بقلم السيد غيث شبر
خاب ظن أفلاطون حين أعدمت الديمقراطية أستاذه سقراط، واعترف أمام نفسه أن صراع المجتمع الذي خاض غماره هو بنفسه، وجعل العديد من أقاربه في المستوى الأول في السلطة آنذاك وبالا عليه فيما جرى على سقراط الحكيم، فهرب من رمضاء هذا الظلم إلى كتابه في جمهوريته التي عدها فاضلة، والتي لو قرأها البشر في هذا الزمان ؛ لعدوه ضربا من الجنون وليس قسما من الحكمة، فكما يتغير الطقس بتغير الأماكن، يتغير الفكر بتصرم الوقت والزمان.
نعم التنوع سمة الكون، والتنوع إنما يعني الاختلاف، والاختلاف مثار الصراع، فلا ريب كان الصراع سمة الكون جراء هذه السلسلة النمطية، والصراعات مختلفة الطابع والنشأة، ولعل أبرزها معركة الخير والشر التي تمثل صراع السلوك والفكر البشري منذ نشأته في الماضي السحيق، ومعارك البشر باختلاف أمكنتهم الجغرافية ليجعلوا من هذا الاختلاف الجغرافي سببا للتميز عن الآخر ومحاولة التفوق والسيطرة عليه، وأخيرا الصراع بين القديم والجديد، الصراع الناتج عن المائز الزماني وليس المكاني، فكما تتصارع البلدان بمائز مكانها، تتصارع الأجيال بمائز زمانها.
ومنه يتضح أن الصراع سنة تكوينية ومصنع لتفاعل مركبات المجتمعات ومكوناتها، وربما ينتج منه مركب طالح أو يرشح عنه عنصر صالح، والنتيجة تظل تتبع أفراد المجتمع وخياراتهم من جهة عامة وليس من جهة فردية، فجسم المجتمع وعقله هو صاحب القرار وهو المسؤول عن نتيجة تلك الصراعات، فكما الخلية في الجسم إنما تظل خاضعة لما يتخذه الإنسان من خيار قتلها أو تركها أو الاضرار بها، كذا المجتمع لربما اتخذ قرارا مخطئا أضر بصالحي أفراده، وربما اتخذ قرارا صائبا انتصرت فيه جدلية الحق على الباطل.