x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

كرائم القرآن

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

المكي والمدني عند الطباطبائي

المؤلف:  الشيخ عارف هنديجاني فرد

المصدر:  علوم القرآن عند العلامة آية الله السّيّد محمد حسين الطّباطبائيّ (قده) «دراسة مقارنة»

الجزء والصفحة:  ص 211 - 222 .

13-11-2020

3889

يجمع المفسرون للقرآن الكريم على أنه لا يمكن فهم القرآن وتفسيره بشكل أفضل دون الإطلاع على مباحث علوم القرآن ، على اعتبار أن هذه المباحث والعلم بها ، يؤدي إلى تيسير الفهم الأفضل للقرآن . وكما أشرنا في تمهيدنا لهذا الباب في الدراسة ، أن وعي العلامة الطباطبائي بهذه العلوم وإحاطته بها آثر في منهجية تفسيره للقرآن ، حيث نجده في مبحث المكي والمدني من الآيات يأخذ بالسياق ، ويستنطق القرآن للتعرف إلى أجواء الآيات وما تعالجه من مواضيع ، وما تكشف عنه من أحداث ، أو أشخاص ، أو أحكام ، أو غير ذلك مما يتعلق بأصول الاعتقاد ، ومن خلال ذلك كان المفسّر يتعرف إلى زمان ومكان الآية ، وما إذا كانت مكية ، أو مدنية ، ولعل الذي استلهمه المفسّر من إحاطته بما ترامى من روايات في العلوم القرآنية ، سواء في علم أسباب النزول ، أم في المكي والمدني . أم في المحكم والمتشابه . . . إلى غير ذلك من العلوم القرآنية ، هو الذي رسم له ملامح منهجه في التفسير ، نظراً لما انطوت عليه الروايات من اختلاف وتناقض بلغ بها حد التعارض مع الآيات القرآنية ، وخاصة حين بلغ الأمر ببعض المفسرين إلى إسقاط الرواية على النص وتلبيسه إياها على أنها سبب في النزول . فهذا كله أخرج المفسّر من أوهام الروايات ، التي اكتنفها ، في كثير من الأحيان ، التأثير السياسي ، ليدخل إلى القرآن سائلاً ومستنطقاً ومفسراً على قاعدة أن القرآن يصدق بعضه بعضاً . وأن الآيات القرآنية تشكل وسيلة مثلى ودقيقة لحل الكثير من المعضلات الموجودة في الأحاديث ، وكما يقول المفسر : إن الآيات القرآنية ، تعتمد على حقيقة واحدة ، وهي الأساس الذي بني عليه بنيان الدين ، وهو توحيده تعالى . . . ولا بد من فهم الآيات القرآنية كلها في ضوء هذه الحقيقة ، وقد سميت آياته بالمثاني ، لأن بعضها يوضح حال بعض ، كما قال الله تعالى : ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر : 23] ، حيث جمع تعالى بين كون الكتاب متشابهاً يشبه بعض آياته بعضاً ، وبين كون آياته مثاني (1) . وانطلاقاً من هذه الرؤية ، فإن المفسر في علومه القرآنية استهدى بالقرآن للخروج من تناقضات الروايات والأحداث والتاريخ الإسلامي بكل أحداثه وتفاعلاته . وهو إنما اختار منهجية تفسير القرآن بالقرآن لكونه الكتاب المبين ، الذي يستطيع المفسر من خلاله أن يهتدي إلى كثير من الحقائق والمعارف ، وهذا ما أشار إليه بقوله : «ولو لم ينسَ السابقون هذا الأسلوب الرائد ، واستمروا على نهجه ، لانكشفت لهم الكثير من الأسرار القرآنية ، فهذا الأسلوب سار عليه الأئمة الأطهار (عليهم السلام) . . .» (2) .

وهكذا ، فإن معنى أن يتعرف الباحث إلى ما يذهب إليه الطباطبائي في علم المكي والمدني من الآيات ، وما لذلك من أثر في منهجيته ، معناه لحاظ ما اختاره الطباطبائي من أسلوب وطريقة للتمييز بين ما هو مكي وما هو مدني ، وقبل ذلك لا بد من التعرض إلى الإتجاهات التي كانت سائدة في عصر الطباطبائي ، لأن منهجه في التفسير لم يستثنِ هذه الإتجاهات في تفسيره ، وإنما توقف عندها ملياً واختار الإتجاه الذي يرى أنه يُفهم قرآنياً بشكل أفضل ، وينسجم مع منهجه في كون دلالة السياق في الآيات القرآنية ، هي التي توجه المفسر إلى رفع التعارض فيما بين الروايات ، أو إلى إسقاطها عن درجة الاعتبار ، يقول الطباطبائي : «وللعلم بمكية السور ومدنيتها ، ثم ترتيب نزولها أثر هام في البحوث المتعلقة بالدعوة النبوية وسيرها الروحي والسياسي والمدني في زمنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحليل سيرته الشريفة .

والروايات ـ كما ترى ـ لا تصلح أن تنهض حجة مُعتمداً عليها في إثبات شيء من ذلك على أن فيما بينها من التعارض ما يسقطها عن الإعتبار . فالطريق المتعين لهذا الغرض هو التدبر في سياق الآيات والاستمداد بما يتحصّل من القرائن والإمارات الداخلية والخارجية . . .» (3) .

هذه هي الحقيقة التي استفادها الطباطبائي من حركة التفسير القرآني في التاريخ الإسلامي ، وهي استفادة مبنية على تنازع أهل التفسير فيما اضطربوا فيه من روايات ، واختلفوا فيه من اتجاهات . وكما قلنا إنّه لا بد من عرض ما استقرت عليه الإتجاهات التي سلكها أهل التفسير لمعرفة المكي من المدني ، وهي ثلاثة اتجاهات رئيسية . أما الإتجاه الأول : فهو الذي اعتبر بهجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ووصوله إلى المدينة ، فرأى أن ما نزل قبل الهجرة ، أو في أثناء الطريق قبل وصوله إلى المدينة فهو مكي ، وما نزل بعد ذلك ، فهو مدني ، والملاك ، في هذا الإتجاه ، هو اعتبار زمني ، فما نزل قبل وقت الهجرة ، ولو في غير مكة ، فهو مكي ، وما نزل بعد الهجرة ولو في غير المدينة حتى ولو نزل في مكة عام الفتح ، أو في حجة الوداع ، فهو مدني باعتبار نزوله قبل الهجرة . . (4) .

أما الإتجاه الثاني ، فهو يقول : أن ما نزل في مكة وما يحيط بها ، ولو بعد الهجرة ، فهو مكي ، وما نزل في المدينة وما يحيط بها ، فهو مدني ، وما نزل خارج البلدين ، بعيداً عنهما فهو لا مكي ولا مدني . . (5) .

يبقى الإتجاه الثالث ، وهو ما كان خطاباً لأهل مكة فهو مكي ، وما كان خطاباً لأهل المدينة فهو مدني (6) ، وهذا مأخوذ من كلام ابن مسعود : «كل شيء نزل فيه يا أيها الناس فهو بمكة ، وكل شيء نزل فيه يا أيها الذين آمنوا فهو بالمدينة ، قال الزركشي : «لأن الغالب على أهل مكة الكفر ، والغالب على أهل المدينة الإيمان» (7) .

وكما نلاحظ أن هناك اعتبارات عديدة ، وآراء مختلفة عند أهل التفسير لمعرفة المكي والمدني ، وهذا كله ناشئ من كون ما استندوا إليه من روايات متضاربة لا تصلح أن يعتمد عليها في إثبات شيء من ذلك . وإذا كان هناك من اتجاه اختاره الطباطبائي ، فهو اختار الإتجاه الزمني كأساس للتمييز بين المكي والمدني ، لكونه هو المشهور . ونحن ، كما يرى المفسر ، إنما نؤثر الإتجاه الزمني في تفسير المكي والمدني تبعاً لذلك ، ولأننا نرى أن وضع مصطلح المكي والمدني على أساس الترتيب الزمني الذي هو أنفع وأهم للدراسات القرآنية (8) . أما فيما يتعلق بمعرفة المكي والمدني ، فقد ذهب الكثيرون من أهل التفسير إلى القول بأن السبيل الوحيد إلى ذلك هو ما ورد عن الصحابة في ذلك (9) ، وهذا ما رأى فيه الطباطبائي مزيداً من التحير والمتاهة لما هي عليه الروايات من تعارض فيما بينها ، وأكد على أن الطريق المتعين للتحقق من ذلك هو التدبر في سياق الآيات ، والاعتماد على الروايات القطعية لمعرفة ذلك ، دون أن يعني ذلك مجانبة العقل والإجتهاد ، كونه من غير الممكن تفسير أي آية من دون الاستعانة بالبراهين العقلية ، وسند حجيّة هذا العقل هو القرآن ، لكون القرآن نفسه يُقيم الأدلة القاطعة لبيان المعارف الإلهية (10) .

