشعث عن شداد:
أخرجه الطبراني في "الكبير" (7/ رقم 7135) ومن طريقه أبو نعيم (1/ 166) وابن عساكر (413/ 22 و 56/ 274) من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن يزيد الرحبي عن أبي الأشعث به. وسنده جيد، رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف لا يضر، قاله شيخنا الألباني في "الصحيحة" (3228) وزاد بعد كلام، وأنّ طرقًا له "كلها لا تخلو من ضعف أو جهالة أو انقطاع".
قلت: ليس كذلك؛ فهذا الإسناد حسن، فمحمد بن يزيد الرحبي الدمشقي روى عنه جمع جلهم ثقات، أورد ابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 274) منهم سبعة، اثنان منهم ثقات، والباقون صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 35).
وفات المعلّق على "الإحسان" إيراد هذا الطريق، ولم يفصح عن درجة الحديث، وجزم في "الموارد" (2/ 1089) بضعفه، فتعقبه شيخنا الألباني في "الصحيحة" (3228)؛ فغيَّر الحكم، فحسَّنه لطرقه في تعليقه على "المسند" (28/ 338 - 339)، ولم يشر لتراجعه في كتبه الأخرى على عادته، لعُسْرِ ضبط ذلك، فأنَّى له أن يصرّح بنقله عن شيخنا، وهو يعمل على تصيد العثرات، والنفخ في المؤاخذات، أو إبرازها على وجه جلي، كجار السوء ينشر السيئة ويكتم الحسنة، ولا قوة إلا بالله.
وله طريق آخر، أخرجها الحاكم (1/ 508) وعنه البيهقي في "الدعوات" (1/ 159 - 160): من طريق أبي الحسن محمد بن سنان القزّاز ثنا محمد بن يونس بن القاسم اليمامي ثنا عكرمة بن عمار قال: سمعت شدادًا أبا عمار يحدث عن شدّاد بن أوس وفي أوله: "يا شداد، إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة، فأكنز هؤلاء الكلمات: اللهمّ إنّي أسألك .... ".
وهذا إسناد ضعيف، فيه محمد بن سنان القزّاز، ليس هو على شرط مسلم كما قال الحاكم! قال الذهبي في "الميزان": "رماه أبو داود بالكذب، وابن خراش يقول: ليس بثقة، وأمّا الدارقطني فمشاه، وقال: لا بأس به".
وأخرجه ابن أبي شيبة (10/ 271) والخرائطي في "فضيلة الشكر لله تعالى" (5)، وابن قتيبة في "عيون الأخبار" (2/ 304) وابن عساكر - واختصره - (22/ 411) من طريق عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأحمد (4/ 123) حدثنا رَوح، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 266 و 6/ 77 - 78) وابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/ 76) من طريق يحيى بن عبد الله البابلتي جميعهم عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس في سفر، فنزل منزلًا، فقال لغلامه، ائتنا بالسُّفرة نعبث بها، فأنكرتُ عليه، فقال: ما تكلّمتُ بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطِمُها وأزمُّها غير كلمتي هذه، فلا تحفظوها عليّ، واحفظوا منّي ما أقول لكم: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - يقول: "إذا كنز الناس الذهب والفضة… " الحديث.
ورواه مختصرًا عن الأوزاعي دون ذكر الحديث: ابن المبارك في "الزهد" (ص 289) ومن طريقه ابن عساكر (22/ 412) والسهروردي في "عوارف المعارف" (ص 39). قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/ 76): "رجاله من رواة الصحيح، إلا أنّ في سماع حسان بن عطية من شداد نظر". وقال أبو نعيم: "هكذا رواه يحيى وعامة أصحاب الأوزاعي عنه مرسلًا، وجوّده عنه سويد بن عبد العزيز".
قلت: أخرجه ابن حبان (935) والطبراني في "الكبير" (7157) وفي "الدعاء" (630) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 166) من طريق سُويد بن عبد العزيز قال: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي عبيد الله مسلم بن مِشْكم قال: خرجت مع شدّاد بن أوس، فذكر قصة فيها هذا الحديث.
وسويد بن عبد العزيز لين الحديث، وباقي رجاله ثقات، وحسان بن عطية لم يدرك شدادًا، وهو ممن يروي عن مسلم بن مِشكم، فإن كان هو الواسطة بين حسان وشدّاد، فيكون سويد متابعًا من اثنين من الثقات، وآخر ضعيف وهو البابلتي.
ومسلم بن مِشْكم، ثقة، وثقه أبو مسهر ودُحيم ويعقوب بن سفيان، والعجلي وابن حبّان، وهو خزاعي، فأستبعد أن يكون هو (رجل من بني حنظلة) أو (من بني مجاشع).
ورواه الأوزاعي عن جُماهِر بن حميد أبي المنيب الجُرَشي عن شداد رفعه: "إذا رأيتم الناس يكنزون الذهب والفضة… ".
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (11/ 247) وأسند إلى علي بن المديني، قوله: "وأبو المنيب عندي لم يسمع من شداد شيئًا، ولم يُدْركه، كان الأوزاعي يروي عن أبي المنيب هذا" قال: "جُماهِر بن حُميد الجُرَشي مجهول لم يرو عنه غير يعلى".
وظفرتُ بطرق أخرى لهذا الحديث، هي:
أخرجه أبو نعيم (1/ 265 - 266) من طريق برد بن سنان عن سليمان بن موسى أن شداد بن أوس قال يومًا: هاتوا السفرة. وذكر نحو القصة المذكورة آنفًا، وفيه: "دعوا هذه وخذوا خيرًا منها: اللهمّ إنّا نسألك التثبّت في الأمر …" وأورده لم ينمه إلى النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، وقال عقبه: "كذا رواه سليمان بن موسى موقوفًا ورواه حسان بن عطية عن شدّاد مرفوعًا".
قلت: وسليمان هذا هو الأشدق، وله أوهام وغرائب، وهو من صغار التابعين، وفي سماعه من شداد نظر!
وأخرجه أبو نعيم (1/ 267) من طريق أبي معشر عن محمد بن عبد الله الشُّعيثي عن شدّاد، وأسنده، وذكر القصة على نحو مُخالِفٍ فيه للجماعة، فقال: شيّع شدّاد غزاةً، فدعوه إلى سفرتهم، فقال: لو كنت أكلت طعامًا منذ بايعت رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، حتّى أعلم من أين هؤلاء؛ لأكلت، ولكن عندي هدية، سمعت رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - يقول: "اللهمّ إنّي أسألك الثبات…" إلخ.
واسم أبي معشر: عبد الرحمن بن أبي نجيح المدني، ضعيف، وقال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (77/ 3) وأشار إلى طريقي أبي نعيم: "في كلّ منهما انقطاع".
وظفرت بالحديث وفيه القصّة مجوّدة على وجه التمام والكمال، ورواه مطرف بن الشّخير عن رجل من بني مجاشع.
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (22/ 412 - 413) بسنده إلى علي بن عبد الله المديني، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن رجل، عن مُطَرّف بن عبد الله بن الشخير عن رجل من أهل بلقين قال: - وأحسبه من بني مُجَاشع - قال: انطلقنا نؤم البيت فلمّا علونا في الأرض إذا نحن بأخبية مثبوتة وإذا فيها بفُسطاط، فقلت لصاحبي: عليك بصاحب الفُسطاط فإنّه سيّد القوم، فلمّا انتهينا إلى باب الفسطاط فسلّمنا، فردّ السلام، ثم خرج إلينا شيخ، فلمّا رأيناه هبناه مهابة لم نهبها ولدًا قط ولا سلطانًا، فقال: ما أنتما؟ قلنا: فئة نؤمّ البيت، قال: وأنا قد حدّثتني نفسي بذاك، ولا أراني إلّا سأصحبكم، ثم نادى للرجال، فخرج إليه من تلك الأخبية شباب يدقّون إليه كما تدقّ النسور، فجمعهم ثم خطبهم، وقال: إنّي تذكّرت بيت ربّي، ولا أراني إلا زائره، فجعلوا ينتحبون عليه بكاء، فالتفتُّ إلى شابٍّ منهم فالتفت إليَّ وقال: لا تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا شدّاد بن أَوْس صاحب رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، كان أميرًا فلمّا أن قتل عثمان اعتزلهم، قال: ثم دعا لنا بسويق له عريض فجعل يبس لنا ويطعمنا وشقينا، فلمّا حضر خروجه خرجنا معه، فلمّا علونا في الأرض قال لغلام له: يا غلام؛ اصنع لنا طعامًا ما نقطع عنّا الجوع بصغره، كلمة قالها ما تمالكنا أن ضحكنا، فالتفتَ فرآنا فقال: ما لي أراكم إلا صغار فكما قلنا: يرحمك الله، إنّك كنت لا تكاد أن تتكلّم فلمّا تكلّمت لا نتمالك أن ضحكنا، وإنّا نغيضك يرحمك الله، قال: وما أراني إلّا مفارقكم، وإنّ كسوتكما من ثياب أبليتموها، وإن زودتكم من زادي أفنيتموه، ولكن أزوّدكم حديثًا كان رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - تعلّمناه في السفر والحضر، فأملى علينا فكتبناه: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنّي أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزمة الرشد، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم إنّك علّام الغيوب. قال شدّاد: وقال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: "إذا أخذ أحدُكُم مضجعَهُ فليقرأ بأمّ الكتاب وسورةٍ، فإنّ الله يوكّل به ملكًا يهبّ معه إذا هبّ" قال شدّاد بن أوْس: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: "يا شدّاد بن أَوْس؛ إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هولاء الكلمات".
