أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2017
1021
التاريخ: 5-8-2017
462
التاريخ: 5-8-2017
1984
التاريخ: 5-8-2017
539
|
رأي العرب
وورث علما العرب عن اليونان هذا النوع من التفكير، فشطرهم إلي فريقين أيضا: أولئك الذين كانوا ينتصرون للفكرة الطبيعية الذاتية، وأشهر من عرف عنهم هذا الرأي من مفكري العرب «عباد بن سليمان الصيمري» أحد المعتزلة، فيروى أنه كان يقول «إن بين اللفظ و مدلوله مناسبة طبيعية حاملة لا واضع علي أن يضع، وإلا ك تخصيص الاسم المعين بالمسمي المعين ترجيحا من غير مرجح». وكان بعض من يري رأيه يقول «إنه يعرف مناسبة الألفاظ لمعانيها، مسئل ما مسمى «إدغاغ» ، و هو بالفارسية الحجر، فقال أجد فيه يباً شديداً وأراه الحجر (1) ».
ص48
ومع أن معظم اللغويين من العرب لا يأخذون بهذا الرأي، نري كثيراً منهم يربطون في مؤلفاتهم بين الألفاظ ومدلولاتها ربطا وثيقا يكاد يشبه الصلة الطبيعية أو الذاتية ولعل السر في هذا الاتجاه هو اعترازهم بتلك الألفاظ العربية و إعجابهم بها، وحرصهم علي الكشف عن أسرارها و خباياها.
فاين جني في كتابه الخصائص يعقد فصولا أربعة في نحو ستين صفحة من كتابه، ويحاول في تلك الفصول أن يكشف لنا عن شئ من تلك الصلة الخفية بين الألفاظ و دلالتها:-
1- ففي فصل عنوانه «في تلاقي المعاني علي اختلاف الأصول والمباني» (2) يربط ابن جني بين كلمتي المسك والصوَّار (3) ، فيقول إن كلا منهاي جذب حاصة من يشمه، أي أن المسك في رأيه إنما سمي كذلك لأنه يمسك بحاسة الشم ويجتذبها. ويتخذ ابن جنيد ليلا علي قوله من كلمة السك بالفتح ومعناها الجلد، لأن الجلد يمسك ماتحته من جسم!!
2- وفي الفصل الثاني (4) يتحدث ابن جني عما بالاشتقاق الأكبر الذي فسره لنا بأن الكلمة مهما قلبتها تشتمل علي معني عام مشترك، ويضرب لنا مثلا بمادة «جبر» فيقول [جبرت العظم والفقير إدا قويتهما، والجبروت القوة، والجبرالأخذ بالقهر والشدة، ورجل مجرب إذا مارس الأمور فاشتدت شكيمته، ومنه الجراب لأنه يحفظ مافيه والشئ إذا حفظ قوي واشتد.. الخ.
3- وفي فصل عنوانه «تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني»، بعيد ابن جني الحديث عن الاشتقاق الأكبر، تم يزعم أن مجرد الاشتراك في بعض الحروف يكفي أحيانا للاشتراك في الدلالة ويقارن بين الكلمتين «دمث» و «دِمَثر» فالأولي من دمث المكان كفرح سهل ولان ومنه دماتة الخلق أي سهولة. والثانية معناها السهل من الأرض والجمل الكبيراللحم!!
ومع اعتراف ابن جني أن كلمة «دِمَثر» رباعية الأصول، يري أن مجرد الاشتراك في الحروف الثلاثة الأولي أدي إلي الاشتراك في الدلالة.
بل يغالي فيعقد المقارنة بين رباعي و حماسي فيقول إن كلمة «دردب»
ص49
تشترك مع كلمة «دردبيس» في المعني. والدردبيس كما نتص المعاجم هو الداهية، والشيخ والعجوز الفانية، ولسنا ندري أي هذه المعاني يشترك مع ماتذكره المعاجم عن الكلمة الأخري إذ تقول [وامرأة دردب تذهب و .. بالليل، وقي المثل دردب لما عضّه الثقاف أي خضع وذلّ]!؟
ويري ابن جني أن هذه الظاهرة لا تقتصر علي الحالات التي اتحدت فيها الأصوات، بل قد تظهر أيضاً حين تتقارب الأصوات في مخارجها أو صفاتها فيقول ما نصه [وقالوا الغدر كما قالوا الختل، والمعنيان متقاربان واللفظان متراسلان فالفين أخت الخاء ، والدال أخت التاء، والراء أخت انلام ]!! [وقالوا أفل، كما قالوا «غير» لأن أفل غاب، والغابر غائب أيضاً فالهمزة أخت الغين والفاء أخت الباء واللام أخت الراء]!!
4- أما الفصل الرابع فعنوانه [في إمساس الألفاظ أشباه المعاني] أي وضع الألفاظ. علي صورة مناسبة لعناها، وهنا يفترض لنا أن صيغة «الفعلان» تفيد الاضطراب كالغليان والفوران، وأن صيغة «الفعللة« تفيدالتكرير مثل صرصر الجندب أي كرّر في تصويته وأن صيغة «الفعلي» تفيد السرعة مثل «الجمزي» .
كما يبحث هنا أيضاً في مناسبة الحروف في الفظ لصوت الحدث، مثل الفعل «قضم» حين يقارن بالفعل «خضم» نري أن الأول يستعل في أكل اليابس، في حين أن الثاني يستعمل في أكل الرطب، ويري ابن جني صلة وثيقة بين القاف الشديدة والصوت الناشئ عن أكل اليابس، كما يري مناسبة واضحة بين الخاء الرخوة والصوت الناشئ عن أكل الرطب.
وقد أغرم بعض اللغويين القدماء بتلمس هذا الربط بين اللفظ ومدلوله، فئراهم يقولون مثلا إنما سمي الإنسان إنساناً لأنه مشتق من النسيان، وكثيراً ما ينسي الإنسان! وبلغ باين دريد وعنايته بهذه الناحية الاشتقافية أن وضع كتاباً سماه الاشتقاق، وحلول فيه تعليل الأعلام العربية كأسماء القبائل والأمكنة في جزيرة العرب، فيقول مثلا إن «قضاعة» سميت كذلك لأنها رحلت من جنوب الجزيرة إلي شمالها فهي مشتقة من النقضع الرجل عن أهله أي بعد !!
ووضع ابن فارس معجماً سماه مقاييس اللغة طبع حديثاً في ستة أجزاء، وجه فيه كل عنايته لاستنباط الصلات بين الألفاظ ودلالاتها، علي نحو ما عاجلها به ابن جني في نصوله الأربعة السابقة، غير أن ابن فارس قد بلغ الذرورة في معجمه ، فقالي وأسرف في استنباطه، وتس من الصلات ما لا يخلو من التسف والتكلف. فهو
ص50
يسوق في معجمه الكلمات التي تشترك في أصول ثلاثة وبشرح معانيها مع ذكر تقلبات تلك الأصول. فيقول مثلا إن «الم والراء والضاد، مادة يمكن أن تنشأ منها صور متعددة[مرض، رمض، ضرم، ضمر، رضم و مضر] ، ثم يحاول تلمس الصلة المشتركة بين معالي كل هذه الصور، مستنبطاً معني عاماً لهذه المادة. وفي بعض الأحيان يسوق كلمات كثيرة لاتشترك لا في حرفين، ويحاول أيضاً أن يبين الصلة بين معانيها علي أساس الاشتراك في هذين الحرفين.
ويبدو أن هؤلاء الاشتقاقيين قد اقتبسوا مكرة تقلبات الأصول من معجم العين وأمثاله، فقد سلك صاحب العين وصاحب الجمهرة وغيرهما مسلكا عجيباً في ترتيب الكلمات، فكان كل منهم حين بعرض لشرح كلمة من الكلمات يذكر معها تقلبانها، وبذكر معني كل صورة من صورها، دون التعرض لربط بين دلالات تلك الصور. فهي طريقة إحصائية أو قسمة عقلية لجأ إليها أصحاب هذه المعاجم بقية حصر كل المستعمل من كلمات اللغة وخشية أن يند بعضها عن أذهانهم. فلما جاء أصحاب المدرسة الاشتقاقية كابن جني وابن فارس ربطوا أيضاً بين دلالات تلك الصور، واستنبطوا معالي عامة مشتركة بينها فكلفهم هذا الصنيع من العنت والشقة فدراً كبيراً.
ص51
______________
(1) المزهر للسبوطي صفحة 47.
(2) الخصائص صفحة 507 .
(3) الفيروزيادي: الصوار الرائحة الطيبة والقليل من المسلك.
(4) صفحة 525 وأنظر أسرار اللغة صفحة 74 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|