x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
مكونات الثقافة
المؤلف: السيد الدكتور سعد شريف البخاتي
المصدر: الثقافة العقليَّة ودورها في نهضة الشعوب
الجزء والصفحة: ص 76 ــ 82
2024-06-29
844
يصرح الباحثون بأن الثقافة هي نسيج من المعارف والاعتقادات والأعراف والتقاليد والفنون. فمجموع هذه الأمور تسمى بالثقافة، فثقافة أي مجتمع عبارة عما يحمله من علم ومعرفة ومعتقدات وأعراف وفنون وتقاليد.
ولكن التأمل يدلنا على أن هذه المكونات الثقافية ليست على حد سواء، بل للبعض تقدم على البعض الآخر، فإن جميع هذه المكونات أساسها ومنشأ تكوّنها هو العلم والمعرفة، فالاعتقاد - مثلاً - كيف يتكون؟
إنما يحصل الاعتقاد من خلال مجموعة قضايا ومواضيع تتعرف عليها وتعلم بها، ثم تعتقد بصحتها أو بطلانها، فأسّها العلم، بل هي علم قطعي بأمور خاصة.
وهكذا عندما ترجع إلى الأعراف والتقاليد الاجتماعية، فهي عبارة عن: معرفة المجتمع بمنافع ومحاسن مجموعة أفعال، فيسعون إلى تطبيع الناس عليها - بوسيلة أو أخرى - حتى تتحول إلى ظواهر اجتماعية لها قدسيتها ومكانتها في المجتمع. ونجد نفس الشيء في الفن، فإنه معرفة وعلم خاص.
فمن الواضح جداً علاقة المكونات الثقافية بطبيعة المعرفة التي تسود تلك الأمة.
ومن هنا نستطيع أن نعرف من أين تبدأ مرحلة الإصلاح الثقافي، فما دامت المكونات جميعها ترجع إلى أسٍ واحد وهو العلم، والمفاهيم التي يختزلها المجتمع من خلال مسيرته المعرفية، فلا بد من البدء أولاً من العلم، وكيفية تكونه، وغربلة الموروث المعرفي الذي تبتني عليه ثقافة الأمة؛ وبالتالي مسيرتها الفكرية والسلوكية.
وبما أن لكل شيءٍ قانوناً يميز الجيد من الرديء، والنافع من الضار، والحق من الباطل، فهكذا العلم لا بد له من قانون نمیّز به حقه من باطله ونافعه من ضاره؛ وبذلك يتغربل العلم: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].
وهنا عند هذه النقطة المفصلية - غربلة العلم وتقنينه - لا بد أن يقف الباحثون عن الإصلاح، ويتعرفوا على القانون الذي يحكم عملية التفكير، وكيفية كسبه للمعرفة.
إنَّ الأمة التي تتمكن من تنقية معارفها وثقافتها من الخرافة وكل ما هو باطل، بحيث تكون عقائدها وتقاليدها والأعراف التي تحكمها نقية من شوائب وترسبات الجهل والأوهام، هي الأمة التي تستطيع أن تبني حضارتها وتعيد مجدها.
أسباب ونتائج
لا نريد أن نكون متشائمين أو سوداويين في نظرنا إلى الواقع، بل أنا ضد هذه النظرة البائسة؛ لأنها مدعاة إلى الفشل والكسل، ولكن أتصور أن ننقد أنفسنا لننهض، خير من أن ينقدنا الآخرون فنسقط.
لننظر إلى واقعنا نظرة تمعن نظرة المحب الذي يريد أن يبني، نظرة الطبيب الذي يريد أن يعالج، ولكن أنّى له العلاج ما لم يشخص المرض. فلنتصور أمتنا إنساناً يشكو من بعض الألم والأوجاع، فليس من الصحيح أن يُسلمه الطبيب إلى قضاء الموت، فيغرس نفسه اليأس من الشفاء، ولا أن يتجاهل كل أعراض المرض الذي ألمت به، فيتركه من دون علاج؛ فتتسع رقعته حتى يلتهمه الموت.
لا بد من طريق عقلائي يشخص نوع المرض، من خلال قراءة أعراضه قراءة فاحصة دقيقة، حتى يكتب له ما يلزم من علاج.
إن أمتنا تعاني من مجموعة آلام وعلل، تبرز فيها من خلال أعراضها على شكل ظواهر اجتماعية سلبية، والتي يعدها البعض سبباً من أسباب تراجعنا وتخلفنا، والحال أنها أعراض لأسباب تركن في العمق.
وعندما نترك غرف البحث المغلقة وطاولة المطالعة وقاعات الندوات والمؤتمرات، وننزل في وسط المجتمع لنعيش همومه، ونتحرك بين مفاصله، تواجهنا عدد لا يستهان به من الخرافات التي أخذت حيزها في النفوس فصارت مشرباً لتفسير كثير من القضايا الاجتماعية والدينية وغيرها.
وأصبحت - ومنذ أمد بعيد - الأفكار تنتقل بالتلقين لا بالتفكير والتأمل، تملى على أمتنا بطرقٍ شتى على وفق قناعات محددة؛ ولذلك يشيع فينا الحفظ دون الاستنتاج والتطوير.
إذا صادفتك حادثة ما، تسارع إلى مسامعك بعض الأفواه؛ لتفسر لك الحادثة بنوع من الأوهام والتمحلات، فيربطها البعض بالحظ أو البخت وآخر يفسرها بتأثير الجن وتدخلاته و...، تاركين وراءهم البحث عن الأسباب الواقعية لتلك الحوادث ففشلنا - في نظر هؤلاء - قسمة ونصيب ونجاحنا حظ وبخت.
فأين العقل، التدبير، بذل الجهد، التخطيط للمستقبل؟!
وكأن كل شيء يأتي إلينا جاهزاً من وراء الغيب، ولا دور لنا، لا في فشلنا، ولا في نجاحنا فتقعد الأمة تلوم حظها، ولا تحرك ساكناً، بل لا تفكر كيف تخرج من محنتها.
ومن هنا تبرز ظواهر أخرى غير مرضية، من قبيل: عدم التخطيط لبناء المستقبل - الفردي أو الاجتماعي - فالأعم الأغلب يعيش يومه ويعمل له، ويترك المستقبل للمستقبل.
ولماذا التخطيط والتفكير لبناء مستقبلنا، بعد ما كانت الاستخارة (الخيرة) تفتح لنا الطرق وتكشف لنا ستار الغيب.
ثم نفسر عملنا هذا بالتوكل، فنلوم من يجهد نفسه في ذلك، وكأن قادتنا لم ينصحونا بأن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبداً (1)، وكأن القرآن لم يقرع سمعنا: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، ولم نقرأ أو نسمع: (أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب) (2).
أصبحنا حيارى لا نعرف وظيفتنا، ولا ندرك ما هي مسؤوليتنا، فذهبنا نستقصي وظيفة غيرنا مادحين أو ناقدين، نبحث عن وظيفة القادة السياسيين والدينيين، وقد نتجاوز هذه الحدود، فنبحث عن وظيفة المعصومين و...... ولم نسأل أنفسنا - يوماً - ما هي وظيفتي في هذه الدنيا؟ وظيفتي كأب مربي أو أم مربية، وظيفتي كولد صالح، وظيفتي كمعلم للجيل، وظيفتي كمؤمنٍ حامل لرسالة السماء، وظيفتي كمواطن غيور، وظيفتي كفردٍ في هذه البلدة والقبيلة.
هذه وظيفتنا، إذا أهملناها فمن الذي يقوم بأدائها؟!
(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) (3)، فأنت موظف في أجهزة الدولة، ولك وظيفة أخرى تجاه والديك، وثالثة تجاه أولادك، ورابعة تجاه شريك الحياة، وتجاه البلدة، والقبيلة، والأرحام و.....
وفي الختام، كل واحد منا مسؤول تجاه الأمة بأكملها: (مَنْ لَمْ يَهْتَم بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِم)ٍ (4)، فلا بد أن نسأل أنفسنا: هل أدينا هذه الوظائف الملقاة على عاتقنا أو بعضها؟ وبأي نسبة؟
وأكثر من ذلك فقد تجد الكثير الكثير، الذين لم يؤدوا حتى حق أنفسهم، بل قد لا يعرفون أنَّ لأنفسهم حقاً عليهم في تعليمها ما تحتاج إليه، وحفظها مما يوقعها في مخاطر الدنيا أو الآخرة، وحفظها من الذل والهوان؛ فإنَّ الله فوض للمؤمن كل شيء إلا أن يذل نفسه، فإنه من الحقوق التي لم يرخص فيها.
ومن الظواهر المقيتة، أننا لا نعي عظم المخاطر التي تحيط بنا وتحدق بأمتنا، ولا نقرأ الخطط والاستراتيجيات التي تحاك ضدنا، فنحسب كل ابتسامة لوناً من الأخوة، فلم تفرق بين العدو والصديق!! من يريد خيرنا ومن يريد الفتك بنا واستغلالنا!!
وفوق هذا وذاك، التبس الأمر على بعض مثقفينا، فصار يتخبط بين أودية متباعدة، فلا يفقه فرقاً بين الخرافة والإيمان ببعض المغيبات التي أثبتها العقل والنقل.
ولذا في نظر هؤلاء يعد التدين تخلفاً، فإذا أردت التقدم والنهوض فما عليك إلا أن تخلع لباس الدين، وترتدي.....
بعد قراءة هذا لا بد أن نرفع رؤوسنا بعزم، ولا ننحني أمام المصاب مهما كان عظيماً.
لنستبين أسباب هذه المأساة، وندع الخلافات جانباً، لنوحد الجهود؛ لنقضي على هذه المظاهر الواحدة تلو الأخرى. بشرط أن نعرف السبب.
إنها الثقافة، نعم إن الثقافة حين أصبحت تصنع في غير بلادنا، حين أضحت يُخطط لها بغير عقولنا، وتكتب بغير أقلامنا، فلا نتوقع حالاً أفضل من هذا؛ لأن العدو لا يرحم.
ها هي ثقافة الغش والقتل والتكفير والتفجير، وسرقة بيت مال المسلمين، وعدم احترام القانون، والعري والميوعة والابتذال والخيانة و.......
من أين جاءت كل هذه السلوكيات؟ وأين حيكت؟
نظرة خاطفة بتأملٍ إلى المسلسلات والأفلام التي أخذت بلي شبابنا بل شيوخنا، وإلى الأفلام الكارتونية التي سحرت أطفالنا، واختطفتهم منا ليل نهار.
ونظرة إلى بعض أحزابنا وتكتلاتنا أين ولدت؟ ولماذا شكلت، ومتى تكونت؟
تجد أننا نسينا أنفسنا، لكن العدو لا يغفل عنا، فأخذ يبني لنا ثقافتنا بما يخدم مشروعه ومطامعه لنسير حيث وجهنا بكامل اختيارنا.
فإذا كنا نبحث عن الحلول، فلنضع أيدينا على أثمن وأعلى جوهرة فينا وهي ثقافتنا التي تحركنا، فنتحرك من خلالها، لنغربلها بميزان الفكر، ونرشدها بمناهج ا التفكير المعرفية، فنقوّم بناءها، ونصعد بها خطوة بعد أخرى على مهل.
عند ذلك نتمكن من صياغة مكونات ثقافتنا، من عقائد وأعراف وتقاليد على وفق الموازين الصحيحة الحقة.
إذا تم ذلك، يمكننا أن نطالب أبناء أمتنا بعدم تضييع الوقت، فإن له قيمة، وعدم بيع التراب الى الغير أو البوار، فإنه أساس الكرامة، وعدم سحق كرامة الآخرين (لأن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الملائكة) (5) وإن كل إنسان (إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق) (6)، كما سجلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في مسمع الدهر وغرسها في عمق التاريخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ ورد عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، مستدرك الوسائل الميرزا حسين النوري، ج 1، ص 146.
2ـ بصائر الدرجات الصغار، ص 26.
3ـ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 72، ص 38 صحيح البخاري، ج 1، ص 215. 4ـ الكافي، الكليني، ج 2، ص 164.
5ـ شرح الاخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 3، ص 109.
6ـ نهج البلاغة، الامام علي (عليه السلام)، عهده لمالك الاشتر، ج 3، ص 84.