1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية الروحية والدينية :

التصديق والإيمان بنار جهنم

المؤلف:  الشيخ علي رضا بناهيان

المصدر:  النظام التربوي الديني

الجزء والصفحة:  ص 357 ــ 173

2024-07-12

404

التصديق بخلود بعض الناس في عذاب جهنم أمر عصيب / فلنؤمن برذالة الأعداء

من العقائد المهمة جدا، هي التصديق والإيمان بنار جهنم فإن بعض الناس لا يكاد أن يستطيع التصديق بالعذاب العسير الإلهي. إن التصديق بالخلود في نار جهنم وما فيها من عذاب عسير أبدي أمر غير هين. إذ يتساءل الناس يا ترى كم قد تمادى هذا الإنسان في الرذالة والشقاء حتى استحق الخلود في نار جهنم؟ يجب علينا أن نصدق بأن بعض الناس قد بلغوا الذروة في الرذالة والشقاء ومن شأنهم أن يمكثوا في العذاب إلى أبد الآبدين. لقد قال الله سبحانه وتعالى في حق بعض الأشقياء: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4].

لابد للمتدينين والصالحين أن يصدقوا بإمكان وصول بعض الناس إلى هذا المستوى من الرذالة والشقاء. إن بعض المتدينين الذين لم يتبرأوا من أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، قد يكون بسبب أنهم لم يصدقوا شدة رجس هؤلاء وما أعد لهم الله من عذاب شديد. ومن منطلق هذه السذاجة نفسها تجد أن بعض الناس لم يعوا حقيقة هذه الظاهرة المشؤومة المتمثلة بإسرائيل. ولكن يجب أن نؤمن بحقيقة العدو ونصدق برجسه ورذالته.

إن التصديق بوجود العدو وكذلك الاعتقاد بشقاء بعض الناس وشدّة رذالتهم أمر عسير، في حين أن في سبيل تحقيق مجتمع سليم بعد ظهور الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لابد لنا أن نتحلى بهذا التصديق واليقين. فإنك أن لم تصدّق برجس بعض الناس، ينفسح المجال لهؤلاء أن يرتكبوا أبشع الجرائم أمامك حتى تصدق. إن الجرائم التي بدأت تشيع في بلدان هذه المنطقة، لهي نماذج تدل على وجود أناس أرجاس أشقياء. أما الطريق الأفضل هو أن تستعين على الإيمان بشقاء بعض الناس ورجسهم واستحقاقهم الخلود في العذاب، بمعرفتك ونور قلبك.

إن كلمات الإمام الخميني رائعة لفهم دناءة العدو. لقد كان الإمام الخميني يستخدم أشد التعابير وأغلظها للتنديد ببعض المتدينين الذين كانوا يعبّدون الطريق للأعداء ولم يؤمنوا برجسهم ودناءتهم.

كيف نقنع بخلود بعض الناس في جهنم؟

إن الطريق للاقتناع بخلود العذاب في جهنم، هو الإيمان بمدى انحطاط بعض الناس. وطريق الإيمان برجس هؤلاء وانحطاطهم هو أن تدرك مدى سهولة الخضوع لولاية أولياء الله، بيد أن هؤلاء الأرجاس قد أبوا الخضوع لهذه الولاية. لا سبيل إلى تنفيذ أوامر الله بصدق، إلا عن طريق امتثال أوامر الولي. والجدير بالذكر أن استلام الأوامر عن طريق الولاية قد سهل الأمر ويسر الطريق. فإنك إذا عرفت سهولة الخضوع للولاية وامتثال أوامرها، سوف تؤمن برجس المخالفين الذين وقفوا منها وقفة المخالف اللدود.

إن من يستنكف عن طي طريق الولاية مع سهولته وجماله، فهو إنسان منحط جدا. إذ أن تقبل حديث أولياء الله هو مخالفة لأهواء النفس بحد ذاته ولكنها مخالفة سهلة. فباعتبار يسر هذا الطريق وسهولته، لابد أن نقول: تعسا لأولئك الذين رفضوا الولاية ولهم الويل وعذاب الخلد بما كانوا يتمردون. إن الخضوع للولاية لأمر يسير إلا على مرضى القلوب والمتكبرين.

فلننظر إلى حديث الإمام الصادق (عليه السلام) لكي نؤمن باستحقاق منكري الولاية الخلود في نار جهنم، وأن لا نصيب لهم من الإيمان. فقد قال (عليه السلام): (ثَلَاثَةً لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولَا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ مَنِ ادَّعَى إِمَامَةَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ لَهُ ومَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ ومَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً) (الكافي، ج 1، ص 373)

بعد ما تنتهي حركة جهاد النفس إلى الولاية، تخفّ المعاناة

بعد ما تنتهي حركة جهاد النفس إلى موضوع الولاية تخف المعاناة وتسهل. فهنا يهون الأمر ويزول عناء الجهاد. إن عناء طاعة الله وأداء تكاليفه والرضا بقدره يزول بتقبل الولاية. لقد أعد الله الولي لأولي النفوس السليمة لكي يسهل عليهم هذا الطريق الصعب والطويل، فيلعن الله من أعرض عن هذا الطريق بعد ما سهل وهانت معاناته. لقد جعل الله أمير المؤمنين (عليه السلام) ولياً لتسهيل هذا الدين. إذ أن الإنسان الضعيف الذي لم يتلوث بأمراض القلب، إذا رأى ولي الله، ينبهر بحسنه ويشعر بسهولة الأمر بعد لقائه فهو يقول: لقد ابتعدت عن ديني لكوني لم أرك يا مولاي، أما الآن وبعد ما رأيتك فقد عشقتك وعشقت الدين الذي تدعو إليه، فها أنا التزم بديني بعد.

إن الولاية تيسر عملية جهاد النفس. لا نريد أن نحكم على جميع الناس عبر هذه القاعدة، إذ أن الجاهلين والمستضعفين خارجون عنها، ولكن من رأى نور أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم أنكر ولايته، فهو في غاية الرجس والشقاء.

من لم يصدق رذالة منكري ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) فلينظر إلى كربلاء

من لم يصدّق رذالة منكري ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) فلينظر إلى كربلاء. فكل أولئك الذين ملأوا قلب أمير المؤمنين (عليه السلام) قيحا وشحنوا صدره غيظا، قد جسدوا رذالتهم وشقاءهم في كربلاء. فيا ترى في أي حرب قد ارتكبوا الجرائم التي ارتكبوها في كربلاء؟! من هنا نعرف أن كربلاء ليست بمعركة بسيطة، إنها محل أخذ أعلى المعارف وأسماها.

نحن إن لم ندرك حقيقة ابن ملجم، فلنبحث عن حقيقته في كربلاء. فيا ترى أين كانوا قد أخفوا أضغانهم؟ وليت شعري ما الفائدة التي كان يحصل عليها العدو برض الأجساد بحوافر الخيل؟! وما كان الهدف من قرع رؤوس أطفال الإمام الحسين (عليه السلام) بالرماح؟ كل ما جرى في كربلاء يدل على أن كره أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس بأمر بسيط. وكذلك ليس بأمر بسيط أن يقوم قوم بقتل الحسين (عليه السلام) بغضا لأمير المؤمنين (عليه السلام).

الإمام، يسهل العبودية وعملية جهاد النفس

إن كانت مراحل جهاد النفس السابقة صعبة، فإنها تسهل وتهون عند ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) الإمام يسهّل العبودية وعملية جهاد النفس. ومن هنا تستفحل ظاهرة العداء لأولياء الله بين مرضى القلوب. كل الحديث الذي جرى حول الكبد والعناء في مسار جهاد النفس، متعلق بالمراحل الابتدائية أما بمجرد أن نصل إلى موضوع الولاية، تخف المعاناة.

