1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تاريخ الفيزياء

علماء الفيزياء

الفيزياء الكلاسيكية

الميكانيك

الديناميكا الحرارية

الكهربائية والمغناطيسية

الكهربائية

المغناطيسية

الكهرومغناطيسية

علم البصريات

تاريخ علم البصريات

الضوء

مواضيع عامة في علم البصريات

الصوت

الفيزياء الحديثة

النظرية النسبية

النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية العامة

مواضيع عامة في النظرية النسبية

ميكانيكا الكم

الفيزياء الذرية

الفيزياء الجزيئية

الفيزياء النووية

مواضيع عامة في الفيزياء النووية

النشاط الاشعاعي

فيزياء الحالة الصلبة

الموصلات

أشباه الموصلات

العوازل

مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة

فيزياء الجوامد

الليزر

أنواع الليزر

بعض تطبيقات الليزر

مواضيع عامة في الليزر

علم الفلك

تاريخ وعلماء علم الفلك

الثقوب السوداء

المجموعة الشمسية

الشمس

كوكب عطارد

كوكب الزهرة

كوكب الأرض

كوكب المريخ

كوكب المشتري

كوكب زحل

كوكب أورانوس

كوكب نبتون

كوكب بلوتو

القمر

كواكب ومواضيع اخرى

مواضيع عامة في علم الفلك

النجوم

البلازما

الألكترونيات

خواص المادة

الطاقة البديلة

الطاقة الشمسية

مواضيع عامة في الطاقة البديلة

المد والجزر

فيزياء الجسيمات

الفيزياء والعلوم الأخرى

الفيزياء الكيميائية

الفيزياء الرياضية

الفيزياء الحيوية

الفيزياء العامة

مواضيع عامة في الفيزياء

تجارب فيزيائية

مصطلحات وتعاريف فيزيائية

وحدات القياس الفيزيائية

طرائف الفيزياء

مواضيع اخرى

علم الفيزياء : الفيزياء الحديثة : علم الفلك : مواضيع عامة في علم الفلك :

جزيرتنا الكونية

المؤلف:  جون جريبين

المصدر:  المجرات

الجزء والصفحة:  الفصل الثالث (ص33 – ص45)

2023-03-04

920

منذ العشرينيات من القرن العشرين وفهمنا لمجرة درب التبانة يزداد بدرجة كبيرة، وهو ما يرجع بالأساس إلى التطوير المتواصل لطرق وتقنيات الرصد؛ فبالإضافة إلى امتلاكنا تليسكوبات أكبر وأفضل لرصد الضوء المرئي (بما في ذلك تليسكوب هابل الفضائي)، فإننا نملك بيانات حصلنا عليها من التليسكوبات الراديوية العاملة في نطاق الأشعة تحت الحمراء من الطيف ومن لاقطات الأشعة السينية وغيرها من المعدات المحمولة إلى الفضاء على متن الأقمار الصناعية إن اللاقطات الإلكترونية الحساسة قادرة على الحصول على معلومات أكثر بكثير عن مصادر الضوء الخافت مقارنة بما هو متاح من الصور الفوتوغرافية أو أنواع معدات التحليل الطيفي الموجودة على متن التليسكوب هابل وأشباهه، وقوة أجهزة الكمبيوتر الحديثة تجعل عملية مقارنة التنبؤات النظرية بالمشاهدات عملية أيسر بكثير مما كان الحال عليه في وقت هابل نفسه.

وكان أهم اكتشاف توصلنا إليه بشأن مجرة درب التبانة منذ عشرينيات القرن العشرين هو أن كل النجوم الساطعة إنما تؤلّف نسبة ضئيلة من إجمالي الكتلة الموجودة في المجرة. فمن الطريقة التي تدور بها المنظومة كلها، من الجلي أن القرص الساطع أسير قبضة الجاذبية الخاصة بهالة شبه كروية من مادة مظلمة تفوق كتلتها بسبع مرات كل ما ظن هابل أنه يؤلّف مجرة درب التبانة إجمالا. ولهذا الأمر تبعات عميقة على فهمنا للكون عمومًا؛ نظرًا لأن نفس النسبة بين المادة العادية والمادة المظلمة يبدو أنها تنطبق على الكون بأسره. وقد ناقش بيتر كولز هذه التبعات الكونية في كتاب «علم الكونيات: مقدمة قصيرة جدًّا» الصادر عن نفس السلسلة. لكن أهم نقطة، إلى جانب وجود المادة المظلمة نفسها، هي أن هذه المادة ليست مجرد غاز بارد أو غبار؛ فهي لا تتألف من نفس نوعية الجسيمات - الذرات وغيرها - التي تتألف منها الشمس والنجوم، أو حتى التي نتألف منها نحن البشر، وإنما تتألف من شيء آخر مختلف تماما. وبما أنه لا أحد يعرف تحديدًا ماهية هذه المادة، فإنه يُشار إليها ببساطة بالاسم: «المادة المظلمة الباردة».

