سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء التاسع والسبعون: اللحظة التي لا تعرفها الفيزياء: الزمن كما لا تصفه المعادلات
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
30/11/2025
هناك جانب في العلاقة بين الفيزياء والتجربة قد يكون أكثر غموضًا حتى من مشكلة القياس في نظرية الكم، وهو طبيعة الزمن.
في الفيزياء، وخصوصًا منذ ظهور النسبية الخاصة، يظهر الزمن والمكان بطريقة متماثلة تقريبًا، وهو ما يتناقض مع تجربتنا اليومية التي تجعلنا نراهما كشيئين مختلفين جذريًا. لا يوجد في المكان ما يُعادل إحساسنا القهري بالتحرك عبر الزمن، أو المفهوم الغريب لـ"الآن" العالمي، أو الفارق النوعي بين الماضي والمستقبل وهو فارق لا يشبه الفروقات بين الاتجاهات المكانية كالشمال والجنوب.
إن لِلزمن اتجاهًا واضحًا في تجربتنا: نحن نتذكر الماضي لا المستقبل، الكائنات تنمو ثم تنهار، الأجسام تسقط وتتحطم لكن لا تعود كما كانت، وهذا يبدو طبيعيًا جدًا، إلى حد يجعلنا ننسى مدى غرابته من منظور الفيزياء الأساسية، التي لا تُظهر أي تفضيل للزمن في اتجاه معين. فالقوانين الأساسية تظل صحيحة تحت استبدال الزمن بـ tt.
رغم ذلك، وُجدت تأثيرات ضئيلة للغاية على تماثل الزمن، رُصدت في تجارب خاصة باضمحلال جسيمات معينة تُعرف بـ K-mesons ، تُنتج في معجلات الجسيمات. ومع أن هذه التأثيرات تكسر التماثل الزمني، إلا أنه من غير المحتمل أن تكون مسؤولة عن الاتجاه الزمني الواضح الذي نراه في حياتنا اليومية أو على المستوى الكوني.
وقد يُستشهد بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية كمثال على قانون لا يتماثل زمنيًا، لكن هذا القانون ليس أساسيًا، بل مشتق من معادلات أساسية متماثلة زمنيًا. لذا، فهو في الواقع جزء من المشكلة وليس تفسيرًا لها: كيف يمكن أن تنشأ قوانين غير متماثلة من معادلات لا تميز بين الماضي والمستقبل
الإجابة المقبولة عمومًا هي أن هذه الظواهر ترتبط بالشروط الابتدائية للكون، والتي تبدو أنها كانت "خاصة" جدًا. ولكن، ما مدى "خصوصيتها"، وما الذي يجعلها كذلك هذه أسئلة لا نملك لها إجابة بعد.
ننتقل إلى نظرية الكم: النظرية الكمومية في صيغتها الكلاسيكية، كالميكانيكا الكلاسيكية، لا تتغير تحت عكس الزمن. لكن هناك تفسيرات واقعية مثل نماذج الانهيار الصريح، أو تفسير العوالم المتعددة مع افتراض وجود عنصر اختيار تفرض سهمًا زمنيًا صريحًا، إذ لا يمكن التراجع عن "الاختيار" أو "الانهيار" فيها. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف يرتبط هذا السهم الداخلي بالاتجاه الزمني الذي ندركه في تجربتنا اليومية.
وعندما نأخذ في الاعتبار كونية الكم، تظهر خاصية جديدة. فإذا طبقنا مفاهيم النسبية العامة بصورة مباشرة، نجد أن دالة الموجة الحقيقية للكون لا يمكن أن توجد عند لحظة زمنية واحدة فقط، لأن هذا سيجعلها تعتمد على اختيار الإحداثيات الزمنية، وهو ما يتنافى مع مبدأ النسبية العامة.
لا تمثل هذه المشكلة نفسها في المكان، إذ يبدو الكون متجانسًا على نطاق واسع. لكن مع الزمن، وبخاصة في نموذج "الانفجار العظيم"، فإن فكرة الاتساق الزمني تفشل فليس جميع اللحظات متكافئة في البنية الكونية.
وهكذا، تقدم كونية الكم إطارًا جديدًا للتأمل في طبيعة الزمن، وعلاقتها بدالة الموجة، وسهم الزمن الذي لا زلنا نراه، ونعيشه، ولا نفهمه تمامًا.
يتبع في الجزء 80...







وائل الوائلي
منذ 5 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN