أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-4-2018
602
التاريخ: 25-4-2018
1034
التاريخ: 25-4-2018
748
التاريخ: 21-4-2018
861
|
أثر الأمية في وصل الكلام
يبدو أن جوَّ الأمية في شبه الجزيرة العربية، والاعتماد على السمع وحده، قد ربط بين الألفاظ في الكلام المتصل ربطاً وثيقاً، أدى في آخر الأمر إلى ظهور تلك الحركات التي وصلت بين الكلمات، وسميت فيما بعد بحركات الإعراب. ذلك لأن وحدة اللغة عند الأمي هي الجملة المفيدة، أو العبارة المرتبطة الأجزاء، ولو استطاع الأمي ألا يقف عن الكلام إلا حيث ينتهي غرضه لفعل.
ص161
من أجل هذا قد تتأثر أواخر الكلمات بأوائل التي تليها، وينشأ بين الكلمتين المتوإلىتين نوع من الربط في صورة حركة في غالب الأحيان. وهكذا نشأت ظاهرة الإعراب في اللغة العربية.
والأمي والقارئ على السواء قد يلتمس تلك الحركة للربط بين كلمتين متوإلىتين حين تدعو الضرورة الصوتية في أثناء عملية النطق، غير أن الفارق بين الأمي والقارئ هو أن القارئ لا يكاد يشعر بتلك الحركة، بل حين نوجه نظره إلىها لا يكاد يتبينها أو يقر بوجودها، لأنه تعود أن يكتب كل كلمة وحدها، وأن يميز لها هجاء مستقلا، مما أفقد تلك الحركات الرابطة في نطق القارئين الكاتبين بعض حقها الصوتي لأنه يختلسها اختلاساً.
والأمي الذي لا يعرف للكلام إلا الصورة المسموعة أحرص على النطق بذلك الرابط الصوتي، دون أن يعرف له كنهاً بطبيعة الحال، فهو عنده كأي صوت آخر من أصوات الكلام، به يصح النطق، وبغيره يتعثر الكلام.
لهذا حين سمع علماء اللغة القدماء نطق الأعراب من الأميين تبين لهم بوضوح أن تلك الحركات الرابطة أو ضح في نطق الأعراب من نطقهم هم أنفسهم لعبارات اللغة العربية، فوضعوا لها القواعد المألوفة في علم النحو.
وقد بينت في بحث لي من قبل (1) أن حركات الإعراب لا تعدو في نشأتها أن تكون بمثابة الروابط بين الكلمات، وأوضحت في هذا البحث أن نظام المقاطع في نطق العربي يلزم طريقاً خاصا، ويتطلب تلك الروابط في معظم الأحوال. فهي ضرورة صوتية، أما الذي قد يعين حركة معينة فأخذ عاملين: أولهما إيثار بعض الحروف لحركات معينة كحروف الحلق حين تؤثر الفتح، وثانيهما انسجام هذه الحركة الرابطة مع ما يكتنفها من حركات أخرى.
وأكبر دليل على أن تلك الحركات الرابطة كانت تراعي في غالب الأحيان هو الوزن الشعري الذي لا يستقيم بغيرها. فإذا لم تكن هناك تلك الضرورة الصوتية توقعنا أن تبقي الكلمة على سكونها، أي أن بعض الكلمات التي وردت في الشعر القديم لا تحتاج إلى تحريك آخرها، ولا يخل هذا بالوزن الشعري.
وكتفي هنا بأن تعرض لأربعة من أشهر بحور الشعر العربي، متخذين من بعض شواهدها الدليل على مانقول. نفي البحر الكامل والوافر والبسيط والخفيف،
ص162
يمكن الاستغناء عن بعض تلك الحركات الرابطة في الموضع التي لا تدعو الضرورة الصوتية لتحريكها، دون إحلال بالوزن أو معارضة لأقوال العروضيين.
ففي قصيدة لشاعر حديث من البحر الكامل مطلعها:
أدرك بفجرك عالما مكروبا عوذت فجرك أن يكون كذوباً.
وعدتها 65 بيتاً نري أن بها نحو 19 كلمة لا ضرورة لتحريك آخرها مثل قوله:
يأيها السلم المطلّ على الورى طوبي لعهدك إن تحقق طوبي
فكلمة «تحقق» لا ضرورة لتحريك آخرها، وكل الذي يحدث حينئذ في هذا البحر أن «متفاعلن» تصبح «مستفعلن» وهو كثير وحسن في كل الأشعار التي جاعت منه.
ومن أمثلة البحر الوافر قول الشاعر الحديث:
أنت مهما شقيت أرفه حالا من أسير الجزيرة المكمود
فكلمة أرفه لا ضروره لتحريكها، وكل الذي يترتب على هذا أن «فاعلاتن» تصبح «مفعولن» وهو مقبول حسن فيما نظم من هذا البحر.
أما البحر البسيط فكل الذي يترتب على عدم التحريك هو أن «فعِلن» تصير «فعلن» في آخر الشطر الأول دون تصريع، وفي حشو البيت مثل:
يا طالما حدثتني النفس قائلة أنحن أنعم أم أجدادنا بالا
كانت حياتهمو تضفي بساطتها عليهمو من هدوء البال سربالا
ومن الغريب أن أصحاب العروض على كثرة ما جوزوه في هذا البحر لم يشيروا إلى مثل ذلك إلا في نهاية البيت. ومع ذلك فيجوزون قول الشاعر القديم:
إن أمس لا أشتكي نصبي إلى أحد ولست مهتديا إلا معي هادي
تمت أطعمت زادي غير مدخر أهل المحلة من جار ومن جاد
ص163
فالذوق والأذن يحكمان بغير ما أهمل أهل العروض، وأحتكم في هذا إلى آذان الشعراء ومن قرأوا كثيراً من الشعر العربي.
أما حين نسائل أنفسنا عن السر فيما قد يقع فيه المتكلم أو القارئ من الخطأ الإعرابي، نري هذه الحركات الإعرابية تتعارض في كثير من أحوالها مع قانون هام من قوانين النطق هو ما نسميه «الميل إلى انسجام الحركات المتجاورة و تأثر بعضها ببعض، وهو ما يسميه الأوربيون «Vowel- har ... nony».
فهده الحركات الإعرابية كما وصفها النجاة تعارض في الكثير من الأحيان الميل العام للناطقين، ولذا أهملتها معظم الألسنة أو تغيرت فيها.
وأولئك الذين يخطئون في هذه الحركات الإعرابية صنفان من الناس: منهم من اتصل بقواعد النجاة أيا كان هذا القدر من الاتصال، وهؤلاء قد يكون السر في خطئهم الإعرابي أنهم لم يسيطروا على تلك القواعد فاختلط عليهم أمرها، وأصبحوا يقيسون بعض المواضع على بعض ما درسوه أو سمعوه فياساً خاطئا، فمن صاد...ته كلمة كالسبيل مثلا ورآها في أكثر ما قرأ أو سمع مرفوعة قد يجنح إلى رفعها حيث تتطلب قواعد النجاة أن تكون مكسورة مثلا. ولعل كثيراً من تلك الإخطاء الإعرابية التي ..سمعها من أفواه المتعلمين الآن ترجع إلى ذلك القياس الخاطئ.
أما الصنف الثاني ممن يخطئون في الحركات الإعرابية فهم أولئك الدين لك يتصلوا بالدراسة النحوية، وهؤلاء ينساقون مع طبيعة النطق، ويتركون الحركات يتأثر بعضها ببعض.
فالتلميذ الصغير الذي يسمع مدرسه يقرأ له النص القرآني قراءة صحيحة وتتكرر على سمعه تلك القراءة الصحيحة في صورة جمعية، نراه حين يطلب منه التسميع قد ينحرف لسانه فيجعل المرفوع منصوبا أو المجرور مرفوعاً، لا لسبب سوي أنه اتساق مع طبيعة النطق.
وقد تتبعنا هذه الظاهرة مدارس مختلفة، وفصول متعددة فرأينا كثيراً من التلاميذ ينصبون كلمة «الإنسان» في النص القرآني (أيحسب الإنسان أن لن تجمع عظامه)، ويقولون في (ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً) لأنفسهم بضم السين.
وأكتفي بهذا القدر في الحركات الإعرابية التي أرجح أنها كانت للربط بين الكلمات، وأن نشأتها ترتبط بأمية العرب أو بموسيقية الكلام ارتباطاً وثيقاً.
ص164
________________
(1) كتاب من أسرار اللغة ص 170.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|