شمسنا نجم عادي، وبعض النجوم يحتوي على كتلة أكبر من كتلة شمسنا، وبعضها أقل، لكن النجوم جميعًا تعمل بالطريقة عينها؛ إذ تحوّل العناصر الخفيفة (الهيدروجين تحديدًا إلى عناصر أثقل (الهليوم تحديدًا) بداخلها عن طريق عملية الاندماج النووي، مُطلقة الطاقة التي تحافظ على سطوع النجم. وإجمالا، يُقدَّر أن هناك عدة مئات الملايين من النجوم (ما لا يقل عن ثلاثمائة مليون نجم) في مجرة درب التبانة، وهي منتشرة عبر قرص يبلغ قطره نحو 27 كيلو فرسخًا فلكيًّا (ما يربو قليلا على 90 ألف سنة ضوئية). ثمة قدر من عدم اليقين بشأن الحجم الدقيق للمجرَّة (إذ من العسير قياس حجم الغابة وأنت داخلها)؛ لذا عادةً ما يُجبر هذان الرقمان إلى 30 كيلو فرسخًا فلكيًّا و100 ألف سنة ضوئية. ثمة تركيز كبير للنجوم في مركز القرص، وهذا ما يجعله يبدو - إذا نظر إليه من الخارج من جهة الحافة الجانبية - كأنه بيضتان مقليتان ملتصقتان ظهرًا بظهر القرص كله محاط بهالة كروية من النجوم القديمة والعناقيد الكروية، التي تحتوي أقدم النجوم في المجرَّة. هناك نحو 150 عنقودًا كرويا معروفًا، ولا بد أن هناك نحو 50 عنقودًا آخر أو نحو ذلك لا يمكننا رؤيتها؛ لأن شريط الضوء الساطع لمجرة درب التبانة يوجد بيننا وبينها.

يستطيع الفلكيون دراسة الطريقة التي تتحرك بها النجوم في الفضاء باستخدام تأثير دوبلر، وهذا التأثير يسبب إزاحة خطوط الطيف الخاصة بنجم ما نحو الطرف الأحمر من الطيف إذا كان النجم آخِذًا في الابتعاد عنا، ونحو الطرف الأزرق إذا كان آخِذًا في الاقتراب منا، وحجم التأثير يكشف لنا سرعة النجم. وهذا الأمر مكافئ تماما للطريقة بوق سيارة إسعاف مثلا - التي ينخفض بها الصوت الصادر عن مصدر متحرك إذا كان المصدر آخِذًا في الابتعاد عنا، ويرتفع إذا كان آخِذًا في الاقتراب منا. وقد تنبأ كريستيان دوبلر بهذا التأثير عام 1842، ثم قاسه من خلال جعل مجموعة من عازفي البوق يعزفون نغمة ثابتة وهم على متن قطار يتحرك بهم أمامه من الظاهر، يبدو هذا التأثير مشابها لتأثير الإزاحة الحمراء الذي رأيناه في الضوء الصادر عن المجرات؛ حيث أن الإزاحة الحمراء الكونية لا تسببها الحركة داخل الفضاء؛ ومن ثَمَّ هي ليست تأثير دوبلر.

شكل 3-1: مجرّة الانفجار النجمي M82 هذه صورة مركبة تجمع بين البيانات التي أتى بها كل من كاميرا الحقل الواسع الكوكبية 2 والتليسكوب البالغ قطر مرآته 3.5 أمتار الموجود في كيت بارك بالولايات المتحدة.

تقع الشمس على بُعد ثلثي المسافة (أقل قليلًا من 10 كيلو فرسخ فلكي) بين مركز مجرة درب التبانة وحافة القرص المرئي. ومثل النجوم الأخرى الموجودة في القرص، تتحرك الشمس حول مركز المجرّة بسرعة تناهز 250 كيلومترًا في الثانية في مدار شبه دائري، وتستغرق أقل من 250 مليون عام لإكمال دورة واحدة من الممكن تحديد. أعمار النجوم من خلال مقارنة مظهرها الكلي (خاصة اللون والسطوع) بالنماذج النظرية الخاصة بالكيفية التي تتغير بها النجوم بينما تستهلك وقودها النووي، وفي حالة الشمس يتأكد هذا من خلال استخدام قياسات النشاط الإشعاعي في الصخور والنيازك من أجل الاستدلال على عمر المجموعة الشمسية. يبلغ عمر الشمس والمجموعة الشمسية نحو 4.5 مليارات عام، وهو ما يكفي لإكمال نحو عشرين دورة حول مركز المجرة، ومنذ أن ظهر أوائل البشر – «الإنسان العاقل» الحديث – على كوكب الأرض، لم تكمل المجموعة الشمسية إلا أقل من واحد على الألف من دورتها الحالية. أما أقدم النجوم عمرًا في المجرة فيبلغ عمره أكثر من 13 مليار عام؛ أي أكبر من عمر الشمس ثلاث مرات.

خارج الانتفاخ المركزي، لا يزيد سمك قرص المجرَّة على حوالي 300 كيلو فرسخ فلكي (نحو ألف سنة ضوئية). تقع المجموعة الشمسية أعلى مركز سطح القرص بحوالي 6 أو 7 فراسخ فلكية فقط. وبالنظر إلى المجرَّة من أعلى فإن شكل المجرة الشبيه بالبيضة المقلية لا يشوهه إلا ذلك القضيب - البالغ طوله 8 أو 9 كيلو فرسخ فلكي - الممتد عبر المركز المنتفخ، لكن من الممكن تمييز أربع أذرع حلزونية متقاربة عن كثب تمتد من المركز إلى الخارج. وكما الحال في المجرَّات القرصية الأخرى، تكون الأذرع الحلزونية ساطعة؛ لأنها تحتوي على العديد من النجوم التي لا تزال في بدايات شبابها، وهذه النجوم كبيرة الحجم وساطعة أيضًا، وكلما كان النجم أكبر (أضخم)، تعيَّن عليه أن يحرق وقوده النووي بقوة أكبر كي يحافظ على تماسكه ضد قوى الجاذبية، وأن يستنفد وقوده بشكل أسرع. إن الأذرع الحلزونية هي مواضع تكون النجوم والنجوم الأصغر حجما والأطول عمرًا كشمسنا، تتكون أيضًا في الأذرع الحلزونية؛ حيث أنها لا تسطع بقدر كبير. ومجموعتنا الشمسية تقع حاليًّا داخل نتوء أصغر من النجوم يُعرف باسم «ذراع الجبار»، أو ببساطة «الذراع المحلية»، الذي يشكّل جسرًا بين ذراعين رئيسيتين. لقد كان عندما ظنَّ أننا موجودون داخل تجمع محلي كبير من النجوم.

شابلي النجوم الشابة التي توجد بالأساس داخل الأذرع الحلزونية وسطح مجرة درب التبانة (وفي أقراص المجرات الأخرى) تُعرف باسم «نجوم التصنيف 1»، والشمس تنتمي لهذه الفئة من النجوم، وهذه النجوم تحتوي على مواد معاد تدويرها من أجيال سابقة من النجوم، منها العناصر الثقيلة التي تتكون منها الكواكب ككوكب الأرض. أما النجوم الأقدم الموجودة داخل هالة المجرَّة، في العناقيد الكروية والانتفاخ المركزي، فتُعرف باسم «نجوم التصنيف 2»، وهذه النجوم الأقدم تميل إلى أن تكون أكثر احمرارًا من «نجوم التصنيف 1»، وقد تكونت هذه النجوم منذ فترات طويلة حين كانت المجرَّة فَتِيَّة، وهي تتركب في الأساس من الهيدروجين والهليوم البدائيين اللذين ظهرا من الانفجار العظيم الذي أذِنَ بمولد الكون. والعناصر الثقيلة الموجودة داخل «نجوم التصنيف 1» وداخل أجسادنا تكوّنَتْ في أجيال سابقة من النجوم. وتتألف المجرّات البيضاوية بالأساس من «نجوم التصنيف 2».

شكل 3-2: منطقة تكون النجوم داخل ذراع الجبار، صُورَت بالأشعة تحت الحمراء بواسطة تليسكوب سبيتزر الفضائي.

 

إذا لم يتم الحفاظ بصورة ما على النمط الحلزوني الذي يُرى في المجرات على غرار مجرة درب التبانة، فسريعًا ما يُطمَس - في غضون مليار عام تقريبا - بينما تتحرك النجوم حول المجرّة في مداراتها. لكن هذا النمط الحلزوني يستمر؛ لأنه عبارة عن موجة من تكون النجوم تحافظ عليها سُحب الغاز والغبار التي تتحرك حول المجرة في مداراتها الخاصة وتنضغط بينما تعبر الأذرع الحلزونية. فالنجوم الفتية ببساطة هي الملمح الأوضح لموجة صدمية تتحرك حول المجرّة، على نحو أشبه بالموجة الصدمية الخاصة باختراق حاجز الصوت.

يُشبه الموقف هنا عادةً بحالة من الاختناق المروري تحدث على طريق سريع مزدحم حين تَشْغَل مركبة كبيرة الحجم بطيئة الحركة الحارة الوسطى للطريق؛ فمع مجيء السيارات الأسرع من وراء المركبة الكبيرة، فإنها تُدفَع نحو الحارتين الخارجيتين مكونة اختناقا مروريًا سريعًا ما يتبدد بعد تجاوز المركبة الكبيرة. يتحرك الاختناق المروري على امتداد الطريق السريع بسرعة ثابتة؛ حيث أنه في حالة تغير مستمر مع انضمام سيارات جديدة من الخلف ومغادرة سيارات أخرى من الأمام. وبالطريقة عينها، تتحرك الذراع الحلزونية حول المجرَّة في سرعة ثابتة، لكن سُحُب الغاز والغبار تنضم إليها على نحو مستمر، ثم تنضغط، ثم تمضي في طريقها. وبعض هذه السحب ينضغط إلى درجة كافية بحيث يطلق عملية تكون النجوم، وهي عملية مستدامة ذاتيا.

لكن مع أن عملية تكون النجوم مستدامة ذاتيًا، فإنها ليست عملية بالغة الكفاءة؛ فلو أنها كانت كذلك لكانت مجرة درب التبانة بحلول وقتنا الحالي قد حولت كل ما بها من غاز وغبار إلى نجوم في الواقع، فقط كمية تبلغ بضعة أضعاف المادة الموجودة في الشمس (بضع كتل شمسية من المادة) هي التي يتم تحويلها إلى نجوم جديدة كل عام في مجرتنا، وهذا يوازن على نحو تقريبي مقدار المادة التي تتبدد في الفضاء حين تموت النجوم القديمة؛ وبذا تتواصل عمليات مولد النجوم وحياتها وموتها لمليارات عديدة من الأعوام في المجرة القرصية. هذا يعني أيضًا أن النجوم العديدة ذاتها لا بد من أنها قد ولدت في فترة زمنية قصيرة حين تكونت مجرة درب التبانة، قبل أن تستقر. ومثل هذه الأحداث الرائعة، المعروفة باسم الانفجارات النجمية، تُرى بالفعل في مجرَّات أخرى.

من الصعب على سحابة من الغاز والغبار أن تنهار (بمعنى أن تنضغط وتتكثف) كي تكون نجما (أو عدة نجوم)؛ وذلك لسببين: الأول هو أن كل السحب تدور حول نفسها - وإن كان الدوران بسيطًا - ومع انكماشها فإنها تدور أسرع، مقاومة قوة الجاذبية؛ فلا بد أن تتفتت السحابة بحيث يتبدد زخمها الزاوي بصورة ما السبب الثاني. أن السحابة المنهارة ستزداد حرارةً مع تحرُّر طاقة الجاذبية، وإن لم تتمكن من تشتيت هذه الحرارة بعيدًا، فإن هذا سيمنع أي انهيار آخر. تُحَلُّ مشكلة الزخم الزاوي من خلال تفتت السحابة إلى عدة نجوم، بحيث يتحوّل الزخم الزاوي للسحابة إلى الزخم الزاوي للنجوم التي يدور بعضها حول بعض. وفي المتوسط، من بين كل 100 نظام نجمي حديث المولِد يَكون 60 منها نظامًا ثنائيًا و40 نظاماً ثلاثياً. أما الشموس المنفردة - - كشمسنا - فإنها طردت في وقت لاحق من النظم الثلاثية التي تكونت بهذه الطريقة. وتُحل مشكلة الحرارة لأن السحب تحتوي على جزيئات كأول أكسيد الكربون التي تسخن وتشع الحرارة بعيدًا في نطاق الأشعة تحت الحمراء من الطيف. لكن لا تزال عملية تكون النجوم عمليةً صعبةً، ومن قبيل العجب أن هناك نجوما تتكون من الأساس. تبدأ عملية تكون النجوم في تجمعات كبيرة من الغاز، قد تمتد لآلاف الفراسخ الفلكية عرضًا، وتحتوي من المادة ما يفوق كتلة الشمس بعشرة ملايين مرة، وداخلها قد تبلغ السحابة الفردية بضع عشرات من الفراسخ الفلكية عرضًا، وتحتوي من المادة ما يفوق كتلة الشمس ببضع مئات آلاف المرات. وقد يأتي الانضغاط المبدئي الذي يسبب انهيار السحابة على الأرجح من انفجار لنجم ضخم؛ مستعر أعظم. إن الاضطراب الحادث داخل السحابة المنهارة يؤدي إلى تكون قلوب نجوم يبلغ قطرها نحو خُمس سنة ضوئية، تحتوي على نحو 70 بالمائة من المادة التي تحتوي عليها شمسنا. لكنَّ نسبةً مئوية ضئيلة فقط من كتلة السحابة كلها يتم تحويلها إلى قلوب نجمية بهذه الطريقة. فحين يتكوّن أحد النجوم، فإنه يبدأ كقلب نجمي أصغر كثيرًا، ذي كتلة لا تزيد عن واحد على الألف من كتلة الشمس، ويصل إلى الكثافة اللازمة لتحويل نفسه إلى نجم. أما بقية كتلة النجم فتُضاف إليه مع انجذاب المادة الموجودة في السحابة المحيطة، والقريبة بما يكفي بحيث تنجذب بفعل جاذبيته إلى قلبه؛ وبذا تعتمد الكتلة النهائية للنجم على مقدار المادة الموجود في الجوار. وما إن يبدأ النجم في السطوع حتى يطرد الإشعاع الصادر عنه بقية المادة المحيطة.

تنتهي العملية كلها بسرعة كبيرة فتنهار إحدى السحب لتكون نجوما، وتطرد النجوم الصغيرة الحارة المادة المتخلفة بحيث يتبقى عنقود من النجوم، وكل هذا يحدث في غضون عشرة ملايين عام. ومن الممكن رؤية المراحل الأخيرة من هذه العملية في سديم الجبار القريب، لكنَّ بعضًا من النجوم الشابة في بعض العناقيد سيكون أضخم كثيرًا من الشمس، وسيستهلك كلَّ وقوده النووي بسرع كبيرة. وهذه هي النجوم التي تنتهي حياتها بالانفجار كمستعرات عظمى، مُرسلة موجات صدمية عبر المادة النجمية ومسببة انهيار سُحُب أخرى من الغاز والغبار. تبدو هذه العملية مستدامة ذاتيا بحيث تُبقي أي مجرة مثل مجرة درب التبانة في حالة ثابتة بفضل عملية تغذية راجعة سلبية. فإذا تكونَ عدد أكبر من المتوسط من النجوم في أحد الأجيال أو المواضع فستبدد الطاقة الصادرة عنه الغاز والغبار عبر منطقة واسعة، وهو ما يقلّل من عدد النجوم في الجيل التالي، لكن فقط لو تكون عدد قليل من النجوم فسيكون هناك من الغاز والغبار المتخلف ما يكفي لتكوين نجوم جديدة في المرة التالية التي تنضغط فيها السحابة، وهذه العملية تميل بصورة طبيعية إلى الارتداد إلى المتوسط. ولأن نوعية النجوم التي تكون مستعرات عظمى تستنفد وقودها في ملايين قليلة من الأعوام قارن هذا بالأربعة مليارات ونصف المليار عام التي مرَّت على شمسنا إلى الآن، فإن كل هذا النشاط يحدث داخل نطاق الأذرع الحلزونية، وهو ما يساعد على استمرار النمط الحلزوني.

المنطقة المركزية لمجرتنا، التي يدور حولها النمط الحلزوني بأسره، تتجاوز كونها محض مركز رياضي للقرص؛ فهناك ثقب أسود يحوي من الكتلة ما يفوق كتلة شمسنا بمقدار 2.5 مليون مرة، قابع في مركز مجرة درب التبانة.

تركز أغلب التوصيفات الخاصة بالثقوب السوداء على تلك الثقوب الأصغر كثيرا، التي لا تتجاوز كتلتها كتلة الشمس ببضع مرات. تتكون هذه الثقوب إذا كانت كتلة النجم عند نهاية حياته تزيد عن كتلة الشمس اليوم بنحو ثلاث مرات. وهذه الجمرة النجمية، التي لم تعد تولد حرارة في قلبها؛ نظرًا لاستنفاد كل وقودها، تعجز عن الحفاظ على تماسكها تحت وطأة وزنها ومن ثَمَّ تنهار، وتنكمش بما يتفق ونظرية النسبية العامة وصولا إلى نقطة ذات حجم صفري تُسمَّى نقطة التفرد، وخلال هذه العملية تنسحق الذرات والجسيمات المكونة لها والبروتونات والنيوترونات والإلكترونات بحيث تفنى من الوجود. وعلى نحو شبه مؤكد، تنهار نظرية النسبية العامة قبل الوصول إلى نقطة التفرد، لكن قبل أن يحدث هذا بوقت طويل تصير قوة الجذب الخاصة بالجرم المنهار عاتية للغاية، لدرجة أنه لا شيء يمكنه الإفلات منها، ولا حتى الضوء؛ ومن هنا حصلت الثقوب السوداء على هذه التسمية. ومن طرق التفكير فيما يحدث داخل الثقوب السوداء القول بأن سرعة الإفلات من الثقب الأسود تتجاوز سرعة الضوء. وبما أنه لا شيء يمكنه التحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء، فلا شيء إذن يمكنه الإفلات من الثقب الأسود.

في الواقع، يمكن لأي جرم أن يصير ثقباً أسود لو أنه انضغط بالمقدار الكافي؛ إذ يوجد لأي مقدار من الكتلة نصف قطر حَرِج، يُسمَّى نصف قطر شفارتزشیلد، يحدث فيه هذا الأمر. بالنسبة للشمس، يقل نصف قطر شفارتزشيلد قليلا عن ثلاثة كيلومترات، وبالنسبة للأرض فهو يقل عن سنتيمتر واحد وفي كلتا الحالتين، إذا انضغطت الكتلة الكلية للجرم داخل حدود نصف قطر شفارتزشيلد، فسيصير الجرم ثقباً أسود.

لكن مع أن الثقوب السوداء نفسها غير مرئية، فإنها تمارس تأثيرًا جذبيًّا على ما يحيط بها، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نشاط عنيف سهل الرصد في المنطقة المحيطة بها. ونحن نعلم أن الثقوب السوداء النجمية موجودة بالفعل؛ لأن البعض منها يدور حول نجوم عادية، مكوّنًا نُظُما ثنائية. ويكشف التأثير المباشر لجاذبية الثقب الأسود على المدار الثنائي للنجم رفيقه عن كتلة الثقب الأسود، وتندفع المادة المسحوبة من النجم الرفيق نحو الثقب الأسود على نحو حلزوني إلى «حلق» الثقب الأسود، وهناك تصير المادة الساقطة حارة بما يكفي بحيث تطلق أشعة سينية بينما تتسارع الجسيمات ويصطدم بعضها ببعض.

كل هذه الثقوب السوداء مرتبطة بمادة انضغطت إلى كثافات عالية للغاية، لكن الثقب الأسود الموجود في قلب المجرَّة يختلف. والعجيب أن هذه الثقوب السوداء الفائقة الضخامة هي أول ما أذكى فضول المنظرين قبل أن يأتي ألبرت أينشتاين بنظرية النسبية العامة بوقت طويل. ففي عام 1783 أوضح جون ميتشل زميل الجمعية الملكية، أنه وفق نظرية نيوتن للجاذبية فإن أي جرم بقطر يزيد عن قطر الشمس بـ 500 مرة (أي يساوي قطره قطر المجموعة الشمسية) لكنه في نفس كثافة الشمس؛ من شأنه أن تكون سرعة الإفلات الخاصة به أكبر من سرعة الضوء (لم يستخدم ميتشل مصطلح «سرعة الإفلات»، لكن باللغة المعاصرة هذا تمامًا هو ما كان يشير إليه، وبطبيعة الحال تصل نظرية أينشتاين إلى التنبؤ ذاته) وما من حاجة لأن يتضمَّن هذا الأمر كثافات فائقة على الإطلاق؛ نظرًا لأن الكثافة الإجمالية للشمس تزيد بنحو مرة ونصف مرة فقط عن كثافة الماء. وقد وصل الفرنسي بيير لابلاس إلى النتيجة عينها على نحو مستقل عام 1796، وعلق قائلا إنه مع أن هذه الأجرام السوداء لا يمكن رؤيتها مباشرة مطلقا، فإنه «إذا تصادف دوران أي جرم ساطع آخر حولها، فلربما نستنتج من واقع حركة هذه الأجرام الدوارة وجودَ الأجرام المركزية. وبعدها بقرنين كانت هذه بالضبط هي الكيفية التي اكتشف بها الثقب الأسود الموجود في مجرة درب التبانة.

يقع قلب مجرة درب التبانة في نفس اتجاه كوكبة الرامي (القوس) في السماء، لكن على مسافة أبعد بكثير. والكوكبات، التي حملت أسماءها في الأزمنة القديمة، هي أنماط من النجوم القريبة، التي تبدو ساطعة لأنها قريبة منا فحسب، ولا تزال أسماؤها تُستخدم من جانب الفلكيين للإشارة إلى أجزاء السماء - الاتجاهات - التي يقع فيها جرم ما؛ ولهذا السبب تُعرَف المجرَّة M31 أيضًا باسم سديم أندروميدا أو (مجرة أندروميدا)، حتى مع وقوعها على مسافة مليوني سنة ضوئية من النجوم الموجودة في كوكبة أندروميدا وليس لها علاقة على الإطلاق بها. وبالطريقة عينها، يُعرف مصدر قوي للضوضاء الراديوية في قلب مجرة درب التبانة باسم «الرامي أ»، مع أنه ليست له علاقة على الإطلاق بالنجوم الموجودة في كوكبة الرامي.

وقد صار من الممكن دراسة مركز مجرتنا حين صارت التليسكوبات الراديوية وغيرها من المعدات التي لا تعتمد على الضوء المرئي متاحةً؛ فهناك قدر كبير للغاية من الغبار الموجود في سطح مجرة درب التبانة، وهو المسئول عن ظاهرة الخمود النجمي التي أعاقت المحاولات المبكرة لتحديد مقياس المسافة، وهو الذي يوفّر بعض المواد الخام للأجيال الجديدة من النجوم. وهذا الغبار يحجب الضوء المرئي، لكن الأطوال الموجية الأكبر تخترق هذا الغبار بسهولة أكبر؛ ولهذا السبب يصطبغ غروب الشمس باللون الأحمر؛ إذ يتشتّت الضوء ذو الطول الموجي القصير (الأزرق) بعيدًا عن خط الرؤية بواسطة الغبار الموجود في الغلاف الجوي، بينما ينفذ الطول الموجي الأحمر الأطول منه وصولاً إلى أعيننا؛ ولهذا فإن فهمنا لمركز المجرَّة مبني بالأساس على المشاهدات بالأشعة تحت الحمراء والأشعة الراديوية.

تبين الدراسات الأكثر تفصيلا أن الرامي «أ» يتكون في الواقع من ثلاثة مكونات يقع بعضها على مقربة من بعض، أحد هذه المكونات فقاعة متمددة من الغاز مرتبطة ببقايا أحد المستعرات العظمى، والثاني منطقة حارة متأينة من غاز الهيدروجين، أما المكون الثالث - المسمَّى «منطقة الرامي أ» - فيقع في مركز المجرة ذاته.

بالتأكيد ثمة نشاط جم حول منطقة الرامي أ. وتكشف دراسات الأشعة تحت الحمراء عن وجود عنقود كثيف من النجوم يحتشد فيه نحو 20 مليون نجم من النجوم المماثلة لشمسنا داخل حيّز مقداره فرسخ فلكي واحد وفيه تبعد النجوم بعضها عن بعض في المتوسط بمسافة تساوي ألف مرة فقط المسافة بين الأرض والشمس، وتحدث التصادمات بينها كل مليون عام أو نحو ذلك. وهناك حلقة ضخمة من الغاز والغبار تحيط بهذا العنقود، وتمتد للخارج مسافة يتراوح قدرها من نحو 1,5 فرسخ فلكي إلى فراسخ فلكية (نحو25 سنة ضوئية)، وبها آثار لموجات صدمية من أحداث انفجارية حديثة، وتتدفق الأشعة السينية - بل أيضًا أشعة جاما الأعتى نشاطا - خارجةً من هذه المنطقة المركزية.

لكن مع كل هذه التقنيات المتقدمة، فإن أفضل الأدلة على وجود الثقب الأسود يأتي من نوعية الدراسات التي فكر فيها لابلاس؛ فالمشاهدات على الأطوال الموجية تحت الحمراء التي أُجريت بواسطة تليسكوب ذي مرآة قطرها عشرة أمتار في مرصد مونا كيا في هاواي؛ منحتنا قياسات للسرعة التي يتحرك بها نحو عشرين نجما قريبين من مركز المجرة. إن النجوم تدور حول مركز المجرَّة بسرعات تصل إلى 9 آلاف كيلومتر في الثانية وهو ما يُترجم إلى نحو 30 مليون ميل في الساعة، وهي تتحرك بسرعة كبيرة، لدرجة أنه مع كونها بعيدة عنا للغاية – بحوالي عشرة كيلو فرسخ فلكي – فإن الصور الملتقطة على فترات تُقدَّر ببضعة أشهر على مدار بضعة أعوام تُظهر تغير مواضعها، وعن طريق وضع هذه الصور معًا يكون من الممكن صنع فيلم يبين في الواقع مدارات أكثر هذه النجوم عمقا. وتخبرنا الحركة المدارية أن النجوم واقعة في قبضة جرم ذي كتلة مقدارها ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين مرة قدر كتلة شمسنا وبما أن هذه الكتلة منحصرة في حيز من الفضاء لا يزيد عن قطر مدار الأرض حول الشمس، فمن المؤكد أن هذا الجرم هو ثقب أسود فائق الضخامة.

الثقب الأسود هادئ نسبيًّا في وقتنا الحالي؛ وذلك لأنه ابتلع كل المادة الموجودة في المنطقة المحيطة به مباشرةً. والنشاط الذي يمكننا رصده اليوم ينتج عن رذاذ من المادة يتجه نحو الثقب من حلقة المادة المحيطة به، وكل ما يحتاج إلى أن «يأكله» كل عام كي يحافظ على مستواه الحالي من النشاط هو مقدار من الكتلة يكافئ نحو واحد بالمائة من كتلة شمسنا، وهو يُطلق طاقة جاذبية كلما سقطت المادة داخله. لكن من المؤكد أن الحال كان مختلفًا للغاية منذ وقت طويل، حين كانت المجرَّة شابة والمنطقة المحيطة بالثقب الأسود لم تكن قد أُخليت بعد من الغاز والغبار. لكن من الجلي أن الثقوب السوداء الفائقة الضخامة هي البذور التي نَمَتْ منها المجرات.

يمكن أيضًا للطريقة التي تتحرك بها النجوم على مبعدة من مركز المجرة أن تخبرنا شيئًا عن الطريقة التي صارت بها مجرة درب التبانة على ما هي عليه اليوم؛ فالبنية المنظمة التي وصفناها إلى الآن بما فيها من مكونات على غرار الانتفاخ المركزي والقرص والهالة - ليست القصة كلها. وحين ينظر الفلكيون بالتفصيل إلى تركيب النجوم المنفردة والطريقة التي تتحرك بها، فإنهم يجدون أنه على خلفية النجوم العديدة التي تتحرك معا في مجرة درب التبانة يمكنهم تبين تيارات رفيعة من النجوم بعضها له تركيب مشابه لبعض - يختلف عن النجوم الموجودة في الخلفية – وهي تتحرك في الاتجاه عينه بعضها مع بعض، وبزاوية حركة مائلة على أغلب النجوم في ذلك الجزء من السماء.

حدّدت تسعة أو عشرة من هذه التيارات إلى الآن (يعتمد الرقم الدقيق على رأيك في مدى موثوقية الأدلة)، وهناك المزيد ينتظر اكتشافه. وهي تتراوح في كتلتها من بضعة آلاف إلى مائة ألف مليون كتلة شمسية من المادة، وفي الطول من 20 ألفا إلى مليون سنة ضوئية. وفي أحيان كثيرة يمكن تبين أن هذه النُّظم النجمية هي روابط هشة بعناقيد نجمية أو بواحدة من المجرَّات الصغيرة - التي يبلغ عددها نحو عشرين – التي تدور حول مجرة درب التبانة كالأقمار التي تدور حول أحد الكواكب. وأكثر هذه التيارات روعة في رأينا هو ذلك المسمى تيار الرامي، وهو يمتد عبر نطاق مقوس لما يزيد عن المليون سنة ضوئية، ويربط بدرب التبانة بما يُطلَق عليه «مجرة الرامي البيضاوية القزمة». وهناك تيار آخر، يُرَى في اتجاه كوكبة العذراء - ومن ثَمَّ يُطلق عليه تيار العذراء النجمي - يتحرك بزاوية قائمة تقريبًا على سطح مجرة درب التبانة، وهو مرتبط بمجرة قزمة أخرى.

هذه النوعية من الأدلة تفسّر أصل التيارات النجمية. فالمجرَّات الصغيرة التي تقترب بشدة من درب التبانة تتفتت وتتبعثر بفعل قوى الجاذبية - قوى المد والجذر – التي تواجهها؛ ومن ثَمَّ تخلّف تيارًا من النجوم بينما تمضي في مداراتها حول درب التبانة. إن مجرة الرامي القزمة في المراحل الأخيرة من هذه العملية، ويمكن تمييزها اليوم بالكاد بوصفها مجموعة منفصلة من النجوم. وفي نهاية المطاف، لن يتخلف شيء سوى تيار النجوم، الذي سيندمج مع مجرة درب التبانة؛ ومن ثُمَّ يفقد هويته.

وهذه إشارة واضحة إلى أن درب التبانة قد وصلت إلى حجمها الحالي عن طريق نوع من الالتهام المجري؛ إذ ابتلعت جاراتها من المجرَّات الأصغر حجمًا. وباستخدام الطرق الإحصائية القوية، يستطيع الفلكيون العودة بالزمن إلى الوراء انطلاقًا من المشاهدات الخاصة بالكيفية التي تتحرك بها النجوم اليوم من أجل إعادة بناء أطياف المجرات التابعة السابقة، شأنهم في هذا شأن علماء الحفريات القديمة الذين يُعيدون بناء شكل الديناصورات انطلاقا من بضع بقايا حفرية. ومثل نثار الحلوى المرشوش على كعكة يخبرنا شكل مدارات هذه التيارات النجمية بأن الهالة الممتدة من المادة المظلمة التي تقبع مجرَّةُ درب التبانة داخلها إنما هي كروية الشكل، وليست بيضاوية.

لكن هذه التفاعلات المجرِّيَّة ليست مقصورة على المواقف التي تبتلع فيها مجرة كبيرة جاراتها الأصغر حجمًا؛ فكما اكتشف فيستو سليفر، فإن الضوء الصادر عن مجرة أندروميدا يُظهر إزاحة زرقاء تتوافق مع سرعة اقتراب تزيد عن 100 كيلومتر في الثانية (ما يقارب 250 ألف ميل في الساعة). وسبب عدم إظهار هذه المجرَّة إزاحة حمراء - كما أدرك هابل - هو أن الإزاحة الحمراء الكونية لا تسببها الحركة عبر الفضاء. فعلى طول المسافة إلى مجرَّة أندروميدا، من شأن الإزاحة الحمراء أن تكون ضئيلة، بما يكافئ من حيث السرعة نصف مقدار الإزاحة الزرقاء المرصودة لمجرَّة أندروميدا. لكن المجرات تتحرك بالفعل عبر الفضاء، وهذه الحركة تسبب تأثيرات دوبلر التي تكون مطبوعة على إزاحاتها الحمراء الكونية.

وباستثناء الإزاحة الخاصة بأقرب جاراتنا، فإن الإزاحة الحمراء الكونية تكون أكبر بكثير من أي تأثير دوبلر، وتكون طاغية. لكن في حالة مجرة أندروميدا، يكون تأثير دوبلر أكبر بكثير من الإزاحة الحمراء الكونية؛ فمجرَّة أندروميدا آخذة بالفعل في الاقتراب بسرعة منا، وستصطدم بمجرة درب التبانة في غضون أربعة مليارات عام من الآن؛ ومن قبيل المصادفة أن هذا سيحدث حين تكون الشمس قد شارفت على نهاية حياتها، وسيؤدي هذا الاصطدام بين مجرَّتين لهما نفس الحجم تقريبا إلى اندماجهما معا. إن النجوم في كلا المجرتين تفصل بينها مساحات شاسعة؛ ومن ثَمَّ لن يكون هناك تصادمات بين النجوم في القرصين المجريَّين، لكن عمليات المحاكاة الحاسوبية تُظهر أن قوى الجاذبية ستتسبب في تدمير بنية كلا القرصين مع اندماج النجوم في منظومة واحدة، مشكلة مجرَّة بيضاوية واحدة عملاقة.

كل الاكتشافات الموصوفة في هذا الفصل مهمة لو أنها أخبرتنا فحسب بشأن مجرة درب التبانة؛ جزيرتنا الكونية الأم، لكنها تكتسب أهمية مضاعفة؛ لأن هناك أدلة قوية على أن مجرة درب التبانة مجرد مجرَّة قرصية عادية، ومثال تقليدي لفئتها من المجرات. وبما أن الحال كذلك، فهذا يعني أنه يمكننا في ثقة استخدام معرفتنا العميقة بينية وتطور مجرتنا، والمبنية على المشاهدات القريبة من أجل تعزيز فهمنا لأصل المجرات القرصية وطبيعتها عمومًا. فنحن لا نشغل موضعًا مميزا في الكون، إلا أن هذه الحقيقة لم تتأكَّد على نحو راسخ إلا مع نهاية القرن العشرين.