لقد روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حديث مشهور (فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِنَا لِنَفْسِهِ، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواهُ، مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامَ أَنْ يُقَلَدُوه) (وسائل الشيعة، ج 27، ص 131) فلابد أن ننظر (إلى إطاعة أمر المولى) كأمر في امتداد (مخالفة الهوى). فإن هذين العنصرين هما في امتداد واحد.

إن لاقى أحد صعوبة في مخالفة هوى نفسه، فليكثر في الذهاب إلى مجالس عزاء الإمام الحسين (عليه السلام)

إن لاقى أحد صعوبة في مخالفة هوى نفسه، فليكثر في الذهاب إلى مجالس عزاء الإمام الحسين (عليه السلام). إن لم نغتنم نعمة الولاية هذه التي منحوها لنا مجانا والتي تعبد طريق العبودية ومخالفة النفس، ولم نسهل لأنفسنا عملية جهاد النفس، فعند ذلك سوف نستحق عذاب جهنم.

لقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بِإِقَامَةِ حَافِظِهِ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بِوَلَايَتِنَا ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا أَي تَسْلِيمَ النَّفْسِ لأَمْرِنَا) (مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 23).

لماذا الإمام يعبد طريق جهاد النفس لسالكيه؟ لأنه يحظى بجاذبية وحلاوة متميزة. ولذلك يقف زائر أهل البيت (عليهم السلام) عند قبورهم فيقول: (فَمَا أَحْلَى أَسْمَاءَكُمْ) (زيارة الجامعة، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج 2، ص 276). من خصال الإمام أنه جميل وجذاب ويدخل حبّه في الفؤاد. وإنكم تستطيعون أن تشاهدوا دور الإمام في تسهيل العبادة، عبر مشاهدة حياة الصالحين من الناس.

من كان لا يرغب في الالتزام بمواقيت الصلاة، فإنه إذا أحب إمام زمانه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وعرف أن الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يحب الصلاة في أول وقتها، سوف يلتزم بمواقيت الصلاة بطبيعة الحال. وكم من الشباب الذين رأيتهم بأم عيني في جبهات الجهاد من الذين هانت عليهم صعوبة الالتزام بوقت الصلاة، بعد أن أوثقوا عرى حبهم للإمام صاحب الزمان (عليه السلام).

إن دور الإمام هو أن يبدّل عملية جهاد النفس إلى علاقة حب وغرام ونزهة. هذا هو شأن الإمام في العالم. نعم، إن جهاد النفس صعب عسير، ولكن ما لم يأت الإمام في البين، لماذا أرسل الله الأنبياء إلى الناس، لأنه أراد أن يسهل عليهم صعوبة الدين، فأرسل إليهم رجالا مشرقي الوجوه ومحبوبين خلوقين، فقال لهم اذهبوا إلى قومكم واكسبوا قلوبهم.

الإمام يكسب القلوب، وبحبه نستطيع أن نلتزم بديننا وندرك حقيقته. كما جاء في زيارة الجامعة: (بِمُوَالاتِكُمْ عَلَمَنَا اللَّهُ مَعَالِمَ دِينِنَا) (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج 2، ص 277). كذلك التوحيد بين أبناء المجتمع فإنه ليس بأمر هين، ولا يقوى على هذا المهم إلا الولي والإمام. ولذلك نقول في تكملة المقطع السابق من زيارة الجامعة: (وبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ وعَظُمَتِ النِّعْمَةَ وائتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ) (المصدر السابق).

