قصائد ومقطعات في مدح الرسول
قصيدة صرح فيها بابن المغربي، وهي:
أهدت لنا طيب الروائح يثرب ... فهبوبها عند التنسم يطرب
رقت فرق من الصبابة والأسى ... قلب بنيران البعاد يعذب
شوقا إلى اسنى نبي حبه ... يحلو على مر الزمان ويعذب
المصطفى أعلى البرية منصبا ... قد جل في العلياء ذاك المنصب
فزنا به بين الأنام بديمة ... أبدا علينا بالأماني تسكب
حاز السيادة والكمال محمد ... فإليه أشتات المحامد تنسب
محبوبنا ونبينا وشفيعنا ... يدني إلى ورد الرضى ويقرب
بضيائه الملتاح أشرق مشرق ... وبنوره الوضاح أغرب مغرب
وبه وردنا الأمن عذبا صافيا ... وبه ترقى في المعالي يشجب
صبح الهدى أنواره بنبينا ... صبحا تروق الناظرين وتعجب
إن طابت الأنفاس من زهر الربى ... رياه أذكى في النفوس وأطيب
صيرت أمداح النبي المصطفى ... لي مذهبا يا حبذاك المذهب
فعلي من أمداح أحمد خلعة ... موشية ولها طراز مذهب
وبمدحه شمس الرضى طلعت على ... أفقي تضيء ونورها لا يغرب
أترى يبشرني البشير بقربه ... وأبث أشواق الفؤاد وأندب
ويقال لي بشراك قد نلت المنى ... يا مغربي إلى متى تتغرب
هذا مقر الوحي هذا المصطفى ... هذا الذي أنواره لا تحجب
رد ورد طيبة واشف من ألم النوى ... قلبا على جمر الأسى يتقلب
كم ذا التواني عن زيارة مورد ... عذب المقام به ولذ المشرب
منا السلام على النبي محمد ... ما أسفرت شمس وأشرق كوكب وقد سمي هذا الكتاب " بنظم الدرر في مدح سيد البشر " والورد العذب المعين في مولد سيد الخلق أجمعين وليس هو بابن العطار المشرقي (1) الذي كان معاصرا لابن حجة الحموي، فإن ذلك متأخر عن هذا، وهذا مغربي وذاك مشرقي، فلم يتفقا لا في زمان ولا في مكان، سوى اشتراكهما في الشهرة بابن العطار.
ووجدت على ظهر أول ورقة من بعد تسميته السابقة ما صورته: مما أنشأه الشيخ الفقيه القاضي العدل الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد ابن أبي بكر بن يوسف العطار، ورواية العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن أحمد ابن الأمين الأقشهري، قرأت هذا الكتاب وقصائده على حروف المعجم وقصيدتين غيرها على ناظمها القاضي المذكور قراءة ضبط وتصحيح ورواية مقابلة
بأصله بموضع الحكم في مدينة الجزائر من أقصى إفريقية - حرست - في دول متفرقة، وآخرها يوم الثلاثاء لليلة بقيت من ذي القعدة أواخر عام سبعة وسبعمائة، ونص ما كتب على نص قراءتي عليه: صحيح ذلك، وكتبه محمد بن عبد الله ابن محمد بن محمد بن العطار، والحمد لله رب العالمين.
ورأيت أثر ما تقدم بخط الأقشهري ما صورته: سمع من لفظي جميع " نظم الدرر في نسب سيد البشر " لجامعه، القاضي المذكور أعلاه القاضي شمس الدين محمد ابن المرحوم عبد المنعم الشيبي وولده أبو محمد عبد الدائم وابن أخيه أبو محمد عبد الباقي بن تاج الدين بن حفص (2) بن أبي بكر البوري وغيرهم، نحو سماعي قراءة مني على مؤلفه أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أبي بكر العطار سنة سبع وسبعمائة، قاله راسمه الأقشهري.
ومن قصائد هذا الكتاب قوله:
أبدا تشوقك أو تروقك يثرب ... فإلى متى يقصيك عنها المغرب
هي جنة في النفس يعذب ذكرها ... والقرب منها والتداني أعذب
المسك معترف بأن نسيمها ... أسمى وأسرى في النفوس وأطيب
والعنبر الوردي دان لطيبها ... منه التعطر والتأرج يطلب
جيش الصبابة شن غارات الأسى ... من بعدها فالصبر منها ينهب
والشوق يثنينا إليها كلما ... وقف الحمام على الأراكة يخطب
حتى النسيم إذا سرى من ربعها ... يثني من الروض الغصون ويطرب
حيا فأحيا المستهام بطيبه ... فنفوسنا بهبوبه تتطيب
يا حبذا في ربع طيبة وقفة ... بين الركائب والمدامع تسكب
حتى يرق للوعتي وصبابتي ... ودموع عيني كل من يتغرب
شوقا لمن زان الوجود، وحبه ... يدني إلى رب الرضى ويقرب
ساد الأنام المصطفى بكماله ... فإليه أجناس السيادة تنسب
بالنور زان حلى علا آياته ... وبحسن ذاك النور أعرب معرب
الشمس يغرب نورها وضياؤها ... أبدا ونرو المصطفى لا يغرب
الله أرسله إلينا رحمة ... فبجاهه عنا الرضى لا يحجب
بمحمد فزنا فإدراك المنى ... فالوقت طاب لنا وطاب المشرب
خير الورى محبوبنا ونبينا ... حزنا به الجاه الذي لا يسلب
روض النفوس محمد ونعيمها ... وبه يفضض حليها ويذهب
شرف تقادم قبل آدم عهده ... للنور أطناب عليه تطنب
منا عليه مدى الزمان تحية ... يثني عليها المندلي ويطنب
ومنها قوله رحمه الله تعالى:
طلعت، وقارنها البهاء، بدور ... أبدا على قطب السعود تدور
من نور أحمد يستمد ضياؤها ... وبهاؤها، يا حبذاك النور
ويزيد ذاك النور حسنا فائقا ... يوم القيامة والنام حضور
محبوبنا أسمى البرية منصبا ... يوم النشور لواؤه منشور
فزنا بخير العالمين محمد ... وجرى بوفق مرادنا المقدور
لاحت لنا أنواره فزماننا ... نور، وأنس دائم وسرور
بالمصطفى المختار قابلنا الرضى ... بين الأنام فسعينا مشكور
الله فضله على كل الورى ... فهو الحبيب، وفضله مشهور
القرب خصصه وعظم قدره ... فسما ببهجة نوره ناحور
خير النبيين الكرام نبينا ... بالنور في العرش اسمه مسطور
يا صاحبي نداء صب مغرم ... قلبي بحب المصطفى معمور
عوجا علي بوقفة وبعطفة ... إني على ألم الفراق صبور
إن لم أزر بالجسم قبر المصطفى ... فالقلب من بعد المزار يزور
نيران قلبي بالبعاد توقدت ... ومدامعي خدي بها ممطور
فمن الفراق الحتم نيران لها ... لهب، ومن فيض الدموع بحور
فمتى أفوز بوقفة في طيبة ... والقلب مني فارح مسرور
ويقال لي إنزل بأكرم منزل ... وابشر فأنت على النوى منصور
إن جاد دهري بالوصول لطيبة ... بعد المطال فذنبه مغفور
هي جنة من حلها نال المنى ... وسما وساد وصافحت الحور
حتى النسيم إذا سرى من نحوها ... يصبو إليه المسك والكافور ومنها قوله رحمه الله تعالى:
أما النسيم فقد حياك عاطره ... وبارق المنحنى أحياك ماطره
خاطر بروحك في نيل الوصال (3) فكم ... من نازح نال طيب الوصل خاطره
زهر الربى باسم تندى كمائمه ... رق النسيم بها إذ راق ناظره
ما حل روض المنى الغض الجنى دنف ... فاستضحكت فيه من عجب أزاهره
والنهر أبرز للبدر الأتم حلى ... والبدر طرز ماء النهر زاهره
والغصن تلعب أنفاس الرياح به ... والطل قد نثرت منه جواهره
والليل قد رقمت بالشهب حلته ... والبرق يبسم في الظلماء ساهره
والنور محض جنى فوق الندى درر ... وعقدها زين الأغصان دائره
وملبس الروض قد زانته خضرته ... والليل بالفجر قد شابت غدائره
والصبح سل على جيش الظلام ظبى ... وعندما سلها ولت عساكره
للزهر سر وعرف الروض فاضحه ... والمسك إن فض لا تخفى سرائره
هل زار طيبة ذاك العرف حين سرى ... فتربها أبدا مسك يخامره
طابت بطيب رسول الله فهي به ... سمت وراقت بمن فاقت مفاخره
به معد تسامى للعلا، وبه ... حاز المكارم واعتزت عشائره
أسنى النبيين قدرا نوره أبدا ... يزيد حسنا على الأقمار باهره
وأفضل الخلق من عرب ومن عجم ... أربت على الرمل أضعافا مآثره
إن كان للرسل عقد وهو آخرهم ... نظما فقد زان عقد الرسل آخره
روض من الحلم غض راق منظره ... بحر من العلم عذب فاض زاخره
إن جاد صاح بلقياه الزمان فمل ... إلى مقام حبيب أنت زائره
وصف له حال صب مغرم دنف ... رام الدنو فأقصته جرائره
واذكر هناك بعيد الدار غربه ... غرب فما غائب من أنت ذاكره
أهدى اللام بلا حد ولا أمد ... إلى محل رسول الله عامره ومنها قوله رحمه الله تعالى:
أمنزلنا جادت ثراك السحائب ... وإلا فجادته الدموع السواكب
ووشاك وسمي الغمام بدره ... وحلى محلا حل فيه الحبائب
وحيا نسيم الريح بالجزع آنسا ... فما عاب ذاك الأنس بالجزع عائب
فيا عهدنا بالخيف هل أنت عائد ... ويا أنسنا بالجزع هل أنت آيب
وهل راجع عصر الشباب الذي انقضى ... وقد شيبت سود الشعور الشوائب
وهيهات أن يقضى لنا برجوعه ... كما كان غصنا مورقا وهو ذاهب
وقد سلب الدهر المفرق أنسنا ... وأودى به والدهر للأنس سالب
فما وهب الإيناس إلا مغالطا ... وأي بخيل للنفائس واهب
أطالب أيام العقيق بعودة ... وقد عز مطلوب له أنا طالب
فيا صاحبي كن مسعدي في صبابتي ... وإلا فما أنت الصديق المصاحب
إذا ما بدا برق الحجاز فأدمعي ... تفيض إلى الوراد منها المشارب
أعاتب أيام البعاد، وقلما ... يبرد حر الشوق بالعتب عاتب
وأبخل بالصبر الجميل، وإنه ... لينهبه من وارد البين ناهب
ولما بدت أعلام طيبة قصرت ... من الشوق ما قد طولته السباسب
وقفنا وسلمنا وفاضت دموعنا ... وحنت إلى ذاك الجناب الركائب
نزلنا وقبلنا من الشوق تربها ... وطابت بذاك الترب منا الترائب
فللعين من تلك المعاهد نزهة ... وللقلب في تلك الرسوم مآرب
حوت سيد الرسل الذي جل قدره ... له في مقام القرب تقضى المطالب
به غالب حاز المفاخر سالفا ... ولا شرف إلا الذي حاز غالب
بهادي الورى طرا مناصبه سمت ... وراقت بخير الرسل تلك المناصب
محمد الهادي بإشراق نوره ... تمزق من ليل الضلال غياهب
ترقى إلى السبع الطباق وما بدا ... له في ترقيه من الحجب حاجب
وخاطبه في حضرة القدس ربه ... وأدناه في حال الخطاب المخاطب
نبي بدت أنواره وتلألأت ... فمنها تضيء النيرات الثواقب
لقد أشرقت شمس النهار بنوره ... وبدر الدجى لما بدا والكواكب
أعلل قلبي بالوصول لقبره ... وإن غبت ما قلبي وحقك غائب
وإني أناديه وإن كنت نازحا ... نداء غريب غربته المغارب
إذا كنت لي يا سيد الرسل شافعا ... فما أنا من نيل السعادة خائب
بمدحك يا من جل قدرا وحظوة ... وجاها وتمكينا تنال المواهب
فيا معشر الأحباب إن نبينا ... إلى فوزنا داع وساع وخاطب
ألا فاذكروه كل حين وسلموا ... عليه، بذاك الذكر تسم المراتب
وقوموا على أقدامكم عند ذكره ... فذلك في شرع المحبة واجب
ومنها قوله رحمه الله تعالى:
شمس الهدى وضحت بأشرف مرسل ... ودحت دجى ليل الضلال المسبل
من وجه عبد الله كان ظهورها ... للخلق طرا في ربيع الأول
خلعت على الآفاق أشرف ملبس ... وبدت فأي دجنة لم تنجل
فالنيران المشرقان كلاهما ... للمصطفى اعترفا بعجز مجمل
فالشمس لما أن بدت أنواره ... أومت إليه بالسلام الأحفل
والبدر قابله بحسن كامل ... فانشق للبدر الأتم الأكمل
ولليلة الإسراء أجمل منظر ... بجمال إسراء الحبيب الأجمل
فضلت على الأيام من شرف لما ... حازته من شرف النبي الأفضل
وبدا بها نور النبي المصطفى ... وبدت لنا نار الكليم المصطلي
إذ جاءه الروح الأمين مسلما ... ومبشرا بورود أعذب منهل
فسرى إلى أسنى محل وارتقى ... والجفن منه بنومه لم يكحل
رفعت له حجب الجلال بأسرها ... فرأى جلالا لم يكن بممثل
حتى انتهى الروح الأمين لحده ... وبحيث يذهل عقل من لم يذهل
ناداه لما أن ترقى وحده: ... لك يا محمد ذا التقرب ليس لي
ارقا إلى الأفق المبين مشاهدا ... واترك حظوظك بالحضيض الأسفل
واسعد بزورة من تعاظم ملكه ... واصعد إلى عرش الحبيب الأول
فسما فشاهد حضرة القدس التي ... سبحاتها تغشى حجى المتأمل
وبدا الكمال له ونودي مقبلا: ... أهلا وسهلا بالحبيب المقبل
أنت المراد لسرنا ولوحينا ... أقبل إلينا يا محمد تقبل
والبس بحضرة قدسنا خلع الرضى ... منا وجر الذيل منها وارفل
ولك الوسيلة يا محمد عندنا ... وبها نجيب وسيلة المتوسل
فاحكم بما يوحى إليك من الهدى ... وانزل بأنوار الكتاب المنزل
فيه شفاء للصدور فبرؤها ... بمفصل منه وغير مفصل
يا نفس هل تشفيك زورة طيبة ... فرسومها برء لكل مقبل
ولى زمانك في التصابي والمنى ... فدعي التصابي والأماني وارحلي
يا قلب، روعات الجوى هل تنقضي ... عني ولوعات الجوى هل تنجلي
وأزور قبر الهاشمي محمد ... قبل الرحيل وقبل عذل العذل
إني وإن بخل الزمان بقربه ... فبلوعتين وبدمعتي لم أبخل
أسقي الثرى تسكابها، فمعينها ... يهمي، ونار صبابتي ما تأتلي
لهفي على بعد المزار متى أرى ... يقضي الزمان بقرب ذاك المنزل
ومتى أبشر بالمنى، ويقال لي: ... هذا مقر الوحي دونك فانزل
وتهب تلقائي نواسم طيبة ... إني أجود بها إليك وحق لي
فلقد بليت بلوعة وبدمعة ... وهبوبك الأزكى شفاء المبتلي
خيلت قربك برء داء صبابتي ... ضن البعاد به فطال تخيلي
شوقا إلى خير الأنام بأسرهم ... سؤلي وأسنى مقصدي ومؤملي
فبه أنا متوسل في مقصدي ... أسنى التوسل بالرسول المرسل
وبجاهه عند الأنام مآربي ... ووسائلي تقضى وإن لم أسأل
وبه الأماني قد حللن بساحتي ... وحوادث الحدثان صرن بمعزل
بشراك نفسي فالأماني أعجلت ... نحوي تبشرني بخير معجل
بمديحه أضحى الزمان مسالمي ... تندى أسرة وجهه المتهلل
فبه إلهي قد رجوتك راغبا ... دون الأنام فباب جودك موئلي
وإليك ربي رغبتي وتوسلي ... وعليك في كل الأمور توكلي
وثبت في الآخر بخط بعض الأكابر ما نصه: تأليف الفقيه العالم الأديب البارع أبي عبد الله محمد بن العطار الجزائري.
