أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-9-2017
999
التاريخ: 26-8-2017
1162
التاريخ: 17-9-2017
1218
التاريخ: 17-9-2017
827
|
فيتأمل المأمون ـ وهو السياسي المحنّك والخبير ـ في الاَمر ملياً، ويرسل خلف الاِمام ابن الرضا عليه السلام يستدعيه من المدينة إلى بغداد في تلك السنة. وفي تقديرنا أن التحرك السياسي للاِمام الجواد عليه السلام يبتدئ من السنة التالية (205 هـ) التي وصل فيها إلى بغداد بعد أن أدّى نسك الحج، وعاد إلى المدينة ليجمع أهل بيته وعمومته من الهاشميين وخدمه؛ لمرافقته إلى عاصمة الدولة لإجابة (المأمون) طلبه، وكان له عليه السلام أول لقاء مع المأمون العباسي في التاريخ المذكور، ومن ذلك الوقت يبدأ المسلسل التاريخي الحافل السياسي، والاجتماعي، والعلمي لحياة جواد الاَئمة عليهم السلام.
بعد هذه التقدمة الموجزة ندخل إلى رحاب الحياة السياسية للاِمام الجواد عليه السلام، باستشفاف بعض ملامح موقف السلطة العباسية تجاه الاِمام عليه السلام من جهة، وتجاه الشيعة عموماً من جهة اُخرى.
الموقف السياسي بعد شهادة الاِمام الرضا عليه السلام:
كانت الفترة بين (رمضان 201 ـ صفر 203 هـ) (1) التي تقلّد فيها الاِمام الرضا عليه السلام ولاية العهد سنيّ هدوء نسبي إلاّ ما كان من اضطراب الاَمور في بغداد حنقاً على المأمون؛ لمقتل محمد الاَمين أولاً؛ ولتوليته العهد من بعده للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ظناً منهم أن الخلافة ستخرج من بني العباس إلى آل أبي طالب، لكن تبيّن بعد ذلك أن المأمون كان يفكر غير ما كانوا يستعجلون تفكيره.
وأما السنوات القلائل التي أعقبت استشهاد الاِمام الرضا عليه السلام فكانت هي الاُخرى مشحونة بالحذر والترقب من قبل الشيعة عموماً والبيت الهاشمي خصوصاً؛ للسياسة التي اتخذها المأمون في تقريب الاِمام الجواد عليه السلام وإنزاله تلك المنزلة منه، وهذا الترقب والحذر راجع إلى عدة أمور لعلّ من أهمها ما نوجزه بالنقاط التالية:
1 ـ شغف المأمون بأبي جعفر عليه السلام بعد أن استدعاه من المدينة المنورة إلى بغداد؛ لما رأى من غزارة علمه وهو لم يبلغ الحلم بعد، ولم يحضر عند أحد للتلمذة والدراسة، ثم إنّ صغر السن وامتلاك علوم جمة والجلوس للمناظرة والحجاج مع كبار الفقهاء هي ظاهرة فريدة وغريبة في دنيا الاِسلام يومذاك، تجلب الانتباه وتأخذ بالعقول وتستهويها؛ لهذا فقد أبقاه عنده فترة طويلة.
2 ـ المأمون، ولأجل رفع أصابع الاتّهام عنه باغتيال الاِمام الرضا عليه السلام، أراد أن يثبت ظاهرياً للعوام والخواص حبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال بقائه على ولاء وحب البيت العلوي؛ لذلك أظهر اهتماماً زائداً، وتكريماً متميزاً للاِمام الجواد عليه السلام، بل وأقرّ له ما كان يعطي أباه الرضا عليه السلام من عطاء وزيادة، فبلغ عطاؤه ألف ألف درهمٍ سنوياً (2).
3 ـ تزويجه إياه من ابنته (زينب) المكناة بأم الفضل، واسكانه قصور السلطنة.
4 ـ توليته بعد وروده بغداد عام (204 هـ) عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام مكة والمدينة. وبقي على ولايتهما حتى أواخر عام (206 هـ) .
5 ـ أمره ولاة الاَقاليم والخطباء بإظهار فضائل الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على المنابر في جميع المناسبات.
6 ـ تبنّيه مذهب الاعتزال وإظهار القول بخلق القرآن في ربيع الاَول سنة (212 هـ)، وكان الدافع من وراء ذلك ـ على ما يظهر لنا ـ سياسياً، لأجل تصفية بعض الخصوم وإبعاد البعض الآخر، وإجبار بعض الفقهاء، خارج المدار السلطاني، الدخول في فلك البلاط؛ لتمرير بعض المآرب السياسية في مرحلة لاحقة. ثم لعلّه أراد من إظهار هذا الحق باطلاً كان يختبئ في مطاوي نفسه التي لم تُعرف نواياها الحقيقية، فماتت معه بموته.
كما أراد صرف الناس عن التوجه إلى أهل البيت عليهم السلام والتمسك بمنهجهم القويم.
بهذا الدهاء السياسي استطاع المأمون العباسي سحب البساط من تحت أرجل شيعة أهل البيت عليهم السلام عموماً، والطالبيين بشكل أخص، وفوّت عليهم فرصة أي ثورة أو انتفاضة ضد حكومته. وبذلك تمكن من أن يأمن هذا الجانب ـ وإن كان على حذر ووجل إلى فترة غير قليلة ـ استطاع خلالها ترتيب البيت العباسي، واستحكام أمر الخلافة. ولم يكن المأمون مستعجلاً هذه المرة مع الاِمام الجواد عليه السلام الصبي الصغير ثم الشاب اليافع، بشأن تصفية وجوده، لما يشكّله عليه السلام من خطر على مستقبل الخلافة والوجود العباسي ككل.
ولقد انعكس ذلك الهدوء السياسي النسبي الذي أعقب تولي الاِمام الرضا عليه السلام عهد المأمون له بالخلافة من بعده، على امتداد فترة إمامة أبي جعفر الثاني عليه السلام، إلاّ ما كان من ثورة عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام في اليمن سنة (207 هـ).
كان هذا مجمل الوضع السياسي بُعيد استشهاد الاِمام الرضا عليه السلام، وتسنّم الاِمام الجواد عليه السلام منصب الاِمامة، واظهاره لها وهو حدث صغير، الاَمر الذي جعل الاَنظار تتجه نحوه، وتصطكّ عنده رُكَبُ العلماء، وتُثنى أمامه هيبةً وإذعاناً لعلمه.
ثم ما كان من أحداث (قم) سنة (210 هـ). وفي سنة (214 هـ) كانت حركة جعفر بن داود القمي في مصر.
وفي مطلع سنة (215 هـ) كان خروج المأمون لغزو الروم، ماراً بتكريت سالكاً طريق الموصل ـ نصيبين على ما يبدو. وقد طال أمد حروبه نسبياً مع الروم فاستمرت حتى وفاته في عام (218 هـ) (3) تخللتها فترات هدنة عاد فيها إلى الشام.
ولعلّ آخر حدث في حياة الاِمام الجواد عليه السلام كان خروج محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام في الطالقان من بلاد خراسان عام (219 هـ) يدعو للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
القول بخلق القرآن:
في ربيع الاَول من عام (212 هـ) أظهر المأمون لاَول مرة القول بخلق القرآن الكريم، وتفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنّه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم بعد فترة أصدر (مرسوماً) ملوكياً وعممه على كافة ولايات الامبراطورية الاِسلامية يدعو فيه القضاة والمحدِّثين للقول بخلق القرآن، وإلاّ رُدّت شهاداتهم، وأمر باشخاص جماعة منهم إليه، وكان يومها في الرقة.
أما السبب الذي قاد إلى أطروحة خلق القرآن هو أن بعض المثقفين والعلماء الذين لم يكونوا ميالين إلى السلطة السياسية، ولم يستطيعوا خوض نضال سياسي واجتماعي مكشوف مع السلطة خوفاً على استمرارية وجودهم في الحياة، لِمَا تميّز به الدور الاَموي من طابع قمعي استبدادي.
فقد انتحلوا مذهب الاعتزال الذي أخذ بدوره يطوّر الفلسفة الاِسلامية عن طريق علم الكلام الذي يغلب عليه الطابع السجالي العقلي الحر، واعتماده الجدل المنطقي، والقياس في مناقشة القضايا الكلامية. ثم كان من مقولاتهم: المنزلة بين المنزلتين، وحرية الاختيار (التفويض)، وأخيراً خلق القرآن.
وبوصول نوبة الخلافة إلى المأمون ودعمه مذهب الاعتزال، حدا به الموقف ( السياسي ـ العقيدي ) إلى اتّباع وسائل إدارية قسرية لفرض وإشاعة هذا المذهب ، حتى بلغ الاَمر أن أصدر مرسومه السلطاني ـ فيما بعد ـ بعدم تقليد منصب القضاء لغير معتنقي مذهب الاعتزال والقائلين بخلق القرآن .
هذه الاَطروحة الفكرية العقائدية التي كان يُراد منها تصفية بعض المناوئين للسلطة العباسية ، أضحت سياسة رسمية للدولة أيام حكم المأمون والمعتصم والواثق ، يُعاقَب من لم يقل بها ويتّخذها مبدأً له . وفعلاً فقد شكّل هذا المقطع الزمني (محنة) بالنسبة لغير ( فقهاء السلطان ) . فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة تحول الفكر والمعتقد إلى مؤسسة من مؤسسات السلطة التي أخذت تلوّح بعصا الايديولوجية؛ لسحق المعارضة السياسية، وضرب المعارضة الفكرية في آن واحد.
والتأريخ لم يحدثنا عن موقف للاِمام الجواد عليه السلام من هذه القضية التي كانت مثار جدل ونقاش سنين عديدة.
____________
(1) هناك نصّ نقله النجاشي في رجاله: 277 رقم 727. وشيخ الطائفة الطوسي في أماليه: 359 | 749 يشير إلى أنّ الاِمام الرضا عليه السلام كان في خراسان سنة (198 هـ)، حيث يروي أبو الحسن علي أخو دعبل الخزاعي أنّه ودعبل رحلا إلى الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام والتقياه في تلك السنة، وحدّثهما إملاءً في رجب من ذلك العام، وأقاما عنده إلى آخر سنة (200 هـ). ثم خرجا من عنده متوجهين صوب قم حيث أشار الاِمام عليه السلام إليهما أن يصيرا إليها وهما في طريق عودتهما إلى واسط، بعد أن خلع عليهما وزودهما وأعطاهما من الدراهم الرضوية ما يعينهما.
(2) مرآة الجنان | اليافعي 2: 80.
(3) تاريخ الطبري 7: 189 ـ 190.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مستشفى العتبة العباسية الميداني في سوريا يقدّم خدماته لنحو 1500 نازح لبناني يوميًا
|
|
|