فالطباطبائي يرى أنه في سياق محاولة التمييز بين المكي والمدني ، بدأ المفسرون بالإعتماد على الروايات والنصوص التاريخية التي تؤرخ السورة ، أو الآية ، وتشير إلى نزولها قبل الهجرة أو بعدها ، وعن طريق تلك الروايات والنصوص التي تتبعها المفسرون استطاعوا أن يعرفوا عدداً كبيراً من السور والآيات وأن يميزوا بينها . وهذا ما لم يكن مستحيلاً على أهل التفسير ، لما هي عليه كل سورة ، أو آية من خصائص تميز المكي عن المدني (11) ، وهذه الخصائص التي تمتاز بها السور والآيات ، هي غير أن يكون هناك طريق لمعرفة مواقع النزول أنها كانت بمكة ، أو بالمدينة أو بغيرهما ، فهذا كما يرى أهل التفسير قليل جداً ، لأن الأوائل لم يُعيروا هذه الناحية المهمة اهتماماً معتداً به ، سوى ما ذكروه في عرض الكلام استطراداً ، وهي استفادة ضئيلة للغاية ، ومن ثم يجب لمعرفة ذلك ملاحظة شواهد وقرائن من لفظ الآية ، أو استفادة من لهجة الكلام ، بالخطاب مع نوعية موقف الموجه إليهم ، أكان في حرب ، أم في سلم ، وعد ، أم وعيد ، إرشاد ، أم تكليف . . . (12) .

لقد اختار الطباطبائي طريق القرآن ، باعتباره المتعين لهذا الغرض ، وذلك نظراً لأهمية العلم بالسور المكية والمدنية ، ولما له من أثر في البحوث المتعلقة بالدعوة النبوية ، وهنا تساءل المفسّر هل يركن إلى الروايات المتضاربة إلى حد التناقض لتحصيل هذا العلم ، أم أنه يختار سبيل القرآن للتدبر في سياق الآيات ، وفي لهجة الخطاب الإلهي الموجه إلى الناس ؟

لا شك في أنه مع توفر السور والآيات على خصائص تميز المكي عن المدني ، وهي خصائص عامة ، يمكن للمفسر أن يهتدي إلى التمييز بينها ، ولكن كيف السبيل إلى معرفة مواقع النزول ، وترتيب النزول؟ فهذا ما حتم على المفسّر أن يلتمس طريق القرآن للتدبر في سياق الآيات ، والاستمداد بما يتحصل من القرآن والإمارات الداخلية والخارجية للعلم بمكية السور ومدنيتها . ومن هنا ، نرى أن ما يميز المفسّر عن سواه من المفسرين للقرآن ، هو أنه من خلال إحاطته بعلوم القرآن استطاع الاهتداء إلى المنهج الإسلامي القويم في معالجة الكثير من القضايا الإسلامية ، فكان منهج تفسير القرآن بالقرآن ، لأن الروايات ، الكثير منها ، لا تنهض بهذه المهمة ، ولا بد أن القرآن مبين لغيره ، كما هو مبين لنفسه ، كما يرى الطباطبائي ، وهو من هذه الرؤية وبهدف تحصيل العلم بمكية السور ومدنيها قال الطباطبائي : وعلى ذلك نجري في هذا الكتاب ، أي تفسير الميزان ، والله المستعان (13) .

هكذا ، يتظهّر لنا أثر علوم القرآن ، وتحديداً المكي والمدني ، في منهج الطباطبائي ، لأن الاختيار الذي كان سائداً في تاريخ المسلمين ، وفي طريقة وسلوك المفسرين لمعرفة مواقع النزول وترتيب النزول ، هو الاعتماد على ما ورد عن الصحابة في ذلك ، وهذا ما لا يمكن أن يورث الاطمئنان . أما القرآن ، فهو ناهض بهذه المهمة من خلاف التدبر في سياق الآيات ، ويمكن التمثيل على ذلك بأن النصوص القرآنية التي تشتمل على تشريعات الحرب والدولة ، فهي خصيصة موضوعية تدل على أن النص مدني ، لأن طبيعة الدعوة في المرحلة الأولى قبل الهجرة لا تنسجم إطلاقاً مع التشريعات الدولية ، فمن هنا نعرف أن النص مدني نزل في المرحلة الثانية من الدعوة . . (14) .

إن المقياس الذي وضعه الطباطبائي للعلم بالمكي والمدني هو السياق القرآني ، بحيث يتم التعرف بأن مضامين هذه الآية أو تلك تناسب ما كان عليه الحال في مكة ، فتكون مكية ، أو تناسب ما كان عليه الحال في المدينة ، فتكون مدنية ، ومن خلال التعرف على ذلك ، يمكن حينذاك التعرف إلى الناسخ والمنسوخ ، لما أجمع عليه أهل التفسير من أن معرفة المكي والمدني لها فوائد ، أهمها التعرف على الناسخ والمنسوخ ، وذلك إذا وردت آيتان ، أو آيات من القرآن في موضوع واحد ، وكان الحكم في هاتين الآيتين أو الآيات مخالفاً للحكم في غيرها ، ثم عرف أن بعضها مكي ، وبعضها مدني ، فالثاني يكون ناسخاً للأول باعتبار تأخره عنه (15) . . .

وانطلاقاً من رؤية الطباطبائي في تحديد الطريقة للعلم بالمكي والمدني ، يمكن أن تعرض لنماذج من تفسيره الميزان للاستفادة من طريقة تدبره في السياق ، يقول الطباطبائي : «وما اختلفوا في مكيته ومدنيته سورة الرعد ، والرحمن والجن والصف والتغابن . . .» (16) ، وهو لأجل أن يبين معنى ما يفيده التدبر في السياق لحسم موضوع الجدل والخلاف حول آية من الآيات ، يرى أن سورة الرعد مكية كلها على ما يدل عليه السياق ، وما تشمل عليه من المضامين ، ونقل عن بعضهم أنها مكية إلاّ آخر آية منها ، فإنها نزلت بالمدينة في عبد الله بن سلام ، وعُزي ذلك إلى الكلبي ومقاتل ، ويدفعه أنها مختتم السورة قوبل بها ما في مفتتحها من قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ ﴾ . وقيل : إن السورة مدنيّة كلها إلاّ آيتين منها وهما قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ﴾ ، ونسب ذلك إلى الحسن وعكرمة وقتادة ، ويدفعه سياق الآيات بما تشتمل عليه من المضامين ، فإنها لا تناسب ما كان يجري عليه الحال في المدينة وبعد الهجرة . .» (17) .

ومن السور أيضاً ، على سبيل المثال لا الحصر ، يرى الطباطبائي أن سورة (يس) مكية بشهادة سياق آياتها ودلالة مضامينها ، إذ إن أغراض السورة بيان الأصول الثلاثة للدين ، التوحيد ، والنبوة ، والمعاد» (18) .

كما نلاحظ في تفسيره أيضاً لسورة النساء ، فهو يرى أنها مدنية لشهادة مضامين آياتها المتعرضة لجملة من الأحكام ، كالزواج والمواريث والصلاة والجهاد . . . وتعرضها لحال أهل الكتاب ، على خلاف ما زعم بعض المفسرين من أنها مكية . . (19) .

إذاً ، الطباطبائي ، كما تبين لنا من رؤية مختصرة فيما ذهب إليه في موضوع المكي والمدني ، يحسم الموقف في تفسيره وفي منهجه ، معولاً على السياق ومضامين الآيات ، طالما أنه يرى أن ما ينقل من روايات عن الكلبي ومقاتل وعكرمة وقتادة ، وغيرهم ، لا يورث الاطمئنان بل يؤدي إلى القول بخلاف سياق الآيات ومضامينها ، وهنا يمكن أن نسأل : مَن تصدق؟ هل تصدق الطباطبائي ، أم تصدق الروايات على تضاربها وتناقضها ، وقد سبق القول أن الطباطبائي يرى أنها لا تصلح دليلاً وتسقط عن درجة الاعتبار . وهنا تكمن إشكالية كبرى في تاريخ المسلمين ، وتحديداً في علم التفسير ، حيث نجد أن الطباطبائي يتجاوز مألوفات القوم إلى منهج قرآني لا يمكن إلاّ أن يكون صحيحاً وواضحاً ومفسراً ، ومصدّقاً لآياته . . فإذا فرضنا أن المفسر أخطأ في تدبر ما ، أو في استخلاص نتيجة ما من دلالة آية أو سورة ، فليس معنى هذا أن المنهج هو الذي أخطأ ، وإنما الخطأ في تطبيق المنهج . فالقرآن يفسّر بعضه بعضاً ، والسنة القطعية تعضده وتأتي بعده ، كما يقول الطباطبائي ، وهو سند حجيّتها ، وهذا يعني أنه إذا لم تكن الرواية حجة قاطعة ، فإنه لا يمكن الاعتماد عليها في التعرف إلى المكي والمدني ، ويبقى السبيل الوحيد إلى ذلك هو القرآن ، وهذا ما اختاره الطباطبائي تجنباً لمزالق الروايات التي تجعل من المكي مدنياً ، ومن المدني مكياً مع ما يحدثه ذلك من اضطراب فيما يتعلق بأسباب النزول ، ومعرفة الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد ، والعام والخاص . فإذا كانت ضمانة هذا العلم وغيره من العلوم القرآنية هي في القرآن فلما لم يلجأ إليه المفسرون ، وهذا ما صدّرنا به الكلام عن الطباطبائي ، الذي عبر عن ذلك بقوله : «ولو لم ينسَ السابقون هذا الأسلوب الرائد ، واستمروا على نهجه ، لانكشفت لهم الكثير من الأسرار القرآنية» .

ثم إنه ، ما هو الملزم لعلماء التفسير أن يتعبدوا بكثير من الروايات ، أو أن يقوموا بإسقاطها على القرآن الكريم؟ طالما أن التدبر القرآني ودلالة السياق فيه تكشف عن المكي والمدني ، وتمنع من الخطأ فيه فيما لو كان المفسّر متوفراً على الشروط والصفات التي تؤهله للبحوث القرآنية . فهذا القاضي أبو بكر ، كما يروي الزركشي ، يقول : «كانت العادة تقضي بحفظ الصحابة ذلك ، غير أنه لم يكن من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك قول . ولا ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : ما نزل بمكة كذا وبالمدينة كذا ، وإنما لم يفعله لأنه لم يؤمر به ، ولم يجعل الله تعالى علم ذلك من فرائض الأمة ، وكذلك الصحابة والتابعون لما لم يعتبروا ذلك من فرائض الدين ، لم تتوفر الدواعي على إخبارهم به ، ومواصلة ذلك على أسماعهم ، وإذا كان الأمر على ذلك ساغ أن يختلف من جاء بعدهم في بعض القرآن ، هل هو مكي ، أو مدني؟ وأن يعملوا في القول بذلك ضرباً من الرأي والاجتهاد» (20) .

وكما يقال ، هنا جوهر القول في عبقرية الطباطبائي ، وفيما اختاره من طريق للعلم بالمكي والمدني ، لأنه لم يرد أن يختلف في القرآن ، هل هو مكي أو مدني ، إذ كيف يمكن أن يقع الإختلاف ، والقرآن لا اختلاف فيه ، ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ ، وهذا هو مرتكز الطباطبائي في منهجه تفسير القرآن بالقرآن . إذ هو تجنب الروايات التي لا تنهض دليلاً ، واعتصم بالقرآن بديلاً ، ليكون له علم بالمكي والمدني من خلال التدبر بالسياق والمضامين القرآنية . أما أن يتعبد بعض المفسرين بالروايات مع ما هي عليهم من تضارب واختلاط بالسياسة ، بسبب ما عايشه التاريخ الإسلامي من أحداث ، ثم يكون العلم بالرأي الإجتهاد من دون إحكام الرؤية القرآنية فيما يتعلق بعلوم القرآن ، فذلك مما يمنع من الاهتداء إلى السبيل الحق ، ويحول دون الوصول إلى المعرفة الحقيقية بمواقع النزول (21) . وقد تبين لنا كيف أن الطباطبائي قد رد على كثير ممن ادعوا العلم بالمكي والمدني ، ولكنهم لم يكونوا على شيء من ذلك . وإذا كان من موقف مما ذكره الزركشي عن القاضي أبي بكر ، فإنه يمكن القول أن ذلك لم يجعل من فرائض الدين ، وأن الرسول لم يقل هذا مكي ، وهذا مدني ، لكن ليس معنى هذا أن يُختلف في القرآن ، أو أن يقال بالرأي والاجتهاد ، طالما أن هناك منهجية علمية تؤدي إلى تحصيل المطلوب ، وهي منهجية تفسير القرآن بالقرآن التي اهتدى إليها الطباطبائي ، وجعلت منه مفسّراً في مصاف المفسرين العظماء ، وهذا ما يعترف به كل مَن له باع في العلوم القرآنية ، ولكن ما يؤسف له ويعجب منه ، هو أن المفسرين تعبدوا بالروايات بمعزل عن تضاربها ، واحتكموا إلى الرأي والاجتهاد ، ناهيك عما تقلّدوا به في بحوثهم القرآنية ، فاستحال عليهم الاهتداء وساغ لهم الاختلاف ، فكانوا ، كما قال الطباطبائي «فقد اتسع الخرق على الراتق» (22) .

__________________________

1. الطباطبائي ، الميزان ، م . س ، ج12 ، ص22 .

2. م .ع ، م .س ، ج16 ، ص64 .

3. م .ع ، ج13 ، ص230 .

4. هذا الاتجاه هو المشهور بين علماء التفسير ، وقد اختاره الطباطبائي ، وأصحاب هذا الإتجاه يرون أن جميع الآيات النازلة في الحروب والأسفار للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بما أنها نزلت بعد الهجرة فكلها مدنيات . انظر : السيوطي ، جلال الدين ، الإتقان في علوم القرآن ، تحقيق محمد إبراهيم ، القاهرة ، طبع الهيئة العامة المصرية للكتاب ، 1975م ، ج1 ، ص9 .

5. انظر : الطبرسي ، أبو علي ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، بيروت 1955م ، (لا ـ ت) ج6 ، ص293 .

6. هذا الاتجاه يرفضه الطباطبائي بشدة ، لأنه يقوم على اعتقاد خاطئ بأن الآيات ما يكون منها خطاب لأهل مكة ، فهو لأهل مكة ، وما كان خطاب لأهل المدينة ، فهو لأهل المدينة ، وليس هذا بصحيح بنظر الطباطبائي ، باعتبار أن الخطابات القرآنية عامة وانطباقها على أهل مكة ، أو على أهل المدينة ، لا يعني كونها خطاباً خاصاً ، وإنما هي بما تشتمل عليه من توجيه ، أو نصح ، أو حكم شرعي ذات دلالة عامة ما دام اللفظ فيها عاماً ، را : الطباطبائي ، القرآن في الإسلام ، م .ع ، ص120 ـ 121 .

7. انظر : الزركشي ، بدر الدين ، البرهان في علوم القرآن ، تحقيق محمد إبراهيم ، بيروت ، دار المعرفة ، بيروت ، 1972م ، ج1 ، ص187 .

8. الطباطبائي ، القرآن في الإسلام ، م .س ، ص120 .

9. انظر : الزرقاني ، محمد عبد العظيم ، مناهل العرفان في علوم القرآن ، القاهرة ، المطبعة الفنية ، (لا ـ ت) ، ج1 ، ص196 .

10. الطباطبائي ، محمد حسين ، أسس الفلسفة والمذهب الواقعي ، تعريب محمد الخاقاني ، بيروت ، دار التعارف ، ط2 ، 1988م ، ج2 ، ص57 .

