الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
روح الفكاهة عند الأندلسيين
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة:
مج3، ص:381-385
7-1-2023
1754
روح الفكاهة عند الأندلسيين
ولأهل الأندلس دعابة وحلاوة في محاوراتهم ، وأجوبة بديهية مسلكته والظرف فيهم والأدب كالغريزة ، حتى في صبيانهم ويهودهم ، فضلا عن علمائهم وأكابرهم . ولنذكر جملة من ذكر الجلة فنقول :
حكي عن عالم المرية القاضي أبي الحسن مختار الرعيني ، وكان فيه حلاوة ولوذعية ووقار وسكون ، أنه استدعاه يوما زهير ملك المترية من مجلس حكمه ، فجاءه يمشي مشية قاض قليلا ، فاستعجله رسول زهير ، فلم يعجل ، فلما دخل عليه قال له : يا فقيه ، ما هذا البطء ؟ فتأخر إلى باب المجلس ، وطلب عصا ، وشمر ثيابه ، فقال له زهير : ما هذا ؟ قال : هذا يليق باستعجال الحاجب لي ، فوقع في خاطري أنه عزلني عن القضاء وولاني الشرطة فضحك زهير واستحلاه ولم يعد إلى استعجاله .
وهذا القاضي هو القائل – وقد دخل حماماً فجلس بإزائه عامي أساء الأدب عليه – :
ألا لعين الحمام داراً فإنه سواء به ذو العلم والجهل في القدر
تضيع به الآداب حتى كأنها مصابيح لم تنفق على طلعة الفجر
۳۸۱
وروي أن المقرئ أبا عبد الله محمد بن الفراء إمام النحو واللغة في زمانه – وكانت فيه فطنة ولوذعية – أبطأ خروجه يوما إلى تلامذته ، فطال بهم الكلام في المذاكرة فقال أحدهم نصف بيت ، وكان فيهم وسيم من أبناء الأحيان ، وكان ابن الفراء كثير الميل إليه ، فلما خرج قال له : يا أستاذ ، عملت نصف بيت ، وأريد أن تتمته ، فقال : ما هو ؟ فقال :
الا بابي شادن أوطف
فقال الأستاذ ابن الفراء بديها :
إذا كان وردك لا يقطف وثغر ثناياك لا يرشف
فأي اضطرار بنا أن نقول ألا بأبي شادن أوطف ؟
وهذا ابن الفراء هو القائل(1):
قيل لي : قد تبدلا فاسل عنه كما سلا
لك سمع وناظر وفؤاد فقلت: لا
قيل غال وصاله قلت: لما غلا حلا
أيها العاذل الذي بعـذابي توكـلا
عد صحيحاً مسلماً لا تعير فتبتل
وتذكرت بهذا ما أنشده لسان الدين في كتابه " روضة التعريف بالحب الشريف ":
قلت للساخر الذي رفع الأنف واعتلى
أنت لم تأمن الهوى لا تعبر فتبتلى
۳۸۲
ومن بديع نظم ابن الفراء المذكور قوله(2):
شكوت إليه بفرط الدنف فأنكر من قصتي ما عرف
وقال الشهود على المدعي وأما أنا فعلي الحلف
فجئنا إلى الحاكم الألمعي قاضي المجون وشيخ الطرف
وكان بصيراً بشرع الهوى ويعلم من أين أكل الكتـف
فقلت له : اقض ما بيننا فقال الشهود على ما تصف
فقلت له: شهدت أدمعي فقال: إذا شهدت تنتصف
ففاضت دموعي من حينها كفيض السحاب إذا ما يكـف
فحرك رأساً إلينا وقال: دعوا يا مهاتيك هذا الصلف
كذا تقتلون مشاهيرنا إذا مات هذا فأين الخلف
وأوما إلى الورد أن يجتنى وأوما إلى الريق أن يرتشف
فلما رآه حبيبي معي ولم يختلف بيننا مختلف
أزال العنـاد فعانقته كأني لام وحبي ألف
فظلت أعاتبه في الجفا فقال: عفا الله عما سلف
وحكي عن الزهري خطيب إشبيلية – وكان أعرج – أنه خرج مع ولده إلى وادي إشبيلية ، فصادف جماعة في مركب(3) ، وكان ذلك بقرب الأضحى ، فقال بعضهم له : بكم هذا الخروف ؟ وأشار إلى ولده ، فقال له الزهري : ما هو للبيع ، فقال بكم هذا التيس ؟ وأشار إلى الشيخ الزهري فرفع رجله العرجاء وقال : هو معيب لا يجزئ في الضحية ، فضحك كل
۳۸۳
من حضر، وعجبوا من لطف خلقه.
وركب مرة هذا النهر مع الباجي يوم خميس ، فلما أصبحا وصعد الزهري يخطب يوم الجمعة ، والباجي حاضر قدامته ، فنظر إليه الباجي وأوما إلى محل الحدث ، وأخرج لسانه ، فجعل الزهري يلمس عصا الخطبة ، يشير بالعصا لى جوابه على ما قصد ، رحمه الله تعالى.
ومر العالم أبو القاسم ابن ورد صاحب التآليف في علم القرآن والحديث بجنة لأحد الأعيان فيها ورد ، فوقف بالباب وكتب إليه:
شاعر قد اعتراك يبغي أباه عندما اشتاق حسنه وشداه
وهو بالباب مصغياً لجواب يرتضيه الندى فماذا تراه
فعندما وقف على البيتين علم أنه ابن ورد ، فبادر من جنته إليه ، وأقسم في النزول عليه ، ونثر من الورد ما استطاع بين يديه .
وحكي أن أبا الحسين سليمان بن الطراوة نحوي المترية حضر مع ندماء ، وإلى جانبه من أخذ بمجامع قلبه ، فلما بلغت النوبة إليه استعفى من الشرب ، وأبدى القطوب ، فأخذ ابن الطراوة الجام من يده وشربها عنه ، ويا بردها على كبده ، ثم قال بديها :
يشربها الشيخ وأمثاله وكل من تحمد أفعاله
والبكر إن لم يستطع صولة تلقى على البازل أثقاله
ودخل عليه وهو مع ندمائه غلام بكأس في يده فقال:
ألا بأبي وغير أبي غزال أتى وبراحه للشرب راح
فقال منادمي في الحسن صفه فقلت الشمس جاء بها الصباح
٣٨٤
وقال فيمن جاء بالراح:
ولما رأيت الصبح لاح بخده دعوتهم رفقا تلح لكم الشمس
وأطلعها مثل الغزالة وهو كالـ غزال فم الطيب واكتمل الأنس
وقال ، وقد شرب ليلة القمر:
وظل جهول يرقب الصبح ضلة ومن أكؤسي لم يبرح الليل يصبح
وكان أبو عبد الله ابن الحاج المعروف بمدغليس صاحب الموشحات يشرب مع ندماء ظراف في جنة بهجة ، فجاءتهم ورقة من ثقيل يرغب في الإذن ، وكان له ابن مليح فكتب إليه مدغليس :
سيدي هذا مكان لا يرى فيه بلحية
غير تيس مصفعاني له بالصفع كديه
او له ابن شافع فيه فيلقى بالتحيه
أيتها القابل بادر سائقاً تلك المطيه
وكان مدغليس هذا مشهوراً بالانطباع والصنعة في الأزجال ، خليفة ابن قزمان في زمانه ، وكان أهل الأندلس يقولون : ابن قزمان في الزجالين بمنزلة المتنبي في الشعراء ، ومدغليس بمنزلة أبي تمام ، بالنظر إلى الانطباع والصناعة ، فابن قزمان ملتفت إلى المعنى ، ومدغليس ملتفت للفظ ، وكان أديبا معربا لكلامه مثل ابن قزمان ، ولكنه لما رأى نفسه في الزجل أنجب اقتصر عليه .
ومن شعره قوله :
ما ضركم لو كتبتم حرفا ولو باليسار
إذ أنتم نور عيني ومطلبي واختيـاري
۳۸٥
وقال الخطيب الأديب النحوي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الفراء - المذكور قبل هذا بقريب – الضرير، في صبي كان يقرأ عليه النحو اسمه حسن ، وهو في غاية الجمال - بعد أن سأله كيف تقول إذا تعجبت من حسنك؟
فقال أقول : ما أحسني :
يا حسنا ما لك لم تحسن إلى نفوس بالهوى متعبه
رقمت بالورد وبالسوسن صفحة خد بالسنا مذهبه
وقد أبي صدغك أن أجتني منه وقد ألدغني عقربه
يا حسنه إذ قال ما أحسني ويا لذاك اللفظ ما أعذبه
ففوق السهم ولم يخطي وإذ رآني ميتا أعجبه
وقال كم عاش وكم حبني وحبه إياي قد عذبه
يرحمه الله على أني قتلي له لم أدر ما أوجبه
وهذا ابن الفراء من فضلاء المائة السادسة ، ذكره ابن غالب في « فرحة الأنفس في فضلاء العصر من الأندلس ، وكان شاعراً مجيداً ، يعلم بالمترية القرآن والنحو واللغة ، وكانت فيه فطنة ولوذعية ، وذكاء وألمعية ، خرق بها العوائد . وحكي أن قاضي المرية قبل شهادته في سطل ميزه في حمام باللمس ، واختبره في ذلك بحكاية طويلة.
وذكره صفوان في " زاد المسافر " ووصفه بالخطيب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- زاد المسافر : ۱۰۰ .
2- زاد المسافر : ۹۹
3- ب : وكان ذلك في مركب.