فعاد الحديث إلى رجل من بني مجاشع، أو حنظلي، والوجهان - كما قدّمنا - صحيحان، ولم نستطع الجزم بتحديد هذا المبهم في الطريق التي نقلها المصنّف عن الحاكم، ولذا يصلح التمثيل به على المنقطع.
نعم، الحديث حسن بطرقه التي ذكرناها، وبعض طرقه موصولة، وقد قُمنا باجتهادٍ لمعرفة المجهول في الإسناد، فعيّناه باحتمال وتخمين، لا بعلم ويقين، فصوّبنا صنيع المصنّف، ولا غنية للقارئ عمّا ذكرناه وفصّلناه، للوقوف على الدقّة في التمثيل، مع شدّ النفس في التخريج والتطويل، وقد حسّنه ابن حجر في: نتائج الأفكار" (3/ 77) فقال بعد أن أورد بعض طرقه المذكورة: "وهذه طرق يقوّي بعضها بعضًا، يمتنع معها إطلاق القول بضعف الحديث، وإنّما صحّحه ابن حبّان والحاكم؛ لأنّ طريقهما عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، والله أعلم"، ونقله ابن علّان في "الفتوحات الربانية" (3/ 163) وأقره، فلا عبرة بما في "عجالة الراغب المتمني" (2/ 858): "أبعد الحافظ ابن حجر النجعة في تحسينه للحديث في "نتائج الأفكار"! ولا بقوله: "ضعّفه شيخنا ناصر السنة العلامة الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (675) "! وأفاد شيخنا الألباني في "تمام المنّة" (225) خطأ تقييد الدعاء الذي فيه بعد التشهد الأخير وقبل السلام، كما ذهب إليه سيد سابق في "فقه السنّة" (ص 129)، وحكمه على ما في "جامع الترمذي" إنّما هو على الإسناد فقط بخلاف ما في "السلسلة الصحيحة" (3228) فهو على مجموع الطرق، فلا تعارض بين قوليه، ويحوَّل حكمه عليه في "تمام المنّة" (225) من التضعيف للتحسين، وكذا من "تخريج المشكاة" (955)، و"ضعيف النسائي" (1303)، و"ضعيف الجامع" (1190)، وظفرتُ بمراجعته عن تضعيفه في "هداية الرواة" (1/ 428) رقم (915) وفات هذا محمد حسن الشيخ في "تراجع العلامة الألباني فيما نص عليه تصحيحًا وتضعيفًا" وعودة حسن عودة في " (500) حديث ممّا تراجع عنها العلامة المحدّث الألباني في كتبه".
(7) شهر هذا القول عن أبي بكر البرديجي، ووقوع (المقطوع) على (المنقطع) في كلام الشافعيّ والطبرانيّ بناءً على أنّ المنقطع كل ما لا يتّصل إسناده، سواء كان يُعزَى إلى النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - أو إلى غيره. انظر: "محاسن الاصطلاح" (214)، "الكفاية" (59)، "شرح العراقي على الألفيّة" (1/ 124)، "جزء في علوم الحديث" لأبي عمرو الداني (113) وتعليقي عليه.