انظروا ماذا فعل الإمام الحسين (عليه السلام) ليلة العاشر؟ إنه قد سهل صعوبة الجهاد على أصحابه. إنه عرض على أهله ومن معه من أصحابه أن يتفرّقوا ويجعلوا الليل جملا وقال: إنما يطلبوني وقد وجدوني. فقالوا: قبح الله العيش بعدك. يعني أصبح البقاء معك سهلا والذهاب علينا صعبا. فبعد ما وجد الإمام الحسين (عليه السلام) أن كم قد سهل الجهاد عليهم بنور الولاية سهل عليهم الطريق أكثر. إذ بعد ذلك كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم في الجنة. فقد، روي عن الإمام السجاد (عليه السلام) أن قال الإمام الحسين (عليه السلام) لهم في تلك الليلة: (ارفعوا رؤوسَكُم وانظروا. فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم. مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُم: هذا مَنزِلُكَ يَا فُلانُ، وهذا قَصَرْكَ يَا فُلانُ، وَهَذِهِ دَرَجَتْكَ يَا فُلَانُ. فَكَانَ الرَّجُلُ يستقبل الرماح والسيوف بصدره، ووَجهِهِ لِيَصِلَ إلى منزله مِنَ الجَنَّةِ) (الخرائج والجرائح، ج 2، ص 847).  هذا هو دور الإمام في تسهيل الطريق لأصحابه والخاضعين لولايته. فإنه قد سهّل عليهم جهاد النفس، وبذل الأنفس في سبيل الله والرضا بقضائه.

هنا حري بنا أن يناجي كل منا إمام زمانه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويقول له: سيدي، أرى طريق إصلاح نفسي وعرا، فها أنا أعيش الصعاب والمعاناة في هذا الطريق، مما يدل على أني لم أعرفك بعد. سيدي ومولاي أرجوك أن تعرفني نفسك وتقتحم قلبي وتزيل الغطاء عن وجهي كما فعل الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه فسهل بعيني الموت من أجلكم.

لابد أن نعرف احتياجنا للإمام ودوره في عملية إصلاح النفس، فإذا أدركنا احتياجنا إليهم واستعنا بهم، سوف لا يبخلون علينا بمعونتهم. فإنهم قد خلقوا لأداء هذا الدور. وهذه هي المعرفة الرئيسية التي نستطيع أن نعتبر باقي الأبحاث مقدمة أو هامشية بالنسبة إليها.

لابد أن قد سمعتم قصة ذاك الشيعي الذي أمره الإمام الصادق بإلقاء نفسه في التنور. (قال مأمون الرقي كُنْتُ عِنْدَ سَيِّدِي الصَّادِقِ ـ عليه السلام ـ إِذْ دَخَلَ سَهْلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَكُمُ الرَّأْفَةُ وَ الرَّحْمَةُ وَأَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتِ الْإِمَامَةِ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ أَنْ يَكُونَ لَكَ حَقٌّ تَقْعُدُ عَنْهُ وَأَنْتَ تَجِدُ مِنْ شِيعَتِكَ مِائَةَ أَلْفِ يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالسَّيْفَ فَقَالَ لَهُ ـ عليه السلام ـ اجْلِسُ يَا خُرَاسَانِيُّ رَعَيِ اللَّهُ حَقَّكَ ثُمَّ قَالَ يَا حَنِيفَةُ اسْجُرِي التَّنُّورَ فَسَجَرَتْهُ حَتَّى صَارَ كَالْجَمْرَةِ وَ ابْيَضَ عُلُوهُ ثُمَّ قَالَ يَا خُرَاسَانيُّ قَمْ فَاجْلِسْ فِي التَّنُّورِ فَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّ يَا سَيِّدِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ أَقِلْنِي أَقَالَكَ اللَّهُ قَالَ قَدْ أَقَلْتُكَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ هَارُونُ الْمَكِيُّ وَنَعْلُهُ في سبابته فقال السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصَّادِقُ ـ عليه السلام ـ أَلْقِ النَّعْلَ مِنْ يَدِكَ وَ اجْلِسَ فِي التنور قَالَ فَأَلْقَي النَّعْلَ مِنْ سَبَّابَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ فِي التَّنُّورِ وَأَقْبَلَ الْإِمَامُ ـ عليه السلام ـ يُحَدِّثُ الْخُرَاسَانِيَّ حَدِيثَ خَرَاسَانَ حَتَّي كَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهَا ثُمَّ قَالَ قُمْ يَا خُرَاسَانِيُّ وَ انْظُرْ مَا فِي التَّنُّورِ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ مُتَرَبِّعًا فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ ـ عليه السلام ـ كَمْ تَجِدُ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ وَاللَّهِ وَلَا وَاحِداً فَقَالَ ـ عليه السلام ـ فَقَالَ أَمَا إِنَّا لَا نخْرُجُ فِي زَمَانٍ لَا نَجِدُ فِيهِ خَمْسَةٌ مُعَاضدِينَ لَنَا نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْوَقْتِ) (بحار الأنوار، ج 47، ص 124) فانظر كيف قد هونت الولاية ما لا يطيقه سائر الناس. فلا تزعم أن هارون المكي قد جاهد نفسه كثيرا حين ما ألقى نفسه في التنور، أو أنه قد خير نفسه بين نار التنور ونار جهنم فاختار نار التنور كرها، كلا.

لا ينال ولاية أهل البيت (عليهم السلام) إلا بالورع

لا ينال ولاية أهل البيت (عليهم السلام) إلا بالورع، والورع هو أقصى مراحل التقوى. الورع هو ترك هوى النفس بلا مشقة؛ يعني أن تبلغ المرحلة التي تسهل فيها عملية جهاد النفس. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لسليم: (يَا سُلَيْمَ إِنَّ مِلَاكَ هَذَا الْأَمْرِ الْوَرَعُ لِأَنَّهُ لَا يُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْوَرع) (كتاب سليم بن القيس، ج 2، ص 827).

لابد أن نتجه نحو الولاية عن طريق الورع، ثم نعزز الورع بالولاية. وبهذا الأسلوب يسهل الورع. إن حب أمير المؤمنين (عليه السلام) يزيد الإنسان ورعا، والورع يزيد الإنسان حبا لأمير المؤمنين (عليه السلام). إن حب أمير المؤمنين (عليه السلام) هو حب جميع المحامد والفضائل في الواقع. فقد جاء في زيارة الجامعة: (ان ذُكر الخير كنتم أوله وَأَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَأَصْلَهُ وَمَعْدنَهُ وَمَأْوَاهُ وَمُنْتَهَاهُ). ويجرنا هذا الحب إلى جميع الفضائل والمحامد فإن وجدنا بعض الفضائل ثقيلة على أنفسنا، فذلك بسبب أننا لم نعرف إمامنا جيدا. إذ أن الإمام يسهل الصعاب كلها.

الولاء للولي يسهل عليك عملية جهاد النفس، وكذلك يسهل عليك إطاعة المولى في جهاد النفس، وفي نفس الوقت يضعف هوى نفسك بشكل كامل. إذ بولائك قد تقبلت أن يتفضل عليك بشر مثلك لأن الله قد فضله عليك. فإنك عندما تقر لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالولاية والسيادة والإمرة عليك فقد قضيت على نفسك، ويسهل عليك الورع حينئذ.

لماذا الولي يسهل عملية جهاد النفس؟

والسبب الآخر الذي جعل ولي الله سببا لتسهيل جهاد النفس، هو أن ولي الله مظلوم. فإنك عندما ترى مظلومية أمير المؤمنين (عليه السلام) حين استشهاد السيدة الزهراء (عليها السلام) تهون عملية جهاد النفس بعينك. إن هذا الرجل العظيم الذي استشهد في هذه الأيام، قد شدّ بالحبال وجر إلى المسجد. وقد ضربت زوجة هذا الرجل المظلوم أمام عينه.

ما أكثر الشهداء الذين زالت مظلوميتهم بعد استشهادهم، إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد بدأ الخطباء بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) بلعنه على المنابر. فهل تستطيعون أن تجدوا مظلوما مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام).

من ظلامات أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد استشهاده هي أن لم يشيعه أحد من الناس فقد دفن في ليلة ظلماء بعيدا عن أنظار الناس. فعادت ذكريات مصائب الزهراء (عليها السلام) على بنته زينب وهي ترى تكرار مشهد التشييع في جوف الليل خفية، فما أعز على البنت المصابة بفقد أبيها أن لا تجهش بالبكاء، ولا ترفع صوت النحيب والعويل على أبيها المقتول ظلما. ألا لعنة الله على القوم الظالمين.