في إحدى القُرى الصغيرةِ، كانَ يعيشُ رجلٌ يُدعَى (مالكٌ). كانَ رجلاً فقيراً لكنّهُ عُرِفَ بينَ الناسِ بسُرعةِ غضبهِ وحِدَّةِ لسانِهِ. ما إنْ يغضبَ حتّى يُطلقَ العنانَ لكلماتِهِ، لا يُراعي حُرمةً ولا يُبقي وداً. ولم يكُنْ يُفرِّقُ بينَ القريبِ والغَريبِ، حتّى بدأتِ الناسُ تتجنّبُ مخالطتَهُ خوفاً مِنْ أذاهُ.
في أحدِ الأيّامِ، وبينَما كانَ مالكٌ يجلسُ وحيداً تحتَ شجرةٍ كبيرةٍ خارجَ القريةِ، اقتربَ منهُ شيخٌ عابدٌ عَرَفَهُ مِنْ قَبلُ. جلسَ الشيخُ بقربهِ وقالَ:
"يا مالكُ، أخبرني، هلْ تُحبُّ أنْ تُهانَ بينَ الناسِ"
رَدَّ مالكٌ بانزعاجٍ: "طبعاً لا، ومَنْ يُحِبُّ أنْ يُهانَ"
ابتسمَ الشيخُ وقالَ: "وما بالكَ بمَنْ يُهينُ نفسَهُ بلسانِهِ إنَّ لسانَكَ يا مالكُ باتَ سَيفاً يؤذيكَ أكثرَ مما يؤذي الآخرينَ. أوَلم تَسمعْ قولَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:
يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ
سادَ الصمتُ، لكنَّ الشيخَ واصلَ: "مَنْ جعلَ لسانَهُ طليقاً دونَ ثباتٍ، هانتْ عليهِ نفسُهُ. وهلْ هُناكَ هَوانٌ أشَدُّ مِنْ أنْ تُهينَ نفسَكَ قبلَ أنْ يُهينَكَ الآخرونَ"
انصرفتِ الكلماتُ إلى قَلبِ مالكٍ كالسَّهمِ. أدركَ أنَّهُ رغمَ فقرِهِ، كانَ يملكُ شيئاً أثمنَ مِنَ المالِ: كرامَتُهُ، وقد خَسِرَها أمامَ نفسِهِ أوّلاً، ثُمَّ أمامَ الناسِ.
عادَ مالكٌ إلى بيتهِ، وقضى ليلتَهُ يفكّرُ في كلامِ الشيخِ. وفي الصّباحِ، خرجَ إلى ساحةِ القريةِ ووقفَ أمامَ الناسِ الذينَ كانُوا يتحاشَونَهُ. رفعَ يديهِ قائلاً:
"يا أهلَ قريتي، لقدْ أذِّيتُكُم بلساني وأنا في غَفلةٍ عنْ نفسي، وأطلبُ منكُم السماحَ. لقدْ علمتُ الآنَ أنَّ الكلمةَ الطيّبةَ هيَ مفتاحُ القلوبِ، وأنَّ مَنْ يجعلُ لسانَهُ فوقَ نفسِهِ يخسرُ كلَّ شيءٍ".
ومنذُ ذلكَ اليومِ، تحوّلَ مالكٌ إلى رجلٍ يُعرَفُ بحُسنِ منطقِهِ ولِينِ كلامِهِ، وكسبَ ودَّ الناسِ منْ جديدٍ. وصارَ يردِّدُ الآيةَ الكريمةَ، وكأنَّها نبراسٌ يضيءُ لهُ طريقَهُ.
هكذا، تعلَّمَ مالكٌ أنَّ ثباتَ اللسانِ وثَباتَ القولِ هُما ثباتٌ للنفسِ، وأنَّ الإنسانَ لا يَعلُو إلا عندَما يُحسِنُ الكلامَ ويحفظُ لسانَهُ.
قالَ الإمامُ عليٌّ (عليهِ السَّلامُ):
"وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ".







وائل الوائلي
منذ 7 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN