1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : مشاكل و حلول :

هل التغافل عن مرارة الحياة هو الأسلوب الصحيح؟

المؤلف:  الشيخ علي رضا بناهيان

المصدر:  النظام التربوي الديني

الجزء والصفحة:  ص 186 ــ 197

2024-07-18

354

كيف تحلو هذه المرارات؟ عندما ينظر الإنسان إلى المنغصات الكامنة في وجوده وإلى مرارة مصيره ودنياه، عند ذلك يكاد أن لا يطيق هذه الدنيا. طبعا لا يخلو النظر إلى مرارة الحياة من فائدة فمثل هذا الإنسان سوف يتحمل الصعاب والمحن أسهل من غيره، ولكن سوف تفقد الحياة روحها ونورها ونشاطها وحيويتها في مثل هذه الأجواء.

وهنا لابد أن نتحدث مع الإنسان وننقذه عن الطرق التي قد يسلكها في سبيل التخفيف من مرارة حياته.

فنقول له: لا تغفل عن هذه المرارات ولا تزعم أنك تندق إن لم تتغافل عنها. ولا تنس الموت أيها الإنسان. فلعلك تقول: إن أجعل الموت نصب عيني دائما، يصفرّ وجهي وأفقد أملي وأكن كالميت بين الأحياء، ولكنك مخطئ في حساباتك. فليكن بعلمك أيها الإنسان أن المفر من هذه المرارات ليس بالتغافل عنها.

إن الغفلة عن المرارات تهدم كيانك وتقضي عليك. فلابد أن تبني رؤيتك عن الحياة على أساس هذه المحن والمشاكل، وهذا ما يدل عليه الكتاب الحادي والثلاثون من نهج البلاغة الذي خاطب به ابنه الإمام الحسن (عليه السلام)، حيث افتتح كلامه فيه بذكر مصائب الدنيا ومراراتها.

ما هو الطريق الأفضل في التعامل مع محن الدنيا؟

ماذا يحدث إن لم تغفل عن مرارات الدنيا؟ إن روحك تصبو إلى ما هو حلو وتطلب اللذة، وتهش إلى التحرر، وكذلك إنك تحظى بروح تحب العشق والغرام. فهي لا تطيق ظروف الدنيا ومعاناتها ولكن دع يضيق صدرك من هذه الظروف التي تعيشها ومن هذه الدنيا التي حبست فيها. لتصل شيئا فشيئا إلى نقطة ومرحلة بودي أن أجسدها لكم قليلا في هذه الليلة.

أخي العزيز! لا تغفل عن مرارات الدنيا، إذ ليس طريق مواجهة هذه المرارات هو التغافل عنها بل الطريق هو ذكرها على الدوام. إذا أردت أن تتغلب على هذه المرارات فاسع لتحصل على عشق بحيث ترغب أن تعاني وتذوق مرارات الحياة في سبيل من عشقته وأحبته وتلتذ بالمعاناة التي تعيشها في سبيله لابد لك أن تصل إلى هذا المستوى وليس لك بد آخر وإلا فتشقي نفسك. إنك لا تستطيع أن تفر من المحن، فلا تنكرها وإلا تصبح أحمقا. ولا تستطيع أن تزيل المحن من حياتك، فإذا أردت أن تتعامل مع محنك بأحسن وجه، فابحث عن عشق سام وعال في حياتك لترغب في تحمل كل هذه المعاناة في سبيل حبيبك. وشتان ما بين من يرغب في تحمل المعاناة في سبيل حبه، وبين من اقتنع بضرورة المعاناة فقال: لا بأس بمجيئ بعض المحن والمعاناة!

متى يزدهر الإنسان؟ عندما يبلغ درجة حب المعاناة وتحمل الآلام في سبيل حبيبه، لا أن يصبر على المحن في سبيل الحبيب وحسب. لقد خلق الإنسان لهذه الحياة، وقد خلقكم الله وركب روحكم وخلايا وجودكم ومشاعركم وكل الكائنات على أساس هذا النمط من الحياة والإنسان الحقيقي هو من يرغب أن يعاني ويذوق المحن في سبيل الله. ولهذا عندما رأى إبراهيم أن لا يستطيع ذبح ابنه في سبيل ربه حزن وضاق صدره.

ينبغي لك في هذه المرحلة أن ترغب في تلقي المصائب والمظالم في سبيل الله وأن تعاني من الجوع في سبيله وأن تحزن في سبيله. ولا بأس أن تسأم الجوع وتشتهي الطعام فتناجي ربك وتسأله أن يرزقك طعاما لتشبع به من جوع، ولكن بعد أن شبعت أياما متتالية، سرعان ما يضيق صدرك ويحن فؤادك إلى أيام الجوع. إلى هنا يصل الإنسان.

ما هو الطريق الأفضل الذي أودعه الله في فطرة الإنسان وحياته لمواجهة المشاكل والآلام؟ إن الطريق الأفضل لا هو الإنكار ولا هو الفرار، بل هو أن يرغب الإنسان في تحمل الآلام في سبيل الله.

إن استطاع الإنسان أن يعشق الله، عند ذلك يحب المعاناة في سبيل الله بمختلف أنواعها، كالصوم وقلة الأكل وقلة النوم وقلة الكلام وقلة الراحة واستماع استهزاء الآخرين وغيرها. هذا شعور خاص لا أدري كيف أشرحه وأوضحه، ولكن من لم يجد في نفسه هذا الحب وهذا الشعور فهو لم يعرف نفسه ولم يعرف ربه ولم يعرف العلاقة بينه وبين ربه ولم يعرف شيئا قط.

ـ حوار افتراضي بين الله وبين عبده العاشق

إنه حبّ نابع من أعماق قلب الإنسان وقد لا يقدر صاحبه على تعبير ما يجري في قلبه. لقد صحت فطرة هذا الإنسان فلا تناقشه ولا تسأله عن دليل إذ إنه قد عشق الله وقد عشق المعاناة في سبيل الله. وهل تعلمون ما سوف يكون مصير هذا الإنسان؟ سوف يحتضنه الله ويقول له: (وأنا أحبك أيضا وأرزقك المحن والبلايا كما أحب. لقد اخترتك لنفسي، وقدرت لك البأساء والضراء، وأنت تعاني من أجلي، فما تريد عبدي بعد أن أصبحت حياتك كما تحب؟ أنت الآن تعاني من بعض المشاكل والآلام في حياتك، وهذا ما رغبت فيه أنت وأحبته أنت فعانِ إذن وتجرع البلاء. وأنا في المقابل أقدر لك المحن والبلايا على الدوام ولم أقصر في ذلك. وأنت تتقرب إلي يوما بعد يوم بصبرك الجميل على هذه المحن والمشاكل، إذن ليس لك مشكلة بعد وعش سعيدا إلى آخر عمرك. ولكن بعد كل هذا لا يزال العبد حزينا خائفا. فإن سأله الله عن السبب أجاب وقال: إلهي لا طاقة لي بحر نارك فماذا أفعل إن أدخلتني النار؟ فلا يزال هذا العبد يبكي ويبكي خوفا من نار جهنم التي سعّرها جبار السماوات والأرض. وهذا الخوف والبكاء أيضا من هواياته فدعه يبكي.

أنا لا أفهم حقيقة هذا النوع من الحب والغرام، فهل تفهمونه أنتم؟! الشيء الوحيد الذي أدركه من هذا العشق أنه يختلف عن العشق الدنيوي الذي ناجم من الأنانية وحب الذات، بيد هذا الإنسان يحب أن يعاني ويتجرع البلاء في سبيل حبيبه. فمهما تحمل من عناء وبأساء وضراء لا يشعر بأنه قد وفي حق حبيبه، فيبكي خوفا من نار جهنم! فكيف تفسرون بكاء أمير المؤمنين (عليه السلام) الشديد من جهنم؟! لقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (الْقَلْبُ الْمُحِبُّ لِلَّهِ يُحِبُّ كَثِيرًا النَّصَبَ لِلَّهِ والْقَلْبُ اللَّاهِي عَنِ اللَّهِ يُحِبُّ الرَّاحَةَ فَلَا تَظُنَّ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّكَ تُدْرِكُ رِفْعَة الْبِرَ بِغَيْرِ مَشَقَّة) (مجموعة ورام، ج 2، ص 87).

إن الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي نعيشها من أجله

بعد أن عشق الإنسان ربه ورغب في تحمل البلاء من أجله، لم يعطَ حق اختيار البلاء بل الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي لابد أن يعيشها من أجله. ولا شك في أن هذا القانون عام يشمل جميع الناس ولا العشاق فقط.

أيّها السادة هل تريدون أن تتصدقوا؟ أجيبوني بنعم إن كنتم تريدون أن تتصدقوا فاسمحوا لي أن آتي بيوتكم وأختار بنفسي البضاعة لتتصدقوا بها، فهل توافقون على ذلك؟! من المؤكد أنكم لا توافقون على ذلك إذ تريدون أن تتصدقوا بما تشاءون لا بما يختاره غيركم. ولكن الله سبحانه يمتحنكم ويقدر لكم المشاكل كيف ما يشاء، وهو يعرف جيدا كيف يبتليكم ويفرض عليكم المحن والمشاكل، إنه يعرف ثغرات حياتكم ويعرف نقاط ضعفكم، وأحيانا يأخذ إسماعيلكم أضحية.

طبعا إن الله أرحم الراحمين وهو يراعي قابليتنا وإيماننا، فلا يخف منكم أحد، إذ نحن غير مؤهلين لمثل هذه الامتحانات الصعبة، فلا تقلقوا على مستقبلكم وما سوف يفعله الله بكم: (لَوْ لَا إِلْحَاحُ هَذِهِ الشَّيْعَةِ عَلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لَنَقَلَهُمْ مِنَ الْحَالِ الَّتِي هُمْ فِيهَا إِلَى مَا هُوَ أَضْيَقُ مِنْهَا) (الكافي، ج 2، ص 264).

إن الله قد سمح لشخص واحد أن يتجرع البلاء إلى آخره، وهو الحسين (عليه السلام)، ولم يعط هذه الفرصة لأحد آخر أبدا. لم يسمح لإبراهيم الخليل (عليه السلام) أن يتجرع البلاء بشكل مباشر ولم يسمح لشخص آخر أبدا ولكنه قد سمح للحسين (عليه السلام). فأنت الذي تعشق الحسين (عليه السلام) وبودك أن تفدي بروحك من أجل الحسين (عليه السلام) هل تعلم لماذا أخذ الحسين (عليه السلام) من قلبك هذا المأخذ؟ وهل تعرف سبب حبك الشديد هذا للحسين (عليه السلام)؟ لأن فطرتك وذاتك تتلهف للحسين (عليه السلام) إذ أن الحسين قدوة إنسانيتك وقد جسد الإنسانية بأروع صورها، وهي ليست إلا حب تجرع البلاء من أجل الله، وأنت مفطور على هذا الحب، فلابد أن تحب الحسين (عليه السلام).

ـ كيف نصل إلى هذا المقام؟

هناك طريقان

الطريق الأول هو هذا الكلام الذي تحدثنا به. اعترف بمرارة الدنيا لتقدر على التجافي عنها ولئلا تصرف كل همك بإصلاحها. طبعا لا بأس أن يقوم الإنسان بإصلاح دنياه بمقتضى تكليفه، ولكن لا تصرف وجودك في هذه الدنيا البالية. دعها فإنها لا تصلح بشكل كامل. ارفع همتك عن مستوى هذه الدنيا وطهر قلبك عن التعلق بها وصدق بمرارتها ولا تصادق من أهلها أحدا ولا تأنس بأحد من أهلها، دعها ولا تفتش عن راحتك وقرارك فيها. هذا هو الطريق الأول.

أما الطريق الثاني فهو عقد القلب بالله سبحانه فدرب نفسك شيئا فشيئا على عشق الله. وقد جعل الله سبحانه المعصومين الأربعة عشر تسهيلا لحبه. فإن صعب عليك حب الله وعشقه، فاعشق الحسين (عليه السلام) لتصل عن طريق عشقه إلى عشق الله. واللطم على الصدور في هذا المسار يمثل سلوكا عرفانياً رائعا. فهو شعار ورمز لمن أحب أن يتحمل البلاء في سبيل الحبيب.

إني آسف عليكم جدا إذ لم تدركوا أيام الجبهة والدفاع المقدس. فلأنقل لكم بعض المشاهد التي عشتها هناك بصفة إنسان شاهد وحسب. كنا نعيش ساعات وأياما تحت قصف القنابل والرصاص، ومن كثرة الشضايا والقنابل والرصاص كنا نشعر بأنا تحت المطر وكان مطرا من نور. فعندما تنتهي تلك الأيام ونشعر بالأمان ينقبض قلبنا ونشعر بأنه قد اسود لقلة البلاء. وقد سمعتم كثيرا أن الشباب المجاهدين عندما كانوا يرجعون إلى مدنهم كان يضيق صدرهم. إذ أن فطرة الإنسان تتلهف للبلاء والشدة في سبيل الحبيب والمعشوق.