11. يرى الطباطبائي أن هناك خصائص عامة في السور والآيات المكية ، فمن خصائص المكية :

1 ـ قصر الآيات والسور وإيجازها وتجانسها الصوتي .

2 ـ الدعوة إلى أصول الإيمان بالله واليوم الآخر . . .

3 ـ الدعوة إلى الأخلاق والإستقامة .

4 ـ مجادلة المشركين .

5 ـ استعمال السور لخطاب : يا أيها الناس . . .

هذه خصائص يغلب وجودها في السور المكية ويمكن أن تجد لذلك استثناءات كما في سورة الحج فهي مدنية وتستعمل خطاب : يا أيها الناس .

أما خصائص السور المدنية ، فهي تتميز أولاً :

1 ـ طول السورة والآية والتفصيل فيها .

2 ـ تفصيل البراهين والأدلة .

3 ـ مجادلة أهل الكتاب .

4 ـ التحدث عن المنافقين .

5 ـ التفصيل لأحكام الحدود والفرائض والحقوق والقوانين السياسية والإجتماعية والدولية كسورة النساء مثلاً .

يقول الطباطبائي هذه مقاييس إذا حصل الإطمئنان والتأكد من تاريخ السورة ، وأنها مكية أو مدنية يمكن الإعتماد عليها . ومن شأن التدبر في السياق القرآني ومضامينه أن يكشف عن المكي والمدني بعيداً عن الروايات المتناقضة والمتعارضة . را : الطباطبائي ، الميزان ، ج13 ، ص230 ، وقا : القرآن في الإسلام ، م .س ، ص125 . وقا : مع السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ، م .س ، ج1 ، ص68 ـ 69 . فالسيوطي يرى أن التمييز بين المكي والمدني ، إنما يتم بمراعاة الأسلوب والسياق ، فقد ذكر أن ما كان خطابه : يا أيها الذين آمنوا ، فهو مدني . وما كان خطابه : يا أيها الناس ، فهو مكي ، وهذا يرد عليه جملة أمور لا داعي للإطالة فيها .

12. انظر : محمد هادي ، معرفة ، تلخيص التمهيد ، م .س ، ص93 . فالعلامة ينقل ما روي عن معرفة المكي والمدني وذكر كلاماً للجعبري ، أن لذلك طريقان : سماعي وقياسي ، السماعي ما وصل إلينا نزوله بأحدهما ، والقياسي بحسب السور : يا أيها الناس ، أو : يا أيها الذين آمنوا ، إلى غير ذلك ، وهذا يدل على مدى الاضطراب ، ما يؤكد صحة ما يذهب إليه الطباطبائي في أن الطريق المتعين لمعرفة ذلك هو القرآن والتدبر فيه» .

13. الطباطبائي ، الميزان ، ج13 ، م .س ، ص231 .

 41. الطباطبائي ، القرآن في الإسلام ، م .س ، ص124 .

 15. الطباطبائي ، تفسير الميزان ، م .س ، ج1 ، ص65 ـ 67 ، وقا : مع الزركشي ، بدر الدين ، البرهان في تفسير القرآن ، م .س ، ج1 ، ص317 . وقا : مع السيوطي ، الإتقان في تفسير القرآن ، م .س ، ج1 ، ص36 .

 16. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج13 ، ص232 .

 17. م .ع ، م .س ، ج11 ، ص287 .

 18. م .ع ، م .س ، ج17 ، ص60 .

 19. م .ع ، م .س ، ج4 ، ص138 .

 20. انظر : الزركشي ، بدر الدين ، البرهان في تفسير القرآن ، م .س ، ج1 ، ص190 ـ 192 .

 21. هناك خصائص عامة ذكرها الطباطبائي لمعرفة المكي والمدني ، فهو مع استلهام مضمون وسياق الآيات يمكن للباحث أن يهتدي إلى التمييز بين المكي والمدني ، وهذه الطريقة المثلى لإتقان هذا العلم ، ولكن يبقى الأساس والمرتكز التدبر في سياق السور والآيات القرآنية ، خصوصاً إذا ما علمنا أن تحصيل هذا الأمر ، إنما كان يحصل بضروب من الرأي والاجتهاد . . .

 22. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج2 ، ص16 .