دروس واقعة كربلاء كافية لتهذيب وترويض النفس عبر الأزمان والبلدان، فكربلاء هي عطاء ووفاء وإباء وخلود ، ومن هذه الدروس هي وفاء أبي الفضل العباس عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلام أولاً ولنصرة الدين ثانياً، ولاسيما أصحاب الحسين الذين التحقوا بصفوفه ويعلمون أنهم سيقتلون ويخسرون الحرب لكن وفائهم لأهل بيت النبوة لأنهم يعرفون أن الحسين هو نفس طريق علي (عليه السلام) ونفسه طريق رسول الله (صلى الله عليه واله)، فكرمهم الله تعالى لوفائهم وجعلهم من أنصار الحسين (عليه السلام).
في كتاب الله العزيز أيات كثيرة وواضحة تدل على أهمية الوفاء وخاصة الوفاء في العهد ، أي الشخص يبرم عقد ، أو إعطاء عهد ، ويكون من واجبه تجاه العقد أن يحترمه، والالتزام بهذا العقد ، فالوفاء من صفات العظماء كما نوهنا سلفاً والإمام العباس (عليه السلام) مثالاً عن ذلك ، ومن مكارم الأخلاق التي أكتسبناها من أهل بيت النبوة .
فمن هذه الآيات هي قوله تعالى : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91]، الشيخ ناصر مكارم في تفسيره يقول إن ظاهر معنى " عهد الله " - مع كثرة ما قال المفسرون فيه - هو: العهود التي يبرمها الناس مع الله تعالى (وبديهي أن العهد مع النبي عهد مع الله أيضا)، وعليه فهو يشمل كل عهد إلهي وبيعة في طريق الإيمان والجهاد وغير ذلك.
بل إن التكاليف الشرعية التي يعلنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي من نوع من العهد الإلهي الضمني، وكذا الحال بالنسبة للتكاليف العقلية، لأن إعطاء العقل والإدراك من الله عز وجل للإنسان إنما يرافقه عهد ضمني، وهكذا يدخل الجميع في المفهوم الواسع لعهد الله.
فكثير من الذين عقدوا عهد للرسول في زمنه ولأمير المومنين (عليهم السلام) قد أنقضوا عهدهم وذلك لأن إيمانهم مستودع غير مستقر وثابت بسبب سوء عاقبتهم وطمعهم في حب الدنيا وخوفهم على مناصبهم ، كذلك ماجرى على الحسين (عليه السلام) في واقعة كربلاء إنهم نقضوا عهد الله لأنهم يعتقدون إن الحسين عليه السلام جاء من أجل أن يسلب منهم الحكم والسلطة ، لكنهم توهموا بذلك لأن الله تعالى سلب منهم الإيمان لأنهم تركوا الصدق والوفاء.
عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : {لا دين لمن لا عهد له}1.

1- بحار الأنوار، ج 72، ص 96.