وهو كتاب نفيس جمع فيه بين حسن النظم والنثر، فالله تعالى يجازي صاحبه أفضل الجزاء، بمنه وكرمه.
ولا بأس أن نورد هنا من كلام أهل الأندلس بعض الأمداح النبوية زيادة على ما ذكر هنا فنقو: قال العارف بالله تعالى ابن العريف في كتاب " مطالع الأنوار ومنابع الأسرار ":
وحقك يا محمد إن قلبي ... يحبك قربة نحو الإله
جرت أمواه حبك في فؤادي ... فهام القلب في طيب المياه
فصرت أرى الأمور بعين حق ... وكنت أرى الأمور بعين ساهي
إذ شغف الفؤاد به ودادا ... فهل ينهاه عن ذكراه ناهي
يهيم بذكره ويحن شوقا ... حنين المستهام إلى الملاهي
يخامره ارتياح منه حتى ... يقول أولو الجهالة: ذاك لاهي
وما هو حق فضل قد رآه ... فصار يجد في طلب الملاهي
فسوف ينال في الدنيا سرورا ... وفي الدار الأخيرة كل جاه
ويعطى ما تمنى من أمان ... كما قد حب محبوب الإله
وقال أيضا رحمه الله تعالى:
يا عاذلي في طلابي ... دعني من العذل دعني
سأعمل العيس شوقا ... بالعزم دون التأني
إلى ضريح رسول ... مصدق حسن ظني
أشدو على كل فج ... حين الحمام يغني
يا أطهر الخلق إني ... بذلتي عبد قن
فأعتق اليوم رقي ... وانظر بعطفك مني
فأنت أنت ملاذي ... إياك إياك أعني
إن غبت عن عين جسمي ... ما غبت عن عين ذهني
لولاك كنا أناسا ... أشر من كل جن
فإذ بعثت رسولا ... فخير فضل ومن
لله خالص شكري ... عساه يصفح عني
فإنني عبد سوء ... قلبت ظهر المجن وقال في خاتمة ذلك الكتاب (4) :
صلى الإله على النبي الهادي ... ما لاذت الأرواح بالأجساد
صلى عليه الله ما اسود الدجى ... فكسا محيا الأفق برد حداد
صلى عليه الله ما انبلج السنا ... فابيض وجه الأرض بعد سواد
صلى عليه الله ما همع الحيا ... فسقى البلاد برائح أو غادي
صلى عليه الله ما هفت الصبا ... وشدا على فنن الأراكة شادي
صلى عليه الله ما ألف الكرى ... جفن فخامره لذيذ رقاد
صلى على المختار أحمد ربه ... ما استمسكت نار بطي زناد
صلى على خير الأنام محمد ... من خصه بالنور والإرشاد
صلى الإله على رسول حاشر ... حشر الأنام لديه في الميعاد
صلى الإله على رسول عاقب ... في الدهر وهو بفضله كالهادي
صلى الإله على رسول خاتم ... ختم النبوة بالكتاب الهادي
صلى الإله على المقفى ما اقتفى ... بشر نبوته بغير عناد
صلى على ما حي الضلال إلهه ... ما غردت طير على الأعواد
صلى الإله على رسول فاتح ... فتح الظلام بنوره الوقاد
صلى الإله على نبي راحم ... بالملة الغراء، بعد فساد
صلى الإله على نبي طالع ... رحم الإله به من الإبعاد
صلى الإله على نبي طالع ... بملاحم قصمت فؤاد العادي
صلى عليه الله فهو نبيه ... ناداه بالإرشاد خير مناد
صلى عليه الله فهو رسوله ... أعطاه راية عزمة ورشاد
صلى عليه الله فهو خليله ... أسدى إليه منه كل سداد
صلى عليه الله فهو صفيه ... صفى سريرته من الأحقاد
صلى عليه الله فهو وليه ... والاه في الإصدار والإيراد
صلى عليه الله فهو المصطفى ... من كل حضار العباد وبادي
صلى عليه الله فهو المجتبى ... يجبى إليه الخير دون نفاد
صلى عليه الله فهو المنتقى ... نور الزمان وواحد الآحاد
صلى عليه من براه مطهرا ... واختاره طودا من الأطواد
صلى عليه من براه بفضله ... وأعاده حيا لغير معاد
صلى عليه من أراه جلاله ... وأناله من ذاك كل مراد
صلى عليه من أحل فؤاده ... في ظل عرش ثابت الأوتاد
صلى عليه من غذاه بنعمة ... فتضاعفت كتضاعف الأعداد
صلى عليه من كساه عوارفا ... واختصه منه بخير أياد
وقال الشيخ أبو عبد الله ابن عمران مادحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
مرتبا على حروف المعجم باصطلاح أهل المغرب، كما تقدم:
