عيسى بن عمر 					
				 
				
					
						
						 المؤلف:  
						د. محمد بن احمد ولد أباه					
					
						
						 المصدر:  
						تاريخ النحو في المشرق والمغرب					
					
						
						 الجزء والصفحة:  
						ص63- 65					
					
					
						
						27-03-2015
					
					
						
						3128					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				ذهب النحو جميعا كلّه                غير ما أحدث عيسى بن عمر 
ذاك إكمال و هذا جامع                    و هما للناس شمس و قمر 
وهما بابان صارا حكمة                   و أراحا من قياس و نظر(1)
هذان الكتابان هما أول ما تحدث عنه مؤرخو النحو في مستهل عصر التدوين و يقول ابن الأنباري إنه ما رآهما  و لا رأى من رآهما. غير أن أبا الطيب اللغوي روى أن أحدهما مبسوط، و الآخر مختصر، و أن المبرد قد قرأ منهما أوراقا(2). أما القفطي فيورد أن
ص63
عيسى كتب نيفا و سبعين كتابا في النحو. و أن جامعه هو كتاب سيبويه، و إنما زاد فيه و حشاه، و لما أحضره للخليل قال فيه الأبيات المذكورة، و إشارته في قوله «و هذا جامع» تدل على أن جامع عيسى بن عمر هو ما قدم سيبويه إلى الخليل (3).
و الرواية الأخيرة غير محتملة، لأن كل ما في الكتاب معزو لمن نقل عنه مثل الخليل و يونس و عيسى بن عمر نفسه، و قد تكون هذه الرواية من اختلاق خصوم سيبويه الذين يسعون إلى التقليل من شأنه، مثل قولهم إن الكتاب اجتمع على تأليفه أكثر من أربعين عالما (4).
و صحة نسبة أصول الكتاب لسيبويه لا تنقص من قدر عيسى بن عمر الذي افتتح به عصر التدوين النحوي. فقد كانت دراسة النحو من قبله تقتصر على تصورات أولية لقواعد اللغة العامة من خلال رصد الظواهر الإعرابية، و وضع المصطلحات المميزة لكل ما يوصل إليه القياس و التعليل من تنظيم و تبويب.
و كان هذا النشاط متداولا في شكل دروس و مناظرات، و مجالس و حلقات تتحول مضامينها إلى روايات محفوظة، و قد يقل ما كان مكتوبا منها، لأن الاعتماد كان على الذاكرة و القياس و النظر، حتى جاء عيسى بن عمر و أراح الناس من (القياس و النظر) .
و كتاب عيسى بن عمر لم يره الناس، لأنهم استغنوا عنه بكتاب سيبويه الذي أكمل عملية التدوين. و لكن يبقى لعيسى بن عمر فضيلة السبق في التأليف. غير أن استغناء النحويين عن كتبه لا يعنى أن ذكره قد اضمحل عندهم، لقد سجل المؤرخون مناظراته، و حفظوا كلماته في الغريب، و دونوا بعض آرائه و اختباراته.
سبقت الإشارة إلى مناظرته مع أبي عمرو بن العلاء في إعراب «ليس الطيب إلا المسك» و إلى إقرار انتصار خصمه فيها، و يروي الزبيدي له مناظرة أخرى مع الكسائي حول «همّك ما أهمك» و لما جاء الكسائي باحتمالات إعرابها، قال له عيسى: «إنما أريد كلام العرب، و ليس هذا الذي تأتي به من كلامها» ، و كأنه بهذا الإنكار كان من رواد منتقدي الكسائي في التوسع في دائرة السماع (5).
ص64
و من آرائه التي اشتهر بها أنه لا يسلم للعرب فصاحة كل ما قالوه، فقد عاب على النابغة قوله:
فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة              من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع 
فقد قال إن من حق «ناقع» أن تكون منصوبة (6)، و عيسى كان ميالا إلى النصب، و لقد قرأ (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) (هود-الآية 78) ، بنصب (أطهر) و لم يوافقه أبو عمرو في هذا الحرف، و إن كانا قد اتفقا في نصب (وَ اَلطَّيْرَ) من قوله تعالى:  (يٰا جِبٰالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ اَلطَّيْرَ) (سبأ-الآية 10) و لكنهما اختلفا في التوجيه، فيقول عيسى إنها عطف على محل النداء، بينما يرى أبو عمرو أنها نصبت بإضمار (و سخرنا) (7).
و مما حفظ عنه الغريب، قوله ليوسف بن عمر بن هبيرة، (إن كانت إلا أثياب في أسيفاط قبضها عشاروك)(8)، و قوله لأبي عمرو: (و ما شعرت حتى وقع قرانهما في عنقي فلبج بي فافرنقع عني و الناس ينظرون)(9). و من الغريب حقا أن يقول الناس أن أبا عمرو ملئ غيظا من فصاحة هذا القول الذي أصدق ما يمكن أن يقال عنه ما قاله الناس حينما سمعوا عيسى لما أفاق من صرعة وقعت به، فقال أحدهم (إنّ جنّيّه يتكلم بالهندية)(10). فليس هذا النوع من الغريب مصدر تقدير عيسى بن عمر، فكان من جملة شيوخ الخليل، و رواد مدرسة البصرة الذين عناهم يحيى بن المبارك اليزيدي في قوله:
يا طالب النحو ألا فابكه                            بعد أبي عمرو و حمّاد 
و ابن أبي إسحق في علمه                         و الدين في المشهد و النادي 
عيسى و أشباه لعيسى و هل                        يأتي لهم دهر بأنداد 
و يونس النحوي لا تنسه                            و لا خليلا جنة الوادي (11)
ص65
______________________
(1) المصدر نفسه، ص 47.
(2) المصدر نفسه، ص 46.
(3) إنباه الرواة، ج 2 ص 375.
(4) المصدر نفسه، ج 2 ص 347.
(5) طبقات النحويين، ص 42.
(6) الزبيدي: طبقات النحويين، ص 41.
(7) المصدر و الصفحة نفسها.
(8) طبقات النحويين، ص 42.
(9) المصدر نفسه، ص 44.
(10) القبطي، انباه الرواة، ج2 ص377.
(11) ابن الانباري: نزهة الألباء، ص30.
				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  أوائل النحويين					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة