الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
رجع إلى المنصور
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة:
مج1، ص:588-590
12/11/2022
1862
رجع إلى المنصور
وكان المنصور إذا أراد أمرا مهما شاور أرباب الدولة الأكابر من خدام الدولة الأموية، فيشيرون عليه بالوجه الذي عرفوه وجرت الدولة الأموية عليه، فيخالفهم إلى المنهج الذي ابتدعه، فيقضون في أنفسهم
(588)
بالهلاك في الطريق الذي سلكه، والمهيع الذي اخترعه، فتسفر العاقبة عن السلامة التامة التي اقتضاها سعده، فيكثرون التعجب من موارد أموره ومصادرها.
وقيل له مرة: إن فلانا مشؤوم فلا تستخدمه، فقال: أف لسعد لا يغطي على شؤمه، فاستخدمه، ولم ينله من شؤمه الذي جرت به العادة شيء.
وحكي عنه أنه كان في قصره با زاهرة (1) ، فتأمل محاسنه، ونظر إلى مياهه المطردة، وأنصت لأطياره المغردة، وملأ عينه من الذي حواه من حسن وجمال، والتفت في الزاهرة من اليمين إلى الشمال، فانحدرت دموعه، وتجهم وقال: ويها (2) لك يا زاهرة، فليت شعري من الخائن الذي يكون خرابك على يديه عن قريب؟ فقال له بعض خاصته: ما هذا الكلام الذي ما سمعناه من مولانا قط؟ وما هذا الفكر الرديء الذي لا يليق بمثله شغل البال به؟ فقال: والله لترون ما قلت، وكأني بمحاسن الزاهرة قد محيت، وبرسومها قد غيرت، وبمبانيها قد هدمت ونحيت، وبخزائنها قد نهبت، وبساحاتها قد أضرمت بنار الفتنة وألهبت، قال الحاكي: فلم يكن إلا أن توفي المنصور وتولى المظفر ولم تطل مدته، فقام بالأمر أخوه عبد الرحمن الملقب بشنجول (3) ، فقام عليه المهدي والعامة، وكانت منهم عليه وعلى قومه الطامة، وانقرضت دولة آل عامر، ولم يبق منهم آمر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر (4) وخربت الزاهرة، وذهبت (5) كأمس الدابر، وخلت منها الدسوت الملوكية
(589)
والمنابر، واستولى النهب على ما فيها من العدة والذخائر، والسلاح، وتلاشى أمرها فلم يرج لفسادها صلاح، وصارت قاعا صفصفا، وأديلت بأيام الترح عن أيام الفرح والصفا.
ويروى أن بعض أولياء ذلك الزمان مر بها، ونظر إلى مصانعها السامية الفائقة، ومبانيها العالية الرائقة، فقال: يا دار فيك من كل دار، فجعل الله منك في كل دار، قال الحاكي: فلم تكن بعد ذلك دعوة الرجل الصالح إلا أيام يسيرة حتى نهبت ذخائرها، وعم بالخراب سائرها، فلم تبق دار فيالأندلس إلى ودخلها من فيئها حصة كثيرة أو قليلة، وحقق الله تعالى دعاء ذلك الرجل الذي همته مع ربه جليلة.
وقد حكي أن بعض ما نهب منها بيع ببغداد وغيرها من البلاد المشرقية، فسبحان من لا يزول سلطانه ولا ينقضي ملكه لا إله إلا هو.
وتذكرت هنا ما رآه في المنام بعض أهل المغرب بالليلة التي انقرض فيها ملك الموحدين أن شخصا ينشده:
ملك بني مؤمن تولى ... وكان فوق السماك سمكه
فاعتبروا وانظروا وقولوا: ... سبحان من لا يبيد ملكه لا إله إلا هو.
وكان المهدي القائم على العامريين ماجنا فاتكا، وقال - وقد حياه في مجلس شرابه غلام بقضيب آس (6) :
أهديت شبه قوامك المياس ... غصنا رطيبا ناعما من آس
وكأنما يحكيك في حركاته ... وكأنما تحكيه في الأنفاس وكان المنصور بن أبي عامر حين تغلب على ملك الأمويين غير مكترث بمثل
(590)
المهدي المذكور، فسلطه الله تعالى على كل ما أسسه المنصور حتى هدمه، وأخر كل ما قدمه، ولم ينفع في ذلك احتياط ولا حزم، ولا راد للقضاء المبرم الجزم:
والله يحكم ما يشا ... ء فلا تكن متعرضا
__________
(1) ك: الذي بالزاهرة.
(2) ك: ويل.
(3) ك ج: بسنجور؛ ط: بسنجول.
(4) سقط هذا البيت من ق.
(5) ك: ومضت.
(6) انظر ص: 577.