ألف: أيا خير البرية هذي ... مدحي، وما أنا في مقالي هاذي
باء: بها أظهرت صدق محبتي ... وبذلك الجاه الكريم لياذي
تاء: تخذت وسيلة ما حكته ... وجعلته يوم المعاد عياذي
ثاء: ثنائي ليس يحصر فضلك ال ... زاهي ولا يحويه باستحواذ
جيم: جلالك جل طور فخاره ... عن شبه مثل أو لحاق محاذي
حاء: حبيت بمعجزات ذكرها ... يولي ذوي الإيمان كل لذاذ
خاء: خصصت بها بفضل عناية ... منها لجأت إلى أجل ملاذ
دال: دحضت بحقها مستقريا ... إبطال زور مشعوذ ملاذ
ذال: ذراع الشاة أفصح مخبرا ... عما يحاذر ضره بنفاذ
راء: رميت عصائبا قد ألبوا ... فعموا ولما ينصروا بلواذ
زاي: زعيم بالوجاهة أنت إذ ... كل بجاهك عاذ كل عياذ
طاء: طلابهم لديك شفاعة ... فيها بذذت الجمع أي بذاذ
ظاء: ظماؤهم بحوضك سوغوا ... ريا كأن به مذاقة ماذي
كاف: كفك بما تلته والضحى ... لجماعة الجارين باستنقاذ
لام: لدعوتك المجابة أسبلت ... ثروات هتان الحيا بهماذ
ميم: معين يديك إذ غلب الظما ... أروى الورى من توأم وفذاذ
نون: نجارك أصله متخير ... من بطن ذات علا وأطهر حاذي
صاد: صعدت ذرا لموقف زلفة ... ترك السعود مقطع الأفلاذ
ضاد: ضويت إلى جلال كافل ... لك بالرضى در الجلالة غاذ
عين: علا ذكر افتخارك وارتقى ... عن غمز مغتاب وزور الباذي
غين: غمام قد علاك مظللا ... يمشي بمشيك دائما ويحاذي
فاء: فصاحتك البليغة أعجزت ... للقوم من قربى ومن شذاذ
قاف: قواعد صرح كسرى زلزلت ... لولادة أوهت قوى ابن قباذ
سين: سبقت بكل فضل يغتدي ... جفن المعالي منه ليس بقاذ
شين: شأوت مفاخرا كل الورى ... وتركتهم غرقى بلجة آذي
هاء: هتفت على تنائي شقتي ... بعلاك هذي، وما نحلتك هذي
او: ولو أني استطعت لسابقت ... قلمي خطا قدمي بالإغذاذ
لا: لا أكيف قدر شوق باعث ... لعزائمي مستنهض شحاذ
ياء: يمينا لو قدرت إذن لما ... أخرت سعي مبادر حذحاذ
دامت عليك صلاة ربك ما همت ... ديم بوبل هاطل ورذاذ
رجع إلى الكاتب أبي عبد الله ابن الجنان الأندلسي:
قال - تقبل الله تعالى منه - يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
يا من تقدس عن أن ... يحيط وصف بذاته
ومن تعالى جلالا ... عن مشبه في صفاته
ومن قبول ثنائي ... إليه أسنى هباته
صلى على من تبدى ... نور الهدى من سماته
ومن علا الفخر لما ... نمى إلى معلواته
محمد خير هاد ... بحلمه وأناته
محمد خير داع ... بالصدق من كلماته
محمد خير مبد ... لنا سنا معجزاته
أكرم به من نبي ... همت سما مكرماته
أعزز به من رسول ... سمت علا درجاته
وخصه الله منه ... بالفضل من تكرماته
لما حباه بأوفى ... صلاته في صلاته وقال:
يا رب بلغ سلامي ... لأحمد ذي الشفاعه
لخاتم الرسل أعني ... إمام تلك الجماعه
لأبهر الخلق مجدا ... يحكي الصباح نصاعه
لمن صفات علاه ... تعجز أهل البراعه
لسيد لسناه ... يزهى السنا واليراعه
لمرشد بهداه ... قد فاز عبد أطاعه
شمس النبوة معط ... شمس السماء شعاعه
وناظم الحسن نظما ... قد ضم منه شعاعه
وسر سرك يا من ... أرى العيون اطلاعه
ومن حبا بذكاء ... خلاله وطباعه
ومد في كل فضل ... لصفوة الرسل باعه
فزده يا رب فخرا ... وزد محبيه طاعه وقال أيضا غيره:
لقد رفع الإله عن البرايا ... ببعث محمد محن الصروف
أتى والناس في الآفاق نهب ... لسمر الخط أو بيض السيوف
فأنقذهم، ولولاه لكانوا ... لقى بين الضلالة والحتوف
نبي لا يغل عليه إلا ... سخيف العقل ذو رأي مؤوف
كأغمار اليهود أو النصارى ... أو الفلكي أو كالفيلسوف
فبعض للتجاهل والتعامي ... وبعض للتحير والوقوف
زعانف لا يهلك لها رواء ... فإن الجهل مائحة الظروف
إذا جارى بمختل ضعيف ... فإن صحاحنا فوق الألوف
فبرهان النبوة مستفيض ... ندل به على رغم الأنوف
شفوف الرسل متضح ولكن ... لأحمد الشفوف على الشفوف
حروف الخط أصل للمعاني ... وللألف التقدم للحروف وما أحسن قول القائل رحمه الله تعالى:
لولا النبي محمد ... هلك الورى في سوء (5) حاله
أعلى الورى قدرا وأك ... رمهم وأظهرهم دلاله
ختم الإله به النب ... وة والطهارة والرساله
واختصه دون البر ... ية بالمكانة والجلاله
بدر الرسالة والصحا ... بة حول ذاك البدر هاله
قذف الحصى في أعين ال ... كفار فاعتنقوا الجداله
وتدرعوا ثوب الكآ ... بة بعد إظهار الجزاله
فأصخ إلى أنبائه ... تعلم بأن المنتهى له
وإذا ابتغيت وسيلة ... ومدحته ومدحت آله
فاقطع بأنك آمن ... يوم القيامة لا محاله
وقال أبو القاسم سعد بن محمد رحمه الله تعالى:
أطلق لسانك بالصلاة على ال ... نبي الأبطحي الهاشمي محمد
واجعل شعارك ذاك تنج به غدا ... إن النجاة بذكر يوم للغد ولأبي اليمن ابن عساكر رحمه الله تعالى:
يا رب صل على النبي وآله ... صلواتنا ما دامت الأيام
واخصص ختوم سلامنا بجنابه ... كالمسك يعبق فض عنه ختام
واحرس شريعته وأوضح سبلها ... تبدو بها للسالك الأعلام
وأدم كرامته وأعل مناره ... وأنله أعلى ما لديك يرام
وارفع له الدرجات في رتب العلا ... فهو الذي للمرشدين إمام
وأقمه بين يديك زلفى موقف ... للحمد ما لسواه فيه مقام
وأنل شفاعته وأورد حوضه ... من لو أتاه [....] منه أوام
يشتاقه ويعوقه علق به ... لزمانه وزمانة وسقام
فبه إليه غلة ما تشتفي ... إلا بلقياه، وعز مرام
وله عليه في الأصائل والضحى ... تهدى إليه تحية وسلام
وبه إلى تقبيل موطئ نعله ... وجد له بين الضلوع أوام
وله أيضا رحمه الله تعالى:
ألا إن الصلاة على الرسول ... شفاء للقلوب من الغليل
فصل عليه؛ إن الله صلى ... عليه ولا تكونن بالبخيل
وصل عليه قد صلت عليه ... ملائكة السماء بجبرئيل
ألا إن الصلاة عليه نور ... لدى الظلمات في اليوم المهول
وتثقيل لميزان خفيف ... وتخفيف من الوزر الثقيل
إذا صليت صلى الله عشرا ... بواحدة عليك على الرسول
وتحظى بالشفاعة يوم تضحى ... وما لك من مقيل أو منيل
فأكثر أو أقل فأنت تجزى ... بذلك من كثير أو قليل
فصل عليه تجز جزاء ضعف ... وتجز مضاعف الأجر الجزيل
وأولى الناس أكثرهم صلاة ... عليه به وأحرى بالقبول
وأنجاهم من الأهوال عبد ... بها لهج بدل (6) قال وقيل
فكن لهجا بذكراه حفيا ... بلقياه ومنصبه الجليل
وصل صلاة مشتاق إليه ... وداو بذكره سقم العليل
وصل مدة الزمان على رسول ... كريم مصطفى بر وصول
وصل على حبيب فاق فضلا ... مدى شأو الحكيم مع الخليل
فصلى الله أفضل من يصلي ... عليه في الصباح مع الأصيل
وآتاه الوسيلة مستجيبا ... وبلغه نهاية كل سول
وأزلفه وشفعه ليأوي ... إليه الناس في ظل ظليل
وأطد شرعه وحمى حماه ... وأيده بواضحة الدليل
وشرفه ولم يبرح شريفا ... فيجمع جملة المجد الأثيل
وزاد محبه شرفا وفخرا ... بتفضيل وتنويل جزيل
وزاد علاه منه بطول عمر ... قصي من مواهبه طويل
وأوردنا عليه الحوض وفدا ... لنروى بالروى من سلسبيل
وله رحمه الله تعالى:
أدم الصلاة على النبي المصطفى ... تخلص بذاك من الجحيم ونارها
وتول إقبالا عليها كلما ... هتف المؤذن مشعرا بشعارها
فالفخر أجمعه له فتلقه ... من نوبة الأسحار فوق منارها
فهذه عدة قصائد في مدحه صلى الله عليه وسلم، أرجو من الله سبحانه أن تكون مكفرة لما ارتكبته على وجه الفخر والشهرة من الهزل واللغو، فإن ذلك والله قول لا فعل له، وإنما هو على نهج أهل الأدب كالحافظ شيخ الإسلام ابن حجر وغير واحد ممن ألف في الأدب وجمعه.
ولا بأس أن نعززها بمقطوعات تكون للتكفير زيادة، وحق لمن توسل بسيد الوجود صلى الله عليه وسلم أن لا تضيع وسائله، وكيف وهو صاحب المقام المحمود والشفاعة والسيادة، فمنها قول ابن الجنان المذكور آنفا رحمه الله تعالى:
إلى أحمد المختار نهدي تحية ... تفاوح روض الحزن بلله المزن
إذا نافحت مغناه زاد تأرجا ... وإن لثمت يمناه قابله اليمن
أسير أشواقي رسولا بعرفها ... لتسعدها منه العوارف والمن
وأرجو لديه الفضل فهو منيله ... وما خاب لي فيه الرجاء ولا الظن
عليه اعتمادي حين لا لي حيلة ... إليه استنادي حين ينبو بي الركن
به وثقت نفسي الضعيفة بعدما ... أضر بها من ضعف قوتها الوهن
إليه صلاتي قد بعثت مشفعا ... سلاما به الإحسان ينساق والحسن وقوله رحمه الله تعالى:
أيذهب يوم لم أكفر ذنوبه ... بذكر شفيع في الذنوب مشفع
ولم أقض في حق الصلاة فريضة ... على ذي مقام في الحساب مرفع
أرجي لديه النفع في صدق حبه ... ومن يرتج المختار لا شك ينفع
وأهدي إلى مثواه مني تحية ... إذا قصدت باب الرضى لم تدفع وقوله رحمه الله تعالى:
يا أرحم الخلق يوم الحشر والندم ... ارحم عبيدك يا ذا الطول والنعم
إني توسلت بالمختار ملجأنا ... الطاهر المجتبى من خيرة الأمم
إليك من سيئاتي إنها عظمت ... يا واحدا لم يزل فردا ولم يتم
عليه منه صلاة كلما طلعت ... شمس وما خط في الأوراق بالقلم
فهو الشفيع الذي أرجو النجاة به ... من الجحيم إذ الكفار كالحمم وقوله أيضا رحمه الله تعالى:
بحبيب القلوب معتمد الخل ... ق أبي القاسم النبي الشفيع
قد تشفعت من ذنوبي إلى ذي ال ... عزة الواحد العلي السميع
فاشفع اشفع يا خاتم الرسل يوم ال ... حشر والمشهد العظيم الفظيع
لظلوم لنفسه قد تناهى ... في الخطايا وكل فعل شنيع
فإذا ما تذكر الذنب فاضت ... مقلتاه واغرورقت بالدموع
لا تخيب رجاءه إنه من ... ربه خائف كثير الخشوع
وعليك الصلاة بدءا وعودا ... ما أضاءت ذكاء عند الطلوع
وقوله أيضا عفا الله تعالى عنه:
يا رب إن شفيعي من ذنوبي في ... يوم القيامة خير الخلق والنسم
محمد خاتم الرسل المبلغ لل ... دين الحنيفي والإسلام للأمم
عليه مني صلاة كلما سجع ال ... حمام فوق غصون البان والسلم
وبعد ذلك أعداد الجبال ورم ... ل الأرض والطير والحيتان والنعم
كذاك أيضا سلامي طيب عطر ... عليه ما قام عبد في دجى الظلم
لله وهو كئيب خائف وجل ... من الذنوب حزين القلب ذو ألم وقول الشيخ الإمام أبي زيد الفازازي رحمه الله تعالى:
كملت بنعت محمد خير الورى ... غرر القصائد كلها وحجولها
واختص دون الأنبياء بدعوة ... وسع العباد عمومها وشمولها
فاضت على الثقلين منه أشعة ... طلعت وما عقب الطلوع أفولها
فالإنس تعلم أنه مقصودها ... والجن توقن أنه مأمولها
كم آية بالصدق كان ظهورها ... كم آية بالسبق كان نزولها
وكفاك هذا الوحي فهو شهادة ... لمحمد لزم العباد قبولها
جمع الإله المكرمات لأمة ... هذا النبي الهاشمي رسولها وقوله رحمه الله تعالى:
أي نور كشف الله به ... سدف الباطل عنا أجمعين
ختم الله به أنواره ... عندما أكمل سن الأربعين
وأتانا بدليل بين ... عجزت عنه دواعي المدعين
فهو للناس جميعا مرشد ... وهو بالله تعالى مستعين
تركت دعوته وهو الرضى ... سائر الخلق إليها مهطعين
فأعد أنباءه فهو منى ... أنفس القائل والمستمعين
والذي يهدي إلى شرعته ... فهو مجاج من العذب المعين
والذي يرغب عن سنته ... فهو من شيعة إبليس اللعين وقوله وهو كما قبله لزومي:
أصخ فلخير العالمين مناقب ... تدل على التمكين والشرف الأسرى
أتى والورى أسرى فكان غياثهم ... بنور سماء ينقلوه عن الإسرا
وعفى رسوم الكافرين وأهلها ... فلا قيصر من بعد ذاك ولا كسرى
تقدم كل العالمين إلى مدى ... تظل به الأوهام ظالعة حسرى
وخص بتشريف على الناس كلهم ... ومن لم يقل هذا تقوله قسرا
ترقى إلى السبع الطباق ترقيا ... حقيقا ولم يعبر سفينا ولا جسرا
وبالجسم أسرى الله وهو دلالة ... يمحلها من لا ييسر لليسرى
فسبحان من أسرى إليه بعبده ... وبورك في الساري وبورك في المسرى
وكم عجب أوحى إلى عبده به ... فدونك تجميلا ولا تطلب الفسرا
وقوله رحمه الله تعالى:
هاك عن هذا النبي المصطفى ... خبرا يقبله من سمعه
سبحت صم الحصى في كفه ... ثم في كف الهداة الأربعه
وإذا أبدى نبي عبرة ... فهو لا ينكر فيمن تبعه
أي نطق قد روى إعجازه ... عن سماع كل من كان معه
حجج الرسل التي قد سلفت ... أصبحت في أحمد مجتمعه
فاعتقد صحتها واعمل بها ... فدعاوى ضدها منقطعه
ممكنات العقل لا يجحدها ... غير أهل الطبع والمبتدعه
وقوله رحمه الله تعالى:
إذا أملت من مولاك قربا ... فجدد ذكر خير الأنبياء
وصل عليه أول كل قول ... وآخره بصبح والمساء
فإن هذا محمدا أعلى البرايا ... محلا في السيادة والعلاء
لواء الحمد في يمنى يديه ... وكل الناس من دون اللواء
فحدث عن دلائله ففيها ... شفاء للنهى من كل داء
ولست بناقل للعشر منها ... وهل تفنى الزواخر بالدلاء
فقل للسامعين قفوا فهذا ... محال ليس يحصر بانتهاء
براهين البسيطة ليس تحصى ... فدونكم براهين السماء وقوله رحمه الله تعالى:
أما يمين محمد ... ويساره فهما سماء
كلتاهما إن صوح ال ... مرعى لنا طعم وماء
وإذا أضر بنا السقا ... م وغيره فهما شفاء
فاعجب لكف في الورى ... فيها عن المزن اكتفاء
فاقطع بأن محمدا ... في الخلق ليس له كفاء
فإذا أصخت لآية ... فالنور فيها والضياء
هذا الصباح الهاشم ... ي بدا فليس به خفاء
فالأرض قد فتحت بمب ... عثه وفتحت السماء
سبق القضاء بسبقه ... والله يفعل ما يشاء وقوله رحمه الله تعالى:
بركات رسل الله غير خفية ... ومحمد خير البرية أبرك
هذا النبي الهاشمي هو الذي ... هدي الأنام به وبان المسلك
كم آية لمحمد كم حجة ... عز الولي بها وذل المشرك
دعواته مسموعة مرفوعة ... والحس ليس يصح فيه تشكك
لا شيء أعجب من دليل واضح ... يحيا به بعض وبعض يهلك
أمسك بحبل محمد خير الورى ... تظفر بقصدك أيها المستمسك
وإذا عجبت لغاية في رفعة ... فمحل أحمد غاية لا تدرك وقوله رحمه الله تعالى:
قبح الإله الملحدين ... فإنهم جحدوا الضروره
والمعجزات تواترت ... عن أحمد في كل صوره
والله أعلى كعبه ... في خلقه وأتم نوره
كثر الطعام مع الشرا ... ب بكفه عند الضروره
وتكنفته عناية ... من ربه أعلت أموره
نادى البرية فالقلو ... ب إلى إجابته مصوره
وحمى الشريعة بالدلي ... ل فدع معاندها وزوره
قل للمشكك حين يب ... دي في تشككه قصوره
بيني وبينكم الكتا ... ب فدونكم فأتوا بسوره وقال رحمه الله تعالى:
إذا بهرت للهاشمي دلالة ... فكم حجج في طيها ودلائل
فكم مرة آتى الغنى كف سائل ... وكم مرة أعطى المنى فكر سائل
له تحت أستار الغيوب شهادة ... معدلة لم تبق قولا لقائل
يحدث عما كان أو هو كائن ... فقس آخرا من صدقه بالأوائل
إذا الصدق لم يعوزك في غدواته ... فلا شك في تصديقه بالأصائل
وحسبك في الأنباء بالغيب أنه ... ستسمعها بالنقل من قول قائل وقوله رحمه الله تعالى:
يا ذا المعنى بهذا الذكر تسمعه ... في المدح تأثره في سيد الناس
هذا النبي، ومن آيات أثرته ... في الطيب والطول لا تجري بمقياس
قد انقضت معجزات الغيب وافية ... صحيحة باستفاضات وإحساس
وهاك نوعا من الإعجاز منتزها ... عن نقد منتقد أو صفح قرطاس
لا نعدم النقل عن آثار سيدنا ... فإنما نحن فيها بين أعراس
تنقل الأنف في النوار ينشقه ... من ياسمين إلى ورد إلى آس
إن القلوب إذا اعتلت خواطرها ... فذكر أحمد فيها المبرئ الآسي وقوله رحمه الله تعالى:
تأدب إذا ذكر المصطفى ... بصمت اللسان وغض البصر
فإن التأدب عند السماع ... يفهم في النطق أو في النظر
وردد أحاديثها إنها ... دليل على صدق خير البشر
وصل عليه مدى ذكره ... فذلك أفضل ما يدخر
ولا تسترب في براهينه ... فتسلك مسلك قوم أخر
فكم آية ظهرت للنبي ... وكم أثر عنده قد ظهر
ومن شك في نور برهانه ... لعي أن برهانه قد بهر
فكبر على عقله أربعا ... وقل فوق طورك هذا الخبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يعني بابن العطار المشرقي، شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي الدنيسري، وله في المدائح النبوية " عنوان السعادة " (الدرر الكامنة 1: 287) .
(2) ق: أبي حفص.
(3) ق: الوصول.
(4) ق: وقوله رحمه الله تعالى ... الباب.
(5) ق: كل.
(6) كذا بالتسكين، وفي هذه القصائد تسامح أحيانا في اللغة والإعراب لم نشر إليه.
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة