x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
نوافذ المعرفة
المؤلف: السيد الدكتور سعد شريف البخاتي
المصدر: الثقافة العقليَّة ودورها في نهضة الشعوب
الجزء والصفحة: ص 73 ــ 76
2024-06-01
752
قد يتدرب الفرد، بل المجتمع على نمط خاص من التفكير، فلا يجيد غيره، ولا يصغي إليه، أو لا يستطيع الاستفادة منه؛ لاستيناسه بالنمط الأول.
وهذا يختلف من شخص أو مجتمع لآخر، فرب شخصٍ اعتاد على النمط التجريبي، فهو يقيس المعرفة بمنهج التجربة، فكل شيءٍ قامت التجربة عليه أو يمكن تجربته، فهو مقبول عنده، وإن لم يمكن ذلك ألقى به جانبا، ورب شخص سلك طريقاً آخر من التفكير، فكل فكرة وثقافة لم يدعمها البرهان العقلي، فهي - بحسب نظره - من زخرف القول وتوافه الأفكار، بينما نجد صنفاً ثالثاً ينأى بنفسه عن كل ما لم تدوّنه. كتب النص الديني.
فالتفكير عندهم حرفي، فلا يرى إلا من خلال نظارة واحدة، تلقي بألوانها وظلالها على ناظره، فيرى الأشياء على وفق هذا النمط، ويقيس صحتها وسلامتها من عدمها، بمرورها من هذا النمط التفكيري الخاص أو عدم مرورها.
وهذه من أعقد المشاكل التي ابتليت بها المجتمعات في أكثر بقاع المعمورة، سواء من البلاد المتحضرة والتي تدعي التقدم لنفسها، أم من غيرها، فهي مشكلة أخرى تحتاج إلى حل جذري، فكيف نجمع هذا الشتات والانقسام بين رجال الفكر والثقافة، لنشد السواعد بعضها بالبعض الآخر، وليسند بعضنا بعضاً؟!
لا يمكن أن تنهض الأمة وتقف على قدميها، ما لم نتخلص من هذه المعرقلات، كما لا بُدَّ من التنويه إلى أن الحلول يجب أن تكون جذرية واقعية، تغرس القناعة التامة والاعتقاد بحقانيتها عند جميع الأطراف، أما مجرد التسالم على مبدأ التعايش السلمي، فقد لا يجدي؛ لأنه سطحي لا يؤدي الغرض في تفعيل حركة النهضة والشعور بالمسؤولية تجاهها، كما أنه قد يزول بعواصف الفتن.
فإنَّ من يؤمن بوحدانية التجربة في كسب المعرفة، عليه أن يؤمن بأن بعض المعارف تعجز التجربة عن كشفها واكتسابها، كما في مسائل الرياضيات والقضايا التاريخية والدينية.
وهكذا على من يعتقد بانسداد الطرق المعرفية إلا عن طريق البرهان العقلي، عليه أن يسلم بحقيقة التجربة وكاشفيتها وخدماتها الجليلة التي قدمتها للبشرية، وهكذا.
وكذا من لا يستقي فكره إلا من خلال النص، فعليه أن يقر بدور العقل في كثير من المعارف الدينية، والتي لا يمكن إثباتها إلا به، كما عليه أن يعلم بأن الدين لا يخالف العلم والتجربة الحسية.
ومن أجل حفظ ثقافة المجتمع من القفز بقدم واحدة أو أن تنظر بعينٍ دون الأخرى، لا بد أن تُبنى على أساس تنوع طرق المعرفة، فإن الخالق الحكيم تبارك وتعالى عندما أخرج الإنسان إلى الدنيا لا يعلم شيئاً إشارة إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، فتح له نوافذ يطّلع من خلالها على ما يحيط به؛ ليبني منظومته المعرفية، ولما كانت الأشياء المحيطة به ليست على نسق واحد، كانت الأدوات التي وهبت له متنوعة ومتعددة بتعدد أطراف المعرفة، ولنمثل لذلك بالحواس فإن الله تعالى جعلها خمسة؛ لأن المحسوسات خمسة أصناف: (ألوان وأشكال - أصوات - روائح - طعوم - ملموسات)، فكانت الحواس خمسة؛ لكي تتكفل كل حاسة بربطنا وتعريفنا بنوع خاص من المحسوسات، فلا يمكن لحاسة السمع - مثلاً - أن توصلنا إلى معرفة الألوان والروائح وليست الباصرة قادرة على تعريفنا على الأصوات أو الطعوم.
وهكذا نوافذ المعرفة وقنواتها (المناهج)، إنَّما تعددت لتعدد المعارف فبعض المعارف لا يمكن أن نطلع عليها إلا بالبرهان العقلي، كوجود الخالق ووحدانيته ومسائل الرياضيات، وبعض المعارف لا يصطادها الإنسان إلا بالتجربة، كقوانين الطبيعة والأدوية الطبية وما شاكلها، وصنف ثالث لا يؤمنه إلا النص، كالقضايا التاريخية والأنظمة الدينية والوضعية ورابع يستفاد بالحس، وخامس لا يدرك إلا بالوجدان القلبي، كالحب والفرح والحزن وحلاوة الإيمان.
علينا أن نربي أطفالنا منذ الصغر على حسن التفكير، والاستفادة من جميع المناهج المعرفية، وألا نحرم أنفسنا وأمتنا من بعضها، فتكون ثقافتنا مشوهة أو ناقصة في بعض جوانبها؛ لأنها تستفيد من بعض المناهج، وتنأى بنفسها عن البعض الآخر.
وإذا تم هذان الركنان - أساليب التفكير وقنوات المعرفة - وشاعا بين ثقافة الأمة، استطاعت أن تخيط ثقافتها بشكلٍ منتظم، فلا العلم يعني الاغتراب والعزوف عن الدين، ولا التدين يعني التخلف والعودة إلى الماضي، بل هما جناحان بهما يطير المجتمع نحو صرح الحضارة ونحو سعادته، فبأحدهما يعمر الدنيا، وبالآخر يبني الآخرة، كما يقول الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري، ج 1، ص 146.